بين ناري الإغلاق والعودة.. كيف سيخرج ترامب من مطب كورونا؟

5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بين المخاطرة بمستقبله السياسي في ظل إغلاق النشاط الاقتصادي، والمخاطرة بحياة المواطنين في ظل تفشي فيروس كورونا، يظل مستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عالقا.

بعد 7 أسابيع من الإغلاق الاقتصادي، ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 14.7% وبلغ عدد المتقدمين بطلبات إعانة بطالة أكثر من 33 مليون مواطن.

حسب أحدث إحصاءات موقع "Worldometer" المختص برصد ضحايا الفيروس، فإن الولايات المتحدة تتصدر قائمة وفيات وإصابات كورونا عالميا، ففي 10 مايو/آيار 2020، ارتفع عدد الإصابات إلى مليون و348 ألفا و315، توفي منهم أكثر من 80 ألفا، وتعافى 238 ألفا و80.

أنتوني فاوتشي كبير مسؤولي الأمراض المعدية في البيت الأبيض وعضو فريق العمل لمكافحة كورونا في الولايات المتحدة اعترف أن إغلاق النشاط التجاري والاقتصادي جاء متأخرا للغاية وأن نظام الاختبار كان مفقودا. 

التضحية بالشعب

يقول الكاتب الصحفي الأميركي أنتوني زورشر في تحليل لموقع بي بي سي نيوز: "النقاد اتهموا ترامب بالتضحية بالصحة العامة للأميركيين في حرصه على إعادة فتح الاقتصاد الأميركي قبل معركة انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم".

وفي مطلع مايو/آيار 2020، قال ترامب: إن الديمقراطيين كانوا يأملون في أن تفشل سياسته الخاصة بالفيروس التاجي حتى يتمكنوا من الفوز في الانتخابات الرئاسية.

وأشار زورشر إلى التعامل الحذر الذي قدمه بعض الحكام الديمقراطيين في الولايات التي تضررت بشدة من فيروس كورونا، ومطالبتهم بإجراء مزيد من الاختبارات والضمانات الأخرى قبل تخفيف عمليات الإغلاق الاقتصادي.

وعلى الجانب الآخر بدأت ولايات أخرى يقودها كثير من الجمهوريين في الجنوب والوسط الغربي للولايات المتحدة في رفع القيود الاقتصادية التدريجية تمهيدا لعودة الحياة إلى طبيعتها.

وأوضح المحلل السياسي الأميركي أن العديد من الولايات التي سمحت باستئناف بعض الأعمال بما في ذلك تكساس، أيوا، مينيسوتا، تينيسي، كانساس، نبراسكا وإنديانا، تشهد المزيد من الحالات الجديدة التي يتم الإبلاغ عنها يوميا.

وفي حين أظهرت بعض المدن مثل نيويورك ونيو أورليانز وديترويت تحسنا، تشهد مدن أخرى مثل لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة، وشيكاغو زيادة في عدد الحالات اليومية.

ووفقا لتقرير صادر عن الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (Fema)، قد يتسبب فيروس كورونا في قتل أكثر من 3000 شخص كل يوم بحلول يونيو/حزيران 2020، لكن البيت الأبيض وصف التقرير بأنه غير دقيق، وقال ترامب: "التقرير يصف سيناريو لا يبذل فيه الأميركيون أي جهد للتخفيف من انتشار العدوى".

ترامب رفع توقعاته التي أعلن عنها في 4 مايو/أيار 2020، لعدد الوفيات الناجمة عن الجائحة في الولايات المتحدة إلى ما بين 80 إلى 90 ألفا بعد أسبوع تقريبا من تصريحه بأنه لن يزيد عن 65 ألفا.

لكن الأرقام المسجلة حتى الآن بحسب موقع "Worldometer" وموقع جامعة جونز هوبكنز الأميركية، تشير إلى أن الولايات المتحدة تسير في اتجاه أعلى بكثير من توقعات ترامب، بعد أن تخطت أعداد الوفيات الرسمية أكثر من 80 ألفا حتى كتابة التقرير.

وحسب تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية فإن النقاد يرون أن أعظم الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية تتمحور حول فشلها في تطوير وتوزيع اختبار كوفيد 19 الفعال في الأيام الأولى من تفشي المرض، بالإضافة إلى عدم وجود عملية منهجية لتتبع المصابين في الولايات للمساعدة في كبح الحالات الجديدة.

وقال إيروين ريدلنر، الطبيب والمدير بالمركز الوطني للاستعداد للكوارث: "من المؤلم أن نفهم إلى أي مدى أخطأنا في عملية تطوير اختبارات سريعة بأعداد كبيرة. نحن لسنا قريبين حتى، تم اختبار أقل من 2 ٪ من السكان، ولا نعرف حتى مدى انتشار الفيروس".

ثمن الصفقة 

يعرف الرئيس الأميركي الآن ثمن الصفقة المؤلمة المطلوبة لإعادة فتح البلاد وتحريك عجلة الاقتصاد في الوقت الذي يعيش فيه الملايين في جائحة تزداد سوءا.

وفي مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك بوست مطلع مايو/آيار 2020، قال ترامب: "الأميركيون جاهزون للخروج من العزلة والعودة إلى الحياة الطبيعية، الناس يريدون البلد مفتوحا. 38 دولة إما بدأت في فتح اقتصادها أو قريبة من ذلك"، وطالب الأميركيين بالحذر والعودة إلى العمل.

بعض الولايات الأميركية شهدت منتصف أبريل/نيسان 2020، مظاهرات لمتضررين من الإغلاق الاقتصادي طالبوا خلالها بالعودة إلى العمل من جديد وهو ما خلق مساحة من الفوضى في تلك الولايات بسبب عدم التقيد خلال تلك المظاهرات بأي من قواعد الحجر الصحي أو التباعد الاجتماعي أو حتى ارتداء الكمامات خلال تلك الفعاليات المناهضة للإغلاق الاقتصادي. 

ترامب أيد هذه المظاهرات ودعا للتظاهر في الولايات التي يحكمها الديمقراطيون الذين يرفض أغلبهم عودة الاقتصاد قبل القضاء على كورونا خوفا من ارتفاع حالات الإصابة والوفيات في حال عودة الحياة إلى طبيعتها. 

المحلل السياسي الأميركي ستيفن كولينسون يشير في تقرير لموقع "سي إن إن" إلى ظهور أدلة جديدة على الخسائر المستقبلية الرهيبة المحتملة لكورونا، مشيرا إلى أن الأرقام الجديدة التي تظهر أعدادا متزايدة من الإصابات والتنبؤات بارتفاع عدد الوفيات بشكل كبير تحدت نظرة الرئيس المتفائلة.

كولينسون أوضح أن ستطلاعا للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست وجامعة ماريلاند نشر الثلاثاء 5 مايو / آيار 2020، أظهر أن الأميركيين يعارضون على نطاق واسع إعادة فتح أغلب الشركات، فيما عبر 56% عن ارتياحهم للذهاب إلى متاجر البقالة الآن، بينما قال 78% إنهم لن يشعروا بالارتياح للذهاب إلى مطعم للجلوس.

وأظهر نموذج جديد من جامعة واشنطن، استخدمه البيت الأبيض سابقا، أن 134 ألف أميركي قد يموتون بحلول أغسطس/آب 2020، في حصيلة منقحة مدفوعة بالتأثير المحتمل لإعادة فتح الدولة والنشاط الاقتصادي، ويقول كولينسون: إن المجموع كان أكثر من ضعف تقديرات المنظمة نفسها الشهر الماضي.

وحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن مسودة تقرير داخلي صادر عن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، خالفت رواية البيت الأبيض بأن أسوأ جائحة قد انتهت وحان الوقت للعودة مرة أخرى. ووجدت أن عدد الوفيات اليومي سيصل إلى حوالي  3 آلاف بحلول 1 يونيو / حزيران 2020.

العودة للعمل

تقرير آخر لصحيفة الجارديان البريطانية أكد أن أكثر من نصف الولايات الخمسين بدأت المضي في خطط لإعادة فتح بعض الأعمال التجارية، رغم أن أيا منها لا يفي بالمعايير الرئيسية التي حددها البيت الأبيض الخاصة بانخفاض مطرد في الحالات الجديدة على مدى 14 يوما.

وشبه إيروين ريدلينر الطبيب والمدير بالمركز الوطني للاستعداد للكوارث رفع القيود الصحية العامة قبل أوانها بأنها بمثابة حكم بالإعدام على الناس، مؤكدا أنه عند رفع تلك القيود سترى العواقب.

وأشار تقرير الجارديان إلى أنه رغم الأرقام الكبيرة التي سجلتها الولايات المتحدة من إصابات ووفيات بسبب الفيروس، إلا أن إدارة ترامب تحولت إلى استئناف النشاط الاقتصادي وتبعها العديد من الولايات التي يقودها الجمهوريون حيث أعادت فلوريدا وجورجيا فتح العديد من الشواطئ والمطاعم وصالونات تصفيف الشعر والأظافر.

على الجانب الآخر، تبرز مخاوف من تصاعد أعداد العاطلين عن العمل بسبب الإغلاقات الناجمة عن تفشي الجائحة والتي أدت إلى ارتفاع حاد في حالات الانتحار في الولايات المتحدة.

وحسب تقرير لصحيفة ديلي ميل البريطانية فإن الانتحار وتعاطي المخدرات وإدمان الكحول والعنف المنزلي يتزايد خلال فترات الصراع وزيادة البطالة.

تقول الطبيبة نيكول سافيير في تصريحات لصحيفة ديلي ميل: "الارتفاع الحاد في نسب البطالة جراء الإغلاق الاقتصادي المستمر منذ أسابيع في جميع أنحاء البلاد تسبب في ارتفاع أعداد الوفيات بتعاطي المخدرات أو بالانتحار".

الطبيبة أعربت عن تخوفها من أن بعض المجتمعات قد تتجاوز فيها نسب الوفاة للأسباب السابقة على نسب الوفيات بسبب كورونا، وشددت على أن التداعيات غير المباشرة للفيروس يمكن أن تتخطى الناجمة عنه بصورة مباشرة.

وتشير دراسة نشرها المكتب الوطني للبحث الاقتصادي الأميركي إلى أن ارتفاع البطالة بنسبة 1% يقابله ارتفاع في تعاطي جرعات زائدة من المخدرات بنسبة 3.3% وارتفاع في نسب الانتحار بمقدار 1%.

كما حذرت سافيير من أنه في حال ارتفع معدل البطالة إلى 32% فإن الزيادة الناتجة في حالات الانتحار والوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة من تعاطي المخدرات يمكن أن تصل إلى 77 ألفا وهو رقم قريب من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا حتى الآن.

وتظهر التقديرات أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعانيها الولايات المتحدة جراء الفيروس تعد الأعنف منذ فترة الكساد العظيم التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي.