لوموند: التطبيع مع إسرائيل "ضربة معلم" قد تطيح بالبرهان

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: إن اللقاء الذي جمع رئيس المجلس العسكري في السودان عبد الفتاح البرهان برئيس وزراء إسرائيل المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، مبادرة ذات تداعيات متعددة، أبرزها أنها قد تؤدي إلى انقلاب على السلطة الانتقالية بالخرطوم.

ورأت الصحيفة أنه من خلال الإعلان عن "تطبيع" العلاقات بين السودان وإسرائيل، والذي بدأ سرا منذ عدة سنوات، فهو قبل أن يكون "ضربة معلم" أو "خطوة تاريخية"، فقد يطيح بالبرهان.

واجتمع الطرفان في 3 فبراير/شباط في مقر الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني واتفقا على تطبيع العلاقات تدريجيا.

وهذا اللقاء أكده البرهان فيما بعد، ولفت إلى أنه جاء من منطلق حفظ وصيانة الأمن الوطني السوداني وتحقيق مصالح شعبه، وأن الاتصالات مع نتنياهو، برعاية وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بدأت منذ 3 أشهر لمناقشة ما يمكن أن يستفيد منه السودان.

وقالت الصحيفة: "تم التخطيط للاجتماع، على هامش زيارة إلى أوغندا، في سرية تامة للغاية حتى أن أصحاب المصلحة الرئيسيين في الحكومة السودانية لم يعرفوا به". 

وأوضحت أن السودان، العضو في جامعة الدول العربية، كان منذ استقلاله معاد لإسرائيل – حتى بالنسبة لوجودها - ولفترة طويلة حليفا لإيران، بفضل تأثير المسؤولين الإسلاميين في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير الذين استولوا على السلطة عام 1989. 

كما أيد السودان حركة المقاومة الإسلامية حماس، واتهم من قبل إسرائيل بالسماح للأسلحة الإيرانية بالوصول إلى قطاع غزة، إلى درجة أن هذا البلد شهد مرارا وتكرارا عمليات سرية ضد قوافل الأسلحة (119 قتيلا في 2009).

تسارع مفاجئ

ونوهت "لوموند" بأنه على مدار السنوات الماضية حدث تآكل بطيء لهذه التحالفات، لكنه شهد تسارعا مفاجئا مع سقوط عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، بيد أن الأخير ظل معاديا لأي شكل من أشكال التقارب مع الدولة العبرية، على الرغم من انفصاله عن إيران عام 2016.

وأشارت إلى أن السلطات الانتقالية الجديدة في الخرطوم تجد نفسها، على وجه التحديد، في منطقة نفوذ البلدان التي أصبح من أولوياتها نبذ العداء مع إسرائيل أو التقارب مع حكومتها، ومن بينها السعودية والإمارات والولايات المتحدة ومصر، فالسودان ليس مسألة رمزية أو منعزلة، لكنه جزء مهم في لعبة إقليمية.

كما ذكرت الصحيفة الفرنسية أن تطبيع العلاقات بالنسبة للخرطوم، يعني تقديم تعهدات لهذا التحالف، والحصول على امتيازات في المستقبل.

 وعلى الجانب الإسرائيلي، تتمثل الفكرة في إرضاء جزء من الرأي العام، كما هو الحال بالنسبة لإدارة دونالد ترامب، التي تدفع باتجاه التقارب السوداني الإسرائيلي الذي يعتبر تثبيت لخطتها بالشرق الأوسط، من خلال إعادة عضو بجامعة الدول العربية لسيطرتها.

إضافة إلى ذلك، تنظر الأوساط المسيحية الإنجيلية الأمريكية إلى السودان لعقود من الزمان على أنه نقطة محورية لعملهم، وبالتالي فإن السياسة السودانية هي قضية سياسة داخلية بالولايات المتحدة.

وتابعت "لوموند": "باختصار، يبدو أن هناك مجموعة من المصالح تشكلت، بالنسبة للسودان، يحتاج إلى إنهاء العقوبات الأمريكية، حتى بعد أن تم رفع بعضها، لا تزال تعرقل أي انتعاش محتمل لاقتصاده".

ولفتت إلى أن الخرطوم بدأت تخضع للعقوبات الأمريكية منذ عام 1993، تطورت على مر السنين، وبعد اتهامات بالتورط في الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة بكينيا وتنزانيا عام 1998، وضد المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن اليمني عام 2000، لا يزال هذا البلد على القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب.

وقالت: إنه للخروج من الورطة التي يعاني منها، يجب على السودان إعادة جدولة ديونه الخارجية من أجل الحصول على تمويل جديد. 

وحتى إذا لم يكن هذا هو الشرط الوحيد لتحقيق ذلك، فيجب إزالته من القائمة السوداء الأمريكية حتى تتمكن واشنطن من التصويت في هذا الاتجاه مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفق لوموند. 

ونقلت الصحيفة عن، كليمنت ديشايز، وهو متخصص في شؤون السودان في مجموعة تحليل نوريا، أن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك "عالق سياسيا. ليس لديه مال للوفاء بوعوده بينما تستمر العقوبات". 

دفع الفاتورة

كما بينت "لوموند" أنه وفقا للمعلومات التي حصلت عليها، فقد شهدت المفاوضات الخاصة برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية تقدما ملحوظا خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالجانب الحاسم في القضية، وهو التعويض الذي سيتم دفعه لضحايا الهجمات.

ولفت مصدر مطلع على هذه المسألة إلى أنه "تم التوصل إلى اتفاق بشأن مبلغ التعويض بين الأمريكيين والسودانيين، لكن الخرطوم ليس لديها مال، وبالتالي فإن دول الخليج هي التي يجب أن تدفع الفاتورة".

وذكرت الصحيفة أنه في المرحلة التالية، سيتعين على مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة فحص الملف، في غضون خمسة وأربعون يوما للتصويت على تعليق العقوبات عن السودان، وهو ما سيتطلب بعد ذلك موافقة الرئيس لتأكيد القرار. 

ووفقا لمصدر مشارك في ملف العقوبات، فإن دونالد ترامب "شخص إيجابي للغاية" بشأن هذه المسألة، لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية ودعم الخطة الأمريكية في الشرق الأوسط.

لكن "لوموند" أوضحت أن هناك مشكلة، فالرجل الذي قاد هذا "التقارب" وأشادت به واشنطن ليس رئيس الوزراء السوداني، الذي يدير شؤون المرحلة الانتقالية، بل الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي.  

وأوضحت أن الطريقة التي تم بها الانتقال في السودان تعتمد على مشاركة القوات المسلحة، فمن الناحية التخطيطية، يمثل المجلس السيادي البلاد، لكن دون سلطة تنفيذية حقيقية، على الرغم من أن أفراده من القوات المسلحة لهم نفوذ داخل الحكومة التي يرأسها عبد الله حمدوك.

وخلصت إلى أن هذا الفصل بين السلطات في السودان يجعل الأمور ضبابية، ويفسح الطريق إلى إمكانية عدم استقرار، إذ اعترف مصدر مقرب من رئيس الوزراء، تصادف وجوده في كمبالا (عاصمة أوغندا)، "بالدهشة" عندما سمع الإعلان عن التقارب السوداني - الإسرائيلي. 

نتيجة لذلك، يظهر عبد الفتاح البرهان كشخصية بارزة، تمت دعوته للسفر إلى واشنطن، ومن خلال قيامها بذلك، تخاطر سلطات الولايات المتحدة بإضعاف سلطة رئيس الوزراء الهشة بالفعل.