مهلة جديدة للتشاور.. ماذا لو فشل الجملي في تشكيل حكومة تونس؟
مرة أخرى، يؤجل الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في تونس، بعد لقاء جمع الرئيس قيس سعيّد برئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2019.
الجملي المكلف بتشكيل الحكومة منذ 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، طلب من الرئيس تمديد المهلة الممنوحة له بشهر آخر، من أجل التوصل إلى توافقات مع الأحزاب السياسية، فهل سينجح الجملي في تشكيل حكومته خلال 30 يوما أم سيتعثر مرة أخرى؟ وفي حال فشله في تشكيل حكومته ما هي البدائل المطروحة أمام الرئيس في إطار الدستور والقانون؟.
المهلة الجديدة تأتي عقب أسابيع من المشاورات التي شملت مجموعة من الشخصيات والأحزاب، أعلن الجملي خلالها التوصل إلى اتفاق بين حركة النهضة (54 مقعدا) و3 أحزاب أخرى هي "التيار الديمقراطي (22 مقعدا)" و"الشعب (16 مقعدا)" و"تحيا تونس (14 مقعدا)".
إلا أن هذا الاتفاق سرعان ما تم التراجع عنه، حيث تتالت بيانات الأحزاب التي أعلنت عدم مشاركتها في الحكومة المقبلة، لأسباب متعددة بين "عدم الوضوح" الذي تراه حركة الشعب، و"تدني منسوب الثقة مع حركة النهضة"، حسب التيار الديمقراطي، و"غياب شروط النجاح الذي لمسته تحيا تونس من نتائج المشاورات" وفق بيان الحركة.
ساعتها أقر الجملي بفشل المفاوضات مع الأحزاب المعنية، معلنا خلال مؤتمر صحفي عزمه "تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة" لا ترتبط بأي حزب بما فيهم حزب حركة النهضة الذي كلفه بتشكيل الحكومة.
لقاء غامض
مساء الخميس 26 ديسمبر/كانون الأول 2019، دعا رئيس مجلس النواب (البرلمان) راشد الغنوشي إلى الإبقاء على مكتب مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم استعدادا لأن يقدم الجملي تشكيلة حكومته.
إلا أنه صبيحة الجمعة 27 ديسمبر/ كانون الأول، وإثر لقاء جمع رئيس الحكومة المكلف برئيس الجمهورية، تم الإعلان عن تأجيل الإعلان عن تشكيل الحكومة والإفصاح عن الأسماء المكونة لها.
دائرة الإعلام برئاسة الجمهورية قالت في بيان: "لن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة اليوم، نظرا لتواصل المشاورات". وقال الجملي عقب اللقاء: إنه "أطلع رئيس الجمهورية على المفاوضات الجارية بخصوص تشكيل حكومة مستقلين وفق ما أعلن عنه سابقا".
وجدد الجملي "حرصه على التثبت من كفاءة ونزاهة المرشحين وبعدهم عن الالتزام السياسي"، معبرا عن أمله في أن يتم الإعلان عن تركيبة الحكومة في أقرب الآجال.
لقاء الجملي وسعيّد تكرر يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، دون أن يتم الإعلان عن نتائجه، وأجاب الجملي الصحفيين "من الصعب الإعلان عن تركيبة الحكومة اليوم".
مصادر خاصة أكدت لـ"الاستقلال" أن رئيس البرلمان راشد الغنوشي التقى صباح يوم 27 ديسمبر/كانون الأول، بكل من أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، والناشط السياسي الحبيب بوعجيلة، واللذين سبقا أن تقدما بمبادرة لتقريب وجهات النظر والوساطة بين الأحزاب المحسوبة على خط "الثورة" من أجل تشكيل الحكومة.
ابن مبارك وبوعجيلة نقلا للغنوشي دعوة رئيس الجمهورية إلى مواصلة المشاورات ما بين الأحزاب الأربعة من أجل تشكيل الحكومة، وأكد نفس المصدر أن الغنوشي أكد رفضه العودة للتشاور مع هذه الأحزاب بعد إعلان رفضها المشاركة في الحكومة.
حكومة أقلية
يبدو أن حركة النهضة تقدمت في المشاورات مع حزب قلب تونس والذي حصل على المرتبة الثانية في الانتخابات الأخيرة.
ورغم هذا التوافق الحاصل بين الحزبين إلا أنه لا يمكن تمرير الحكومة الحالية بأصوات نواب الكتلتين فقط، حيث تملك النهضة 54 نائبا، وقلب تونس 34 نائبا فقط (إجمالا 98 نائبا)، وهو ما يوجب عليهما الوصول إلى تفاهمات أخرى من أجل حصول الحكومة على 109 أصوات من أعضاء البرلمان الـ 217.
لكن الرفض القائم لهذه الحكومة داخل مجلس النواب يبدو أنه أكبر من القبول بها، حيث أعلن حزب التيار الديمقراطي وكذلك حركة الشعب رفضهم للمشاركة في الحكومة والتصويت ضدها بالإضافة إلى حزب تحيا تونس الذي يتهم قلب تونس بأنه وراء تشويه زعيمه المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي.
كما جددت كتلة "ائتلاف الكرامة (21 مقعدا)" نيتها عدم التصويت لأي حكومة تضم حزب قلب تونس باعتباره يضم جزءا من النظام القديم وتحوم حوله شبهات فساد.
أما حزب الدستوري الحر (17 مقعدا)، الذي تقوده عبير موسى والتي لا تخفي عداءها لحركة النهضة باعتبارها نقيضا وجوديا لها ولا تتردد في أي مناسبة بوصفها بأنها حزب "الإخوان المسلمين" ونعتها بالإرهاب وهو ما يؤكد اصطفافها في المعارضة وعدم منحها الثقة للحكومة.
كما لم تؤكد كتلتا "الإصلاح الوطني (15 مقعدا" و"المستقبل (9 مقاعد)" نيتهم التصويت لصالح الحكومة المنتظر إلى الآن.
هذا الوضع يجعل الحبيب الجملي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما بتمرير حكومة أقلية تحظى فقط بثقه حزبي النهضة وقلب تونس ويتم منحها عدد من الأصوات من قبل المعارضة حتى تجمع التزكية المطلوبة من قبل البرلمان بنصف أعضائه زائد واحد.
الخيار الثاني هو اتجاه الحبيب الجملي للإعلان عن فشله في تشكيل الحكومة وإعادة المبادرة إلى رئيس الجمهورية من أجل تكليف شخصية أخرى لتشكيلها وفق ما يقتضيه الدستور.
وزارة الرئيس
حسب ما ينص عليه الفصل 89 من دستور 2014 "عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل 10 أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر".
ويرجح عدد من المتابعين أن يتم اللجوء إلى هذا الخيار خاصة في ظل ما يروج عن خلافات حادة بين حركة النهضة ورئيس الحكومة المكلف، حيث أكدت مصادر خاصة للاستقلال، أن "النهضة عرضت على الجملي مجموعة من الأسماء لشغل عدد من الحقائب، إلا أن الأخير رفضها بدعوى الحفاظ على استقلالية حكومته، وهو ما قد يؤدي إلى رفض النهضة منح الثقة للجملي وحكومته".
ومع تلميح عدد من الأحزاب إلى إمكانية العودة إلى المشاورات في صورة المرور إلى حكومة الرئيس، فإن احتمال نجاح هذه الفرضية تبدو أوفر حظا من تشكيل حكومة الجملي.
بعد الانتخابات البرلمانية وظهور النتائج، سارعت حركة الشعب بالإعلان عن مقترحها لتشكيل حكومة الرئيس باعتبار أن قيس سعيّد يحظى بشعبية واسعة تتجاوز شعبية كل الأحزاب مجتمعة، كما يلاحظ مراقبون القرب الحاصل بين رئيس الجمهورية ورئيس حركة تحيا تونس يوسف الشاهد.
سيناريو "الشاهد"
أمين عام حركة مشروع تونس ورئيس كتلة الإصلاح الوطني بالبرلمان حسونة الناصفي أشار إلى أن بعض الأطراف أرادت أن يتم السير نحو سيناريو تكليف رئيس الجمهورية لرئيس حركة "تحيا تونس" يوسف الشاهد برئاسة الحكومة المقبلة.
وفي حال عدم نجاح الجملي في تشكيل الحكومة، فإن الدستور ينص على أنه "إذا مرت 4 أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل المجلس والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما".
إلا أن الكاتب الصحفي لطفي الهرماسي يرى أن مؤشرات كثيرة تدل على أن الرئيس قيس سعيّد يدفع بكل ما أوتي من جهود لتشكيل حكومة الجملي خشية إعادة التكليف له واضطراره إلى دخول مفاوضات مع الأحزاب لاختيار الشخصية الأكفأ لتشكيل ما يسمى بـ "حكومة الرئيس"، ومن ذلك ما قام به من اتصالات غير معلنة لمستشاريه دعما لجهود بوعجيلة وابن مبارك.
الهمرماسي قال لـ"الاستقلال": "عدم رغبة الرئيس في تكليف شخصية مقربة منه بتشكيل حكومة تعود إلى أنه يحاول دوما أن يظل فوق الأحزاب وألا تحسب أية مبادرة منه على أنها دعم لجهة سياسية ما في البلاد".
وأضاف هرماسي: "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس صعبة للغاية وهي مهددة بانفجارات اجتماعية عنيفة تضع مصداقية الرئيس على المحك خاصة وأنه حاز إجماعا انتخابيا تاريخيا لا يرغب في إهداره من خلال حكومة تحسب عليه".