بعد كورونا.. مظاهرات أميركا قد تصيب اقتصاد العالم في مقتل
يشتد النقاش الدولي حول تأثير المظاهرات الداعمة للسود في الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، وأيضا على حظوظ دونالد ترامب، الرئيس الحالي الذي يصفه كثيرون بالعنصري، في الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وتعيش الولايات المتحدة هذه الأيام حوادث شغب ونهب وسرقة واحتجاجات، منذ أن قتلت الشرطة جورج فلويد الأميركي من أصل إفريقي أثناء اعتقاله في 25 مايو/أيار 2020 في ولاية مينيسوتا.
وبعد امتداد التظاهرات إلى جميع المدن وانتشار الجنود في الشوارع، أعلن عن حظر التجول في 25 مدينة أميركية، في الوقت الذي تمنعت فيه واشنطن الإعلان عن ذلك في ذروة تفشي فيروس كورونا. وحاليا باتت الحشود المتسترة خلف الأقنعة والكمامات الطبية الواقية تقتحم المتاجر والدكاكين وتنهب خيراتها.
وقال الكاتب مليح التينوك في مقالة نشرتها صحيفة صباح التركية: إن "البعض يرى أن هذه الفوضى ستكون في صالح الرئيس ترامب في الانتخابات، فيما يجادل آخرون بأن هذا يعني بداية النهاية في الولايات المتحدة".
أما أولئك الذين يقولون إن سقوط ترامب يضع نهاية للولايات المتحدة، يعتقدون أيضا أن منافسه جو بايدن الذي سيحل محله، سيعمل من أجل السلام العالمي.
ويتابع الكاتب: "الولايات المتحدة التي ترسل الطائرات إلى الجو والفضاء، ولديها أمل في إنتاج لقاح ضد كورونا، لن يظن أحد أنها ستتخلى ببساطة هكذا عن العالم التي تقول بأنها الدولة رقم 1 فيه، وعليه فالكل يعرف أن ترامب لا يمكن أن يتنازل بسهولة مهما يكن خصمه، ولكن هل ثمة فرصة لاستبداله في اللحظة الأخيرة؟".
التقاط الأنفاس
أما يوسف كابلان الكاتب في يني شفق، فيرى أن مقتل الأميركي الأسود أوقف البلاد على أقدامها، حيث في الوقت الحالي، في بعض الولايات والمدن ذات الكثافة السكانية العالية، خاصة في مينيابوليس ولوس أنجلوس، خرج الناس إلى الشوارع دون التمييز بين أبيض وأسود أو الاهتمام بالفيروس.
ويرى أنه "لو أن أميركا سقطت سيكون هناك مجال لأن يلتقط العالم أنفاسه، قد لا يكون ذلك في الوقت القريب لكنه سيحدث بلا شك، فمن الواضح أن هذه التجربة الوثنية التي قدمتها الولايات المتحدة وصلت لذروتها وستبدأ رحلة الانهيار الآن كما حدث في حقبة الإمبراطور الروماني الإسكندر الأكبر وبات شيئا من التاريخ".
وأردف: "عندما تصل الحضارة إلى الذورة تكون دائما متقدة الغضب وخارجة عن السيطرة مع صعود شراهة السلطة وسكرتها، وتتجبر وتتجاوز حدود المعقول في القوة وتحول الجغرافيا التي تحكمها إلى حمام دم والعالم إلى جحيم".
ويتابع في السياق: "الدولة هنا تنفذ حروبا وحشية لا تصدق وجرائم قتل ومذابح، لكنها في الحقيقة تجهز لنهايتها جراء هذا كله. ومن الواضح أن الوثنيين أولئك كتبوا التاريخ بالدم ولوثوه به حيث سفكوه وحكموا الأراضي والمجتمعات التي سيطروا عليها به".
ويقول الكاتب: "احتلت هذه الحضارة كل القارات والبحار والمحيطات، لقد نهبوا ثروات العالم تحت الأرض وفوقها وكأن هذا لم يكن كافيا، فلديهم جذور الحضارات في القارات التي احتلوها، ودمروا شعبهم بالحرق الوحشي وأجبروهم على الركوع بحد السيف، وعلى سبيل المثال حضارات أميركا اللاتينية، لقد أحرقوا كل كتبهم، ونفذوا إبادة جماعية عظيمة".
بين عامي 1610 و1640، نما الاقتصاد البريطاني عشر مرات، وسبب ذلك لا يرجع فقط لنقل معادن وثروات أميركا التي غزتها الفرقة المسماة كريستوف كولومبوس لاكتشاف كنوز الهند إلى إنجلترا، ولكن أيضا عن طريق امتصاص دم الهنود مع شركة الهند الشرقية التي تأسست عام 1602.
وقد ساد مسلمون من سلالة تيمور في الهند قبل وصول البريطانيين. فعندما أعطى البريطانيون الاستقلال للهند في عام 1947، تخلوا عن قارة ضخمة كانت ستصبح أكبر دولة في العالم، الهند المسلمة، لو لم يتم تحطيمها وخنق المسلمين داخلها، وفق الكاتب.
ربيب الاستعمار
ويعتقد أن الولايات المتحدة ليست بريئة من هذا كله، "فهي ربيب الاستعمار الأوروبي. يكفي أن ننظر إلى العراق، وحالات الاغتصاب والقتل العنيفة التي ارتكبوها في سجن أبو غريب، بحيث يمكنك أن ترى كيف خرجوا عن طور الإنسانية وأصبحت دولة بربرية عديمة الجذور أميركا قارة بلا تاريخ ولا روح لا تعرف حدودا للهمجية"، وفق تعبيره.
وفي تقديره، من المؤكد أن أميركا لن تسقط جراء هجوم خارجي، ولكن انتفاضة من الداخل، "وهذا ثابت في التاريخ ويكاد يتكرر في كل الحضارات الوثنية وما روما قبلة الاضطهاد عنا ببعيد. النيران الآن قد أضرمت في الولايات المتحدة، ولا أحد يدرى إلى أين ستفضي، لكن الخلاصة هنا أنه وفي حال سقطت سيتنفس العالم الصعداء وسيعيش شيئا من الراحة".
لكن ماذا عن تأثير هذا على الأسواق العالمية، يجيب عن ذلك الكاتب علي أغا أوغلو في صحيفة ملييت التركية، بقوله: إن هذه الاشتباكات ليست الأولى من نوعها في التاريخ الحديث فالهجوم على السود والمظاهرات بعدها تكرر عام 1992 عندما تعرض أربعة أميركيين من ضباط الشرطة لضرب أحد السود قبل أن تبرئهم المحاكم في الواقعة.
ولفت الكاتب إلى أن الإجراءات ومنع الحظر يأتي في وقت حساس للغاية بعد مواجهة كورونا وفي منطقة بالولايات المتحدة التي يعاني أصلا سكانها من بطالة حيث ارتفع العاطلون إلى 40 مليون خلال شهرين ونيف.
الكاتب لفت إلى ما أطلق عليه "لعنة العولمة التي عطلت بشكل كبير توزيع الدخل في العالم وجلبت قادة استبداديين إلى السلطة".
أما في الولايات المتحدة، لا يزال التمييز بين الأبيض والأسود مستمرا، وفي هذا الصدد، ما زال "العقد الاجتماعي" ضعيف للغاية. فقد تدهور توزيع الدخل بسرعة كبيرة باسم الياقات الزرقاء على مدار الثلاثين إلى الأربعين سنة الماضية.
ويرى أنه "إذا نجحت الولايات المتحدة في إخماد أي تظاهرات او احتجاجات بعد أزمة عام 2008 لم ولن تفلح الإدارة الحالية في تكرار ذلك اليوم، حيث أطلق مقتل الأميركي الأسود الشرارة وقد تتصاعد في المستقبل القريب".
ومن المعروف أن الولايات المتحدة هي إحدى الدول التي ستتأثر أكثر بتدهور توزيع الدخل العالمي وموجة البطالة بعد فيروس كورونا.
ولم تتضح بعد الخطوات التي سيتخذها ترامب قبل الانتخابات الرئاسية، في وقت يصر على اتهام بكين بنشر الفيروس خاصة بعد تقليص واشنطن دعمها لمنظمة الصحة العالمية واتهامها بالتواطؤ مع بكين.
ومع ذلك، هناك شيء واحد واضح وهو أنه إذا لم تحل الأحداث في الولايات المتحدة في وقت قصير، فإن احتمال انعكاس ذلك أولا على الأسواق المالية الأميركية ثم العالمية كـ "تقلب" جديد سيزداد ويستفحل، وفق تقدير الكاتب.
فقدان التأثير
بدورها، رأت صحيفة يني شفق التركية أن المظاهرات في الولايات المتحدة الأميركية قضية عرقية لا تخلو من انحلال تشهده البلاد وكذلك علامة على فقدان التأثير والانهيار الداخلي، ودليل على ظهور أوجه الضعف بشكل مستمر.
وقالت الصحيفة: "يبدو أن الولايات المتحدة بدأت مرة أخرى تعاني من الإرهاب والأزمات الاقتصادية والانقسام المجتمعي ومخططات الصراع الداخلي".
وأوضح الكاتب إبراهيم كارغول في مقال أن واشنطن تعاني مجددا من انهيار المؤسسات وفقدان الثقة بالحكومة وتلاشي القيم المشتركة وتفشي الصراعات الاقتصادية، وأنه "عاد إليها كل ما فعلته وجربته في الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وجنوب آسيا منذ الحرب العالمية الثانية".
ويعتقد أن الولايات المتحدة تتعرض لاختبار من خلال الديمقراطية والحرية والعدل والقيم الإنسانية "بعد أن عاثت في عشرات البلدان الأخرى دمارا وذبحوا الملايين ونهبوا ثروات الأرض وحكموا على العالم بالجوع باسم الديمقراطية".
وتابع الكاتب: "للمفارقة، فالعنف الذي يتعاملون به مع مواطنيهم لا يختلف أبدا عما فعلوه في العراق وأفغانستان وسجني أبو غريب وغوانتنامو، ومن الواضح أنهم سيكررون التجربة ذاتها مع مواطنيهم عندما ترتفع حدة التظاهرات الاجتماعية داخل الولايات المتحدة".
كاراغول رأى في مقاله أن الانهيار الأميركي بدأ منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول (2001)، حيث ردت واشنطن بمهاجمة أفغانستان والعراق وبالتالي تكشفت عيوبها على أسس ثلاثة وهي غياب الضمير الأخلاقي وكذلك اهتزاز القوة الاقتصادية، وقوتها المدعاة بأنها تسيطر على العالم.
منذ تلك اللحظة والانهيار مستمر، حيث بدأ في أفغانستان وانتهى في العراق وها هو مستمر، يقول الكاتب.
أيضا هناك ضعف آخر من الواضح أنه يستشري في الولايات المتحدة فهي عاجزة عن تنفيذ أي انقلاب أو إحداث أي تغيير حقيقي داخلي لدولة ما، على الرغم من أنها تتعاون مع كثير من المنظمات الإقليمية المعادية لهذه الدول والمصنفة إرهابية وهكذا هي تنطلق بذلك لمرحلة أخرى من الانهيار، بحسب تقدير الكاتب.
ويقول: "لم يبدأ ما يعرف بنهاية الحلم الأميركي بعد مقتل مواطن أسود (جورج فلويد) قبل أيام ولكن بدأ منذ عهد الحرب الباردة وقد انتهى منذ وقت طويل، ومع ذلك فالعنصرية ضد السود لا يمكن أن تغطى بالغربال فاليمين المتطرف يشتبك اليوم مع السود، وغدا سيشتبك مع المواطنين ذوي الأصول اللاتينية".
يأتي ذلك فيما مشاكل الأمن الداخلي والتهديدات القادمة من الخارج ستجبر العقلية السياسية الأميركية على فعل أشياء جنونية، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة قابلة للتدخل من جميع الجوانب، وفق الكاتب.
ويرى أن الولايات المتحدة تلقت ضربتين في وقت قصير الأولى اهتزاز نظامها الطبي الواضح أمام جائحة كورونا وكذلك غياب مفاهيم الحرية حين غضب السود من العنصرية الممارسة ضدهم، وللغرابة فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منظمة أنتيفا، التي لعبت دورا مهما في الاحتجاجات، كيانا إرهابيا.
غير أن عناصر المنظمة يتم تدريبهم في معسكرات بي كا كا /ي ب ك (حزب العمال الكردستاني وجناحه العسكري) في سوريا.
تلك المنظمة، يقول الكاتب: هي نفسها مدعومة من أميركا بآلاف الشاحنات المحملة بالسلاح والتي حرضتها للدخول في حرب ضد تركيا، "وهذا يعني شيئا واحدا لا محالة، وهو أن من المدعومين يجهزون الآن أنفسهم للقضاء على داعميهم".
الانتخابات القادمة
من جانبه قال الكاتب عبد الله مراد أوغلو بمقالة نشرتها نفس الصحيفة: إن الاحتجاجات الراهنة في الولايات المتحدة تحول بعضها إلى أداة للسلب والنهب في وقت يلقي الجمهوريون باللوم على الجماعات اليسارية المتطرفة في الحرق المتعمد، ويدعي الديمقراطيون أن الاستفزازيين "العنصريين البيض" قد اخترقوا المتظاهرين.
وذكر أن هذا البلد المتوتر حاليا يقدر فيه عدد وفيات كورونا بنحو 100 ألف، في حين فقد هناك 30 مليون وظائفهم وسط ظروف تعد الأسوأ منذ عام 1929.
في الولايات المتحدة، بعد 5 أشهر، هناك انتخابات في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، فما تأثير "الاحتجاجات السوداء" على الانتخابات؟، يتساءل الكاتب.
وفقا لبعض المحللين، ستزيد الاحتجاجات التي تتحول إلى نهب وإحراق متعمد بسبب دعم ترامب من قبل جهة واسعة من الناخبين البيض.
وهناك تقديرات تقول: إن الاحتجاجات ستعمل على تعبئة ملايين الأميركيين السود وجماعات المهاجرين غير البيض العازفين عن التصويت، كما ستزيد هذه الحركة من معدل تصويت الديمقراطيين في وقت سيصبح فيه الأميركان البيض أقلية خلال 20 -25 سنة، بحسب بعض الدراسات.
وعمل ترامب على استغلال ذلك في انتخابات 2016 حيث قال: إن من يعمل ضد البيض هم من الديمقراطييين؛ لأن معظم "السود" و"اللاتينيين" وغيرهم من مجموعات المهاجرين غير البيض (بما في ذلك اليهود الأميركيين) في البلاد يصوتون للديمقراطيين.
حاليا، يشكل "السود" حوالي 15 ٪ من سكان الولايات المتحدة، وهناك 18 ٪ من أميركا اللاتينية، فيما أعلى زيادة مقارنة بمعدلات المواليد هي من أصول آسيوية، كما يتجاوز عدد الأميركيين البيض في البلاد نسبة 60 ٪.
وفيما يزداد عدد المدن السوداء واللاتينية بشكل تدريجي بسبب "الهجرة الداخلية"، تشير التقديرات إلى أن عدد سكان أميركا البيضاء سينخفض إلى ما دون 50 ٪ في عام 2045، وفق الكاتب.
ويقول: هناك جمهور كبير غير مصوت في الولايات المتحدة، يصفه روبرت رايتش، أستاذ الاقتصاد العام الذي عمل في وزارة العمل خلال فترة بيل كلينتون، بأنه "أكبر حزب في الولايات المتحدة".
ويؤكد رايتش أنه إذا صوت "الأميركيون غير الناخبين، فسيكون هناك تغيير جذري في النظام السياسي للولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن مئات الملايين من الناس لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع في انتخابات 2016. وفقا له، فإن هذه الكتلة الكبيرة من غير الأميركيين البيض والشباب والفئات هي من ذات الدخل المنخفض.
أيضا أشار رايتش إلى أن هذا الجمهور كان من أكثر المجموعات تأثرا بالنظام السياسي الهش وعدم المساواة الاقتصادية والقوانين التي جعلت من التصويت أمرا صعبا (وفي الوقت نفسه، يعارض ترامب بشدة التصويت عبر البريد).
في عام 2020، سيكون 7 ملايين شاب من غير الأميركيين البيض مؤهلين للتصويت. يذكر رايتش أن هؤلاء الملايين من الشباب يمكنهم تغيير الموازين، ولهذا السبب يقوم الديمقراطيون بحملة لزيادة مشاركة الناخبين.
قبل مدة بات أحد مقاعد مجلس الشيوخ في ولاية ألاباما فارغا، حيث تقلده الجمهوري جيف سيشنز وزير العدل كما هزم المرشح الديمقراطي دوج جونز خصمه روي مور بفارق 20 ألف صوت فقط في الانتخابات التي تم تجديدها في ديسمبر/كانون الأول 2017.
ولك أن تدرك ذلك تتسم ألاباما بتوافر 60 ٪ من البيض فيها، أما نسبة السود حوالي 26 ٪. ولكن لأن روي مور معروف بآرائه العنصرية في المدينة التي تعرف على أنه القلعة غير القابلة لتدمير الجمهوريين، فإنه خسر بسبب الناخبين السود.
وهكذا أظهر ساكنوا ألاباما أنهم لم ينسوا السياسات العنصرية الوحشية التي حدثت في ماضي الدولة وهذا يعني أن السود هم القوة الحقيقية لأي حزب سياسي.
ويشدد المحللون الذين يدعمون الديمقراطيين على أن المزيد من المهاجرين من الشباب السود وغيرهم، يجب أن يختاروا امرأة سوداء نائبة لرئيس المرشح الرئاسي جو بايدن لتشجيع التصويت.
والخلاصة هنا أن انتخابات 2020 ليست حلا في حقيبة ترامب والجمهوريين. في المواقف الحرجة، حتى اللمسات الصغيرة من الأصوات يمكن أن تغير الموازين، وفق الكاتب.