ميناء الفاو.. حلم عراقي كبير يموت ببطء بسبب الفساد والمليشيات
أكد موقع "هيلينك شيبنج نيوز" (Hellenic shipping news) المتخصص في مجال الملاحة البحرية والطاقة، أن مشروعا لوجستيا بمليارات الدولارات منافسا لقناة السويس تسبب في انقسام الرأي العام العراقي.
ويقول المؤيدون لمشروع ميناء الفاو، بالقرب من البصرة، إن الميناء سيجعل المدينة الساحلية بوابة إلى أوروبا، لكن المنتقدين يقولون: إن الخطة طموحة للغاية.
تبلغ تكلفة المشروع 7 مليارات دولار وسيتم ربطه بطريق بري إلى تركيا عن طريق السكك الحديدية.
تأخير واضح
وقال محللون وعراقيون مقربون من المشروع لصحيفة ذا ناشيونال: إن بناء الميناء يعاني من التأخير ومزاعم الفساد والتنافس بين المليشيات المسلحة.
كما أنه يفرض ضغوطا على الأموال المحدودة للحكومة العراقية، في ظل ازدحام المدارس والمستشفيات وضعف الصرف الصحي والانقطاع المتكرر للكهرباء.
وقدر البنك الدولي تكلفة إعادة إعمار العراق بعد حرب 2014-2018 مع تنظيم الدولة بنحو 88 مليار دولار.
وبعد الصراع، تراجعت عائدات النفط - مصدر الدخل الرئيس للعراق - مما جعل الدولة تكافح لدفع رواتب موظفي القطاع العام.
ورغم هذه الوضعية، وقعت الحكومة عقد بنية تحتية بقيمة 2.3 مليار دولار مع شركة Daewoo Engineering & Construction.
وبنت الشركة الكورية الجنوبية حاجز الأمواج في الميناء الذي تبلغ تكلفته مليار دولار بطول 23 كيلومترا. واستغرق ذلك ثماني سنوات حيث تطلب الأمر 5 ملايين طن من الصخور.
ومن المتوقع أن يصل طول الأرصفة إلى 12 كيلومترا، وطول قناة الجرف 30 كيلومترا لاستيعاب سفن الشحن الضخمة.
لكن دين ميكيلسن وهو محلل بحري ولوجستي عمل مع شركات النفط في العراق، قال: "لدي أسئلة حول جدوى جانب السكك الحديدية في المشروع".
وتابع أن المشروع "يفتح الباب أمام رشاوى ضخمة لشراء أراض مملوكة للقبائل في معظمها، بأموال لا تملكها الحكومة، التحديات هي المليشيات وضعف البنية التحتية".
ولا يزال من الممكن أن تصبح البنية التحتية للسكك الحديدية هدفا آخر للإرهابيين في بعض المناطق، وفق وصفه.
وبحسب تقديرات الحكومة العراقية، فإن بناء خط السكك الحديدية مزدوج المسار من البصرة إلى الحدود التركية قد يكلف 13 مليار دولار.
وتمت عرقلة المشروع بسبب الانقسامات في البرلمان حول كيفية تمويله منذ توقيع العقد الأول في 2013.
فساد مشترك
في ذلك الوقت، كانت وزارة النقل العراقية تديرها منظمة بدر، وهي حزب سياسي قوي له صلات بإيران.
وقال النائب السابق عن البصرة محمد الطائي، إن "السبب الرئيس لتأجيل المشروع لسنوات عديدة هو الفساد المالي والإداري في الوزارات والأحزاب".
وأضاف: "في موازنة 2021، جرى تخصيص مبلغ صغير يتجاوز 500 مليون دولار، وهذا لا يكفي حتى للمرحلة الأولى من الميناء، والتي تقدر تكلفتها من 6 إلى 7 مليارات دولار، إذا أخذنا في الاعتبار شبكة السكك الحديدية التي من المفترض أن تصل الميناء بتركيا وأوروبا".
وتنافست الأحزاب السياسية ذات المليشيات المسلحة القوية على عقود عمليات ميناء الفاو.
في هذا السياق قال كيرك سويل من مركز "Inside Iraqi Politics": "يبدو أن هذه المشاريع الكبرى تجذب دائما هذه الأطراف، ثقافة الفساد منتشرة لدرجة أنها تطغى على كل شيء".
وبمجرد اكتماله، إذا سارت الأمور وفقا للخطة، فسوف يتمكن الميناء من نقل البضائع إلى أوروبا برا في وقت أقل من الوقت المستغرق لشحنها عبر قناة السويس.
لكن في حالة تعثر مشروع السكك الحديدية، فإنه سيثير تساؤلات حول الحاجة إلى مثل هذا الميناء الكبير.
وقالت دراسة بتكليف من الحكومة البريطانية: إن حجم البضائع المتوقع للميناء يعتمد على معالجة الحاويات التي من الممكن أن ترتفع من "120 ألف حاوية شحن قياسية" في عام 2005 إلى 6.4 مليون حاوية في عام 2055، أي أقل بقليل من المملكة المتحدة في الوقت الحاضر".
كما من المنتظر وفق الدراسة التي أجريت في عام 2005، عندما كان الميناء في مرحلة البحث، أن يقترب النمو الاقتصادي للعراق من اقتصاد بريطانيا في نفس الفترة، لكنه احتمال غير مرجح وفق التقرير لأن كل دخل بغداد تقريبا يأتي من صادرات النفط.
ويجادل البعض بأن تطوير الميناء غير ضروري، حيث أشار مقال في موقع "إستراتيجية الموانئ" عام 2020 إلى أن ميناء أم قصر الذي يقع على بعد 60 كيلومترا فقط من الفاو "يتمتع بقدرة إضافية وافرة ومساحة كبيرة لمزيد من الأرصفة التي يتم بناؤها.
ويمكن تطوير تلك المساحة للتعامل مع أكبر السفن في العالم من خلال تجريف قناتها بجزء بسيط من تكلفة جرف الفاو".
ويثير هذا التساؤل الجدل عن سبب التزام العراق بتوجيه الأموال إلى الميناء الجديد.
لكن وكما يلاحظ سويل، فالمشاريع الكبيرة في البلاد توفر فرصة كبيرة للأحزاب السياسية وقوات الأمن المرتبطة بها لكسب المال.
تنافس المليشيات
في أم قصر، جرى القبض على جنرالين عراقيين في 12 يونيو/حزيران 2021 لتقاضيهما رشاوى للتنازل عن الرسوم الجمركية.
ويقال: إن حزب "صادقون" المدعوم من إيران، يدير جزءا من البنية التحتية في الميناء من أجل الربح، وفقا لتقرير صدر عام 2019 من قبل المحللين ماك سكيلتون وعلي سليم.
وأكد تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في يناير/كانون الثاني أن الممارسات الفاسدة المرتبطة بالأحزاب السياسية لا تزال متفشية في ميناء أم قصر.
و"صادقون" هي الجناح السياسي لعصائب أهل الحق، وهي مليشيا شيعية مدعومة من إيران متهمة بقتل ناشطين عراقيين.
وفي الفاو، يبدو أنه حتى الشركات الأمنية على صلة بأحزاب شيعية متنافسة في بغداد، بما في ذلك التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وهو منافس قديم لـ"صادقون" التي لديها أيضا مليشيا مسلحة قوية.
وحاولت الحكومة السيطرة على الوضع بعد أن أفادت وسائل إعلام عراقية أن مليشيات متنكرة في زي رجال شرطة تتقاضى رشاوى للسماح للشاحنات بالدخول إلى منطقة البناء.
كما أن هناك خلافات وتوترات بين شركة موالية لـ"عصائب أهل الحق" وأخرى أمنية محلية موالية للصدر تحدث من وقت لآخر.
وقال موظف عراقي يعمل في المشروع: "قبل نحو أسبوع، تم نشر نقاط تفتيش عسكرية عند مدخل الميناء بأمر من الحكومة".
وبصرف النظر عن إغراء الإنفاق على البنية التحتية بمليارات الدولارات، يوفر الميناء فرص عمل هائلة للسكان المحليين، وقد أصبح هذا مصدرا للمنافسة القبلية والسياسية.
ونظمت قبيلة بيت شايع في المنطقة احتجاجات للمطالبة بوظائف في الميناء. ويدعم أعضاءها مدير هيئة الموانئ العراقية فرحان الفرطوسي المرتبط بالتيار الصدري، بحسب محللين وموظف عراقي يعمل في الموانئ.
وقال محلل أمني لصحيفة ذا ناشيونال: إن الفرطوسي قاد المفاوضات مع شركة Daewoo الفائزة بعقد بناء ميناء الفاو، لتوفير المزيد من فرص العمل لبيت شايع.
وبينما يصر الفرطوسي والصدر على أن الشركة يجب أن تنهي المشروع، كانت منظمة صادقون صريحة في البرلمان تجاه ضرورة إكمال الصين العمل في الفاو.
وخاضت صادقون والمليشيات المرتبطة بالصدر معارك بالأسلحة النارية في الفترة الماضية. وكلاهما متهم بارتكاب أعمال عنف خطيرة ضد المدنيين العراقيين بما في ذلك المتظاهرين والمعارضين السياسيين منذ عام 2003.
ووسط مثل هذا التنافس، تحيط الأسئلة بوفاة "بارك هو" الذي قاد عمليات Daewoo للهندسة والبناء في ميناء الفاو. وعثر على الرجل ميتا بظروف غامضة في أغسطس/آب 2020.
ودعا نواب من التيار الصدري إلى إجراء تحقيق في هذه الحادثة معتبرة إياها جريمة قتل، فيما أكدت عائلة بارك لوسائل الإعلام الكورية الجنوبية أنه ليس لديها سبب محتمل لانتحاره.
تفاؤل سياسي
وعلى الرغم من المشاكل التي تعترض المشروع، يعتقد سياسيون عراقيون بارزون أنه سيحقق فوائد بمجرد اكتماله.
وبالنسبة لأهالي البصرة والجنوب فإن هذا المشروع مهم للغاية لأنه سيخلق أكثر من 100 ألف فرصة عمل في المرحلة الأولى.
وقال النائب السابق عن البصرة محمد الطائي: "بعد ذلك سترتفع إلى أكثر من 250 ألف فرصة عمل لمختلف شرائح المجتمع العراقي".
لكن التقرير يشير إلى أن الخلاف بين الكتل والأحزاب السياسية في بغداد يؤخر العمل.
وقال الطائي: إن "الفساد السياسي هو الذي يمنع هذا المشروع من التقدم لأن المال متوفر وقرار استكماله بيد الحكومة والبرلمان".
وتابع النائب السابق:"إذا تم تنفيذه، فإن المشروع سينقذ العراق ويوفر الكثير من الموارد المالية الموازية للنفط والغاز".
ويعتقد أن الحكومة الحالية أو المستقبلية ستنجح في استكمال المشروع وكافة المشاريع الخدمية إذا ابتعدت عن سياسة المحاور والمكاسب السياسية.
وأشار في حديثه إلى أن تحالفات العراق الإقليمية هي السبب في أي تأخير بتلك المشاريع.
ومن جهته أعرب النائب عن محافظة الأنبار جابر الجابري، عن أمله في استكمال بناء ميناء الفاو لكنه شكك في قدرة الحكومة في ذلك.
وقال: "بالتأكيد هو من أكثر المشاريع الإستراتيجية في العراق والمنطقة وسيكون له تأثير اقتصادي كبير جدا على العراق إذا اكتمل".
لكن الرجل يشك في أن الحكومة ستكون قادرة على إدارة وإنجاز هذا المشروع العملاق والمهم.