دول تسرق وأخرى تستغيث.. كيف تعاملت تركيا مع أزمة كورونا؟

12

طباعة

مشاركة

كشفت جائحة كورونا الكثير من العيوب التي تعاني منها أنظمة دول قوية، حيث باتت عاجزة عن توفير أبرز احتياجات شعوبها، بدءا من الأقنعة وصولا إلى مستلزمات طبية أخرى.

وفي هذا السياق، قالت صحيفة تركية: إنه "لم يتوقع أحد أنه وفي القرن الراهن يمكن أن يتسبب فيروس في إغلاق المدن والطرقات، وارتفاع مهول في عدد الوفيات والإصابات، حتى بات الجميع في صدمة، سواء الدول الغنية أو الفقيرة أو الأفراد".

وقال الكاتب في صحيفة يني شفق إبراهيم كارغول: إن الجميع كان يخشى الأسباب المعهودة التي تثير الذعر في النفوس، بدءا بالأزمات الاقتصادية أو السياسية وحتى الفوضى الاجتماعية وصولا للحروب والصراعات الأهلية.

لكن، أن ينتظر الجميع فيروسا أو جائحة فهذا لم يكن بالحسبان البتة، نظرا إلى تقدم العالم المهول تقنيا وتكنولوجيا وغيره.

عجز دولي

وتساءل الكاتب: "فهل يعقل أن الإنسان الذي وصل إلى ذروة التكنولوجيا والمعلومات التي يمكنها البحث عن البكتيريا في أقمار المشتري، يبدو الآن ضعيفا أمام فيروس اكتسح حياة البشرية بأكملها؟".

ومضى الكاتب قائلا: "المثير للدهشة أن الجميع بات عاجزا أمام كورونا، الفقير والغني، حتى أن الدول الغنية باتت أكثر عجزا، تبدو وكأنها تنهار، سواء أنظمتها الصحية، أو كوادرها الطبية، وحتى الرفاهية التي وعدت بها هذه الأنظمة شعوبها".

وأردف: "باتت القيم والمفاهيم التي ألفوها لسنوات طويلة كالرفاهية والأمان والثقة في مهب الريح وأصبحت كل تلك الثروات كأنها لم تكن ولم تنفع الناس في شيء".

وبحسب الكاتب، تتضح الصور يوما بعد يوم، حيث باتت الاتحادات غائبة، "فلا رؤية أميركية فاعلة ولا اتحاد أوروبي نشط، لا نظام غربي ولا محور أطلسي، كل تلك الأنظمة التي تحكمت في العالم على مدى سنين وسنين، قضى عليها وعلى كبريائها وبصيرتها العمياء فيروس".

وذكر أن "هذه الأنظمة العفنة لا تقوى على شيء؛ حتى وصل من استعمر العالم كله، من يبيد شعوبا بكاملها لمجرد أن قالوا لا".

وقالت الصحيفة: إن تلك الأنظمة أصبحت عاجزة حتى عن توزيع الأقنعة الواقية على شعوبها، وباتوا يسلبونها بالقوة من دول أخرى، مضيفا: "مواد التنظيف باتت شحيحة، والرعب يسيطر على الأرجاء". 

وكل تلك الأموال، وفق الكاتب، يبدو أنها لم تنجح في أن تحمي شعوبهم من هذه الجائحة، "فلا أجهزة تنفس ولا مستلزمات طبية كافية، فلجؤوا إلى سرقتها من بعضهم البعض". 

وشدد الكاتب على أنه "لا شك أن ظروفا مثل هذه، ستعمد إلى تأسيس نظام عالمي جديد، فهذه نتيجة منطقية لا خلاف عليها، حيث سيتم إعادة تشكيل عالم يمكنه مساءلة الغرب الذي تغير محوره ومفهوم سلطته وطريقة نظامه الاقتصادي والسياسي؛ ولن تعود الدول كما كانت".

بل ستنغلق تلك الدول على نفسها، وستعمل على تقوية قدراتها الذاتية الوطنية، وستفعل نظاما ينتج الاحتياجات الإستراتيجية ويعمد إلى ترتيب منظومة احتياجات ومن ثم توفيرها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وفق تقديرات الكاتب.

وأضاف: "لن تكون لمستويات الدفاع والصناعة والتكنولوجيا تلك القيمة كما الزراعة التي سيكون لها الرصيد الأكبر، كل تلك المفاهيم التي كانت سائدة سيتم إعادة الحسابات فيها، وبالطبع لن تعود الأمم تثق في بعضها البعض كما كان الأمر من قبل".

صراع على الأقنعة

فالصراع على الأقنعة الطبية من جهة وأجهزة التنفس من جهة أخرى لا يمكن بحال أن ينشيء اتحادا إستراتيجيا مستقبلا ولا أن يبقى اتحادا قائما، وفق ما قال الكاتب التركي.

ولفتت الصحيفة إلى أن الجميع أدرك هذا الأمر متأخرا عدا تركيا، عبر رؤية "وطنية محلية" ثاقبة، ثابتة، منذ عشر سنوات، حيث تقول: "استطاعت أنقرة تحييد الكثير من الأطراف الداخلية التي كانت تهون من مبدأ الإنتاج المحلي والدفاع الذاتي، والنظام الرأسمالي، وأنظمة المساعدات الاجتماعي".

وأشادت الصحيفة بحراك تركيا الجيوسياسي وعودتها المبكرة إلى الحضن التاريخي والجغرافي وصولا إلى إنتاج كل ما يلزم بدون الاعتماد على مؤسسات أجنبية، وهي التي كانت تعي أكثر من غيرها أن النظام العالمي يتجه إلى الانهيار.

وقد تبين ذلك الآن، فبدت تركيا، وفق الكاتب، أكثر استعدادا من دول أخرى كثيرة طلبت المعونة والمساعدة، ولم يكن للذعر مكانا في البلاد، حيث أعلن عن برنامج هادئ متوازن، يتغير بتغير الظرف والمنطقة".

ويقول الكاتب: "تبين أن أولئك الذين ينادون بالعودة لنظام برلماني، والتراجع عن النظام القائم، ويقارنون بين تركيا الآن وبين دول كبيرة عالميا لا يملكون فكرا ولا قدرة على مواجهة أزمة كجائحة كورونا الراهنة".

وتابع: "لقد سخر هؤلاء وعلى مدار سنين طويلة من بناء المدن الطبية، وقللوا من شأن بناء القوة العسكرية بحرا وجوا، ويهاجمون الاقتصاد وبرامج دعمه، كما يسخرون من حملات التضامن الاجتماعية، ولم يكن لسخريتهم هذه أي فائدة، وليس عليهم إلا أن يصمتوا، فليس لحديثهم معنى ولا قيمة".

وعاد الكاتب ليذكر بأن العالم سيتغير، وستسقط دول وتصعد أخرى، مضيفا: "الجميع بات يتوقع ما هو أسوأ، لكن الدول التي استعدت من قبل ستنجو، ويرحب بها المستقبل مشرعا ذراعيه، وما سواها سيسقط، ويبقى من الماضي".

وفي وقت تجري ما يقرب من عشرين دولة اختبارات لمحاولة صنع لقاحات، فإن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل بدأت عبر أجهزة استخباراتها، بسرقة أقنعة الحماية ومستلزمات طبية لا تملكها.

لقد بدت بعض الدول، المصنفة بأنها عظمى، عاجزة عن تصنيع قناع طبي، وفقدت أو تعاني من نقص رهيب في المستلزمات الطبية الأساسية، وباتت تعتمد على الصين حاليا التي تزود العالم الآن باحتياجاته الطبية في ظل هذه الأزمة الراهنة.

ويقول الكاتب: "باتت الصين قائدة للعالم من خلال هذه المواد، واستحالت هذه المستلزمات إلى قوة ناعمة. لكن هذا الأمر لن ينطلي على العالم، والكثير من التوقعات تشي بأن يقوم الكثير على مستوى الأفراد والشركات والمؤسسات والدول برفع دعاوى قضائية بمئات الملايين ضد الصين".

وعزا ذلك إلى أن "هذا الفيروس لم ينتقل من الحيوان بل من خلال إحدى مختبرات ووهان الصينية ومن خلال الإنسان، وهذا ما قالته مختبرات رصينة بعضها في بريطانيا، وهذا يعني أن الوباء قد جرى إنتاجه ما يفتح أبوابا لحروب أخرى كبيرة".

والخلاصة هنا أن "المفاهيم كلها تغيرت، سيما ما يتعلق بالحياة والأمن والدول، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، الحرب على الوباء نفسها هي حرب على القوة، فمن يتحكم به ويتمكن من القضاء عليه، سيكون له موقع مختلف، وفي الختام هناك دول ستبقى وأخرى سترزح تحت الأنقاض".

أبرز التغيرات

وفي مقال آخر له، جزم الكاتب إبراهيم كارغول أن العالم بعد فيروس كورونا لن يكون كما قبله، موضحا أن "أبرز التغيرات ستكون في أفول نجومية المنظمات الدولية على حساب مركزية الدول، وكذلك سقوط الكثير من الاتحادات وغياب نظام العالم ذي القطب الأوحد واستحالة العالم إلى دنيا متعددة الأقطاب".

وقال الكاتب في مقالة بصحيفة يني شفق: "الولايات المتحدة لم تأخذ مواجهة فيروس كورونا على محمل الجد، على الرغم من أنه جرى تحذيرها منه منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وظنت الجهات المعنية هناك على أنها موجة إنفلونزا عادية".

وعليه، قد يفسر هذا أن الولايات المتحدة الآن في صدارة الدول المتضررة من الوباء، وفي ذات الوقت يعزو البعض تضرر أوروبا الكبير منه أيضا إلى أن الفيروس تمكن من دخول الأراضي الأوروبية مبكرا قبل التمكن من اتخاذ أي تدابير.

لكن، في المقابل، ثمة من يؤكد أن أوروبا هي الأخرى تعاملت مع الفيروس على أنه موجة عادية من الإنفلونزا أو التهاب رئوي لسبب أو لآخر، وفي أسوأ الظروف، تصرفوا معه على أنه مرض شبيه بإنفلونزا الخنازير.

وبحسب الكاتب، فإنه بعد أن تفشى كورونا في أوروبا في شكل لا يمكنه من الانتشار أكبر، سوف يتباطأ يوما بعد يوم، حتى يخف في أقصر وقت مما هو متوقع إلى أن يتم السيطرة عليه بالكلية.

ولعل بعض الإشارات تدعم هذا الرأي كتلك القادمة من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا التي بدأ تسجيل الإصابات فيها بالتناقص. 

وقد بدأت بالفعل إشارات شبيهة بتلك تلوح من إيطاليا، التي تعتبر واحدة من الدول التي أصيبت بأضرار بالغة نتيجة الفيروس. ويقول الكاتب: "هناك من يتحدث أيضا عن أن الوباء اقترب من بلوغ ذروته في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا".

ماذا عن تركيا؟

ولكن ماذا عن تركيا، هل يمكن أن تكون قد بلغت تلك الذروة؟ هل يمكن القول بأن التفشي سيتباطأ اعتبارا من الأسبوع القادم، ليتراجع فيما بعد؟

يجيب الكاتب: "هناك بعض الأوساط تتحدث عن أن الوباء قد بلغ ذروته في تركيا، ودخل مرحلة التباطؤ، كما أن التدابير وتوفير العلاج سيساهمان في إبطاء الفيروس وإيقافه. وحين النظر في الاتجاهات العالمية ومقارنة ذلك بأنقرة، نجد أن هذا الطرح معقول ومنطقي بشكل كبير".

ورأى الكاتب أن تركيا تعد "أفضل دولة في العالم من حيث التدابير التي اتخذتها لمواجهة الفيروس ومن حيث العلاج، أضف إلى ذلك التنسيق ودرجة التعاون الكبيرة بين مؤسسات الدولة المختلفة مع بعضها البعض، لقطع الطريق أمام انتشاره، إضافة إلى المسؤولية الكبيرة التي أبداها الشعب إزاء ذلك". 

تركيا الآن لم تكتف بذلك، فهي تمد الآن يد المساعدة للعشرات من الدول التي احتاجتها، بينها دول ثرية. وعلى الصعيد المحلي، فهي أيضا أسهمت في دعم الشركات والمؤسسات بل والأفراد، وفق الكاتب.  

وشدد الكاتب على أن "تركيا تتبع خطى ثابتة لإبطاء تفشي فيروس كورونا، وأيضا التمكن من معالجة المصابين، وكذا خطوات اقتصادية مهمة تسهم في إنجاح التدابير المتخذة، ووصل الأمر لتوزيع الأقنعة الواقية على مواطنيها بالمجان، بل حذرت من بيعها أيضا وحاليا تقدمها على شكل مساعدات لبعض الدول".

وفي حين تتصارع دول عدة ومنها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا على المستلزمات الطبية البسيطة وأبرزها الأقنعة الواقية، فإن تركيا توزعها على مواطنيها بالمجان، فضلا عن تقديمها مساعدات لتلك البلدان، وهذا الوضع سيكون متاحا لتحولات عالمية قريبة، بحسب الكاتب. 

سيناريوهات الأزمة

لكن، يتساءل الكاتب: "هل بالفعل السبب وراء نسبة الوفيات المرتفعة في الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا؛ هو التدابير المتأخرة والإهمال فقط؟، هل السبب هو الاعتقاد بأن الوباء هو مجرد "فيروس صيني" لن يكون له تأثير على الغرب؟ أم أن السبب وجود غالبية في نسبة الأكبر سنّا بين السكان؟".

ورأى أن هذه الاحتمالات وغيرها واردة لكنها غير مقنعة، ففي حين أن عدد الوفيات في الصين تحت حاجز 4 آلاف، فإن عدد الوفيات في الولايات المتحدة يوميا يصل إلى نحو ألفين، بينما تسجل الوفيات في إسبانيا وإيطاليا أرقاما قياسية، ولذا فالعجز الذي تعانيه دول مجموعة السبع بات غير مفهوما.

وتحدث الكاتب عن الصراع الأخير بين الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، واتهام واشنطن للمنظمة تارة بالتقاعس وتارة أخرى بالتواطؤ مع الصين، "وهو أمر لافت، ومثال على ما يمكن أن يتغير وعليه فجميع الهياكل من منظمات ومؤسسات وغيرها تفقد ثقتها".

عادة، لا ترغب الدول في العمل مع مؤسسات وسيطة، وبالتالي قد تكون أهداف إدارة ترامب هي تعطيل هذه المؤسسات وهذا ما يبرر هجومه على منظمة الصحة العالمية وقبله ربما وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين (الأونروا).

ويعلق الكاتب: "بعد كورونا من الطبيعي أن الكثير من المسميات المتعددة للمنظمات هذه سوف تفقد بريقها، وقد تختفي إلى الأبد وعلى صعيد عالمي، وقد يتحول العالم إلى دول مركزية بعد ذلك وليس منظمات، وفيه تعتمد الدول على ثباتها داخليا وعلى قوتها الجيوسياسية من الخارج".

أيضا من ملامح ما قد يحدث بحسب الكاتب، تغييرات جذرية في نظام الاقتصاد العالمي، ومفهوم المال، وزيادة الموارد والأموال وذلك جراء المنافسة على مصادر "الغذاء" بغض النظر عن الدفاع والصحة. 

والخلاصة هنا أن "فيروس كورونا وانتشاره سيبدأ بالعد العكسي وعلى مستوى عالمي، لكن الحكاية لن تنتهي هنا، وأمام الجميع الكثير من الدراسات والحسابات التي سيتوجب القيام بها، فهناك حديث واحتمالية لتفكك الاتحاد الأوروبي وهناك توتر بين أميركا والصين الذي كان قد وصل ذروته قبل الفيروس، فما بالكم بعده". 

أيضا ستكون تركيا مركز قوة جديد كما أن مرحلة تعدد الأقطاب تبدأ الآن. وعليه، يقول الكاتب: "يمكن أن تتصارع الدول مع بعضها، والدول مع التنظيمات أو المؤسسات العابرة للقارات".

ومن السيناريوهات مثلا انفصال جنوب أوروبا عن الاتحاد، وحدوث تغير جذري في شكل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك بين الأخيرة وروسيا وبين الطرفين مع الصين".

ويقول: "ثمة دول ستزيد قوة، وأخرى ستنهار، فيما لن يكون للمنظمات الدولية أي قيمة تذكر. وبشكل خاص ستتحول تركيا إلى مركز جذب للمنطقة، وتعمل على تأسيس اتحادها الخاص، إذ إنها تملك الفرص الكثيرة لتحقيقه، ومن الممكن أن يتفكك النظام الاقتصادي الذي يتخذ من لندن ونيويورك عاصمتين له".