مجلة أميركية: يجب على العالم إنقاذ الدول النامية قبل حدوث هذه الكارثة

12

طباعة

مشاركة

تنبأ تقرير نشرته مجلة أميركية بكارثة محققة قد تصيب الدول النامية والفقيرة بسبب انتشار فيروس كورونا، حيث تعجز الولايات المتحدة مع كل إمكانياتها عن مواكبة معدل تفشي الوباء واجتياحه لمدنها.

وقالت مجلة فورين أفيرز: "تعاني أنظمة أميركا الصحية من النقص في وحدات الكشف السريع عن الفيروس، فضلا عن فشل الدولة بشكل كامل في تعزيز قدرات المستشفيات ووحدات العناية المركزة، وزيادة الإمداد من الأقنعة الواقية والقفازات وأجهزة التنفس الصناعي".

كل هذا يثبت أن النظام الصحي المستنفر بالفعل غير قادر على التتبع والعزل والحجر الصحي. أضف إلى ذلك فشل المواطنين العاديين في فصل أنفسهم عن بعضهم البعض واستمرار معظم الشركات بمزاولة أعمالها، وفق التقرير.

ويوضح: "الآن، تخيل كل ذلك مضاعفا أضعافا عديدة بشكل غاية في السوء. لذلك فإنه بالنسبة لأي من البلدان النامية، فإن مثل هذا السيناريو ليس مسألة تكهنات. إنه مستقبل محتمل، إن لم يكن حقيقة وشيكة".

وأعد التقرير كل من "روبرت مالي" الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية -عمل أيضا كمنسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول الخليج (2015-2017)، و"ريتشارد مالي" طبيب الأمراض المعدية في مستشفى بوسطن للأطفال وأستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد.

ولا يختلف الحال كثيرا في باقي البلدان المتقدمة والمجهزة نظريا بشكل أفضل للتعامل مع تداعيات هذه الجائحة، سواء كانت الصين أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة أو إيطاليا.

فعلى الرغم من أن هذه الدول تتمتع بثراء نسبي ومؤسسات قوية وأنظمة سياسية وطبية فعالة إلى حد ما وفقا للمعايير العالمية؛ فإنها، أيضا تكافح من أجل البقاء. فكيف يكون الحال مع الدول الأكثر فقرا أو التي تمزقها الصراعات، حتما سيكون التأثير ساحقا، يقول التقرير.

ويتابع: "لسوء الحظ، فإن هذه اللحظة ليست بعيدة للغاية: فكل من الهند وباكستان والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين ونيجيريا وجنوب إفريقيا لديها مئات أو الآلاف من الحالات. وكما أظهرت تجربة العديد من الدول المنكوبة بهذا الوباء، فإن الانتقال من المئات إلى مئات الآلاف من الإصابات يفصله أيام معدودة".

يستعد للانقضاض

وناقش التقرير بعض العوامل المؤثرة في انتشار كورونا في البلدان النامية بالقول: "حتى الآن، من غير الواضح إلى أي مدى انتشر المرض في الدول الأقل تقدما، حيث إنها لا تملك الإمكانيات للقيام باختبارات الكشف عن الفيروس بشكل كاف".

قد يتفشى بشكل محدود بسبب فرضية أن الوباء قد يكون موسميا بدرجة كبيرة وأقل قابلية للانتقال في المناخات الأكثر رطوبة ودفئا، فالموسمية هي سمة من سمات الفيروسات الراسخة.

ومن المرجح أن تؤثر التغيرات في درجة الحرارة والرطوبة على قدرة الفيروسات على الانتشار، ولكن في حالة الوباء التاجي الجديد لا يوجد دليل واحد على ذلك، حيث أن سنغافورة، على الرغم من مناخها الأكثر دفئا ورطوبة باستمرار، واحدة من الدول الأولى المتضررة.

من المحتمل أن يكون أي تأثير للطقس على الفيروس التاجي متواضعا في أحسن الأحوال، مما يؤخر الكارثة بدلا من منعه، وفق التقرير.

وأوضح أن عوامل خطر COVID-19 المعروفة، مثل الشيخوخة، والسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، أو ارتفاع ضغط الدم، أكثر انتشارا في البلدان ذات الدخل المرتفع. في حين أن العديد من البلدان النامية ذات مجتمعات أكثر شبابا.

وقد تعني هذه الحقائق مجتمعة أن الفيروس سيضرب البلدان ذات الدخل المنخفض بشكل أقل حدة. ولكن مع الأسف فإن هذا ليس صحيحا.

فهذه المجتمعات الفقيرة تعاني من مشاكل صحية أخرى من سوء التغذية المزمن إلى فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والسل والتدخين وسوء نوعية الهواء. ومع الافتقار إلى الرعاية الطبية العاجلة حتى الشباب قد يتعرضون إلى مخاطر.

وتابع التقرير: أن "الوباء سيضرب بالتأكيد البلدان النامية، حيث أرجع الأرقام المنخفضة حاليا إما إلى عدم الكشف أو إلى الفاصل الزمني بين وقت انتشار الفيروس لأول مرة ووقت ظهوره".

ومع اجتماع عوامل مثل عدم كفاية البنية التحتية الصحية الأساسية، والافتقار غالبا إلى المياه الجارية النظيفة، ووجود كثافة سكانية عالية، مع بناء اجتماعي أسري قوي يحول دون التباعد الاجتماعي الفعال، وعندما تكون الحكومة غير قادرة على دعم محدودي الدخل -الذين يعتمدون بشكل كامل على راتبهم للبقاء على قيد الحياة- للبقاء في بيوتهم، تصبح تكلفة إغلاق الشركات أمرا لا يمكن تصوره.

وكما أشار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في "فاينانشيال تايمز"، فحتى التوقف القصير في الزراعة أو الحصاد يمكن أن يكون له عواقب مدمرة على الإمدادات الغذائية في بلاده. وسيتفاقم كل هذا حتما بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي الكبير الذي ينتظره والذي سيضرب الدول الهشة بشدة، ويضر أكثر بمرونتها.

ولذلك، فإن تفشي COVID-19 في أي من هذه الدول يمكن أن يؤدي إلى عدد لا يمكن تخيله من القتلى. وتشير التقديرات في الولايات المتحدة إلى أن ما يقرب من 5-10% من مرضى كوفيد 19، يحتاجون إلى دخول المستشفى في وحدات العناية المركزة (ICUs).

وفي معظم البلدان الأكثر فقرا، يحدث نقص حاد في أسرة العناية المركزة حتى في الظروف العادية. الولايات المتحدة لديها ما يقرب من 33 سرير وحدة العناية المركزة لكل 100 ألف شخص. ينخفض ​​هذا العدد إلى حوالي اثنين في الهند وباكستان وبنغلاديش.

في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الوضع أكثر خطورة: زامبيا لديها 0.6 سرير وحدة العناية المركزة لكل 100،000. غامبيا لديها 0.4، وأوغندا لديها 0.1.

وبالتالي فإنه من المؤكد أن معدل الوفيات -الذي يُقدر حاليا في الدول الأكثر ثراء بين 0.25-3.0% وفي دولة مثل إيطاليا تجاوز معدل الوفيات الـ 10%-، سوف يتضاعف بشكل خطير ويمكن أن تصل أعداد الضحايا إلى ملايين بسهولة.

الخطوات التالية

وفي محاولة للإجابة على سؤال: ما العمل؟ يتابع التقرير: "يجب على الحكومات في البلدان النامية، بطبيعة الحال، أن تبذل قصارى جهدها لفرض التباعد الاجتماعي، وتعزيز قدراتها على الاختبار وتتبع الاتصال، وعزل مواطنيها الأكثر ضعفا، وتحويل أولويات ميزانيتها إلى الصحة العامة".

ولكن في العديد من هذه الدول، سيكون من الصعب تنفيذ هذه التدخلات. في نهاية المطاف، يجب أن يأتي جزء كبير من الاستجابة من الخارج، من الدول الأكثر ثراء، والمؤسسات المالية الدولية، والمجتمع الصحي العالمي.

ويتابع التقرير: "يجب على المنظمات الدولية أو الدول بمفردها توفير الأموال بشكل عاجل حتى تتمكن الدول النامية من إنتاج أو شراء الإمدادات الطبية".

يمكن أيضا إسقاط بعض الديون وتأجيل الباقي. وقد أصدرت الأمم المتحدة بالفعل نداء بقيمة 2 مليار دولار لمكافحة الوباء. إنها بداية، لكنها بالكاد تكفي لأي شيء، وفق التقرير.

وتأتي الخطوة الثانية على عاتق حكومات هذه الدول، "فلا بد أن يتم إنفاق الأموال بحكمة، حيث يجب التركيز على زيادة إمدادات معدات الحماية الشخصية لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية".

كما يجب بحسب التقرير أن تكون الأولوية لضمان أن البلدان الفقيرة يمكنها تحديد الأفراد المصابين والأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم والتأكد من أن أولئك الذين يعانون من أعراض خفيفة نسبيا يمكن تشخيصهم في مراكز الاختبار أو في المنزل، بدلا من طلب الرعاية في المستشفى.

هذه الإستراتيجية "هي أفضل طريقة لتخفيف الضغط على النظم الصحية المستنفدة بالفعل وإنقاذ الأرواح". لتنفيذ ذلك، يجب على شركات التكنولوجيا الحيوية، والمنظمات غير الربحية، والمنظمات الصحية الدولية أن توحد جهودها لتطوير وتوزيع أدوات اختبار منخفضة التكلفة، وفق التقرير.

وأردف: أنه "في المستقبل، إذا تمكن الباحثون من إعادة استخدام أو تطوير دواء يمكن أن يقلل من شدة المرض ويجعله أقل فتكا، فإنه يجب على الدول الأكثر ثراء أن تعمل على توفيره إلى الدول النامية".

وينطبق الشيء نفسه على أي لقاح مستقبلي، والذي سيكون متاحا في ظل أفضل سيناريو خلال من 12 إلى 18 شهرا من الآن.

ونظرا لأن الإبعاد الجسدي والحجر الصحي - الإجراءات البديلة الوحيدة الموجودة حاليا للسيطرة على الفيروس - أكثر صعوبة في التنفيذ في معظم البلدان الأكثر فقرا، يجب اعتبار الوصول العالمي إلى أي علاج أو لقاح فعال أولوية قصوى.

وبمجرد أن ينتهي التهديد الذي يشكله كوفيد 19، في نهاية المطاف، ستحتاج البلدان النامية مرة أخرى إلى مساعدة ضخمة، هذه المرة للمساعدة في إعادة بناء اقتصاداتها والتأكد من استعدادها بشكل أفضل للوباء التالي، وفق التقرير.

الآثار الجانبية

كما يحذر التقرير من الآثار الجانبية المتوقعة، ويحث الدول المتقدمة على الاهتمام بدورها بأوضاع الدول الفقيرة.

وجاء فيه "لا شك أنه سيكون من الصعب إقناع الآخرين بالاهتمام بمحنة الدول الأكثر فقرا، في وقت تواجه فيه جميع البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، الوباء، والدمار الاقتصادي، والأكثر صعوبة هو إقناع الرأي العام بإنفاق الموارد في الخارج عندما تكون هناك حاجة إلى الكثير منها في الداخل".

وتابع: "إن هذا الوباء الذي لا يعرف حدودا. بغض النظر عن الإغلاق الفعال للحدود، فإنها لن تستطيع أبدا احتواء الفيروس بالكامل -سيكون هناك حتما تسرب، مما يسمح للفيروس بالعودة إلى المناطق التي تم القضاء عليها".

ورأى أن التغلب على COVID-19 فقط في بعض الأماكن سيظل نجاحا قصير الأجل إذا لم يتم القضاء على المرض في كل مكان.

وبعيدا عن خطر انتشار المرض إلى الدول الغنية مرة أخرى، يقول التقرير: "هناك أبعاد أخرى أشد خطرا يمكن أن تحدث في حالة معاناة العديد من البلدان النامية من خسائر فادحة في الأرواح، وانهيار اقتصادي عنيف يزيد من معدل البطالة والفقر إلى درجات غير مسبوقة".

كل هذا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية عنيفة تؤدي إلى انهيار الأنظمة ونشوب صراعات داخلية دامية ينتج عنها في النهاية تدفقات من اللاجئين الضخمة، أو نمو الجريمة المنظمة، أو الجماعات الإرهابية التي تستفيد من انتشار الفوضى - كل منها يمكن أن يؤثر في النهاية على أوروبا والولايات المتحدة.

لذلك فإن مساعدة العالم النامي على تجاوز التأثير المباشر لـ COVID-19 وتكاليفه على المدى الطويل ليس مجرد عمل من الإيثار الإنساني، إنما هو ضرورة ذاتية ملحة، وفق التقرير.