حرب الذاكرة.. لماذا أزالت الرياض اسم سليمان القانوني من أحد شوارعها؟

12

طباعة

مشاركة

استنكر رواد موقع "تويتر" إزالة السلطات السعودية لافتة تحمل اسم "السلطان سليمان القانوني" عاشر السلاطين العثمانيين وخليفة المسلمين الثمانين، من أحد شوارع العاصمة الرياض، في ظل تصاعد التوتر بالعلاقات بين السعودية وتركيا.

وصنف ناشطون عبر مشاركتهم في وسم #سليمان_القانوني، خطوة الرياض بأنها "فجور في الخصومة ومكايدة سياسية وتصرفات طفولية"، مستهجنين محاولات السعودية "تشويه صورة سليمان القانوني وتزوير التاريخ واتهامه بسرقة أجزاء من الحجر الأسود ونقلها لبلاده".

واستهجنوا إطلاق السلطات السعودية للذباب الإلكتروني لكيل الاتهامات للسلطان سليمان وتشويه صورته، مؤكدين أن "إزالة اسمه من شارع في الرياض لن تغير من مكانته وتاريخه، وإنما يسيء للمملكة ويكشف تلاعبها برمزية الأشخاص ومكانتهم حسب أهوائها السياسية".

وتحدث ناشطون عن مساعي النظام السعودي لسلخ المجتمع عن دينه وتاريخه وعروبته، وشن الحملات للتجاوز على الشخصيات الإسلامية التاريخية والمعاصرة، مؤكدين أن ما يحدث هو تنفيذ لأجندة سياسية لتغيير هوية المتجمع وتجهيله.

سليمان وسلمان

وعدد ناشطون فتوحات السلطان سليمان وتحدثوا عن تاريخه في مقابل ما حققه آل سعود منذ توليهم حكم المملكة وحتى الآن، وإخفاقات محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.

وقال أستاذ الأخلاق السياسية في جامعة قطر محمد المختار الشنقيطي: "شتان ما بين العهد السليماني الذي عز فيه المسلمون، والعهد السلماني الذي أصبحت فيه بلاد الحرمين نهبا لسفهاء يحاربون المسلمين حتى في ذاكرتهم التاريخية".

وأضاف: "أزالوا لافتة تحمل اسم السلطان #سليمان_القانوني فهل يجرؤون على إزالة #المحراب_السليماني من المسجد النبوي؟".

وأوضحت الكاتبة القطرية ابتسام آل سعد  أن "#سليمان_القانوني من أوائل السلاطين العثمانيين الذي أُطلق عليهم لقب خادم الحرمين الشريفين حيث خدموا الأراضي المقدسة وساووا بين السلطان والرعية فيها ولم تُترك مثل الآن لـ#مبس (محمد بن سلمان) ليوقف طوافا ويعتلي الكعبة ويدخلها مدججا بالسلاح بينما صهيوني يسرح ويمرح في المسجد النبوي دون عقاب".

وكتبت الناشطة السياسية والحقوقية علياء أبوتايه الحويطي: "تخيلوا لقب القانوني لم يطلقه عليه حلفاؤه، بل أعداؤه، لعدالته ونزاهته وقوته، تاريخه أكبر من تغريدة، ويأتي أطفال البوبجي يظنون التاريخ بلايستيشن يغيرونه، هل أنتم هُبل.. ضحك العالم من جهلكم، وانتصارتكم الوهمية فقط بالهاشتاقات البذيئة، والكرتون !فضحتونا".

"كيد نساء"

وتعددت تفسيرات الناشطين لموقف النظام السعودي، حيث رأى محسن اليزيدي أن "إزالة اسم السلطان المجاهد الشهيد #سليمان_القانوني من شوارع الرياض مغازلة للغرب المسيحي وإعلان تأسيس دولة القرامطة في نجد".

ورآها آخرون "تصرفات طفولية وكيد نساء"، إذ قال الصحفي جمال الدين الشيال: "تخيل مدى الطفولية والتفاهة... لما مستشارك الأساسي لاعب بلي ستايشن فاشل وإنجازاتك عبارة عن :حرب فاشلة دمرت اليمن، انهيار الاقتصاد السعودي، سجن النساء وعلماء الدين، ذبح #خاشقجي، وربما الإنجاز الأهم فتح البلاد لحفلات موسيقية، ثم تأتي وتكتب #المجرم_سليمان_القانوني".

ولفت الصحفي السعودي المعارض تركي الشلهوب إلى أن ابن سلمان يدير الخلافات السياسية وفق إستراتيجية "كيد النساء" قائلا: "الحكومة السعودية لم تكتشف أن سليمان القانوني (مجرم) إلا بعد توتر العلاقات مع الحكومة التركية أما قبل ذلك، فقد كانت تمجِده، وتُطلق اسمه على أحد شوارع الرياض".

تشويه التاريخ

واستنكر ناشطون تعمد قلب الأمور وتغيير مسمياتها والفجور في الخصومة والتشويه المتعمد للتاريخ، مؤكدين أن عبث النظام السعودي بالرموز التاريخية والدينية والعلمية يسيء للمملكة.

وشدد الكاتب والباحث السياسي العراقي الدكتور لقاء مكي على أن من حق أي بلد اختيار أسماء شوارعه ومدنه، مستطردا: "لكن نظام الحكم السعودي لم يتغير حتى تتغير قناعاته".

وأضاف: "#سليمان_القانوني هو ذاته منذ 500 سنة، فما الذي استجد في معرفة الرياض بهذا السلطان ليصبح منبوذا بعد أن كان عظيما"، محذرا من أن التلاعب بالرمزيات التاريخية يسيء للدولة وشكلها ولا يضيف لها شيئا.

وتعجب محمد اليحيا من "الموازين المقلوبة مؤخرا والترويج إلى أن فتح القسطنطينية احتلال، والخلافة العثمانية احتلال عثماني، وإزالة اسم الخليفة المسلم #سليمان_القانوني من الطرقات دون مبرر منطقي. وجزم بأن "الخلافات السياسية ليست مبررا لمحو تاريخ الأمة العظيم وجعلها أمة مهزومة بلا حاضر ولا ماضي".

وأكد العميد السابق في جهاز المخابرات القطرية شاهين السليطي، أن إزالة لوحة وتسمية من شارع لا تمحي التاريخ، وسوف يظل التاريخ الإسلامي يذكر في قائمة الشرف السلطان #سليمان_القانوني وخدمته للإسلام، وسيذكر التاريخ خذلان وخسة سلمان الغدار الذي حارب الإسلام وسجن العلماء بأمر من التافه #شيطان_أبوظبي –في إشارة إلى محمد بن زايد-.

وتساءل الداعية والباحث الإسلامي العراقي فاروق الظفيري: "لمصلحة من هذا الذي تفعلوه؟ أليس منكم رجل رشيد؟"، لافتا إلى قيادة الذباب الإلكتروني حملة تشويه قذرة ضد السلطان المجاهد سليمان القانوني تحت وسم #المجرم_سليمان_القانوني.

وأضاف قائلا: "شلت أيديكم يامن تطعنون برموز الأمة وتفرقون بين أبنائها ليهنأ بكم بنو صفيون وصهيون".

فضائل السلطان

واستهجن ناشطون تشويه الذباب الإلكتروني لصورة السلطان سليمان القانوني، محولين الوسوم المسيئة له لوسوم تذكر بتاريخه وتعدد فتوحاته. ورأى أحمد القوبري أن وسم #المجرم_سليمان_القانوني فرصة لتذكير الناس بفضائل هذا المجاهد البطل، قائلا: "إذا  أراد  الله  نشر  فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود".

وكتبت نجوى تغريدات تعريفية بسليمان القانوني، موضحة أنه مجاهد قل نظيره في تاريخ الإسلام، فتح البلاد وعمرها، نشر الإسلام وذاد عنه، نشر العدل وسن القوانين، يسميه الغرب سليمان العظيم، يعتبره كثير من المؤرخين أعظم ملك عرفته البشرية في تاريخ الأرض.

وبينت أنه ضم إلى ملكه أعظم عواصم القارات الثلاث آسيا، إفريقيا، وأوروبا، فضم إلى الخلافة الإسلامية "أثينا، بلغراد، بودابست، بوخارست، القاهرة، تونس، الجزائر، مكة والمدينة، القدس، دمشق، بيروت، إسطنبول، تبريز، بغداد، صوفيا ورودس، وغيرها من عواصم الأرض"، مشيرة إلى قول المؤرخ الألماني الشهير هالمر عنه: "كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه".

وكتب عبدالعزيز العنزي: "من إنجازات سليمان القانوني أنه حافظ على الجزيرة العربية والعراق من التمدد الصفوي الطائفي الذي يقتل كل من لم يكن على مذهبه، حتى أن مؤسس الدولة الصفوية إسماعيل شاه قتل أمه التي تختلف عنه مذهبيا، لولا الله ثم #سليمان_القانوني لما كنت على مذهبك الآن الذي تستخدمه لتكفيره مع الأسف".

تشهد العلاقات السعودية التركية تدهورا متصاعدا منذ الانقلاب العسكري في مصر 3 يوليو/تموز 2013، الذي دعمته الرياض لاعتبارها جماعة الإخوان المسلمين كيانا إرهابيا، فيما أدانت تركيا الانقلاب ورفضت تطبيع العلاقة مع نظام عبد الفتاح السيسي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 نجحت الرياض في حملتها ضد مساعي أنقرة للحصول على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بسبب معارضة السعودية للموقف التركي الداعم للإخوان المسلمين.

في يونيو/حزيران 2017، وقعت الأزمة الدبلوماسية مع قطر وفرضت السعودية والبحرين والإمارات ومصر حصارا عليها، لكن تركيا رفضت الحصار وقدمت الدعم للدوحة ولا تزال تحافظ على علاقتها معها.

وزادت حدة الخلافات بين تركيا والسعودية في 2018، حيث أشار لها ولي العهد السعودي بأنها جزء من مثلث الشر إلى جانب إيران والإخوان المسلمين، وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته كشفت تركيا عن قتل السعودية للصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

يذكر أن سليمان القانوني عاشر السلاطين العثمانيين وخليفة المسلمين الثمانين، وثاني من حمل لقب "أمير المؤمنين" من آل عثمان. بلغت الدولة الإسلامية في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت.

"القانوني" هو صاحب أطول فترة حكم من 6 نوفمبر 1520م حتى وفاته في 7 سبتمبر سنة 1566م خلفا لأبيه السلطان سليم خان الأول وخلفه ابنه السلطان سليم الثاني، وعرف عند الغرب باسم سليمان العظيم، وفي الشرق باسم سليمان القانوني لإصلاحاته النظام القضائي.