"فرنسا رشحت الفخفاخ لرئاسة حكومة تونس".. ما حقيقة الاتهام؟

12

طباعة

مشاركة

بعد 14 ساعة من المداولات تحت قبة مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، والتأييد والرفض والانتقاد، منح البرلمان الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ بأغلبية 129 صوتا.

جزء من الأصوات المعارضة لحكومة الفخفاخ والتي تمثلت في 3 كتل رئيسية، حزب قلب تونس (38 نائبا) والحزب الدستوري الحر (16 نائبا) وائتلاف الكرامة (22 نائبا)، وجهوا نقدا كبيرا للحكومة.

أبرز هذه الاتهامات التي وجهت لحكومة الفخفاخ، صدرت عن كتلة "ائتلاف الكرامة"، التي عبّر عدد من نوابها على اعتبار حكومة الفخفاخ جاءت بإملاء فرنسي، معتمدين على جملة من الحجج في مقدمتها حمله للجنسية الفرنسية بالإضافة إلى التونسية.

مداخلات نارية

في مداخلة خلال جلسة منح الثقة، أكد عضو البرلمان عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس، أن الفخفاخ موجود في المجلس اليوم باعتباره الشخصية الأقدر على تشكيل حكومة حسب تقدير رئيس الجمهورية، لكن ائتلاف الكرامة لا يعتبره كذلك، لعدة اعتبارات سياسية وفكرية.

العفاس اعتبر أن الفخفاخ "امتداد لعصابة فرانكوفونية حكمت تونس لأكثر من 50 سنة، ولأنه امتداد لعصابة فرنسا التي نهبت تونس، وليس لحمله الجنسية المزدوجة ولكن للتوجه الفكري الذي يحمله".

وأضاف العفاس: أن "الفخفاخ ليس الأقدر لأنه عاجز عن الوقوف أمام تطاول السفير الفرنسي الذي يصول ويجول في كامل البلاد ويفعل ما يريد، وهو ليس الأقدر أيضا لأنه لم يتخل عن جنسيته الفرنسية قبل تقديم نفسه لأحد أهم المناصب في البلاد، معتبرا أنه قد يكون الأقدر على حماية فرنسا ومصالحها في تونس".

وأضاف العفاس: أن الفخفاخ "ليس الأقدر لأن الشعب قرر ذلك في الانتخابات الرئاسية ولم يمنحه أكثر من 0.34 بالمائة، قبل أن يحاول العودة من باب الشرعية البرلمانية باقتراح من رئيس الجمهورية معتبرا أن سبب فشل الفخفاخ هو برنامجه الانتخابي التغريبي الفرنكوفوني المتطرف".

وذكّر محمد العفاس بأحد التصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة الجديد، خلال حملته الرئاسية، حين دافع عن حق المثلية الجنسية، وإلغاء الاستظهار بعقد الزواج قبل الإقامة في الغرف المزدوجة في الفنادق.

كما عارض الفخفاخ فرض عقوبة على استهلاك "الحشيش" (الزطلة)، والتي اعتبر العفاس أنها "دمرت جيلا بأكمله"، وأضاف: "الفخفاخ يتفاخر باستهلاك لنوع من الخمور في أحد الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي". 

العفاس قال: "الفخفاخ له موقف في مسألة شرعية فهو يطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث رغم وجود نص بات، بل إن الفخفاخ يدعو إلى فتح المقاهي في رمضان".

وأكد في مداخلته أن "حكومة الفخفاخ هي حكومة الرضوخ والموالاة، كان مديرا عاما لشركة فرنسية لرسكلة النفايات، رست عليه صفقة بملايين الدينارات في نابل، ففصل وزارة البيئة عن الشؤون المحلية ووضع عليها أحد المقربين له، وهو شكري بن حسن".

صديق الشاهد

لم يحظ الفخفاخ سوى بترشيح حركة تحيا تونس (14 مقعدا) التي يقودها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، وعدم معارضة حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا)، رغم منافسته مرشحين آخرين أجمعت عليهم حركة النهضة (54 نائبا) وقلب تونس (38 نائبا) إلا أن الرئيس قيس سعيد فضّل اختيار الفخفاخ.

بعض المتابعين أرجع قرار رئيس الجمهورية لرؤيته بأن الحكومة القادمة يجب ألا تضم حزب "قلب تونس"، والذي يترأسه منافسه في الدور الثاني من انتخابات الرئاسة نبيل القروي، بينما يرى آخرون أن الرئيس كان تحت تأثير رأي رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الذي ساهم في إقناعه به، إلا أن الأخير نفى ذلك.

في كلمته بحفل التنصيب في قصر الضيافة بقرطاج، الجمعة، 28 فبراير/شباط 2020، حاول الفخفاخ نفي ما يروج حول أنه صديق مقرب من الشاهد، وقال الفخفاخ: إنه والشاهد لم يكونا صديقين لكنهما التقيا في فرنسا لمرات قليلة عن طريق الصدفة.

وأضاف: "كان لدينا أصدقاء مشتركون واحتسينا القهوة في فرصتين لكنه نسي ذلك وتحدثنا آنذاك في عدة مواضيع من بينها الوضع السياسي في تونس"، مستدركا "لم نكن مناضلين ولم نتحدث كثيرا عن السياسة كما لم تكن لدينا الشجاعة الكافية لنكون في الصفوف الأمامية للنضال ضد الاستبداد والدكتاتورية لكن كنا نحلم باللحظة التي نعيشها منذ 9 سنوات".

وتابع الفخفاخ: "بعد الثورة وبحكم الصداقة القديمة التي كانت تجمعني برئيس حزب التكتل مصطفى بن جعفر قمت يوم 15 يناير/كانون الثاني 2011 بإعداد قائمة بالكفاءات التونسية التي تملك الحس السياسي لإقناعها بالانضمام للتكتل لكتابة البرنامج وهيكلة الحزب وضمت هذه القائمة يوسف الشاهد لكنّنا علمنا في ما بعد أنه بصدد تكوين حزب".

"الاشتراكية الدولية"

اللافت أن رئيس الحكومة الجديد إلياس الفخفاخ ينتمي إلى حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، الذي لم يفز بأي مقعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ولا حتى التي قبلها لعام 2014.

تأسس الحزب "التكتل" في 9 أبريل/نيسان 1994، وحصل على تأشيرة العمل القانوني في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2002، وكان بذلك أول حزب يحصل على التأشيرة منذ سنة 1988.

يصدر الحزب منذ يناير/ كانون الثاني 2007، صحيفة أسبوعية تحمل عنوان "مواطنون"، وشكّل بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حكومة ائتلافية ثلاثية عرفت بـ "الترويكا" رفقة حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي كان يقوده الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي.

أسس الحزب رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، الذي كان منتميا في شبابه إلى "الحزب الاشتراكي الدستوري"، ثم أسس مع آخرين "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"، ثم انسحب منها بعد أن تغيرت سياستها وهادنت نظام بن علي.

بتأسيسه حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، عبَّر جعفر عمليا عن تغير في القناعة الاشتراكية والميل نحو ليبرالية اجتماعية، ومؤخرا انتخبت المنظمة الدولية للاشتراكية، الحزب عضوا دائما بها في العام 2012، حيث كان الحزب عضوا بها منذ بداية القرن 21.

والمنظمة الدولية للاشتراكية إطار يضم حاليا 161 عضوا بين أحزاب ومنظمات اشتراكية ديمقراطية وأخرى معنية بالدفاع عن حقوق العمال.

لوبي قوي

ذهب عدد كبير إلى ربط تكليف إلياس الفخفاخ بحسابات سياسية أخرى لها أبعاد إقليمية ودولية، وذلك في علاقته بفرنسا، حيث يحمل الفخفاخ الجنسية الفرنسية، ورفض التنازل عنها أثناء خوضه انتخابات الرئاسة، وسبق له أن عمل في شركة توتال الفرنسية.

الفخفاخ ليس السياسي الأول في تونس الذي يتقلد هذا المنصب الكبير في الدولة، وهو يحمل الجنسية الفرنسية، مما جعل من الرأي الذي يتحدث عن عدم وجود صدفة في ذلك، إنما هو نتاج مخابر العمل السياسي وتحرك اللوبيات القوية الموالية لفرنسا من أجل تحديد الشخصية التي تتولى هذا المنصب.

فبعد الأزمة السياسية التي تلت اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي، قرر الحوار الوطني الذي شكل بعد اتفاق باريس الشهير بين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، تكليف المهدي جمعة بتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة البلاد فيما تبقى من المرحلة الانتقالية.

المهدي جمعة أيضا يحمل الجنسية الفرنسية، وزاول دراسته في جامعات فرنسا كما تولى مهامه في شركة طوطال النفطية.

وفي العام 2016، كلف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وزير الشؤون المحلية حينها يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة، ولم يكتشف التونسيون أن الشاهد يحمل الجنسية الفرنسية إلا حين أعلن عن تخليه عنها عند إعلانه ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2019.

وتعتبر فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس بنسبة 20 بالمائة من مجمل الصادرات والواردات التونسية. وهي المستثمر الأول في تونس بوجود 1418 مؤسسة، تمثل 40 بالمائة من المؤسسات الأجنبية في تونس، بحجم استثمارات يفوق 3.3 مليارات دينار (1.1 مليار دولار).