البرلمان العربي.. مجلس بلا مشروعية يهاجم تركيا ويتجاهل جرائم إسرائيل
تمضي المؤسسات العربية التي تفتقد للشرعية الشعبية ولحق التمثيل الجماهيري، نحو فرض نفسها كممثل عن الشعوب، ومتحدث باسمها، دون أي التفات لطبيعة تكوينها، وتناقض أجنداتها، وعدم انسجام دعواتها.
من هذه المؤسسات، البرلمان العربي، الذي أقر في نهاية يونيو/حزيران 2020 إستراتيجية عربية موحدة ضد أنقرة للحد مما أسماه الأطماع التوسعية للجمهورية التركية في المنطقة العربية.
وحث البرلمان التابع لجامعة الدول العربية في اجتماع له لم يحظ بتغطية إعلامية واسعة، على الوقوف في وجه ما أسماه "التدخل العسكري المباشر في سوريا وليبيا، والانتهاك المستمر لسيادة العراق، وتكوين ودعم الميلشيات المسلحة وتزويدها بالأسلحة المتطورة في سوريا وليبيبا، ونقل الإرهابيين والمرتزقة إلى ليبيبا"، وفق تعبيره.
ونص قرار الاجتماع أن "تركيا تعمل على تغذية الصراع المسلح وإطالة أمده، بشكل يهدد المصالح العربية المجاورة، وتحتضن جماعات ومنابر إعلامية وقنوات فضائية، تهدف إلى إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في عدد من الدول العربية، بالإضافة إلى السيطرة على منابع وممرات ومصادر المياه التي تغذي سوريا، وتعريض أمنها المائي للمخاطر".
وتضمنت الإستراتيجية التي أقرها البرلمان، ما أسماه "الإجراءات والتدابير لإيقاف تدخلات النظام التركي في الشؤون العربية وأهمها الطلب من الأمم المتحدة سحب القوات التركية من سوريا وليبيا والعراق".
هذا بالإضافة إلى "إعداد مذكرة ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سياسات أنقرة العدائية وأطماعها التوسعية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية، وانتهاكها لقرارات مجلس الأمن الدولي"، وفق ما قال.
لا تمثل الشعوب
أثار ذلك الحدث تفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعي، وشهد سخرية من قبل كثيرين، تحت هاشتاج "البرلمان العربي لا يمثل العرب".
وركزت الحملة على عدم تمثيل تلك البرلمانات للشعوب العربية، حيث إن معظمها لم تكن منتخبة أصلا من قبل شعوبها، وبالتالي فهي يرى كثيرون أنها تعبر عن أجندة الأنظمة الحاكمة.
وقال رئيس حزب الأمة في الكويت حاكم المطيري، في تغريدة: "البرلمان العربي العبري الذي لم يسمع به أحد من قبل، يجتمع سرا دون علم أحد من العرب، ويقر بالإجماع باسم الشعوب العربية، التي لا يمثلها، ولم تنتخبه أصلا، وضع خطة لمواجهة تركيا، وليس لمواجهة المحتل الصهيوني وتحرير القدس".
#البرلمان_العربي العبري الذي لم يسمع به أحد من قبل!
— أ.د. حاكم المطيري (@DrHAKEM) June 28, 2020
يجتمع سرا دون علم أحد من العرب! ويقر بالإجماع باسم الشعوب العربية - التي لا يمثلها ولم تنتخبه أصلا - وضع خطة لمواجهة #تركيا وليس لمواجهة المحتل الصهيوني وتحرير #القدس!#البرلمان_العربي_لا_يمثل_العرب pic.twitter.com/UWxfwgDx9W
وفي حديث لـ"الاستقلال"، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي: إن "البرلمان العربي هو كيان كان يفترض أن يقدم نموذجا برلمانيا أو نواة برلمانية عربية، كان يمكن أن يشجع برلمانات لم تتحول بعد إلى برلمانات حقيقية تمثل شعوبها خصوصا في البلدان الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، لكنه اليوم يوظف بشكل قبيح، وبشكل سافر جدا، في تمرير أجندة الثورات المضادة والأنظمة الشمولية الديكتاتورية".
يضيف التميمي : "من المفارقات العجيبة أن مشعل السلمي رئيس البرلمان العربي، هو عضو مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية، الذي تم تعيين أعضائه من قبل الملك، ولا ينتخبون من قبل الشعب، ولا يمثلون الشعب".
ويأتي اجتماع البرلمان العربي، في الوقت الذي تمضي إسرائيل في خططها التوسعية، حيث أعلنت عزمها ضم 30 ٪ من أراضي الضفة الغربية وغور الأردن في يوليو/تموز 2020، وقد وضعت خطة لذلك، من غير أن يصدر عن الجامعة العربية أي إستراتيجيات توقف ذلك المخطط.
وتشير المادة الثامنة من النظام الأساسي له، أن البرلمان العربي قائم على فكرة التمثيل الشعبي للدول العربية، لكن المشكلة أنه قد ضم دولا لا تمتلك برلمانات أصلا، أو تمتلك برلمانات مسلوبة الصلاحية.
ومن ذلك، مجلس الشورى السعودي، الذي يعمد النظام إلى وصفه أحيانا بالبرلمان، للإيحاء بأنه يمثل الشعب، لكنه ليس منتخبا من قبل الشعب، حيث ينص نظامه الأساسي على أنه يتكون من رئيس و150 عضوا، وكلهم يختارهم الملك.
ومثل ذلك الإمارات، فهي تتصدر “المجلس الوطني الاتحادي” كجهة تشريعية، ومن أجل إضفاء ما يشبه الشرعية الشعبية عليه، نص النظام الأساسي للمجلس على تعيين نصف أعضائه من قبل حكام الإمارات، والنصف الآخر من قبل هيئات انتخابية.
انحراف الأجندة
وبالعودة للبرلمان العربي، فهو يتكون من هذه المجالس المتجانسة معه من ناحية العضوية وطبيعة الأجندة، فرئيس هذا البرلمان (منذ 10 ديسمبر/كانون الأول 2016 حتى الآن)، هو عضو في مجلس الشورى السعودي مشعل بن فهم السلمي.
ويقول ياسين التميمي: إننا "لا نستغرب أن ينحرف البرلمان باتجاه تبني أجندات خاصة بالأنظمة الديكتاتورية في المنطقة ودول الثورات المضادات، وفي مقدمتها السعودية والإمارات ومصر، عندما يتم تبني إستراتيجية لمواجهة ما يوصف بالتوسع التركي، في مقابل تجاهل القضية الخطيرة جدا، الذي تحدث عنها العالم بأكمله، وهي المحاولات الصهيونية لضم أجزاء من الضفة الغربية".
وأضاف: "في هذه القضية لم نسمع من البرلمان العربي تهديدات أو يتبنى إستراتيجيات بشأنها، كما هو الحال في جلسته الأخيرة التي تتحدث عن التهديد التركي".
وتابع: أن "مثل هذا البرلمان وغيره باتت أوراقا سياسية مستهلكة، تستخدم في الوقت الضائع، ولغايات ليس لها علاقة بمصالح الأمة العربية، بقدر ما تتعلق بالمصالح التكتيكية للأنظمة المهيمنة على مؤسسات الجامعة العربية، وعلى المؤسسات المتفرعة عنها، ومن ضمنها البرلمان العربي".
وغاب البرلمان العربي المنبثق عن الجامعة عن ممارسة أي دور إيجابي لصالح الشعوب العربية، وكشف في ذات الوقت عن هوة واسعة بينه وبين إرادة الشعوب وطموحها وتطلعاتها إلى الأمن والاستقرار.
وبحسب مراقبين، فإن الطبيعة السلبية الذي اتسم بها البرلمان العربي، تنسجم مع الدور الذي تقوم به الجامعة العربية منذ تأسيسها قبل 75 عاما، وهو دور شرعنت، من خلاله التدخلات في المنطقة العربية، وحالت دون استقرار الشعوب.
في تقرير لمجلة الإيكونومست البريطانية يتناول دور الجامعة العربية قال: "مع اشتعال الأوضاع في سوريا وليبيا وتحدي إيران للخليج للتمكن من المنطقة، وتراجع أميركا عن دورها بوصفها الضامن النهائي للاستقرار، كان يجب أن يكون كل هذا فرصة لجامعة الدول العربية لإثبات ذاتها".
تضيف الصحيفة: "وبدلا من ذلك، يبدو أن هذا الكيان ينجرف بشكل أعمق، وأكثر من أي وقت مضى، إلى حالة من الضياع وفقدان الأهمية والمعنى، ومفهومها للتجديد أن يُستبدل أمينها العام الثمانيني بعجوز سبعيني، في تغيير فارغ بلا قيمة".
تسرد المجلة بعض الدلائل لإثبات موت الجامعة وفكرتها القومية، وذكرت كمثال على ذلك، دعوة القوى الأوروبية لترتيب الفوضى في البلاد العربية وفي ليبيا على وجه التحديد.
وتضيف المجلة: "علت الأصوات التي تطالب القوى الغربية بإرسال طائرات حربية، كما رفض المغرب استضافة قمة ميتة في مارس/آذار 2016، ولعل الاستخدام الحقيقي الوحيد الذي تصلح له جامعة الدول العربية في هذه الأيام أن تتحول إلى دار للسياسيين المتقاعدين في مصر".
المصادر
- إقرار البرلمان العربي لاستراتيجية ضد تركيا وإيران يثير تفاعلا.. إليكم ما هي
- الحياة البرلمانية في الإمارات
- Parliaments in the Gulf Monarchies: A Long Way from Democracy
- البرلمان الإماراتي .. مراحل تأسيسه وإجراءاته الانتخابية
- كيف نشأ البرلمان العربي ؟
- مواد النظام الأساسي للبرلمان العربي
- النظام الداخلي للبرلمان العربي
- البرلمانات العربية الحاضرة والتمثيل الغائب
- هل تعرف دول الخليج العربية برلمانات حقيقية؟
- هل يتحول مجلس الشورى السعودي إلى برلمان منتخب؟
- النظام الأساسي لمجلس الشورى السعودي