ذعر "كورونا".. هل الفيروس وحده ما يشكل خطرا على صحتنا؟

12

طباعة

مشاركة

عندما يحاصرك العدو من أمامك ومن خلفك وعلى جنبيك فمن الطبيعي أن تشعر بالقلق، الوضع مماثل الآن عبر العالم مع انتشار جائحة كورونا.

فالتعليمات تقول: لا تخرج من منزلك لا تصافح أحدا، أبق مسافة الأمان بينك وبين من أمامك، لا تلمس أي أسطح، أو أشياء غير معقمة، وأكثر من غسل يديك. إذا نظرت إلى كل هذا فقد تشعر أنك بالفعل محاصر من كل مكان.

هذا الشعور قد يدخل الناس في حالة من الكآبة، خصوصا وأن الفرد لا يفعل حاليا أي شيء سوى الجلوس في المنزل ومشاهدة الأخبار ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتنبأ بأن العالم ينهار من حوله. 

منظمة الصحة العالمية أكدت على أن الحالة النفسية السيئة ليست مجرد اضطرابات نفسية عابرة دون أي تأثير على الصحة العامة للإنسان، بل هي جزء لا يتجزأ منها. 

وذهبت إلى حد القول: إن الحفاظ عليها يعني إبقاء الجهاز المناعي سليم، وهو أهم جهاز يحتاجه الجسم لمواجهة فيروس كورونا المستجد الذي يطيح بعشرات الآلاف يوميا عبر العالم. 

إدراكا منهم بمدى أهمية الحفاظ على المعنويات في أعلى درجاتها، خرج مجموعة من الشباب للعزف على شرفات منازلهم في العديد من الدول، وآخرون للمشاركة في كورال جماعي، أو ممارسة الرياضة بشكل جماعي، كل في مكانه. 

يعلم المتخصصون إلى أي حد يمكن أن تؤثر الأخبار السيئة المتتالية على صحة الإنسان النفسية، وإجباره على الجلوس في المنزل وترك كل النشاطات اليومية التي كان يواظب عليها، لكنهم في الوقت نفسه يشددون على أن الاستسلام للاكتئاب هو بمثابة فتح الباب في وجه الفيروس ليهاجم الجسم. 

من المتحكم؟

التمكن من الحفاظ على سلامة الصحة النفسية في الظرف العصيب الذي يمر فيه العالم، هو أمر في غاية الصعوبة، وعدم القدرة على فعل ذلك دفع وزير مالية ولاية هيسن الألمانية، توماس شيفر إلى الانتحار.

وقد عثرت السلطات الألمانية على جثة شيفر (54 عاما) في 20 مارس/آذار 2020، على سكة قطار سريع بمدينة فيسبادن، عاصمة الولاية، جنوب غربي ألمانيا.

خلف موت الوزير السابق بالولاية التي تضم فرانكفورت - العاصمة المالية - صدمة كبيرة في الأوساط السياسية الألمانية، خصوصا وأن حاكم الولاية، فولكر بوفييه قال: إن شيفر أصيب بحالة من اليأس من إيجاد حل لجائحة كورونا في الولاية.

قلق شيفر من الفشل في تحقيق التطلعات الكبيرة للسكان، لا سيما المتعلقة بالمساعدة المالية، جعلت المخاوف تسيطر عليه ما أدى به إلى الانتحار، حسب بوفييه.

الوفاة المفاجئة للوزير المنتمي لحزب المستشارة أنجيلا ميركل "المسيحي الديمقراطي"، لم تصدم الألمان فقط بل كل من قرأ الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما عبروا عنه في تعليقاتهم.

وقد لا يكون خبر الانتحار صادما بقدر الصدمة من ارتباطه بجائحة كورونا التي ضربت العالم، فهل علينا أن نقلق؟ 

يقول المتخصصون: إن دورك هو السيطرة على القلق والهلع حتى تضمن سلامة نفسيتك وجهازك المناعي، وعندما يعلم الإنسان أنه عامل مؤثر في الرفع أو الخفض من نسبة الإصابة، يتحول الأمر إلى حافز. 

ورغم إصابة والده شارلز بالفيروس، حث الأمير البريطاني وليام وزوجته الدوقة كيت نهاية مارس/آذار، الناس على الاهتمام بصحتهم النفسية خلال أزمة تفشي فيروس كورونا الجديد.

وكتبا على حساب قصر كينزنجتون الرسمي على تويتر "الأسابيع القليلة الماضية كانت مثيرة لقلق وانزعاج الجميع. علينا أن نستقطع وقتا لدعم بعضنا البعض، ونجد سبلا للعناية بصحتنا النفسية".

حفز نفسك

وينصح خبراء علم النفس بتحويل الأمر إلى فرصة إيجابية عبر زيادة الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة، واستثمار هذا الوقت في مشاريع شخصية مؤجلة كان إيقاع الحياة السريع يعيق تنفيذها، والتفكير في أن اكتساب هذه المهارات سيخلق منك شخصا جديدا متطورا بعد الأزمة.

الجلوس في المنزل قد يكون منحك أيضا فرصة التخلص من تعب التنقل إلى العمل، ومن ثم. فقد قضى موظفون أميركيون سنة 2018 في المواصلات 225 ساعة، فماذا عن بلدك الذي لن تكون المواصلات العامة والطرقات فيه مجهزة بقدر جودتها في الولايات المتحدة. 

منظمة الصحة العالمية  كانت قد كشفت في تقرير سابق لها أن طول عدد الساعات التي تقضيها في المواصلات يزيد خطر الإصابة بأمراض الضغط والقلب والسمنة.

لهذه الأسباب، يرى الخبراء أن عليك الكف عن التفكير في أن المنزل سجن، وأن مهمتك تكمن في تقليل الشعور بالخوف والضغط والملل.

من خلال إحدى مشاركاته في محاضرات "تيد"، قال مدير التحرير في وكالة "ستوري فول" الإيرلندية، ماركهام نولان: إن ثورة الإنترنت والاتصالات والشبكات الاجتماعية رغم أنها قدمت كما هائلا من المعلومات متاح لنا جميعا فإن هذا الكم في حد ذاته مثير للارتباك.

ففي هذا الكم الهائل من المعلومات كم هائل أيضا من التزييف بغرض الانتشار السريع، والاعتماد الدائم على الإثارة واللعب على المشاعر والعواطف التي تستفز المستخدم للمشاركة والمتابعة، وبالتالي تحقيق هدف -أيا كان- للمزيّفين على حساب الحقيقة.

وهنا يمكن الحديث عن تعريض نفسك إلى ما يطلق عليه المتخصصون اسم "الانتشار الفيروسي" (Viral)، سواء للمنشورات أو الصور أو الإعلانات على الشبكات المختلفة فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها. 

بالأساس، قوة وزخم الشبكات الاجتماعية قائمة على الانتشار الفيروسي للمنشورات -مهما كانت- حتى تصـل لأكبر عدد من المستخدمين. واتضح ذلك مؤخرا في الأخبار المتواترة والسيئة التي لا تتحدث سوى عن كورونا.

ولتحقيق هذا الانتشار الفيروسي تشترط الخوارزميات "جودة الإنتاج"، وهذه الجودة تعني طرافته أو غرابته أو طريقـة عرضه أو كتابته، ما يجعل المستخدم متحمسا لمشاركة المحتوى على أوسع نطاق. ولتوفر هذا الحماس على المحتوى، فعليه أن يلامس مشاعرك سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

وخوفا على صحتك النفسية، يُنصح بمشاهدة الأشياء المضحكة أو المفيدة بعيدا عن الوباء، فعندما يقضي الشخص يومه على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تفتقر إلى الكثير من الموضوعية في نقل الأحداث، يخيل إليه أن العالم أصبح كورونا وفقط، لذا فضل مجموعة من المتخصصين انتقاء ما يتم متابعته وأن تكتفي بمشاهدة نشرات الأخبار مرة في اليوم.

لا إفراط ولا تفريط

وأكد الخبراء على أن غسل اليدين بالصابون العادي لمدة 20 ثانية وتجنب لمس الوجه قبل ذلك وعند لمس أي سطح، كاف لتجنب الإصابة بالفيروس بنسبة كبيرة. لكن نفاد المعقمات ومواد التنظيف من الأسواق والصيدليات ينبئ بعكس ذلك. 

قد لا يدرك الناس مدى أهمية غسل اليدين أكثر من مرة في اليوم، وهو السلوك الذي كان الكثيرون منا يهملونه بشكل كبير في يومياتهم، بل إن البعض يتوجه إلى مائدة الطعام دون ذلك. 

إهمال هذا السلوك كان سببا في وفاة الآلاف من الأمهات والأطفال، وإدراك ذلك والاهتمام به في القرن 19، شكل طفرة في عالم الطب عندما اكتشف الطبيب إيجنس سميلويس أن إهمال غسل الأطباء لأيديهم قبل الدخول إلى غرفة العمليات كان يتسبب في موت الآلاف. 

لكن الإفراط في ذلك قد يؤدي إلى الإصابة بوسواس النظافة أو الخوف من الجراثيم Mysophopia، وهو خوف شديد من الميكروبات إلى درجة تجعلك تعتقد أن العالم عبارة عن مكان قذر.

كما قد يؤدي هذا الهوس بالنظافة إلى الإصابة بالوسواس القهري، وهو مرض نفسي يجعل من الإنسان شخصا غير سوي. 

التعرض للمواد الكيميائية قد يكون ضررا آخرا على الناس. وقد كشفت إحدى الدراسات أن الاستخدام الدائم للمنظفات الرشاشة له تأثير على صحة الرئة بما يشابه تدخين 20 سيجارة كل يوم.

وأثبتت الدراسة أن النساء اللائي يعانين من مشاكل على مستوى الرئة يكن قد استخدمن هذه المواد لمدة طويلة، وكشفت أن وظائف الرئة انخفضت لدى العاملات في مجال التنظيف بشكل كبير، وهو الضرر الذي عادل تدخين 20 سيجارة يوميا على مدى 10 إلى 20 عاما.

وعبر القائمون على الدراسة عن قلقهم من أن تؤدي هذه المواد الكيماوية التي تتسبب بشكل منتظم بإحداث أضرار طفيفة في الشعب الهوائية يوما بعد يوم، إلى تسريع معدل انخفاض وظائف الرئة مع التقدم في العمر، وهو المكان المحبب لدى الفيروس.

وافترض الباحثون أن المواد الكيميائية في منتجات التنظيف تهيج الأغشية المخاطية الهشة التي تبطن الرئتين، ما يؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث ضرر دائم للشعب الهوائية.