لماذا غادر المرتزقة الروس طرابلس؟ صحف فرنسية تكشف الأسباب
سلطت صحف فرنسة الضوء على أسباب مغادرة المئات من المرتزقة الروس، خطوط القتال الأمامية بطرابلس يوم 23 مايو/أيار 2020، إلى بلدة بني وليد الواقعة على بعد 170 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة الليبية.
وقالت صحيفة "لوموند"، إن هؤلاء المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، نقلوا إلى قاعدة الجفرة الجوية على بعد 350 كيلومترا شرقا، وسط البلاد، وهي خطوة نحو العودة المحتملة إلى روسيا.
وفي شريط فيديو بثته قناة الأحرار الليبية ومقرها طرابلس، ظهر رجال مسلحون يستقلون طائرة شحن عسكرية تشبه طائرة أنتونوف 32، ونظام دفاع مضاد للطائرات روسي من نوع بانتسير على مدرج المطار.
ألف رجل
وأشارت إلى أن انسحاب المرتزقة التابعين للشركات الأمنية الخاصة التي تقاتل بجانب قوات حفتر - التي لم تعترف موسكو بوجودهم رسميا – يأتي بعد عدة أسابيع من انهيار القوات المهاجمة للعاصمة الليبية بفضل دعم أنقرة لحكومة طرابلس.
وبينت "لوموند" أنه في منتصف أبريل/ نيسان 2020، اضطر الجيش الوطني الليبي، التابع لحفتر، إلى الانسحاب من البلدتين الساحليتين صرمان وصبراتة، اللتين تقعان على بعد أقل من 70 كيلومترا غرب العاصمة.
كما جرى استعادة قاعدة الوطية الجوية الإستراتيجية القريبة من الحدود التونسية في 18 مايو/ أيار من قبل القوات الموالية لحكومة فايز السراج، مدعومة بالطائرات بدون طيار التركية، إضافة إلى نظام الدفاع الجوي، وعدة آلاف من المقاتلين السوريين الموالين لتركيا الذين أرسلتهم إلى طرابلس، بحسب الصحيفة.
وأكدت أن سقوط قاعدة الوطية، التي كانت الجيب العسكري الوحيد لحفتر في طرابلس قبل شن هجومه على العاصمة في أبريل/ نيسان، أدى إلى تعجيل فك الارتباط بين المشير ومرتزقة فاجنر الذين كان لهم دور كبير داخل في أحياء صلاح الدين وقصر بن غشير واليرموك وحمزة بطرابلس.
وعن عدد الذين انسحبوا يوم 23 مايو/أيار نحو بني وليد، أوضحت الصحيفة الفرنسية، أنه بحسب مصدر دبلوماسي، فإن القافلة كانت تتألف من 80 مركبة على الأقل كان يستقلها مرتزقة روس وسوريون مؤيدون لدمشق.
كما نقلت وكالة بلومبرج عن عمدة بني وليد أن العدد "أكثر من ألف" من الروس والسوريين، مصحوبين على ما يبدو بأسلحة ثقيلة، مثل مدافع هاوتزر 152 ملم ومركبات بانتسير المضادة للطائرات.
ووفقا للصحيفة، فإن وصول المرتزقة إلى بني وليد تسبب في إزعاج السكان المحليين، حيث قال أحدهم في اتصال مع لوموند: "يشعر الناس بالاستفزاز بسبب وجودهم. يطلبون منهم المغادرة في أقرب وقت ممكن لأنهم يخشون أن يجذب وجودهم صراعا جديدا إلى المدينة".
ونوهت إلى أن هذه المدينة التي كانت معقل معمر القذافي خلال ثورة 2011، لا تزال تعيش في صدمة جراء "الأعمال الانتقامية التي قام بها المتمردون وخاصة من مصراتة بعد انتصارهم ومقتل العقيد".
ومنذ اندلاع معركة طرابلس في ربيع عام 2019، سعت بني وليد للابتعاد عن الصراع على الرغم من أن حفتر، الذي أعاد تدوير العديد من شبكات القذافي لصالحه، تلقى الدعم هناك.
الأجور المتأخرة
لكن "لوموند" شددت على أن مغادرة هؤلاء المرتزقة السوريين الموالين لبشار الأسد والروس من طرابلس، لا يعني فك ارتباط ليبيا بموسكو، التي يجب أن تأخذ لعبتها أشكالا أخرى، بحسب محللين مطلعين على الأوضاع الليبية، بل تشير إلى فشل نوع الدعم الذي وافق الروس على تقديمه لحفتر.
وأوضحت وثيقة غير منشورة من "لجنة خبراء" الأمم المتحدة التي تحقق في انتهاكات حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، أن عدد المرتزقة الروس يتراوح بين 800 و1200، حيث تم الإبلاغ عن وجودهم إلى جانب حفتر من ديسمبر/ كانون أول 2018 وبلغ ذروته في يناير/ كانون ثاني 2020.
وشمل ذلك بشكل أساسي شركة الأمن "فاجنر"، التي تأسست منذ بداية النزاع في أوكرانيا عام 2014، قبل توسيع أنشطتها لتشمل سوريا، والسودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، لكن التدخل في ليبيا شمل كيانات أخرى، مثل شركة موران، برئاسة فياتشيسلاف كلاشنيكوف، وهو ضابط سابق في المخابرات السوفيتية بدأ القتال ضد القرصنة البحرية.
ووفقا لوثيقة الأمم المتحدة، ساعد هؤلاء المرتزقة قوات حفتر بشكل أساسي في مجالات المدفعية ومراقبة الحركة الجوية والحرب الإلكترونية ونيران القناصة.
كما تشير الوثيقة نفسها إلى أن "التوترات" التي شابت علاقاتهم بحفتر سببها اتهامات بعدم "الكفاءة المهنية والقوة البشرية غير الكافية" الموجهة من قبل الروس إلى شركائهم الليبيين، كما تم ذكر توترات حول عدم دفع رواتب متأخرة للمرتزقة.
وأكدت أن الإجلاء الجماعي إلى بني وليد، والذي جاء على خلفية هزيمة قوات حفتر، يعطي مؤشرا على فشل ذريع لهؤلاء المرتزقة الروس في طرابلس.
من جهتها نقلت صحيفة "لا كروا" عن جلال الحرشاوي، الباحث في معهد كلينجندايل بلاهاي والمتخصص في الشأن الليبي القول: "إجلاء المرتزقة الروس يعكس توافقا لمرة واحدة بين موسكو وأنقرة. مجموعة فاجنر تقلل من موقعها الهجومي جنوب طرابلس وتعزز دفاعات الجفرة وسرت".
الإمارات لم تستسلم
وقالت الصحيفة: إن الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي التي قدمتها أنقرة لقوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، منحتهم ميزة كبيرة في مواجهة خصومهم، غير أن الداعم الرئيسي للمشير حفتر، الإمارات العربية المتحدة لم تستسلم، وتواصل عملية تجديد الأسلحة والذخائر في المطارات الليبية الشرقية.
وفقا لتقرير سري تابع للأمم المتحدة، نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فقد مولت شبكة من الشركات مقرها الإمارات، في يونيو/حزيران 2019، نشر مجموعة كوماندوز مكونة من 20 من المرتزقة في بنغازي، اثني عشر جنوب إفريقي، وخمسة بريطانيين، وأستراليين وأميركي واحد.
ويعتقد أن مهمتهم كانت إنشاء قوة قتالية بحرية مجهزة بقوارب سريعة وطائرات هليكوبتر قتالية لمنع تسليم الأسلحة من تركيا إلى حكومة طرابلس عن طريق البحر.
لكن في أوائل يوليو/ تموز 2019، عاد الكوماندوز إلى مالطا، بعد خلاف مع حفتر حول جودة المروحيات التي تهدف إلى تجهيز القوة.
أما صحيفة "لوفيجارو" فرأت أن الانتصارات الجديدة لقوات حكومة الوفاق، والتي تهدف إلى دحر حفتر، تؤكد أيضا أهداف تركيا النفطية في المنطقة بفضل الاتفاق البحري الموقع في 27 نوفمبر/ تشرين ثاني 2019 مع حكومة الوفاق الوطني.
ويقول حرشاوي: "بالنظر الآن إلى رؤية أنفسهم في موقع قوة، سيستغل الأتراك بلا شك الوضع لخلق بيئة دبلوماسية مختلفة لإجبار اليونانيين، وبالتالي المصريين، للتفاوض مرة أخرى" بشأن بعض حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط المتنازع عليها منذ فترة طويلة.
كما رأت "لوفيجارو" أن السيطرة على قاعدة الوطية يسمح لتركيا بتأمين وجودها العسكري في المنطقة، حيث يضمن ذلك لها إضافة إلى فتح بوابة إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إمكانية إنشاء قاعدة جوية دائمة.
لكنها اعتبرت أن التطورات الأخير بعيدة كل البعد عن الإشارة إلى نهاية الصراع المستمر منذ الانتفاضة ضد القذافي عام 2011، والذي تفاقم بسبب التدخل الأجنبي.
ونوهت إلى أن "حرب المرتزقة لم تقل كلمتها الأخيرة أيضا، ففي ظل وجود السوريين المدربين والمجهزين من قبل تركيا، وقوات فاجنر الروسية، وكذلك القوات الموالية لبشار الأسد الذين أكدوا أنهم مستعدون لتقديم يد المساعدة، لا يزال النزاع الليبي متقلبا"، وبحسب دبلوماسي غربي "إننا نشهد صراعا مماثلا لسوريا في ليبيا".