البوابة الشرقية لصنعاء.. من يحسم أهم معركة منذ اندلاع حرب اليمن؟
منذ أسبوع، تشهد البوابة الشرقية لصنعاء، في منطقة "نِهْم"، مواجهات هي الأعنف منذ أكثر من 3 أعوام، بين قوات الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي في اليمن.
وشنت عناصر من جماعة الحوثي هجوما مباغتا على وحدات عسكرية تابعة للشرعية في "فرضة نِهْم" شرق صنعاء، الأمر الذي أدى لمواجهات عنيفة، وتسببت بسقوط مئات القتلى من الجانبين.
وكانت المواجهات في هذه المنطقة قد توقفت منذ فبراير/شباط 2016، بعد أن سيطرت عليها قوات الشرعية، ليدخل الجانبان في هدنة غير معلنة منذ تلك الفترة.
أهمية المنطقة
في آخر تطورات معركة البوابة الشرقية لصنعاء، استطاع الحوثي التقدم في عدد من مناطق المواجهات، وتمكن من السيطرة على منطقة "فرضة نِهْم" السلسلة الجبلية الإستراتيجية المطلة على صنعاء، كما سيطر على معسكر اللواء (312) في منطقة "الفرضة"، والذي كانت القوات الحكومية قد استعادته في فبراير/شباط 2016 بقيادة اللواء الراحل عبدالرب الشدادي.
تأتي الأهمية الإستراتيجية لـ"فرضة نِهْم" في كونها السلسلة الجبلية التي تمثل حائط الصد للعاصمة صنعاء، وتقع على حدود محافظة مأرب، معقل قوات الشرعية والكتلة المدنية الأكبر المناهضة لجماعة الحوثي، أي أنها تتوسط معقل الشرعية في مأرب، ومعقل الحوثيين في صنعاء.
وبسقوط نِهْم في يد جماعة الحوثي، تكون مهمة قوات الشرعية في تحرير صنعاء، قد تعقدت، وتكون مأرب قد انكشفت ووقعت تحت السيطرة النارية لقوات الحوثي، ليستطيع نقل المعارك إلى معسكرات قوات الشرعية فيها.
التطور الأهم والمتغير الأكبر في سير المعركة هو أن قوات الجيش باتت في موقف الدفاع، بينما أصبحت مليشيا الحوثي في موقع الهجوم، في ظل استمرار تقدم قوات الحوثي بالتقدم صوب مدينتي الجوف ومأرب.
هكذا تقدموا
استطاع الحوثي خلال الأعوام الماضية، أي منذ سيطرة قوات الجيش على منطقة نِهْم، الاستفادة من تعليق المعركة، في التقاط أنفاسه وتدريب قواته وإعادة ترتيب صفوفه، والتزود بالأسلحة اللازمة لخوض معركة بهذه الأهمية.
كما استفاد من الخبرات العسكرية والاستخباراتية التي مدته بها قوات من الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله الموجودين في اليمن، ومستفيدا أيضا من التراجع الكبير لنشاط طيران التحالف خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
الاستعداد العسكري لدى قوات الحوثي، قابله ضعف في قوات الشرعية، بسبب خذلان ما كان يسمى بالتحالف العربي لقوات الشرعية، فالإمارات انسحبت تماما وخرجت من التحالف في مواجهة ميلشيا الحوثي، وتركزت جهودها في السيطرة على عدن والمناطق الجنوبية عبر مليشياتها المسلحة.
كما أن السعودية قلصت الدعم العسكري لقوات الشرعية، وزودتهم فقط بأسلحة لا تتناسب مع طبيعة وحجم المعركة.
وكان رئيس دائرة التوجيه المعنوي اللواء محسن خصروف قد صرح في لقاء تلفزيوني بوقت سابق، أنه "في الوقت الذي تدعم إيران الحوثيين بكل أنواع الأسلحة من الطائرات المسيرة إلى الصواريخ الباليستية فإن السعودية لا تدعم الشرعية بالسلاح الثقيل الذي يؤهلها للانتصار في المعركة، وتمدها بالأسلحة المتوسطة والخفيفة التي لا تحسم الحرب".
وهذا "الخذلان" من قبل قوات التحالف جعل القوات الشرعية في مأرب، في مواجهة تحديات مضاعفة، فمعسكرات الشرعية باتت أهدافا مكشوفة لدى صواريخ الحوثي وطائراتهم المسيرة، بعد سحب الإمارات منظومة الباتريوت من مأرب.
وكان صاروخ باليستي، لم يعلم حتى الآن مصدره بدقة، قد استهدف معسكر الاستقبال التابع للواء الرابع حماية رئاسية في مأرب، وأسفر عن مقتل أكثر من 120 جنديا وإصابة نحو 70 قبيل اندلاع معركة نِهْم.
وضاعف من تراجع قوات الجيش الوطني، أن الشرعية ليس في أجندتها خطة هجومية نحو صنعاء لتحريرها، فوجودها قد توقف على البوابة الشرقية لصنعاء في منطقة نِهْم.
وكان محسن خصروف قد صرح في وقت سابق بأن "قوات الجيش الوطني كانت قادرة قبل أكثر من عامين على الزحف نحو صنعاء وتحريرها، غير أن أوامر أتت بإيقاف معركة نِهْم، كتلك الأوامر التي جاءت لإيقاف معركة الحديدة قبيل حسمها لصالح الشرعية".
وعلل تلك الأوامر بأن هناك اعتقادا دوليا بأن انتصار الشرعية سيستفيد منه حزب الإصلاح المحسوب على تنظيم الإخوان المسلمين.
احتمالات المعركة
تلك التحركات والتطورات المتسارعة تضع سير المعركة في ثلاثة احتمالات: الأول أن يتمكن الحوثي من الاستمرار في التقدم باتجاه مأرب والجوف، وحينها ستكون الشرعية في أصعب حالاتها منذ اندلاع الحرب، لكن ذلك لا يعني انتهاء الأمر.
فلدى الحوثي تحديات أخرى، يتمثل أهمها في مواجهة قبائل مأرب وهي قبائل مسلحة ولديها عقيدة قتالية، ولن يكون من السهل هزيمتها، مع الإشارة إلى أن قبائل مأرب والجوف كانت عنصرا حاسما في دعم الشرعية واستعادة جبل هيلان الإستراتيجي من أيدي جماعة الحوثي قبل أيام.
الاحتمال الثاني أن تتمكن قوات الشرعية من إعادة ترتيب صفوفها وتتلقى دعما يمكنها من تحقيق تقدم ميداني، وتستعيد فرضة نِهْم، غير أن هذا الاحتمال يحتاج لأن تعيد السعودية النظر في إستراتيجيتها مع الحكومة الشرعية بشكل كامل.
فبحسب السفير اليمني لدى الأردن علي العمراني، فإن هناك خلل في إستراتيجية مواجهة جماعة الحوثي، يتحمل التحالف العربي الذي تقوده السعودية جزءا من تلك الاختلالات والأخطاء.
وأكد العمراني أنه "لو تمت مواجهة الحوثي بالشكل الصحيح، لكانت (قوات الجيش الوطني) في صنعاء منذ زمن، بل لما دخلها الحوثي أصلا". في إشارة إلى مسؤولية التحالف عن تقدم الحوثي الأخير.
الاحتمال الثالث ألا يطول أمد المعركة ويدخل الطرفان في هدنة غير معلنة، يتموضع كل طرف على الأماكن التي يسيطر عليها، لأجل غير مسمى.
خطوات استباقية
يقول المحلل السياسي ياسين التميمي: إن "هناك عدة قراءات لما جرى في نِهْم، فالمواجهات كان الحوثيون سببا في اندلاعها لتحقيق أهداف إستراتيجية وسياسية في المقام الأول، وهي حصيلة فترة طويلة من الترتيبات التي استغلت التراجع الكبير في نشاط الطيران، فقامت بالحشد إلى الجبهة وسط قصور في العمليات الاستخباراتية للقوات الحكومية".
يضيف لـ"الاستقلال" أنه "في مقابل جمود من جانب الشرعية، كان هناك تحرك نشط ومتعدد المستويات وصل إلى حد توظيف تقنية الاتصالات عبر تعليق عمل شركات الهاتف النقال في مناطق المواجهات، واختراق منظومة الاتصالات الخاصة بالجيش".
وتزامن ذلك مع توجيه ضربة جوية لمعسكر الاستقبال قبل نحو أسبوعين واستهداف ذلك العدد من الحرس الرئاسي وهذا الأمر قد يكون جاء في إطار تنسيق من نوع ما مع الإماراتيين أو أنه أراد خلط الأوراق، وفق قوله.
وتابع التميمي: "أخطر ما في الأمر أن الهجوم الحوثي استبق على ما يبدو تحضيرات سعودية لتحريك الجبهات عبر القيادات المؤتمرية، خصوصا بعد أن تسلم حمود صغير عزيز قيادة العمليات المشتركة واستدعاء طارق محمد عبد الله صالح (ابن شقيق الرئيس الراحل) إلى الرياض".
وأضاف الكاتب اليمني: "اختراق منظومة الاتصال قد يكون الغرض منه إرباك الجبهة في نِهْم وإظهار المسيطرين عليها أضعف من المواجهة مع هجوم حوثي، وهذا سيحقق هدف السعودية في تحييد الإصلاحيين ونقل زمام المبادرة لحلفائهم السابقين (حزب المؤتمر الشعبي العام).