أرتال جديدة.. هذا سر تزايد أعداد القوات الأمريكية في العراق
مع تأزم الأوضاع في العراق جراء عجز القوى السياسية عن إيجاد بديل لرئاسة الحكومة خلفا للمستقيل عادل عبدالمهدي، ودخول البلد في فراغ دستوري، كشفت تقارير صحفية النقاب عن تزايد ملحوظ في أعداد القوات الأمريكية داخل "المنطقة الخضراء" وسط بغداد.
الأمر ذاته أكده تهديد النائب في البرلمان عن كتلة صادقون التابعة "العصائب" عبد الأمير الدبي، الذي لوح بالرد على تعزيز القوات الأمريكية من وجودها داخل العراق. وقال في بيان: "على الولايات المتحدة التي عززت وجود قواتها هذه الأيام أن تعلم بأن العراق اليوم ليس عراق 2003".
وأضاف الدبي: "العراق اليوم فيه ركائز قادرة بكلمة واحدة أن تلقي بالمحتل الغاشم في الخليج العربي مترنحا مكشوف العورة كما كشفت عورته في اليمن ولبنان وسوريا، لكن هذه المرة ستكون الصولة قاسية وحاسمة".
فما السر وراء تزايد أعداد القوات الأمريكية في العراق مؤخرا في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية، وهل هذا الإجراء له علاقة بتزايد الصراع الإيراني الأمريكي في منطقة الخليج، وهل تم التنسيق المسبق من قبل واشنطن مع السلطات في بغداد؟.
تبادل هجمات
في 29 ديسمبر/ كانون الأول، شنت طائرات أمريكية هجمات عنيفة على مقرات لمليشيا "كتائب حزب الله" في العراق الموالية لإيران، وذلك بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة أمريكة في محافظة كركوك شمال العراق أسفرت عن مقتل جندي أمريكي.
وقال مدير مديرية الحركات في هيئة "الحشد الشعبي" جواد كاظم الربيعاوي، إن "القصف الأمريكي على مقرات اللواءاين ٤٥ و ٤٦ بلغت ٢٥ قتيلا و ٥١ جريحا"، مضيفا أن "عدد القتلى قابل للزيادة نظرا لوجود جرحى في حالة حرجة وإصابات بليغة".
وتوعد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في تصريح مقتضب، إن "دماء الشهداء والجرحى لن تذهب سدا والرد سيكون قاسيا على القوات الأمريكية في العراق".
Pictures show the damage by the US airstrikes to Kata'ib Hezbollah (Hezbollah Brigades) sites in #Iraq. pic.twitter.com/ChMGidhjMk
— ZaidBenjamin (@ZaidBenjamin5) ٢٩ ديسمبر ٢٠١٩
من جهته، أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، أن الضربات ضد قواعد لـ"حزب الله" الموالي لإيران في العراق وسوريا كانت ناجحة، ولم يستبعد أي خطوات أخرى "إذا لزم الأمر".
وقال إسبر لصحفيين بعد غارات شنتها مقاتلات أمريكية من طراز "أف 15" على خمسة أهداف مرتبطة بحزب الله في غرب العراق وفي شرق سوريا، إن "الضربات كانت ناجحة". وأضاف: "سنتخذ مزيدا من الإجراءات إذا لزم الأمر، من أجل أن نعمل للدفاع عن النفس وردع المليشيات أو إيران" من ارتكاب اعمال معادية.
وأشار إسبر إلى أن الأهداف التي تم اختيارها هي منشآت قيادة وتحكم تابعة لكتائب حزب الله أو مخابئ أسلحة.
وفي السياق ذاته، قال جوناثان هوفمان، مساعد وزير الدفاع الأمريكي في تغريدة إن "الولايات المتحدة شنت ضربات دفاعية في العراق وسوريا ضد خمس منشآت لكتائب حزب الله ردا على الهجمات الأخيرة ضد قوات التحالف".
U.S. conducted defensive strikes in Iraq and Syria against 5 Kata'ib Hezbollah facilities in response to recent attacks against @OIR coalition forces.https://t.co/yvc1nIjMav
— Jonathan Rath Hoffman (@ChiefPentSpox) ٢٩ ديسمبر ٢٠١٩
وعلى ما يبدو، فإن رد المليشيات العراقية كان سريعا، إذ أطلق مجهولون، 4 صواريخ على قاعدة التاجي العسكرية، والتي تستضيف جنودا أمريكيين قرب العاصمة العراقية بغداد، دون أن يسفر ذلك عن وقوع خسائر تذكر، بحسب مصدران بالجيش العراقي.
وتأتي هذه الهجمات وزيادة أعداد القوات الأمريكية قرب سفارتها في بغداد، عقب تحذير أطلقه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لإيران، من رد "حاسم" إذا تعرضت مصالح بلاده للأذى في العراق، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية على قواعد عسكرية.
وقال بومبيو في تغريدة على "تويتر" في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري: "يتعين علينا... اغتنام هذه الفرصة لتذكير قادة إيران بأن أي هجمات من جانبهم أو من ينوب عنهم من أي هوية، تلحق أضرارا بالأمريكيين أو حلفائنا أو مصالحنا، فسيتم الرد عليها بشكل حاسم".
اتفاقية أمنية
وكالة الصحافة الفرنسية كشفت في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، نقلا عن مصدر أمني عراقي، أن دخول أرتال عسكرية أمريكية محملة بالأسلحة إلى المنطقة الخضراء، بعد الحصول على موافقات رسمية.
وقال المصدر الذي طلب عدم كشف هويته: إن "الأرتال العسكرية مكونة من 15 ناقلة تحمل عجلات هامر مع أعتدة وأسلحة أمريكية".
وفي الوقت الذي لم تصرح فيه بغداد عن الموضوع، فقد نقلت قناة "إن آر تي" العراقية، عن مصادر في مليشيا "عصائب أهل الحق" القريبة من إيران، قولها إن الأرتال توجهت إلى سفارة واشنطن بالمنطقة الخضراء، لافتة إلى "الفوج الرئاسي الثاني لديه برقية رسمية للسماح للقوة العسكرية بدخول المنطقة الخضراء والتوجه إلى السفارة الأمريكية".
عضو لجنة الأمن والدفاع السابق في البرلمان العراقي حامد المطلك، قال في حديث لـ"الاستقلال": "دخول القوات الأمريكية إلى المنطقة الخضراء يجري وفق اتفاقية أمنية موقعة بين الولايات المتحدة والعراق".
وأوضح المطلك، أن "الحكومة على دراية كاملة بجميع تحركات القوات الأمريكية وأعدادها، ولا يمكن أن تدخل قوات بهذه الأعداد دون موافقة من السلطات العراقية، لأنها هي المسؤول الأول والأخير عن البلد، والطرف الوحيد الذي يحق له التصريح بالموضوع".
وشدد النائب السابق على أن "العراق لا يمكن أن يكون ساحة للصراع بين الأطراف الدولية، وأن بغداد لو كانت لديها أي اعتراض على تلك القوات لصرحت بذلك"، في إشارة إلى الصراع الإيراني الأمريكي بالبلد.
تحركات مكثفة
وصاحبت هذه التطورات زيارات واتصالات أمريكية مكثفة مع مسؤولين عراقيين، حيث أعرب وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، في 16 ديسمبر/كانون الأول خلال اتصال مع رئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي، عن قلقه من تعرض بعض المنشآت إلى القصف في العراق.
وحسب بيان لمكتب عبدالمهدي، فإن "الأخير تلقى اتصالا هاتفيا من وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، تناول استمرار التعاون بين البلدين ضد الإرهاب ودعم جهود القوات المشتركة لملاحقة بقايا تنظيم الدولة وحفظ الأمن والاستقرار في عموم العراق".
فيما عبّر عبدالمهدي عن قلقه "أيضا لهذه التطورات"، مطالبا "ببذل مساع جادة يشترك بها الجميع لمنع التصعيد الذي إن تطور سيهدد جميع الأطراف". وأكد أن "أي إضعاف للحكومة والدولة العراقية سيكون مشجعا على التصعيد والفوضى"، لافتا إلى أن "اتخاذ قرارات من جانب واحد ستكون له ردود فعل سلبية تصعب السيطرة عليها وتهدد أمن وسيادة واستقلال العراق".
وعقب 3 أيام من اتصال إسبر، أوفدت واشنطن في 19 ديسمبر/كانون الأول، ديفيد هيل وكيل وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية للقاء مسؤولين عراقيين منهم عبدالمهدي.
وقال بيان لمكتب عبدالمهدي: إن "الجانبين تطرقا أثناء اللقاء إلى علاقات الشراكة والتعاون بين البلدين، ورؤية العراق للتطورات الأخيرة في البلاد والمنطقة. كما تم بحث رؤية الولايات المتحدة تجاه تطورات المنطقة".
من جهته، أكد عبدالمهدي على "استمرار الشراكة الإستراتيجية مع واشنطن، مشيرا إلى ثبات سياسته في بناء علاقات طيبة مع جميع دول الجوار والشركاء والأصدقاء الدوليين، وأهمية العلاقات بين البلدين واستمرار التعاون في المجالات كافة ومكافحة الإرهاب".
وحسب مسؤول أمني عراقي رفيع نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، فإن عبدالمهدي يخشى أن "ترد الولايات المتحدة على تلك الهجمات التي تشن ضد القوات الأمريكية بالعراق، "ما قد يؤدي إلى تصادم على أراض عراقية".
إحداث تغيير
من جهته، رأى الخبير العسكري والإستراتيجي أحمد الشريفي أن إرسال قوات أمريكية إلى العراق وتحديدا لسفارة الولايات المتحدة وسط بغداد، يأتي بالتزامن مع تقليص واشنطن لموظفيها المدنيين، الأمر الذي يحمل رسائل.
وقال الشريفي في تصريحات صحفية: إن "حديثا يدور الآن حول تعزيزات عسكرية في العاصمة بغداد، وهي تزامنت مع قرار الخارجية الأمريكية بتقليص عدد الوجود المدني، وعندما يكون هناك تقليص للموظفين المدنيين في السفارة الأمريكية، فهذا يدل على احتمالية إما أن تتعرض السفارة إلى هجمات أو أن يكون هناك نشاط عسكري أمريكي يقتضي معه أن يكون الجهد الموجود هو جهدا قتاليا".
وتابع: "لأنه إذا قلنا هناك تخفيض لعدد المدنيين في السفارة والقنصليات الأمريكية في عموم العراق، فيعني أن هناك حذرا من اندلاع عمليات عسكرية تقتضي معها أن يكون الوجود عسكريا".
وأعرب الشريفي عن تقديره بأن "واشنطن ماضية في إحداث تغيير في العراق، وربما مسألة التظاهرات سوف تستمر، حيث أن انهيار الحكومة قد حصل، ومن المتوقع أن يكون هناك انهيار على مستوى البرلمان، لذا فإن المرحلة قد تقتضي وجود حكومة طوارئ، مع احتمالية تحول السجال السياسي بين إيران وحلفائها من جهة وبين الأمريكان وحلفائهم من جهة أخرى إلى عمليات عسكرية، فالمعطيات في الميدان العراقي تنذر بحدوث مواجهة".
حماية الآبار
وبخصوص زيادة أعداد القوات الأمريكية بشكل عام في العراق مؤخرا، قال الشريفي: إن "حراكا ونشاطا واضحا للولايات المتحدة منذ الشروع في انسحابها من سوريا والابتعاد عن مسرح الأحداث هناك، فبعد تخليها عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، جرى تنسيق للمواقف، بأن تذهب الولايات المتحدة باتجاه أن يكون العراق نقطة وجود للقوات الأمريكية".
وحسب تحليله، أكد الشريفي أن "الانسحاب من سوريا هذا كان فيه بعدان: الأول أن القوات البرية انسحبت باتجاه القواعد العراقية الثلاث وهي قواعد القيارة، وعين الأسد، والحبانية".
أما البعد الثاني، وفق الشريفي، "فتمثل بما تبقى من الجهد التقني الذي كان في القواعد داخل سوريا، وعددها بحدود 23 قاعدة، انسحب هذا الجهد باتجاه مدينة أربيل بكردستان العراق، وفي المرحلة الحالية تم ملاحظة ظهور تحركات عسكرية أمريكية في الموصل وكركوك".
وعلى ما يبدو، فإن الوجود الأمريكي في محافظة كركوك الغنية بالنفط، له أبعاد أخرى، إذ صرح المتحدث باسم "الجبهة التركمانية"، محمد سمعان، بأن الأرتال الأمريكية التي وصلت إلى محافظة كركوك جاءت لحماية الآبار النفطية خوفا من دخول العراق في فراغ دستوري وبالتالي الذهاب إلى "فوضى عارمة".
وأعرب سمعان خلال حديث تلفزيوني في 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن استغرابه من عدم صدور "أي بيان رسمي من المقر المتقدم لقيادة العمليات المشتركة (جهة رسمية عراقية) في كركوك، لكن التحالف الدولي أصدر بيانا أكد فيه بأنه لن يترك القوات العراقية وحدها لقتال فلول تنظيم الدولة".
وتقدر أعداد قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق، في ديسمبر/كانون الأول 2018، نحو 8956 فردا، ومنهم 6132 من القوات الأمريكية بصفة مستشارين ومدربين ودعم وإسناد جوي، بحسب رسمية وثيقة للحكومة العراقية.
وأشارت الوثيقة إلى أنه لم تحدد اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة في 2008 بين العراق وأمريكا مدة لبقاء تلك القوات، لافتة إلى أن الاتفاقية تنظم الأنشطة خلال وجود هذه القوات بشكل مؤقت فقط.
"المنطقة الخضراء"
تعود تسمية "المنطقة الخضراء" إلى العام 2003 الذي احتلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية العراق، إذ استقطعت أجزاء عدة من أحياء في وسط بغداد، مساحتها تبلغ حوالي 10 كيلو متر مربع، وأحاطتها بحواجز أسمنتية وجعلتها شديدة التحصين الأمني.
كانت هذه المساحات قبل الاحتلال تضم مناطق عادية يقطنها سكان بغداد، فضلا عن قصور رئاسية تابعة للنظام السابق بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين، وأشهرها القصر الجمهوري وقصر السلام، إضافة إلى ساحة الاحتفالات والتي يستعرض فيها الجيش العراقي قواته، ويوجد فيها أيضا تمثال الجندي المجهول وفندق الرشيد.
تطور الأمر لتكون هذه المنطقة مجمعا لرئاسة الوزراء والجمهورية والبرلمان العراقي، ومفوضية الانتخابات ومؤسسات عراقية سيادية، فضلا عن وجود غالبية سفارات الدول فيها، وأهمها السفارة الأمريكية التي أخذت مساحة كبيرة من هذه المنطقة، إضافة إلى أنها تحولت إلى مكان لسكن المسؤولين العراقيين وأسرهم.
المصادر
- تعزيزات عسكرية لتأمين سفارة واشنطن في بغداد… وقلق عراقي من «تصعيد وفوضى»
- أمريكا تتحرك للدفاع عن منشآتها في العراق وترسل تعزيزات عسكرية نحو المنطقة الخضراء
- متى تفتح أسوار “المنطقة الخضراء” أبوابها للعراقيين؟
- بالصورة.. عبد المهدي يكشف عدد القوات الأجنبية في العراق
- العراق.. عبد المهدي يستقبل وكيل وزارة الخارجية الأمريكية
- خبير استراتيجي: الولايات المتحدة ماضية في إحداث تغيير في العراق
- وزير الخارجية الأمريكي يهدد إيران برد "حاسم" إن أضرت بالمصالح الأمريكية في العراق
- أول تعليق من العصائب على دخول تعزيزات عسكرية أمريكية الى المنطقة الخضراء
- الجبهة التركمانية: الارتال الامريكية وصلت لكركوك خوفاً من دخول العراق بـ’’فراغ دستوري’’ وفوضى عارمة!
- ارتفاع حصيلة الشهداء والجرحى جراء الاعتداء الامريكي على مقرات الحشد
- ردا على هجوم قاعدة "K1".. الجيش الأميركي يقصف 5 مواقع لكتائب حزب الله بالعراق وسوريا
- سقوط 4 صواريخ على قاعدة عسكرية تستضيف أمريكيين قرب بغداد
- المهندس: الرد سيكون قاسيا على القوات الامريكية
- واشنطن: الغارات على كتائب حزب الله ناجحة وتهدد بإجراءات أخرى