الإضراب يكشف المستور.. هذا ما يواجهه معتقلو سجن الحاير بالسعودية

شدوى الصلاح | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

دخل القمع الذي يتعرض له معتقلو الرأي في السعودية، مرحلة جديدة، بعد إعلان بعضهم الدخول في إضراب عن الطعام، كآخر وسائل الاحتجاج على المعاملة السيئة التي يتلقونها.

فعبر رسالة مدونة على ورقة مناديل، أعلن الناشط السعودي خالد العمير، أنه شرع في الإضراب عن الطعام 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حتى الإفراج عنه، لينضم إلى كلا من الناشطين الحقوقيين المحامي وليد أبو الخير، والكاتب رائف بدوي  واللذان أعلنا إضرابهما أيضا في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وتعد هذه المرة الثانية التي يخوض فيها "العمير" إضرابا عن الطعام احتجاجا على احتجازه، حيث اعتقل في 2008 بعدما أعلن عزمه التظاهر تنديدا بالحصار والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحكم عليه بالسجن 8 سنوات، ورفضت السلطة الإفراج عنه بعد إكمال مدته فأضرب عن الطعام شهرا كاملا، ثم أفرج عنه في 2017 بعد أن قضى تسع سنوات.

ليعاد احتجازه مرة أخرى في 2018 بعد يوم واحد من تقديمه شكوى لدى الديوان الملكي السعودي ضد أحد ضباط المديرية العامة للمباحث قال إنه عمل على تعذيبه أثناء فترة سجنه وقيد يديه وقدميه ووضعه في زنزانة انفرادية خالية من مستلزمات النوم، كما أجبره على الوقوف لساعات طويلة في بعض الأيام.

غوانتنامو ابن سلمان

ما جاء في رسالة "العمير" يكشف واقع السجون السعودية -خاصة سيئة السمعة منها- الذي حاولت السلطات تزويره وتلميع صورته، عدة مرات، بإرسال الكتاب والصحفيين لكتابة التقارير التي تمتدح أوضاع السجون وتصفه في بعض الأحيان بأنه "فندق سبع نجوم".

فقد نقل "العمير" رسالته من داخل سجن الحاير أو الحائر حسب ما تتداوله وسائل الإعلام، والذي يقع في جنوب الرياض، ويعد أكثر السجون حراسة.

وتفيد التقارير بأنه يضم نحو 1300 معتقل غالبيتهم مدانون في قضايا متعلقة بالإرهاب والسياسة، وبعضهم جرى توقيفه دون محاكمة أو توجيه تهم.

أصبح يطلق عليه مؤخرا "غوانتنامو ابن سلمان" بعدما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أن الأمراء الذين احتجزهم "ابن سلمان" في فندق "ريتز كارلتون" بتهم الفساد وغسيل الأموال وغيرها، خيروا بين التنازل عن ثرواتهم أو إيداعهم فيه، مشيرة إلى أن عددا منهم رضخوا للضغوط في حين قاوم آخرون ووضعوا بالحاير.

وتفيد التقارير بأن "الحاير" مصنف بأنه أكبر سجون المملكة الخمسة وأكثرها تحصينا، وبحسب تقارير دولية فإنه أخطر السجون في الشرق الأوسط ومن بين أخطر 10 سجون في العالم.

ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، يتعرض المعتقلون بالحاير إلى الموت بسبب التعذيب وسوء الرعاية الطبية، كما سبق أن كشف موقع ويكيليكس في 2010، عن اتباع السلطات السعودية لأساليب وحشية لتعذيب معارضيها.

وفي تقريرها السنوي، قالت منظمة العفو الدولية: إن السلطات السعودية تنتهج أساليب غير مشروعة لتعذيب السجناء، خاصة السياسيين المختلفين مع النخب الحاكمة في المملكة، كما تلجأ للضرب وسوء المعاملة لانتزاع الاعترافات بشكل قسري لتقديمها للمحكمة.

وسبق أن انتشرت مقاطع فيديو مصورة من داخل الحاير تظهر ضرب حراس السجن للمعتقلين بعصا بلاستيكية، وخرجت حينها المطالبات الأممية بزيارة السجن، وأعلنت السلطة أنها عاقبت الحراس.

وكان ناشطون سعوديون قد كشفوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن ممارسة التعذيب بحق المعتقلات في سجون "الحائر" واستخدام السجانات السياط ضدهن، مستدلين بشهادات معتقلات سابقات أثبتن تعرضهن للتعذيب المفرط.

كذب السلطة

وفي هذا الشأن، أكد الناشط الحقوقي يحيى عسيري رئيس منظمة القسط لحقوق الإنسان، أن إضراب خالد العمير أثبت كذب ادعاءات السلطات السعودية التي تقول إنها تفتح أبوابها وتستمع للجميع وتتقاضى لصالح الجميع بشفافية ونزاهة.

وأوضح في حديثه لـ"الاستقلال" أن العمير دخل للسجن لأنه اشتكى من التعذيب الذي تعرض له خلال سجنه في السابق، وحاليا يسجن فقط لأنه اشتكى من التعذيب، مشيرا إلى أن السلطات دائما تثبت كذبها، لأن العمير يشتكي الآن من سوء المعاملة والإهمال وتركه دون محاكمة طوال مدة اعتقاله.

ورأى "العسيري" أن العمير لا يستطيع أن يقدم إلا صحته وسلامته في شكل الإضراب عن الطعام بما أنه داخل السجن، لذلك دخل في هذا الإضراب كرسالة واضحة وصريحة أن النظام مستمر في انتهاكاته، وكذبه دائما عندما يقول أن أبوابه مفتوحة وأن لديه سبل للتقاضي.

وجزم بأن النظام يكذب أيضا عندما يقول أن من ينتقدونه مغرضين ولهم أجندات سياسية، لافتا إلى أنهم الآن خلف القضبان وأيديهم في النار ويواجهون خطرا حقيقيا، ويضحون بحياتهم من أجل كشف انتهاكات النظام.

الناشط الحقوقي عبد الله الجريوي، توقع أن يتعرض "العمير" لزيادة التعذيب بسبب تسريب ما كتبه، مشيرا إلى أن "العمير" لولا أنه متأكد أن هذا هو الحل الأخير لنجدة نفسه من هذا الواقع المرير لما لجأ إليه.

وقال في حديثه مع "الاستقلال": "لا تكاد تجد أي شخص سواء مقيم أو مواطن في المملكة لا يعرف سجن الحاير، فهو جرى تخصيصه للمعتقلين السياسيين وفيه قتل بعضهم ويتم تعذيب البقية نفسيا وجسديا".

ذريعة للقمع

"العمير" أكد هذه المرة رفضه الإذعان لقانون مكافحة الإرهاب الجائر الذي أقرته المملكة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والذي جاء في أعقاب حملات الاعتقالات التي شنها ولي العهد محمد بن سلمان وطالت الدعاة والأمراء.

ينص القانون على عقوبة السجن بين 5 و10 سنوات في حال إهانة الملك أو ولي العهد، وواجه انتقادات حادة، إذ نددت عدة منظمات حقوقية به، من بينها هيومن رايتس ووتش.

وأكدت المنظمة أن القانون يتضمن تعاريف غامضة وفضفاضة للأفعال الإرهابية، ويعاقب عليها في بعض الحالات بالإعدام، مشيرة إلى أنه يسمح للسلطات باستهداف الانتقادات السلمية.

وبدوره، أكد الدكتور عبدالله العودة الخبير القانوني، أن قانون مكافحة الإرهاب بالسعودية هو ذريعة لممارسة إرهاب الدولة الممنهج فهو يتيح كافة الانتهاكات والاعتقالات التعسفية غير المحددة المدة، كما يتيح عدم العرض على القضاء لمدد طويلة وتمديد المدد.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن القانون يجرّم بالرأي وبالنية، فمثلا انتقاد السياسة الخارجية أو الملك أو ولي العهد يصنف عملا إرهابيا، لافتا إلى أن هناك آليات فضفاضة جدا لتجريم كل شيء تقريبا.

أما رئيس منظمة القسط، فجزم بعدم شرعية "قانون مكافحة الإرهاب"، رافضا تسميته بالقانون، لأنه يجرم العمل المدني بشكل واضح.

وأوضح أن السلطات السعودية عدلته بنسخة أسوأ من النسخة الأولى بعدما انتقده الحقوقيون في مجلس حقوق الإنسان في جنيف أمام الأمم المتحدة. وخلص إلى أن كل ما تمارسه السلطة هي حرب ضد حرية الرأي والتعبير وليس على الإرهاب.

ولفت الناشط الحقوقي عبد الله الجريوي، إلى أن الإرهاب تهمة فضفاضة يتم تلفيقها لأي ناشط يخالف رأي أو مزاج السلطة، حتى أن بعض الناشطين قبل أن يتم القبض عليه وبمجرد مطالبته بحقوقه المدنية أو إعلان مخالفته رأي السلطة أصبح يؤكد أنه ليس إرهابيا خشية إلصاق التهمة به بمجرد نشاطه السلمي.

اللقاءات الأممية

"العمير" طلب أيضا في بيانه المسرب على ورقة مناديل، مقابلة مندوب حقوقي أممي بشكل فوري، الأمر الذي يذكر بالتقارير الأممية التي تنتقد الأوضاع الحقوقية داخل المملكة، إذ أعربت هيئة الأمم المتحدة عن قلقها الشديد مما يحدث داخل سجون المملكة، من تعذيب وحشي ومعاملة غير قانونية وسيئة.

ودعت دول العالم لاتخاذ قرارات لوضع حد للانتهاكات التي تستخدمها السلطات السعودية بحق السجناء. 

وسبق أن نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، تقريرا أصدرته الأمم المتحدة في تقييمها لسجل حقوق الإنسان في المملكة بعد زيارة لجنة حقوقية تابعة لها بناء على دعوة رسمية أجرت خلالها جولة استمرت لخمسة أيام، خلصت بعدها إلى توجيه اتهامات خطيرة وجدية للسعودية.

وأوضحت الجارديان في يونيو/حزيران 2018، أن اللجنة أفادت بأن المملكة تمارس عمليات اضطهاد منظم ومستمر للمعارضين باستخدام القوانين التي تقول إنها لمكافحة الإرهاب والتي تسمح لها باعتقال المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان.

وأشارت إلى أن تقرير اللجنة قال: إن السلطات السعودية تعتقل وتضطهد بشكل ممنهج الذين يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي، حيث يقبع بعضهم في السجون فترات طويلة، كما أعدم بعضهم بعد محاكمات غير عادلة بشكل صارخ.

الناشط الحقوقي عبد الله الجريوي اعتبر موقف "العمير" بطولي، مؤكدا أن الإضراب هو  أبسط حقوقه كونه معتقلا وانتهت مدته القانونية.

وأشار إلى أن طلبه مقابلة مسؤول أممي يدل على أنه لا يوجد أي جهة تستطيع أن تنصفه وتوصل ما يمر به من سوء المعاملة وأن هناك تلاعبا ومماطلة من قبل إدارة السجن عن الإفراج عنه.

ورأى عبد الله العودة موقف "العمير" بأنه مؤشر على انسداد كل أفق للمعتقل وأن سوء المعاملة بلغ حدا لا يطاق لدرجة أن المعتقل أصبح لديه استعداد لتوقع كافة أشكال الانتقام بسبب إضرابه، ولكنه يصر على صرخة احتجاج من داخل معتقله عن طريق الإضراب.