عبر طابا وشرم الشيخ.. دلالات فرار الإسرائيليين من حرب إيران إلى الخارج

إسماعيل يوسف | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

مشهد تكدس الإسرائيليين الهاربين بسبب الحرب مع إيران، في معبر طابا الحدودي البري المصري، ومطار شرم الشيخ، للسفر إلى دول أخرى، أضحى أمرا معتادا يكشف حجم الدمار في تل أبيب ومدن الاحتلال.

ورغم أن هذا المشهد وتزاحم الإسرائيليين لدخول مصر، أغضب المصريين لسماح النظام لهم، بينما منعت قافلة دعم غزة المغاربية واعتدت واعتقلت بعض أفرادها، فقد حمل رمزية كبيرة.

هروب الإسرائيليين لم يقتصر على التوجه نحو مصر ومنها إلى دول أخرى، ولكنهم هربوا أيضا عبر سفن ويخوت سياحية بالمئات إلى قبرص واليونان.

وكانت مفارقة أن يفر المئات من المستوطنين اليهود من فلسطين المحتلة، رغم فرض حكومة بنيامين نتنياهو إجراءات لمنعهم من السفر، حتى لا تفرغ الأرض من سكانها، ويُكتب عليهم التهجير قسرا من الأرض التي يحتلونها.

بينما، في المقابل، يرفض أهل غزة الذي يعانون منذ أكثر من 20 شهرا ويلات القتل والتجويع والحصار، مخططات التهجير التي فُرضت عليهم، ولا يزالون متمسكين بأرضهم رغم العيش جوعا أو الموت قصفا.

الهروب إلى مصر

"لا تكاد حجرة واحدة  تفرغ من الإسرائيليين في فنادق شرم الشيخ بعدما ينجحون في الحصول على تذاكر السفر لدولة أوروبية، حتى تحجزها أسرة جديدة".

"يدخلون عبر معبر طابا يوميا ولا يتكلفون سوى قرابة 100 دولار، وتستقبلهم عشرات سيارات الأجرة لتنقلهم إلى فنادقها أو مباشرة إلى شرم الشيخ، ومنها لدول أجنبية هربا من القصف الإيراني".

هكذا يشرح أحد العاملين المصريين في فنادق شرم الشيخ لـ"الاستقلال" هروب الإسرائيليين إلى مصر، مشيرا إلى أن بينهم مزدوجي الجنسية وحاخامات وأثرياء يهود.

تكالبهم على مصر بدأ كأنه يماثل مشهد الخروج الثاني لليهود وهروبهم إلى مصر، بعد عودتهم لها خلال فترة أنبياء بني إسرائيل، وهجرة عكسية مكثفة، من فلسطين المحتلة إلى مصر عبر طابا ثم مطار شرم الشيخ للهروب إلى دول أوروبية.

لكن رئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع، سامي سليمان، قال: إن هذه الإشغالات في فنادق مصر "وهمية"؛ لأن السياح الإسرائيليين الفارين من الحرب يغادرون سريعا لوجهة ثالثة.

وأفاد سليمان لموقع "المنصة" المصري، في 19 يونيو، بأن معظم الإسرائيليين يقومون بإقامات ترانزيت قصيرة الأمد تُشكل حاليا 60 بالمئة من إشغال الفنادق في طابا، ولا يمكثون عادة أكثر من يومين في انتظار رحلات المغادرة.

وأشار إلى أن إشغال الفنادق في المنطقة تراجع بالفعل في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة؛ حيث انخفض من مستويات ما قبل العدوان التي كانت تتراوح بين 80-90 بالمئة إلى 15-20 بالمئة في أفضل الأحوال.

ووصف مسؤول كبير في غرفة المنشآت الفندقية، لموقع "المنصة" الارتفاع الحالي في أعداد الزوار الإسرائيليين بأنه "نزوح جماعي"، مضيفا أن مئات الزوار الإسرائيليين يستخدمون طابا ونويبع "محطات ترانزيت"، قبل التوجه إلى أماكن أخرى.

ورغم منع إسرائيل السفر وغلق مطار بن غوريون، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 17 يونيو، أن "مئات الإسرائيليين فروا عبر معبر طابا المصري باتجاه مطار شرم الشيخ الدولي؛ تمهيدا للسفر إلى وجهات خارجية، فيما هرب آخرون عبر البحر في يخوت لقبرص واليونان".

وأوضحت أنه "بينما يحاول حوالي 100 ألف عالقين خارج إسرائيل العودة، تطور الأمر سريعا لظاهرة في الاتجاه المعاكس، حيث يلجأ الإسرائيليون الراغبون في المغادرة للعبور برا إلى مدينة طابا، ومن هناك جوا من مطار شرم الشيخ الدولي".

وكتبت محررة شؤون الشرق الأوسط في "يديعوت أحرونوت"، سمدار بيري، تصف تدفق عشرات الآلاف من الإسرائيليين على سيناء بأنه "جنون".

ونقلت عن المدير الإسرائيلي لمعبر طابا الحدودي في سيناء، نيسيم حزان، أنه (قبل الحرب مع إيران) دخل 26 ألف شخص عبر المعبر في أبريل/نيسان 2025، وفقا لأرقام المعبر.

ورغم تحذير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من السفر إلى سيناء، يتدفق الآلاف على المعبر المصري ويدخلون شرم الشيخ خاصة بعد القصف الإيراني لإسرائيل.

وأعلنت وزيرة النقل، ميري ريغيف، في 14 يونيو، "منع الإسرائيليين من مغادرة البلاد، باستثناء الأجانب العائدين إلى بلدانهم، بمن فيهم السياح ورجال الأعمال والدبلوماسيون". 

وروى إسرائيلي تفاصيل عبوره إلى مصر هربا من الحرب، مؤكدا أنه لم يواجه أي مضايقات من سلطات النظام المصري، ولقي حفاوة في معبر طابا وفي طريقه إلى شرم الشيخ، ولم يتعرض لأي مشكلة، وكل ما دفعه في مصر هو 100 دولار فقط!.

هجرة عكسية

وفي تحقيق مطول، وصفت صحيفة "هآرتس" العبرية في 19 يونيو 2025، هروب الإسرائيليين من بلادهم إلى مصر بأنه "هجرة عكسية".

وأشارت إلى أن من الهاربين إلى سيناء "ثلاثة إسرائيليين متشددين"، وإسرائيليا أميركيا من أتباع الطائفة الحسيدية، يعيش في شمال ولاية نيويورك، وزوجته وأطفاله الثلاثة؛ حيث ينامون في سيناء ثم ينطلقون إلى مطار شرم الشيخ والطيران إلى نيويورك.

وعن سبب هروبه، قال الإسرائيلي الأميركي: " أخشى الحرب، هناك توابيت هنا كل يوم".

وتقول "هآرتس" إن "فكرة مغادرة إسرائيل عبر طابا انتشرت بين أتباع المذهب الحريدي بعد أن أرشد حاخام حسيدي الجميع إلى الطريق".

ووفقا لموقع "بهدريه حريديم" الإخباري الأرثوذكسي المتشدد، يغادر حاخامات من هناك إلى بولندا.

وأشارت إلى أن من الهاربين من الحرب طوابير طويلة من السياح الذين كانوا يزورون إسرائيل ودخلوا إلى مصر عبر المعبر الحدودي، ونقلتهم الحافلات إلى طابا في تتابع سريع، للعودة من شرم الشيخ إلى اليونان والمجر والبرتغال.

وعقب اندلاع الحرب وهطول الصواريخ الإيرانية على المدن الإسرائيلية، تحدثت وسائل إعلام عبرية عما وصفته بـ"هجرة يهود" إلى أميركا عبر دخول مصر برا، ثم السفر إلى الولايات المتحدة.

وذكرت إذاعة “أميس” المتخصصة في شؤون المتدينين اليهود، في 19 يونيو، أنه بعد إغلاق المجال الجوي، سافر العديد من اليهود الحريديم إلى أميركا عبر معبري طابا وشرم الشيخ الحدوديين.

وأوضحت الإذاعة العبرية أنه "رغم تحذيرات السلطات الإسرائيلية، ومنها وكالة الأمن القومي، بعدم السفر إلى مصر، أصبح هذا المسار هو الشائع بصفته طريقة للالتفاف على قيود السفر، عبر معبر طابا، ومطار شرم الشيخ، ومنه لأميركا".

وأشارت إلى أن العشرات من الحريديم يسافرون من إيلات حتى معبر طابا، ومن هناك إلى مدينة شرم الشيخ في سيناء، حيث يستقلون رحلات جوية إلى نيويورك، عادة عبر دولة أخرى.

وتداول صحفيون إسرائيليون صورا على مواقع التواصل الاجتماعي لمطار شرم الشيخ وهو مكتظ بعشرات الإسرائيليين والأجانب، وسخر مصريون من عدم دفعهم آلاف الدولارات مثل الفلسطينيين.

والمفارقة، أن بعض وسائل الإعلام العبرية اتهمت النظام المصري بتسهيل هروب إسرائيليين عبر شرم الشيخ في ظل الحرب الدائرة وبالمخالفة لقرارات إسرائيل بمنع سفرهم بعد حظر السفر.

بالمقابل، شن مصريون وعرب انتقادات حادة لنظام عبد الفتاح السيسي لاستقبال الإسرائيليين بحفاوة رغم الجرائم في فلسطين، ومنع الأمن المصري قافلة دعم غزة المغاربية والاعتداء عليها.

ولا يقتصر هروب الإسرائيليين عبر البر إلى مصر ومنها لأوروبا وأميركا، ولكنهم فروا بالمئات عبر البحر أيضا، حسبما كشف تقرير "هآرتس" في 17 يونيو.

تقرير الصحيفة كشف عن توجه عدد كبير من الإسرائيليين في رحلات بحرية باهظة التكلفة إلى خارج إسرائيل هربا من الحرب، وهم من الأثرياء غالبا، عبر مدن هرتسليا وحيفا وأشكلون، في يخوت تنقلهم إلى قبرص، ومنها إلى أي مكان آخر.

وأكدت أن هناك مجموعات متزايدة عبر "فيسبوك" مخصصة لدعوة الإسرائيليين للهرب من البلاد بحرا، بعدما منعت الحكومة السفر وأصدرت توجيهات لشركات الطيران الإسرائيلية، تقضي بعدم السماح للإسرائيليين بمغادرة البلاد.

معظم الركاب، وبعضهم ممن يعيشون في بلدان أجنبية أخرى بجانب إسرائيل، يعترفون بأنهم يفرون من الصواريخ الإيرانية.

واستعرض تقرير "هآرتس" قصص عدد من الإسرائيليين الذين يسعون للهروب خشية أن تقتلهم صواريخ إيران، وبعضهم يعيش في الإمارات والبرتغال وأميركا ودول أوروبية ولاتينية أخرى، والذين أكدوا أنهم فضلوا البحر عن البر عبر طابا وشرم الشيخ.

وتكلفة هذه الرحلة للهروب على هذا اليخت تبلغ (نحو 720 دولارا)، وفقا للمسافرين، لكن هناك من أصحاب اليخوت من يطلب أكثر بكثير، مثل طلب البعض (870 دولارا) .

قيود أوروبية

وبالتزامن مع تكالب الإسرائيليين للهروب إلى أوروبا عبر طابا وشرم الشيخ، أقر الاتحاد الأوروبي في 19 يونيو 2025، تعديلات تمنح كل دولة أوروبية صلاحية تعليق إعفاءات التأشيرة عن دول تُتهم بانتهاك حقوق الإنسان أو قوانين الحرب.

وهو ما قد يُلزم الإسرائيليين بالحصول على تأشيرة مسبقة لدخول دول الاتحاد، في ظل إبادتها المتواصلة على قطاع غزة ويُصعب هروبهم من إسرائيل لأوروبا عبر مصر وربما البقاء في مصر.

وتشمل هذه التعديلات الأوروبية إمكانية تعليق العمل بالنظام الحالي الذي يسمح لمواطني 61 دولة، من بينها إسرائيل وأستراليا واليابان والبرازيل، بالدخول إلى فضاء "شنغن" بدون تأشيرة مسبقة، ولمدة تصل إلى 90 يوما خلال كل نصف عام.

ويشير تقرير لموقع "يورونيوز" إلى أن هذه التعديلات تمنح دول الاتحاد الأوروبي آلية أبسط وأكثر مرونة لتعليق الإعفاءات، بعدما أضيفت معايير جديدة إلى الأسباب المعتمدة، تشمل قضايا حقوق الإنسان إلى جانب قضايا الهجرة والأمن، مع تخفيف شروط اتخاذ القرار.

ولفت التقرير إلى أن إسرائيل تعد من بين الدول المعرضة لبدء تطبيق هذه الإجراءات بحقها، خصوصا في ظل الانتقادات المتزايدة لسلوكها في حرب الإبادة التي تشنها على غزة، وتزايد الأصوات داخل البرلمان الأوروبي المطالبة باتخاذ خطوات سياسية ضدها.

وفي حال دخول القرار حيز التنفيذ، سيكون على الإسرائيليين الراغبين في زيارة دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا، تقديم طلب تأشيرة سياحية مسبقًا، ودفع رسوم وتقديم مستندات.

وأحيانا إجراء مقابلات شخصية، تماما كما كان معمولا به في السفر إلى الولايات المتحدة قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

وسيؤدي ذلك إلى تغييرات كبيرة في طريقة التخطيط لسفر الإسرائيليين إلى أوروبا، بما يشمل الرحلات السياحية، والفعاليات الرياضية، والزيارات العائلية، وحتى السفر لأغراض العمل.

ويُتوقع أن تبدأ بعض دول الاتحاد الأوروبي قريبا بتفعيل هذا النظام ضد دول بعينها، وذُكرت إسرائيل وصربيا كمثالين بارزين على ذلك، وفق “يورونيوز”.