نكاية بتركيا.. كيف تحول العداء التاريخي بين مصر واليونان لتحالف؟
بعد الانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013، وعزل رئيسه المنتخب محمد مرسي، تصدعت العلاقة بين مصر وتركيا، إثر عدم اعتراف أنقرة بالوضع الجديد في القاهرة، وبلغت العلاقة المتأزمة ذروتها بتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
عمل السيسي إثر توليه الحكم، على الدخول في تحالف مع اليونان ألد خصوم تركيا في منطقة المتوسط، عبر مجموعة من الاتفاقيات، والمناورات العسكرية، والزيارات الميدانية. وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على جوانب تاريخية، تفصل أبعاد العلاقات المصرية اليونانية ضد تركيا، عن أسبابها، وكيف تكونت؟.
"حرب المورة"
أول تشابك في العلاقات المصرية اليونانية التركية بدأ عام 1823، من منطقة المورة أو "بـِلوبونيز"، وهي شبه جزيرة جنوب اليونان، كانت تعرف في العصور الوسطى المتأخرة والفترة العثمانية، باسم موريا، وكانت بلاد اليونان الى أوائل القرن التاسع عشر جزءا من السلطنة العثمانية، يحكمها الولاة الأتراك الذين ترسلهم حكومة الأستانة، وظلت على هذه الحالة الى أن ظهرت فيها بوادر الثورة الأهلية.
ومع استفحال أمر الثورة اليونانية، واشتعال البلاد بالاضطرابات، وخاصة في شبه جزيرة المورة، أرسل السلطان العثماني محمود الثاني، إلى والي مصر محمد علي باشا، وطالبه أن يشترك في الحرب اليونانية لإخماد الثورة.
فلبى محمد علي، طلب السلطان، وبذل همة كبرى في تجهيز الحملة على اليونان، فأعد جيشا ضخما بقيادة نجله الأكبر "إبراهيم".
في كتابه "عصر محمد علي"، يروي المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، عن دخول القوات المصرية إلى اليونان، قائلا: "فلما صارت السفن المصرية على مرمى المدفع أطلقت قلاع العدو المدافع عليها فلم تتزلزل قلوب المصريين، ونزلت العساكر البرية منهم في الزوارق وقصدوا الجزيرة تحت وابل من القنابل، وتمكنوا من الوصول الى البر وترامى الفريقان بإطلاق البنادق".
مضيفا "ثم هجم المصريون هجوم الأبطال وكان عددهم 1200 مقاتل، واحتلوا الجزيرة (المورة) عنوة بعد أن دافع اليونانيون دفاعا شديدا عنها، ولكن المصريين غلبوهم بحسن نظامهم وشجاعتهم، ورفعوا العلم المصري على استحكامات الجزيرة".
وفي 3 فبراير/ شباط 1830، نالت اليونان الاستقلال التام، ورجع الجيش المصري من اليونان إلى الإسكندرية، ثم بدأت الخلافات تدب بين محمد علي، والسلطنة العثمانية، وهو الخلاف الذي تطور إلى حروب مستمرة بين السلطتين، وتحالف محمد علي مع أعداء السلطان العثماني، بداية من إنجلترا، إلى اليونان، ومن هنا نشأ تحالف في ذلك الوقت، بين القاهرة وأثينا، وكانت هذه صفحة من تاريخ قديم للمنطقة المشتعلة دائما.
صفحة بيضاء
موقع "الهيئة العامة للاستعلامات المصرية"، وصف طبيعة العلاقات بين القاهرة، وأثينا قائلا: "ترتبط مصر واليونان بعلاقات قوية منذ القدم تلك العلاقات التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني".
لكنه أورد صفحة العلاقات المصرية التركية بيضاء ليس بها شيء، ولا معلومة واحدة عن جذور العلاقات بين مصر وتركيا، الممتدة إلى أزمنة بعيدة، ويحكمها روابط دينية واجتماعية وثيقة.
الباحث المصري محمد أبو سعدة علق على الأمر بقوله: "أمر عجيب أن تتجاهل صفحة رسمية للدولة المصرية تاريخ العلاقات مع تركيا، على أساس الخلاف مع النظام السياسي، وتقطع كل الروابط التاريخية، وتحاول محوها من التاريخ، وهو شيء لا يمكن حدوثه".
وأردف أبو سعدة في حديثه مع "الاستقلال": "مصر واليونان وتركيا، دول كبرى في منطقة المتوسط، ولطالما دخلوا في نزاعات مختلفة، وليس من مصلحة مصر على المدى المتوسط والبعيد التورط في اشتباك ضد تركيا، بإقامة تحالفات، وعقد معاهدات، مع أشد خصوم تركيا، وهو ما قد يهدد مصالحها، خاصة وأن القاهرة لديها ملفات حساسة، على رأسها إثيوبيا، وليبيا".
وأضاف الباحث: "السياسة الخارجية لنظام 3 يوليو بقيادة السيسي، أدت إلى توريط مصر في العديد من الصراعات، والأزمات، ومصر تخسر فيما يتعلق بحقول الغاز في المتوسط من سنوات، ولم يكتف النظام بإضاعة حقول مصر من الغاز، والتفريط بحقوقها، لاستعداء تركيا، بل يريد أن يذهب إلى صراع أبعد، لن تتحمل الدولة تبعاته، سياسيا واقتصاديا".
تباين المواقف
عندما أطاح جنرالات الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، تباينت ردود الأفعال الدولية من عملية الانقلاب العسكري، وهو ما دفع اليونان للحذر والقلق في علاقاتها مع القاهرة، وسط ضبابية شكل النظام الجديد، كيف سيكون، وما هي أبرز معالمه، وأين يمكن أن تتقاطع أو تتقارب المصالح بين الدولتين؟.
على صعيد آخر اشتعلت أنقرة غضبا، من انهيار الديمقراطية في مصر، ومن عزل مرسي، وأعلنت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد، رفضها القاطع للانقلاب، ما جعل النظام المستجد في مصر لمناهضة تركيا العداء، والبحث عن تحالفات وثيقة.
في 5 سبتمبر/أيلول 2013، كانت أول زيارة لمسؤول يوناني إلى مصر أجراها نائب رئيس وزراء اليونان، وزير الخارجية، إيفانجيلوس فينيزيلوس، بناء على دعوة من نظيره المصري آنذاك نبيل فهمي، وأعرب حينها، في مؤتمر صحفي بالقاهرة، عن تقدير بلاده "لالتزام الحكومة المصرية بتنفيذ بنود خارطة الطريق"، مشيدا في الوقت ذاته بالعلاقات التاريخية التي تربط البلدين.
ولكن في 24 أغسطس/آب 2013، حدث توتر في العلاقات، عندما قررت الحكومة المصرية تعليق مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي مصر واليونان، بناء على معلومات رسمية تفيد بقيام تحالف يضم كلا من إسرائيل واليونان وقبرص، لإنشاء مشروعات استغلال الغاز الطبيعي في أعماق البحر المتوسط بين إسرائيل وقبرص، ودراسة إقامة محطات لإنتاج الكهرباء بين الدول الثلاث باستخدام الغاز.
وشهد يوم 20 يناير/كانون الثاني 2014، أول زيارة للرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، إلى دولة أوروبية منذ توليه مهام منصبه، حيث قام بزيارة أثينا، وعقد مباحثات مع رئيس الوزراء اليوناني أنطونيو لوبو أنتونيس، ونظيره اليوناني كارولوس بابولياس.
وفي 28 أبريل/نيسان 2014، أجرى وزير الدفاع اليوناني ديميتريس أفراموبولوس زيارة للقاهرة، بحث خلالها مع وزير الدفاع المصري حينئذ صدقي صبحي، سبل التعاون المشترك وتعزيز التعاون العسكري.
وخلال الزيارة التقى وزير الدفاع اليوناني المرشح الرئاسي حينها عبدالفتاح السيسي، لمناقشة الأوضاع السياسية والأمنية فى منطقة الشرق الأوسط، والمتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية.
وهنا تبدد الوجوم اليوناني، الذي كان باديا على الدولة الأوروبية، بتأييد معلن وتقارب دبلوماسي ملحوظ، ظهر جليا في عقد اتفاقيات ثنائية، وثلاثية بين مصر واليونان، من جهة، وقبرص الرومية من جهة أخرى، مكايدة في تركيا، التي تصطدم بذلك المحور في عدد من الملفات، أبرزها الحدود البحرية في المتوسط، والتنقيب على الغاز.
تعاضد عسكري
وبعيدا عن العلاقات الدبلوماسية، ذهب التحالف المصري اليوناني ضد تركيا، إلى تعاون عسكري وثيق، ففي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عقدت مباحثات عسكرية بين رئيس الأركان المصري ووزير الدفاع اليوناني، بمقر وزارة الدفاع في أثينا.
وشهد يوم 20 أبريل/نيسان 2015، لقاء جمع بين وزير الدفاع المصري السابق، الفريق أول صدقي صبحي، ونظيره اليوناني، بانوس كامينوس، خلال زيارة الأخير للقاهرة، ناقشا فيها أوجه التعاون في المجالات العسكرية والتدريبات المشتركة بين البلدين.
وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2015، شاركت وحدات من القوات البحرية والجوية المصرية، في فعاليات التدريب المشترك "ميدوزا 2015"، الذي استمر عدة أيام في أثينا، ومثل ذروة التعاون العسكري بين البلدين منذ وصول السيسي إلى الرئاسة في يونيو/ حزيران 2014.
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استقبل السيسي كرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان الجديد، على هامش القمة السابعة لآلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان.
وأعرب ميتسوتاكيس عن حرص بلاده على مواصلة تعميق العلاقات بين البلدين ودفعها إلى آفاق أوسع، كما أشاد رئيس الوزراء اليوناني بآلية التعاون الثلاثي، مؤكدا حرصه على مواصلة دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث وتفعيل أطر التعاون القائمة بينهم، بالإضافة إلى تعزيز التشاور السياسي بين الدول الثلاث حول كيفية التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط.
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، شاركت قوات مصر واليونان وقبرص في التدريب البحري الجوي المشترك "ميدوزا 9" باستخدام أحدث الأسلحة والمروحيات بالدول الثلاث.
ويعد ذلك التدريب من أكبر التدريبات البحرية والجوية المشتركة التى تنفذ فى نطاق البحر المتوسط، والغرض الأساسي منه تحجيم نفوذ تركيا في تلك المنطقة، مع حليفتها قبرص الشمالية.
إسرائيل حاضرة
تحالف مصر، واليونان، وقبرص (الرومية)، وإسرائيل، ذكر في 3 مايو/ آيار 2015، عندما نقل موقع "وللا" العبري، تصريحات لمسؤول يوناني، قال فيها: القاسم المشترك لدول التحالف الرباعي هو الرغبة في محاصرة تركيا وتقليص نفوذها، إذ يُنظر إليها من قِبل الدول الأربع على أنها (دولة عدو)".
وأشار الموقع الإسرائيلي في تقريره إلى أنه بالإضافة "للعداء التاريخي بين كل من قبرص واليونان مع تركيا، فإن نظام السيسي يرى في تركيا تهديدا مباشرا له بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، في حين قررت إسرائيل خلع كل القفازات في حربها ضد حكم أردوغان بعدما يئست من إمكانية إصلاح العلاقة معه".