على حافة الهاوية.. لماذا تبدو خيارات بغداد مستحيلة في ظل التصعيد الحالي؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

"محاصرةً بين إيران وواشنطن المنحازة لإسرائيل، وتحت ضغط شبكة مليشيات متمردة، تجد بغداد نفسها أمام خيارات مستحيلة".. هكذا قيّمت مجلة أميركية وضع العراق في ظل التصعيد الحالي بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت"، في تقرير لها: إن "العراق على حافة الهاوية، بين المصالح الإيرانية والأميركية في الحرب الجديدة الدائرة".

وأضافت أنه "في ظل صراع عمالقة المنطقة فوق رأسه، فإن استقرار العراق الهشّ، الذي تحقق بشق الأنفس، وأُعيد ترميمه بجهود مضنية جراء عقود من الصراع، أصبح على المحكّ".

موقف حرج

وقد تجلّى اعتراف واشنطن الضمني في قرارها بإجلاء جزئي لموظفي سفارتها في بغداد، والسماح لعائلات عسكرييها بمغادرة المنطقة.

وقد جاء هذا الانسحاب على خلفية معلومات استخباراتية تشير إلى استعدادات إسرائيلية لشن ضربات بعيدة المدى، مما سلّط الضوء على أن الأجواء العراقية قد تتحول، دون قصد، إلى ممرّ لعمليات متبادلة بين إسرائيل وإيران، وفق التقرير.

وقال: إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يقف اليوم أمام مأزق بالغ التعقيد؛ إذ يسعى للحفاظ على شراكة العراق الأمنية مع الولايات المتحدة، في وقت يتعرض فيه لضغوط داخلية شديدة من فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران".

هذه الفصائل، التي ازدادت جرأتها بفعل المواجهة بين إسرائيل وإيران؛ حيث كثّفت مطالبها بانسحاب القوات الأميركية، وهددت بشن هجمات جديدة ضدها، بصفتها أهدافا مشروعة وشركاء في العدوان الإسرائيلي.

وأشار التقرير إلى أن الحشد الشعبي -وهي مليشيات قوية ذات أغلبية شيعية، تأسست رسميا عام 2016، وتخضع نظريا لرئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة- تشكل تحديا مستمرا لسيادة الدولة العراقية، رغم دورها المحوري السابق في مواجهة تنظيم الدولة.

فعلى مدى سنوات، أظهرت هذه الفصائل -خصوصا الجناح المتشدد- قدرة على التصرف حتى في ظل معارضة الحكومة.

وقد تجلى ذلك أخيرا في تهديداتهم باعتقال الرئيس السوري أحمد الشرع، قبل قمة جامعة الدول العربية في بغداد خلال مايو/أيار 2025، مستشهدين بمذكرة توقيف عراقية سارية المفعول بسبب أنشطته السابقة على الأراضي العراقية.

وقد قوّض هذا بشكل مباشر محاولات رئيس الوزراء العراقي للتقارب مع دمشق، وفق التقرير.

علاوة على ذلك، تورطت إحدى الفصائل المتشددة في الحشد الشعبي، وهي "كتائب حزب الله"، في اختطاف الأكاديمية الإسرائيلية-الروسية إليزابيث تسوركوف، التي لا يزال إطلاق سراحها قيد التفاوض، رغم الجهود التي بذلها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، ورئيس الوزراء.

وأوضح التقرير أن الكراهية المتجذرة لدى فصائل الحشد الشعبي تجاه واشنطن تصاعدت بشكل كبير عقب الضربة الأميركية عام 2020 التي أسفرت عن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد أبو مهدي المهندس؛ غير أن هذا العداء تصاعد أكثر بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

نتيجة لذلك، فإن العراق -الذي يوازن بشكل فريد بين واشنطن وطهران، ويُضِيف نحو 2500 جندي أميركي إلى جانب دمج مليشيات مدعومة من إيران ضمن قواته الأمنية- شهد تصعيدا حادا في الخطاب والاعتداءات المتكررة على المصالح والأفراد الأميركيين، وتفاقم هذا بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران.

تأثير محدود

وحذّر الأمين العام لكتائب حزب الله، أبو حسين الحميداوي، قائلا: "إذا تجرأت واشنطن على التدخل في الحرب، فسنستهدف مصالحها وقواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة مباشرة دون تردد".

وردّد قادة آخرون في الحشد الشعبي هذا الموقف؛ إذ أكد زعيم "حركة حزب الله النجباء"، أكرم الكعبي، أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان "بالتعاون مع المحتل الأميركي"، مطالبا بـ"إخراج الولايات المتحدة من العراق".

وبحسب التقرير، لا تزال قدرة الحكومة العراقية على كبح جماح هذه الجماعات -بالنظر إلى نفوذها داخل النظام السياسي- محدودة، وقد تزداد صعوبة في مواجهة حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران.

ويتفاقم هذا التحدي الداخلي بسبب ضعف العراق أمام انتهاكات مجاله الجوي.

ورغم الاستثمارات الأخيرة بمليارات الدولارات التي تهدف إلى تحديث أنظمة دفاعه الجوي، بما في ذلك خطط لاقتناء قدرات متطورة من كوريا الجنوبية وفرنسا، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر، إلا أن هذه التحسينات "لا تزال غير مكتملة".

لذلك، فإن الدفاعات الجوية العراقية الحالية ليست قوية بما يكفي لاعتراض التهديدات عالية السرعة أو بعيدة المدى، مثل الطائرات الإسرائيلية أو الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تخترق سماءها.

وقد ظهرت هذه الهشاشة بالفعل؛ إذ أفادت التقارير بأن أنظمة الدفاع الجوي الأميركية قرب القنصلية الأميركية في أربيل أسقطت طائرة مسيرة يُشتبه بأنها إيرانية في 15 يونيو.

وأكدت المجلة أن "الملاذ الوحيد للحكومة العراقية هو القنوات الدبلوماسية".

فقد نقل السوداني بنفسه الرفض القاطع لاستخدام الأراضي أو الأجواء العراقية لتنفيذ أو تسهيل أي أعمال عدائية ضد الدول المجاورة إلى القائم بالأعمال الأميركي في العراق ستيفن فاجن، وقائد قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، كيفن ليهي، وفقا لبيان صادر عن مكتبه.

كما قدّمت بغداد شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، وناشدت الولايات المتحدة بشكل مباشر العمل على منع تحليق الطائرات الإسرائيلية في أجوائها، ومع ذلك، يبقى هامش التأثير العراقي محدودا للغاية، وفق التقرير.

وأشار إلى أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي لعام 2008 -الذي صُمم لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والعراق- يمنع صراحة استخدام الأراضي العراقية لـ"شن هجمات على دول أخرى".

ولكن على أرض الواقع، تتجاوز المصالح الإستراتيجية الأميركية، خاصة في ظل النزاع الحالي، السيطرة النظرية لبغداد، وفق التقرير.

مأزق العراق

هذا يضع الولايات المتحدة في مأزق، فعدم منع تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء العراقية لشن هجمات على إيران يقوض ضمنيا سيادة العراق على أجوائه ويزيد من خطر التصعيد مع طهران، بينما محاولة منع هذا التحليق بالقوة قد تُورط واشنطن مباشرة في الصراع.

ووفق التقرير، فإن "إيران، المُدركة تماما لعجز العراق، كثّفت ضغوطها الدبلوماسية على بغداد؛ حيث صرّح نائب وزير الخارجية، كاظم غريب آبادي، صراحة بأن العراق “غير قادر على الحفاظ على سيادة أراضيه والسيطرة عليها في مواجهة العدوان”.

وطالب آبادي بغداد "بتحمل مسؤوليتها في منع استخدام مجاله الجوي للعدوان على الدول المجاورة".

وكرّر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هذا الموقف، حاثا العراق على منع "إساءة استخدام" مجاله الجوي ضد إيران.

فيما أضاف التقرير: "بعيدا عن المأزق الذي يعيشه العراق كونه ممرا غير طوعي للضربات الإسرائيلية، يحتاج أيضا إلى استقرار في إيران لتلبية احتياجاته من الطاقة".

وأوضح أن "حوالي ثلث الكهرباء فيه تُولد بواسطة الغاز الطبيعي الإيراني، وأي انقطاع مستمر في هذه الإمدادات -التي تواجه تهديدات بالفعل بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة في إيران جراء الضربات الأخيرة- قد يؤدي إلى انقطاعات واسعة في التيار الكهربائي واضطرابات اجتماعية، مما يضعف موقف بغداد بشكل أكبر".

ويزيد من معاناة العراق، أن إشارات الرئيس دونالد ترامب المتضاربة لا تساعد على حل الأزمة، فهو من جهة يثني على ضربات إسرائيل بوصفها "ممتازة" ويهدد إيران بأن "المزيد قادم"، في محاولة واضحة لاستخلاص تنازلات في محادثات النووي التي تكاد تنهار.

وفي الوقت نفسه، يدعي معرفته المسبقة بخطط إسرائيل، مُبقيا الطبيعة الدقيقة للدعم الأميركي “غامضة عمدا”.

في المقابل، أكد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عدم تورط الولايات المتحدة، مشددا على أن الأولوية هي حماية القوات الأميركية، مبعدا بذلك واشنطن عن تحول المسؤولية المباشرة.

وختم التقرير بأن "العراق يعاني من هشاشة داخلية وانكشاف جغرافي، ما يجعله مهددا بأن يتحول إلى ساحة معركة وضحية في آنٍ واحد في صراع إيران وإسرائيل، وإذا طال أمد هذا التصعيد، فقد يشكل خطرا وجوديا على أمن العراق، ويقوّض تعافيه الهش".