مجلة أميركية: هكذا ساهم كورونا في تصاعد الغضب ضد العنصرية

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة أميركية: إن تفشي فيروس كورونا، ساعد في عملية التضامن مع قتل الأميركي من أصل إفريقي جورج فلويد، وساهم في تصاعد التظاهرات ضد العنصرية في الولايات المتحدة.

وقتل فلويد في 25 مايو/أيار 2020، خلال تفتيش للشرطة في مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية، بعدما ضغط رجل شرطة بركبته على عنقه قرابة تسع دقائق وهو مثبت على الأرض.

وأوضحت مجلة فورين أفيرز أن تأثير جائحة كوفيد 19 على مجتمعات الأقليات، والخسائر الفظيعة التي خلفها الوباء في أرواح السود والحقائق التي  اتضحت عن التفاوتات الممتدة مثل وحشية الشرطة وقمع الناخبين ونظام العدالة الجنائية التمييزي، ساهم في عملية التضامن.

وأضافت في تقرير للكاتبة بريندا جاري بلامر أستاذة التاريخ والمتخصصة في شؤون الأميركيين الأفارقة وتاريخ العلاقات الدولية: أن "المطالبات بالحقوق المدنية لا تقتصر فقط على أمة بعينها، وإنما يمتد أثرها لتطال العالم بأسره"، مبينة أن التحركات الخارجية تساعد المطالبين بحقوقهم في بلد ما على تقوية مطالبهم واستمراريتها.

وأشارت الكاتبة إلى أن العالم بأسره شاهد مقتل جورج فلويد وصدم بالقسوة المفرطة والوحشية التي تعامل بها ضابط الشرطة، حيث لم يرحم توسلاته بأنه لا يستطيع التنفس.

وأكدت أن "جرائم قتل السود في الولايات المتحدة على أيدي ضباط إنفاذ القانون شائعة، وبفضل إمكانية الوصول للعالمية عبر الهواتف الذكية التي تدعم نشر الفيديو والوسائط الاجتماعية، يتم توثيقها بشكل جيد وبوتيرة متزايدة".

ففي السنوات الأخيرة، ظهرت مقاطع فيديو تسجل عمليات القتل هذه وأشكال أخرى من عنف الشرطة ضد الأميركيين الأفارقة، حتى أصبح الغضب والحزن ودعوات التغيير في تصاعد، كما أن الإدانة العالمية للعنف العنصري من قبل سلطات إنفاذ القانون الأميركية ليست جديدة أيضا.

لكن النطاق الاستثنائي واتساع رد الفعل على وفاة فلويد - التي أشعلت أسابيع من الاحتجاجات الجماهيرية في 60 دولة على الأقل، والتي دفعت مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى عقد جلسة خاصة تركز على العنصرية النظامية في الولايات المتحدة - تمثل تغييرا جذريا في المشهد.

قرنان من النضال

وتستدرك الكاتبة: "التحليل الذي يتناول الفترة الأخيرة فقط ويربط بين التضامن وكورونا، قد يغفل عن ما يقرب من قرنين من النشاط والحركة والنضال للأميركيين من أصل إفريقي".

بدأ النشاط الدولي للأميركيين الأفارقة في أوائل القرن التاسع عشر، عندما سعى السود الذين هربوا من قسوة العبودية للحصول على دعم من الذين ألغوا عقوبة الإعدام في الخارج في منتصف الأربعينيات من القرن التاسع عشر.

وقتها، أجرى فريدريك دوجلاس جولة في المملكة المتحدة لمدة 19 شهرا، وصاغ العلاقات مع القادة الإنجليز والأيرلنديين الذين عارضوا العبودية البشرية في الولايات المتحدة وجمعوا الأموال التي ستساعده لاحقا في إطلاق صحيفة ذات تأثير كبير على إلغاء عقوبة الإعدام، The North Star.

في العقود التي تلت الحرب الأهلية، عندما تعرض الأشخاص الذين جرى تحريرهم حديثا لمواجهة الحرمان الاقتصادي والإرهاب السياسي، سعى القادة الأميركيون الأفارقة مرة أخرى إلى كسب حلفاء في الخارج.

في المملكة المتحدة، وجدت الصحفية السوداء الرائدة Ida B. Wells جمهورا متقبلا لحملتها في حقبة 1890 ضد التهديد بالإعدام، والمنتشر في كل مكان.

وكتبت الصحفية وقتها أن الدعم البريطاني للأميركيين من أصل إفريقي كان مفيدا بشكل خاص، لأن الأميركيين البيض اعتبروا المملكة المتحدة متفوقة أخلاقيا وثقافيا.

ففي الوقت الذي تجاهل فيه الصحفيون الأميركيون والقادة الدينيون إلى حد كبير الإعدام الوحشي، فإن النقد البريطاني سيكون من المستحيل عليهم تجاهله. وهذا ساعد الناشطين البريطانيين الذين تم حشدهم في توليد الزخم المبكر للحملة وأحرجوا القادة الأميركيين من خلال مطالبتهم بإدانة علنية للعنف.

مع تماسك الإمبراطوريات الأوروبية في أوائل القرن العشرين، انضم الأميركيون من أصل إفريقي إلى نظرائهم الإفريقيين والكاريبيين في سلسلة من المؤتمرات الإفريقية بهدف إصلاح المؤسسات الاستعمارية التي تأسست على الهيمنة العرقية، مع وضع إستراتيجيات لمقاومة العنصرية.

على الرغم من هذه الجهود، تلقى السود ضربة في عام 1919، عندما رفض الرئيس الأميركي وودرو ويلسون وغيره من القادة الغربيين اقتراح اليابان بإدراج بند المساواة العرقية في ميثاق عصبة الأمم، إلا أن النضال ضد العنصرية صار أكثر تأثيرا، باعتبار أنه قد امتلك قاعدة عالمية واسعة النطاق.

محاولات للنهوض

من جهة أخرى، تشكلت الأمم المتحدة في عام 1945 أخيرا، وأعطت الحكومة الأميركية الجمعية الوطنية للنهوض بالأشخاص الملونين (غير البيض) والمجلس الوطني للنساء السود أدوارا احتفالية كمراقبين في المؤتمر التأسيسي، على أمل تشجيع الدعم المحلي للمؤسسة الجديدة.

ومع ذلك، شعرت واشنطن بالاستياء عندما تقدمت NAACP (الجمعية الوطنية للنهوض بالأشخاص الملونين)، في عام 1947 ، بعريضة من 96 صفحة إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، طالبة منها التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأميركيين الأفارقة في الولايات المتحدة، وبدأت الوثيقة بإدانة واضحة لـ"النفاق الأميركي".

وكتب دو بوا (ناشط أسود) يقول: "أمة أعلنت بجرأة أن جميع الرجال خلقوا متساوين، وشرعت في بناء اقتصادها على العبودية (..) أبدت الهند والاتحاد السوفييتي اهتماما بتلك العريضة، وأدرك المسؤولون الأميركيون الأكثر تبصرا أن النقاد والخصوم يمكن أن يزيدوا من الضريبة السياسية لمشكلة عرقية لم يعد من الممكن تجاهلها".

خلال فترة الحرب الباردة المبكرة، في العقد والنصف بعد نداء NAACP التاريخي لعام 1947 للرأي العام العالمي، أعربت العديد من الحكومات والمؤسسات الدولية عن رفضها الشديد للعنصرية المؤسسية في الولايات المتحدة وقلقها العميق بشأن العنف ضد السود الذي رافق جهود التكامل المبكر.

تلاشى الانتقاد العالمي للعنصرية المؤسسية ضد الأميركية من أصل إفريقي بعد إقرار قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965، واستعرض المسؤولون الأميركيون في عصر الحرب الباردة نقاط الحوار المشتركة حول العرق مع المحاورين الأجانب المعنيين، وأكدوا أنه تم حصار العنصرية في الحياة الأميركية، وأنها استمرت في الغالب في ظلام الممارسات غير المعلنة، وأنها في الواقع على حافة الاختفاء. 

وتقول فورين أفيرز: "يواصل المسؤولون الأميركيون تكرار هذه التراهات، على الرغم من حقيقة أن العنصرية لم تختف أبدا"، متسائلة عما إذا كانت الولايات المتحدة ستسعى إلى تحقيق العدالة العرقية بشكل حقيقي من دون التهديد بالإحراج على المسرح الدولي، والضغط الذي يمارسه الخصوم العالميون الأقوياء.

وأشارت الكاتبة إلى أن ردود الفعل العالمية على مقتل فلويد لم تكن مجرد ردود على حدث واحد، حيث عرف العالم بالفعل عن العنصرية المضادة للسود في الولايات المتحدة، مبينة أن القمع الذي يؤثر بشكل غير متناسب على الأشخاص الملونين، ليس له مثيل في الديمقراطيات الأخرى.

وذكرت المجلة: "بما كانت تفاصيل مقتل فلويد، التي حدثت على خلفية الوباء، هي لحظة كسر الصمت واندلاع حركة الاحتجاج العالمية، لكن ذلك كله هو جزء فقط من القصة، حيث أن التضامن الدولي مع نضال الأميركيين الأفارقة من أجل الحقوق المدنية لا يأتي من خلال نوع من المشاعر التلقائية، لكن ذلك تراكم عبر قرون من نشاط السود في الخارج، والقلق الدولي من انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة".

وختمت: "لقد استند الرد الدولي على مقتل فلويد إلى الفهم العميق والقلق بشأن الظروف التي يعاني منها السود الذين يعيشون في الولايات المتحدة - وهي المعلومات التي ينشرها المثقفون الأميركيون من أصل إفريقي في الخارج لأجيال".

وقالت: "إذا كان الملايين من المتظاهرين في جميع أنحاء العالم يتحركون بحماس شديد، فإن تكثيف الضغط من المجتمع الدولي في أعقاب وفاة فلويد، ساعد على إثارة قضية العنصرية في الولايات المتحدة، كما أن جهود الناشطين السود قد تكون في النهاية وسيلة للحصول على الاعتراف الذي يستحقونه".