"قصص مؤثرة".. لهذا حظرت الصين الدفن ومراسم العزاء في ووهان
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تحقيقا عن الفوضى التي سببها وباء الفيروس التاجي كورونا في مدينة ووهان الصينية في مقاطعة هوبي، حيث منعت تدابير الحجر الصحي التي فرضتها السلطات في مركز تفشي هذا الوباء القاتل، تنظيم مراسم الدفن من قبل عائلات المتوفين.
وقالت الصحيفة: "أطباء، مخترع شهير، رجال شرطة، سينمائي ومدير مستشفى، القائمة الطويلة للضحايا في ووهان وهوبي، جعلت من مقاطعة الألف بحيرة، أرض الدموع".
توفي في المقاطعة 3046 شخصا، وفقا للأرقام الرسمية، جراء الإصابة بالفيروس المعروف علميا بـ "كوفيد 19" - نصفهم في ووهان - وهو رقم أقل على الأرجح من الواقع، إذ هناك العديد من الوفيات التي نسبت إلى الالتهاب الرئوي الفيروسي أو لأمراض أخرى، لم تحسب.
قصة مؤثرة
وبحسب "لوموند"، فإن وفاة السينمائي تشانغ كاي، 55 عاما، في 14 فبراير/شباط ٢٠٢٠، واحدة من أكثر الحالات التي أثارت المشاعر في الصين بعد موت الطبيب لي ون ليانغ في 7 من الشهر ذاته، الذي جرى إسكاته من قبل السلطات عقب إطلاقه ناقوس الخطر من الفيروس القاتل.
ففي رسالة له وهو على فراش الموت، تناقلها أصدقاؤه، أخبر تشانغ كاي كيف أنه بعد صدور "مرسوم" الحجر الصحي في 23 يناير/كانون ثاني، ألغى مأدبة العشاء المخصصة لعائلته في فندق كبير في ووهان بمناسبة رأس السنة القمرية الجديدة.
وقال: "في النهاية أعددنا الطعام في المنزل، وتناولت العشاء مع زوجتي ووالدي، مستمتعين رغم كل شيء، لكنني لم أكن أعرف شيئا عن الكابوس الذي سيحدث". في اليوم التالي، ظهر على والده أعراض الإصابة بالفيروس، بحثت العائلة في المستشفيات عن سرير لكن المحاولات باءت بالفشل.
والدة تشانغ كاي أصيبت أيضا، وأصبح الجميع يتبادلون الأدوار لرعاية الوالدين اللذين يخضعان للحجر الصحي في المنزل، لكنهما لقيا مصرعيهما الواحد تلو الآخر.
تشانغ كاي وزوجته وشقيقته شعرا أيضا بالمرض، حيث توفي في 14 فبراير/شباط ٢٠٢٠، تلته أخته، وترك زوجته في حالة خطيرة.
وتشير الصحيفة إلى أنه في الأسابيع الأولى من فرض الحجر الصحي على ووهان، وفي ظل القرارات المتناقضة، والسباق للوصول إلى المستشفى، وعدم اليقين بشأن آثار الفيروس، أصيبت الأسر بالصدمة.
وتابعت: "كان يُمنع المرضى الذين يتدهور وضعهم في المنزل من الوصول إلى المستشفيات، وللقبول، يجب إرسال الاختبار الإيجابي للفيروس - إذا نجح المرء في إجراء الاختبار- إلى لجنة المقاطعة، التي لديها وحدها القدرة للعثور على مستشفى".
جثث مصابة
الآن، المشكلة الكبرى، تواصل الصحيفة، كانت وفاة الكثيرين في المنزل حيث يوجد الأقارب، ويمكن أن يصابوا، أما الذين يموتون في المستشفيات فيكونون بمفردهم.
وتنقل عن ووهان فانغ فانغ، الذي يصف الكارثة التي ضربت مدينته "أصبح نقل شخص عزيز إلى المستشفى هو لحظة الوداع، ففي كثير من الأحيان لن يراه أهله مرة أخرى".
ويضيف: "المأساة هي عندما تمتلئ دفاتر سجلات الوفيات في غضون أيام قليلة، بدلا من عدة أشهر، المأساة عندما تحمل عربات نقل الموتى عدة جثث دفعة واحدة في أكياس فوق بعضهم البعض. المأساة ليست هي الشخص الذي يموت، ولكن في غضون أيام قليلة عائلة بأكملها".
وتنوه "لوموند" إلى أنه في الأيام التي تلت إعلان الحجر الصحي، أصدرت ووهان والمدن الأخرى في هوبي تعميمات صارمة للغاية، منها أنه "يجب تطهير الأشخاص المشتبه في وفاتهم بسبب الفيروس، وتعبئة أجسادهم في حقائب خاصة يُسمح فقط لموظفي محرقة الجثث بحملها".
ووفقا للقرار الصادر يوم 29 يناير/كانون ثاني في مدينة سويتشو شمال شرق هوبي "لا يسمح بالتعازي وإقامة مراسم الدفن والوجبات الجماعية". وهناك شهادات نادرة تظهر عمال محرقة جثث مكتظين، أجبروا على الامتثال لأوامر حرق الجثث في غضون تسعين دقيقة من وصولها.
كما تشير الصحيفة إلى مأساة تان كما يرويها أقاربه، وهو أمين مكتبات متقاعد توفي في 4 مارس/آذار في ووهان، فعندما أظهرت الأشعة السينية أعراض المرض في رئتيه، اضطر الرجل البالغ من العمر ستين عاما إلى تناول العلاج في المنزل.
حرارته وصلت إلى 40 درجة، ثم اشترى صهره نظام أكسجين اصطناعي، لكن لم يتمكن أي شخص من تشغيله، واستطاع أحد أفراد الأسرة في العثور على سرير بأحد المستشفيات من خلال اتصالاته.
وبعد أسبوعين من نقله للمستشفى، دخل تان في غيبوبة لم يستيقظ منها. فقط الطبيب الذي يعتني به، والذي جاء من غوانزو، كان يبلغهم بحالته عبر الهاتف، وفي 4 مارس/ آذار، أخبرهم طبيب آخر بوفاته من خلال اتصال تليفوني أيضا.
وتنوه الصحيفة الفرنسية بأنه إذا كان حرق الجثة إلزاميا منذ عدة سنوات في الصين - لتقليل المساحة المخصصة للمقابر في سياق التحضر والأراضي الصالحة للزراعة – فإن سرعة الإجراء ونقص المعلومات والحرمان من إقامة مراسم الدفن زاد محنة العديد من الأسر.
لذا، فإن شقيق تان يأسف لأنه لم يتمكن سوى من استعادة هاتفه الخليوي، قيل لهم إنهم لن يتلقوا الرماد إلا بعد رفع تدابير الاحتواء الإقليمية، دون أي يقين فيما يتعلق بالموعد. وتقول أوليفيا ابنة أخت الفقيد التي تعيش في شنغهاي: إنه "أمر غير واقعي، لم نتمكن من زيارته بعد دخوله المستشفى أو من وداعه أو رؤيته بعد وفاته".
"إنها مأساة"
وبينت "لوموند" أنه في كثير من الأحيان، يكون الحداد معقدا بسبب إصابة أفراد العائلة الآخرين، لافتة إلى أنه لم يتحمل وان دو، 70 عاما، الذي خضع لجراحة في القلب منذ بضع سنوات، الإصابة بالفيروس إلا لبضعة أيام.
وتابعت: "توفي في أواخر يناير/ كانون الثاني في سيارة الإسعاف التي كانت تقله إلى المستشفى".
بعد ذلك بثلاثة أيام ظهرت أعراض على بعض أقاربه، بما في ذلك أخته من ذوي الإعاقة التي كان يعتني بها، حيث بدأت هي أيضا في السعال بعد أيام قليلة من وفاة وان دو، ليتم وضعها في الحبس الانفرادي بفندق.
وقالت شيه هانلين، زوجة أخت وان دو: "بدون وان أو الأشخاص الذين تعرفهم، رفضت تناول الطعام وتوفيت بعد أربعة أيام".
وتؤكد هانلين، أنه لا يزال نجل وان البالغ من العمر 42 عاما، والمصاب أيضا، في الحجر الصحي "لم نخبره أن عمته ماتت أيضا، سيكون الأمر صعبا عليه للغاية. كان قريبا منها سنخبره عندما يخرج.. إنها مأساة".
ونوهت الصحيفة بأنه يتعين على الصين إحياء مهرجان تشينغمينغ في 5 أبريل/نيسان ٢٠٢٠ المعروف أيضا باسم يوم كنس المقابر.
وفي ذلك اليوم، يزور الصينيون قبور أسلافهم لتنظيف المقابر والدعاء لهم وأداء طقوس القرابين، لكن مدينة نانجينغ (شرقا) أعلنت بالفعل أنه سيتم حظر الاحتفالات الجماعية وبدلا من ذلك قدمت تطبيقا لتكريم الموتى عبر الإنترنت.