قيس سعيّد يمدد الطوارئ 6 أشهر.. هكذا نكث رئيس تونس بوعده

12

طباعة

مشاركة

في 29 مايو/أيار 2020، أعلن الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية في تونس عن قرار الرئيس قيس سعيد إعلان حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية لمدة  6 أشهر ، ابتداء من 30 أيار/مايو 2020.

تمنح حالة الطوارئ وزير الداخلية صلاحيات استثنائية تشمل منع الاجتماعات وحظر التجوال وتفتيش المحلات ليلا ونهارا، ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية، دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء.

قرار سعيد بمد الطوارئ جاء خلافا لما وعد به خلال حملته في الانتخابات الرئاسية، ما أثار حفيظة منظمات حقوقية اعتبرت هذا الإجراء غير دستوري، مذكرة الرئيس بمواقفه المعلنة والمعارضة لهذا الإجراء قبل وصوله إلى سدة الحكم.

تناقض صريح

في تصريح له على إذاعة "صراحة إف إم" في سبتمبر /أيلول 2016، قال رئيس الجمهورية حاليا وأستاذ القانون الدستوري حينها قيس سعيد: إن حالة الطوارئ التي يُعلن عنها ويتم التمديد فيها لأشهر تُمثل خرقا لدستور 27 يناير/كانون الثاني 2014، لأنه من المفروض أن تتوفر جملة من الشروط الموضوعية لإعلان حالة الطوارئ والتي من بينها "وجود خطر داهم يُهدد كيان الوطن ويتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة"، كما ينص على ذلك الفصل 80 من الدستور.

وأكد سعيد على موقفه في تصريح آخر لإذاعة "شمس إف إم"، عام 2018، قائلا: "حالة الطوارئ تحولت إلى أداة من أدوات الحكم، الجيش الوطني لا دخل له في حالة الطوارئ، الجيش يمكنه التدخل في حالة الحصار فقط والمتمثلة في نقل السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية".

ومع وصوله لمنصب الرئيس، بعد فوزه بالانتخابات في 14 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، بنسبة 72% من أصوات الناخبين، بادر سعيد بتمديد حالة الطوارئ لمدة شهر بنفس الطريقة التي عرفها التونسيون منذ سنوات، ليعلن بعدها تمديد حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر متتالية.

وفي كلمة توجه بها إلى الشعب التونسي، قال سعيد: "حالتي عند إصداره قرار تمديد حالة الطوارئ كان شبيها بمن يقبض على الجمر، دوافع هذا القرار كانت أمنية بالأساس".

وأشار في المقابل، إلى أن الأمر المنظم لحالة الطوارئ لا يطبق منه سوى جزء قليل متصل بوضع أشخاص رهن الإقامة الجبرية أو الإدارية، أما الاجتماعات والمظاهرات وغيرها من الحريات فلم يتم منعها. 

خنق الحريات

يرى منتقدو تمديد حالة الطوارئ، أن المرسوم المنظم لها يمنح صلاحيات واسعة للسلطات لتقييد حرية الأفراد والجماعات من خلال وضعهم تحت الإقامة الجبرية، أو حظر التجول وتحجير الاجتماعات وكافة أشكال الاحتجاج، وتفتيش المحلات، فضلا عن فرض رقابة على وسائل الإعلام، والعروض الثقافية بدون أمر مسبق من القضاء. 

وارتفعت العديد من الأصوات الحقوقية المطالبة للرئيس بعدم تمديد الطوارئ (كان من المفترض أن تنتهي في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019) بعد فوزه بالانتخابات، حيث طالبه مرصد الحقوق والحريات بعدم تجديد حالة الطوارئ، معتبرا أن "الرئيس أمام اختبار حقيقي، خاصة وأنه سبق أن أكد أن هذا القانون غير دستوري ولا جدوى منه".

كما أعلن المرصد الحقوقي (منظمة غير حكومية) عن وجود أكثر من 500 مواطن قيد الإقامة الجبرية، منذ فترات مختلفة، إما بشبهة الإرهاب أو الفساد، منذ فرض حالة الطوارئ بالبلاد في 2015.

وفي تصريحات أدلى بها المحامي أنور أولاد علي، رئيس المرصد، خلال مؤتمر صحفي عقد بالعاصمة أوضح أن هؤلاء الأشخاص وضعوا تحت الإقامة الجبرية دون سقف زمني محدد.

واعتبر رئيس المرصد أن حالة الطوارئ المتواصلة منذ 2015 أدت إلى "مزيد من الضغط على أكثر من 100 ألف مواطن تونسي، من المشمولين بالإجراءات الحدودية بتقييد حريتهم عند التنقل، وانتهاك معطياتهم الشخصية وحرمانهم من استخراج عدد من الوثائق الإدارية".

إرث الاستبداد

يتم  إقرار حالة الطوارئ في تونس والتمديد فيها بمقتضى الأمر الرئاسي رقم 50 لعام 1978، المنظم لحالة الطوارئ، الذي أصدره الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (حكم من 1957 إلى 1987) ولا يزال ساري المفعول حتى الآن.

في 26 يناير/كانون الثاني 1978، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية) إلى أول إضراب عام وطني في تاريخ تونس بعد الاستقلال، مطالبا بالاستقلالية الكاملة عن الحزب الحاكم حينها (الحزب الاشتراكي الدستوري).

احتجاج العمال والطلبة قابله نظام بورقيبة بالحديد والنار، حيث سجل التاريخ ذلك اليوم بالخميس الأسود، وأكدت المصادر النقابية أن عدد القتلى يومها فاق الـ400، بينما اكتفت السلطة آنذاك بذكر رقم يشير إلى 52 قتيلا و365 جريحا أذاعته عبر الصحف ونشرات الأخبار المرئية والمسموعة.

تم استعمال حالة الطوارئ ما قبل الثورة في سياق التصدي لاحتجاجات شعبية، حيث تم فرضها أثناء انتفاضة الخبز في العام 1984، من ثم في أحداث ثورة 17 ديسمبر/كانون الثاني 2010، في آخر ساعات حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

ومع وصول الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي إلى رئاسة الجمهورية نهاية العام 2011، اتخذ قرارا برفع حالة الطوارئ وتعليق العمل بمرسوم العام 1978.

وفرضت حالة الطوارئ مرة أخرى في 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 إثر تفجير انتحاري استهدف حافلة معدة لنقل عناصر الأمن الرئاسي بشارع محمد الخامس وسط العاصمة تونس ، ثم مددت بعد هجوم بنقردان جنوب شرق تونس  المسلح، الذي حاولت فيه عناصر تابعة لتنظيم الدولة السيطرة على المدينة الحدودية مع ليبيا، ومنذ هذه الأحداث  مددت عدة مرات، وهي مستمرة إلى اليوم. 

الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي صرح في 11 مارس/آذار 2019، بمناسبة انعقاد مجلس الأمن القومي، أنه لن يمدد في حالة الطوارئ الجاري العمل بها بمقتضى أمر 1978 كما اعتاد ذلك لسنوات، مؤكدا ما ذهب إليه العديد من المختصين بأن الأمر "غير دستوري".

وأضاف السبسي حينها أنه أعلم قراره إلى رئيسي الحكومة ومجلس نواب الشعب بمكتوب رسمي بعدم تمديد حالة الطوارئ التي تنتهي بتاريخ 4 أبريل/نيسان 2019. 

وأشار إلى أن "مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ الجديد متوفر عند البرلمان لكن لم يُصادق عليه بعد، وبالتالي المسألة تخرج عن نطاقه وهي تهم حاليا الحكومة والبرلمان"، قائلا: "مادام هناك خرق للدستور، قوموا أنتم بخرقه لما أنا؟".