تعاون مشبوه.. هكذا تمول الإمارات مليشيات إيران في العراق

12

طباعة

مشاركة

رغم حديث الإمارات الناعم عن العراق في مناسبات عدة، ووعودها الكثيرة والمتكررة بتقديم الدعم والمساعدة له، فإن دورها السلبي تصاعد في الساحة العراقية بشكل ملفت، سيما تورطها في ملف تهريب النفط.

ويُعد تهريب النفط ومشتقاته من العراق إحدى أبرز العقبات التي تواجه البلاد التي لم تكد تلتقط أنفاسها من الحرب الطويلة مع تنظيم الدولة، فضلا عن انغماسها في أزمات مالية وسياسية خانقة.

لذا كان هذا الملف وما يزال حاضرا وبقوة في الاحتجاجات المناهضة لتفشي الفساد في البلاد. وقطع المحتجون، مرات عدة، الطرق المؤدية إلى موانئ التصدير والحقول النفطية في جنوبي العراق، استنكارا لعمليات تهريب النفط غير المشروعة.

فعمليات التهريب تلك تعتبر بابا كبيرا من أبواب الفساد المتفشي في بلاد الرافدين، ويفقد بسببه البلد مليارات الدولارات سنويا، حتى أصبح ظاهرة ملفتة للنظر أشارت إليها تقارير دولية واستخبارية عديدة، فيما تواصل الحكومة تسترها على هذه العمليات التي تستنزف الاقتصاد.

فكيف يجري نهب النفط العراقي وتهريبه إلى الخارج؟ ومن هي الجهات النافذة التي تقف وراء هذه العمليات؟ وأين تذهب عوائد التصدير غير المشروع؟ وما علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الملف الخطير؟

مليشيات متنفذة

في فبراير/شباط 2020، كشف تحقيق نشره مركز أبحاث “مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية” في وست بوينت بنيويورك، أن المليشيات العراقية التي يدعمها النظام الحاكم في إيران وصلت إلى أوج قوتها وجبروتها. 

فهذه المليشيات لم تتمكن من السيطرة على عمليات اختيار الوزراء والقادة الأمنيين وكبار المسؤولين وحسب، بل وعلى الشؤون التجارية في العراق، وعمليات التهريب غير المشروعة، فضلا عن تحويل مبالغ العديد من المشاريع الاقتصادية الرئيسية إلى حساباتها.

كما سيطرت المليشيات على حقول نفطية صغيرة في مناطق “سنيّة” مثل “علاس والقيارة ونجمة”، واستفادت من شركات نقل وإمداد وشحن يسيطر عليها متنفذون في محافظة البصرة جنوبي البلاد، لتهريب النفط المسروق من هذه الحقول.

وبات هذا الملف المتعاظم تحديا كبيرا أمام الحكومات، بسبب ما يتكبده العراق يوميا من خسائر كبيرة، جراء تهريب النفط الخام أو مشتقاته، منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، وحتى الآن.

فالعراق يعتمد في رفد موازنته المالية على النفط بنسبة تتجاوز 90%، وبذلك يكون المصدر الرئيسي لتمويل الدولة العراقية، وسط تراجع كبير في بقية القطاعات.

وتبلغ موازنة العام الجاري 2020 نحو 162 تريليون دينار (135 مليار دولار)، بعجز مالي يقدر بنحو 48 تريليون دينار (40 مليار دولار)، منها ثلاثة تريليونات دينار (2.5 مليار دولار) لتنفيذ المشاريع المتفق عليها مع الصين.

تورط إماراتي

في 25 أغسطس/آب 2018، نقلت صحيفة “العربي الجديد” عن وزير عراقي بارز -رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية-، أن عمليات تهريب النفط تتم عبر مياه الخليج العربي، وتذهب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. 

وأكد الوزير أن جهات إماراتية عديدة، بينها شيوخ معروفون في أبوظبي والفجيرة والشارقة ورأس الخيمة، متورطون في عمليات التهريب، التي تكبد العراق بسببها خسائر فادحة.

ولفت إلى أن هذه الجهات تتعامل مع شبكات ومافيات نفط عراقية، معظمها مرتبطة بمليشيات سبق لأبوظبي أن أدرجتها على لائحة الإرهاب، مثل كتائب حزب الله والنجباء وبدر والعصائب. وأحزاب أبرزها الفضيلة والمجلس الأعلى، والدعوة، والتيار الصدري.

وختم الوزير حديثه بالإشارة إلى أن النفط العراقي المهرب يذهب معظمه إلى الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة، فيما يتم إيداع الأموال المُستحصَلة من التهريب في بنوك إماراتية.

وتشير التقديرات إلى أنه يجري يوميا تهريب ما بين 200 و300 ألف برميل نفط من محافظة البصرة إلى الموانئ الإماراتية، وتباع بأسعار زهيدة.

بدوره، أوضح القاضي والنائب البرلماني السابق، وائل عبد اللطيف، أنه في العادة تصل باخرة نفط وتستقر خارج المياه الإقليمية العراقية، وتبقى بين 3 أيام وأسبوع.

فيما ينقل المهربون ما لديهم من نفط إلى الباخرة عبر سفن صغيرة تتراوح حمولتها بين 10 إلى 20 طنا، وبعد امتلاء الباخرة بالنفط، تقوم بنقله بنماذج خروج حصلت عليها مسبقا.

وبذلك تتحول صفة هذا النفط من “مجهول النسب” أو “غير شرعي”، كما هي المصطلحات المتداولة في عالم تهريب النفط، إلى “نفط شرعي” يمكن له المرور عبر مياه الخليج العربي، بحسب تأكيد القاضي عبد اللطيف.

تأكيد أميركي

وتوصلت المخابرات الأميركية في  أبريل/نيسان 2019، إلى أن 56 جهة عراقية تتغذى ماليا على عمليات التهريب التي تُقدَّر بنحو 4 مليارات دولار سنويا. 

وبحسب مصادر بوزارة الداخلية العراقية، فإن الجانب الأميركي وفّر معلومات تفصيلية لرئيسَي الحكومة السابقَين، حيدر العبادي، وعادل عبدالمهدي، عن حجم عمليات التهريب، والجهات المستفيدة منها.

وتشير المعلومات الأميركية إلى أن 10 أحزاب سياسية مشاركة في الحكومة متورطة بعمليات التهريب، عن طريق موظفين في الدرجات العليا، هي من عينتهم في مناصبهم، ويدينون لها بالولاء، في وزارات عدة، أبرزها النفط والداخلية والجمارك.

فيما تسهم 40 مليشيا مسلحة في عمليات التهريب، من خلال مناطق نفوذها وباستخدام أساليب مختلفة. وتمول هذه المليشيات أنشطتها من خلال ملايين الدولارات من العائدات اليومية.

الخبير الاقتصادي العراقي، حسن الشيخ زيني، كشف أن ما يقارب من 1.5 مليون برميل نفط يتم تهريبه يوميا، مؤكدا أن خسائر البلد من جراء ذلك تقدر بأكثر من 20 مليار دولار سنويا، تذهب إلى جيوب المهربين والمتسترين عليهم.

وأكد الشيخ “زيني” في تصريحات تلفزيونية نهاية عام 2019 أن بعض الآبار النفطية أصبحت خارج نطاق سيطرة الحكومة العراقية، مشيرا إلى أن إعادة هذه الآبار لسيطرة الدولة، ووقف عمليات التهريب، يمكنها سد العجز في الموازنة العراقية.

عقوبات اقتصادية

ويؤكد مراقبون أن الأموال التي تحصلها المليشيات العراقية سواء من عمليات تهريب النفط، أو هيمنتها على كثير من المشاريع الاقتصادية في البلاد، يذهب معظمها إلى طهران التي تسيطر على هذه المليشيات عسكريا وعقائديا.

وفي تقرير لمجلة "واشنطن إكزامينر”، نشرته في 8 فبراير/ شباط 2020، رأى الكاتب مايكل روبن، أن هذه المليشيات تستخدم نفوذها داخل مؤسسات الدولة العراقية، لتقديم الدعم للنظام الإيراني، الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة العقوبات المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة.

وبهدف الحد من عمليات التهريب، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أكثر من مرة، فرض عقوبات على شخصيات وكيانات عراقية وأجنبية مرتبطة بالنظام الإيراني، كان آخرها في مارس/آذار 2020.

واتهمت الوزارة تلك الشخصيات والكيانات بتقديم المساعدات للمليشيات المدعومة من إيران في العراق، مثل كتائب “حزب الله”، وتهريب النفط عبر ميناء أم قصر العراقي، إضافة إلى عمليات غسل أموال من خلال شركات عراقية عملت كواجهة لطهران.

في معرض حديثه عن سياسة أبوظبي وتوجهاتها في العراق، وصف المتحدث السابق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء عبد الكريم خلف، الدور الإماراتي في العراق بأنه "عملية تخريب ممنهجة ومنظمة”. 

ولفت خلف بتصريح له في ديسمبر/كانون الثاني 2018، إلى أنه ترأس وفدا أمنيا عراقيا عام 2009 زار أبوظبي وأبلغهم بكافة التفاصيل، لكنهم لم يتحركوا لمنع هذه العمليات المخالفة للقانون، والتي يتضرر الاقتصاد العراقي بسببها.

وبحسب اللواء فإن عمليات واسعة لتبييض الأموال العراقية تجري في دبي ومدن إماراتية أخرى، عن طريق شراء عقارات باهظة الثمن، خاصة في مشاريع عملاقة، يحتفظ عراقيون متهمون بالفساد فيها بأسهم وحصص كبيرة، مثل مشروع النخلة، وغيره.