ولادة متعسرة.. هل تصمد حكومة الفخفاخ أمام أعاصير تونس السياسية؟

12

طباعة

مشاركة

أخيرا خرجت حكومة إلياس الفخفاخ للنور بعد أن تخطت عنق الزجاجة، وصوّت البرلمان التونسي، في 27 فبراير/شباط 2020، بالأغلبية، على منحها الثقة، منهيا ماراثونا من المشاورات السياسية استمر لقرابة الأربعة أشهر منذ إجراء الانتخابات التشريعية.

صوت 129 نائبا لصالح حكومة الفخفاخ، فيما رفضها 77 نائبا، وتحفّظ نائب واحد فقط من بين 207 أعضاء شاركوا في عملية التصويت من أصل 217 هم جل عدد النواب.

مسار تشكيل حكومة الفخفاخ القيادي في حزب "التكتل من أجل العمل والحريات"، والمرشح الرئاسي السابق، شهد تجاذبا وتلاسنا بين الأحزاب التي اختارها الفخفاخ لتشكيل حكومته، خاصة بعد إصرار حركة "النهضة" على إشراك حزب "قلب تونس" في المشاورات.

الوضع الذي شهدته المشاورات، أثار تساؤلات عديدة عن مدى التناسق بين هذه الأحزاب داخل فريق حكومي واحد، وهل هو مؤشر كما يؤكد كثير من المتابعين على سرعة سقوط هذه الحكومة في أول مشكلة قد تتعرض لها أو خلاف ينشب بين مكوناتها؟.

ولادة متعسرة

من جانبها تعتبر حركة "النهضة" الفائز بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة، أن حزبا "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" قد خذلاها بعد انسحابهما من حكومة الحبيب الجملي المكلف عقب الانتخابات مباشرة من قبل "النهضة" بتشكيل الحكومة.

حاولت "النهضة" الالتزام بالوعد الانتخابي الذي قطعته لمناصريها خلال الانتخابات التشريعية بعدم التحالف مع حزبي "قلب تونس" الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق ورجل الأعمال نبيل القروي الملاحق بتهم تتعلق بالفساد وغسيل الأموال، و"الدستوري الحر" الذي تقوده عبير موسي القيادية السابقة في حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني قال في لقاء تلفزيوني: "القوى المحسوبة على الثورة خذلونا للمرة الثالثة، وحركة الشعب والتيار الديمقراطي كانوا قوة لعرقلة المفاوضات، وأدعوهم لمراجعة مواقفهم ومن فرض شروط تعجيزية".

وأضاف الهاروني: "التيار الديمقراطي وحركة الشعب يرتكبان نفس الخطأ الذي ارتكبه أحمد نجيب الشابي وحمة الهمامي" (في إشارة لمفاوضات تشكيل الحكومة عام 2011 عقب الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي).

تغيّر مفاجئ

في المقابل اتهم النائب عن "التيار الديمقراطي" هشام العجبوني، "حركة النهضة" بـ"الابتزاز منذ سنة 2012"، مفسرا هذا "الابتزاز بالتغير الحاصل في مواقف النهضة، خاصة فيما يتعلق بمواقف الحركة من حزب قلب تونس".

وبيّن العجبوني، في تصريح لإذاعة "شمس أف أم"، أن "النهضة غيرت مواقفها في ظرف أسابيع، فبعد أن كانت ضد قلب تونس، أصبحوا يدافعون عن وجود هذا الحزب في الحكومة"، داعيا قيادات النهضة لتقديم شرح مقنع للشعب التونسي، عن سبب هذا التغير المفاجئ، وفق قوله.

لم تتوقف التصريحات إلى حدود الاتهامات الخفيفة، بل باشر قيادات الحزبين إلى توجيه اتهامات بالفساد لبعضهم البعض.

وكان لـ"حركة الشعب" موقفا مشابها لموقف "التيار الديمقراطي" المهاجم لحركة النهضة حيث اعتبر النائب عن حركة الشعب حاتم بوبكري أن "النهضة لديها تناقض ومرض نفسي علیها معالجته، وعلى قیاديیها النظر للواقع نظرة واقعیة ولیس كأنهم يقودون العملیة السیاسیة".

هذه المواقف بلغت أقصاها بعد اجتماع مجلس شورى حركة النهضة في 15 فبراير/شباط 2020، والتهديد بسحب مرشحيه من حكومة الفخفاخ وعدم منحها الثقة في البرلمان.

وأرجع رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني في ندوة صحفية أن  هذا القرار عائد إلى إصرار الفخفاخ على رفض مطلب الحركة بتشكيل "حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدا".

محاولات الإصلاح

بعد إعلان حركة النهضة عدم مشاركتها في الحكومة أو منحها الثقة، تراجع الفخفاخ عن تقديم حكومته للرئيس من أجل محاولة إقناع النهضة بالعدول عن قرارها.

صرح الفخفاخ عقب اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية أنه وحرصا على استكمال مسار تشكيل الحكومة في أفضل الظروف، قرر إرجاء الإعلان عن التركيبة لمزيد من التشاور والتدقيق في بعض المسائل المتعلقة بالحكومة المرتقبة.

وهو ماتم بالفعل، فبعد التشاور مع النهضة وإدخال تغييرات على تركيبة الحكومة دون إشراك قلب تونس فيها، أعلنت النهضة مشاركتها في الحكومة.

وبعدها بأيام، جمع رئيس الحكومة المكلف الأحزاب المكونة لها من أجل التوقيع على مذكرة التعاقد الحكومي تحت عنوان "حكومة الوضوح وإعادة الثقة": وثيقة الأولويات والوعود والالتزامات".

وتضمنت المذكرة فيما تضمنته، المبادئ التي تشكلت على أساسها وهي الالتزام بقيم الثورة واستكمال تحقيق أهدافها وترسيخ المسار الديمقراطي والاستجابة لمطالب الشعب.

وأبرز رئيس الحكومة المكلف خلال حفل توقيع المذكرة أهمية المقاربة التشاركية في الحكم بما يحقق النجاعة ويكرس التضامن والانسجام ويعزز المساءلة.

كما دعت المذكرة التي نشرها الفخفاخ على صفحته الرسمية على فيسبوك، "تنقية المناخ السياسي وتوفير بيئة سياسية قيمة تراعي الاختلاف وتتصدى لخطاب الكراهية والتحريض والعنف، فضلا عن تكريس مبدأ حياد الإدارة وعدم توظيف المرفق العمومي في الصراعات الحزبية والسياسية مع تعزيز الشراكة مع المنظمات الوطنية والاجتماعية ومكونات المجتمع المدني".

كما نصت الوثيقة على "استكمال مؤسسات الدولة وأخلقة الحياة السياسية والانتقال إلى دولة تحقق العدالة الاجتماعية والانتقال إلى دولة آمنة تضمن العدل والإنصاف".

هل تصمد الحكومة؟

لا يخفي العديد من المتابعين للوضع السياسي في تونس عن تخوفهم من عدم قدرة الحكومة على الاستقرار والاستمرار لفترة طويلة، خاصة وأن حكومة الفخفاخ، تعتبر الثامنة منذ الثورة، حيث شهدت تونس تغييرا سريعا في الحكومات منذ العام 2011.

كما أن الحكومة الجديدة لا تحظى بحزام برلماني واسع، بعد قرار رئيس الحكومة عدم إشراك قلب تونس (38 نائبا)، وهي الحزب الثاني في البرلمان، وكذلك الحزب الدستوري الحر ( 17 نائبا)، كما قرر ائتلاف الكرامة ( 22 نائبا) عدم مشاركته في الحكومة بسبب وجود حزب "تحيا تونس".

إلا أن الصعوبة الأكبر التي يعتقد أنها ستعترض حكومة الفخفاخ، هي مدى قدرة فريقه الحكومي على الانسجام، بعدما رافق مرحلة تشكيلها من تلاسن وتبادل للاتهامات بين مكوناتها، خاصة أنها ضمت قيادات من الصف الأول من مختلف الأحزاب مثل مستشار رئيس حركة النهضة لطفي زيتون، والأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو، ورئيس كتلتها غازي الشواشي، بالإضافة إلى الأمين العام لحركة تحيا تونس العزابي.

ونصف أعضاء حكومة الفخفاخ (17 حقيبة) مستقلون بلا انتماء سياسي، ويشغلون الحقائب الكبرى مثل العدل والداخلية والخارجية والدفاع والمالية. في حين حصلت حركة النهضة على 6 حقائب خدمية بالأساس، مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والشباب.

أما الباقون فهم 3 للتيار الديمقراطي، وحقيبتان لكل من تحيا تونس وحركة الشعب، وحقيبة واحدة لكل من حزب نداء تونس وكتلة الإصلاح الوطني.

ووفق مراقبين، فإن العلاقة التي تربط حركة النهضة بأهم طرفين في الحكم، وهما حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب ليست مثالية، كما أن علاقة قيادات النهضة مع حركة تحيا تونس شهدت بدورها توترا، عندما طرحت النهضة فرضية سحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد لتجاوز المأزق السياسي الذي كانت تشهده البلاد.