دستورية وليست شعبية.. خطة رئيس الجزائر لاستكمال شرعيته المنقوصة

12

طباعة

مشاركة

وصول عبد المجيد تبون (74 عاما ) لكرسي الرئاسة في الجزائر، قوبل برفض متواصل من قبل الحراك المستمر للجمعة 44 على التوالي مرددين "الله أكبر، الانتخاب مزور" و"الله أكبر نحن لم نصوت ورئيسكم لن يحكمنا".

وأمام هذا الرفض والتشكيك في شرعية الرئيس الجديد (كان عضوا في جبهة التحرير الوطني)، يبدو أن تبون يتجه لمحاولة دعم هذه الشرعية "المنقوصة" بإجراءات قد ترضي الشارع المنتفض ضد.

تعديل الدستور

بعد أداء تبون اليمين الدستوري، توجه بخطاب إلى الجماهير أثنى فيه على توجه الشعب يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019 إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد في مسار ديمقراطي حر، حسب وصفه.

كما نوّه تبون بالحراك الشعبي السلمي والجيش الجزائري، قائلا: "أحيي الجيش الجزائري وعلى رأسه رئيس الأركان (أحمد قايد صالح) لوقوفه سدا منيعا في وجه المؤامرات والفتن، وأجدد التزامي للجميع بتحقيق مطالب الحراك في إطار التوافق الوطني".

وفي جملة من الوعود التي رفعها تبون خلال كلمته الأولى بعد توليه المنصب رسميا، وعد بأن تعديل الدستور سيكون أول قرار يُوقعه، خلال الأسابيع الأولى من عهدته الرئاسية، متعهدا بتغيير جذري لنمط الحكم، كما يطالب الحراك.

تبون، الذي خاض الانتخابات كمرشح مستقل، كشف في كلمته عن بعض معالم الدستور الجديد الذي يحدد العهدات الرئاسية بعهدتين فقط غير قابلة للتجديد، مع التقليص من صلاحيات الرئيس وتحصين الجزائر من الحكم الفردي.

وأشار تبون أن الدستور المعدل سيكرس الفصل الحقيقي للسلطات (التنفيذية، التشريعية والقضائية)، متعهدا بحماية الحريات الفردية والجماعية وحق التظاهر والإعلام، وأخلقة العمل السياسي والاستمرار في مكافحة الفساد.

آخر الباءات

بعد ساعات قليلة من أداء عبد المجيد تبون اليمين الدستورية، وتسلمه مهامه كرئيس للجمهورية بصفة رسمية، قدم الوزير الأول نور الدين بدوي استقالته من منصبه.

استقالة بدوي كانت أحد المطالب الرئيسية للحراك رفقة الباءات الثلاث وهم رئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز ورئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، معاذ بوشارب إضافة إلى رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح.

خلف البدوي في منصبه، وزير الخارجية صبري بوقادوم، كما أقال تبون، وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، الذي هاجم سابقا بعض المتظاهرين وكلف وزير الإسكان كمال بلجود، بقيادة الوزارة بالنيابة مؤقتا، مع الإبقاء على باقي الحقائب الوزارية دون تغيير إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

لم يقدم الرئيس الجديد موعدا لتشكيل أول حكومة في عهده، لكنه لمح في تصريحات سابقة إلى نيته تعيين حكومة تكنوقراط ومنح حقائب لوزراء شباب لأول مرة. في وقت قالت وسائل إعلام محلية إن الحكومة ستكون أهم تحدي في بداية حكمه كونه وعد بالتغيير.

يشترط الدستور الجزائري على الرئيس استشارة الأغلبية النيابية في تسمية رئيس الوزراء علما أنها تتشكل حاليا من أحزاب كانت موالية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو تحد آخر أمام تبون، لكسب موافقة البرلمان على برنامجها.

اليد الممدودة

أطلقت الأحزاب الجزائرية المعارضة إشارات إيجابية إزاء دعوة تبون الفاعلين في الحراك والطبقة السياسية للحوار، والتشاور حول كيفية الخروج من الأزمة السياسية الراهنة.

ففي أول إطلالة صحفية له كرئيس للبلاد بعد الإعلان عن النتائج، قال تبون: إنه مستعد للحوار مباشرة مع من يتم اختيارهم من الحراك الشعبي، ومع كل من يرغب في الحوار في الساحة السياسية، حتى يتم رفع اللبس حول المسائل العالقة.

وأوضح تبون الرئيس الثامن في تاريخ الجزائر، أنه يريد إبداء حسن النية، والتأكيد بأن رئاسته للبلاد ليست امتدادا للعهدة الخامسة لبوتفليقة، مشيرا إلى أنه سيعمل كل ما في وسعه لإعادة الثقة للجزائريين مع مسؤوليهم.

وإن كان خطاب تبون لم يلق آذانا صاغية وسط الحراك الشعبي، الذي مازال يرفض المسار الذي انتهجه النظام برمته، إلا أن عددا من الأحزاب السياسية عبّرت عن مواقف إيجابية من دعوة تبون للحوار.

حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة البرلمانية في البلاد اعتبرت أن "خطاب عبد المجيد تبون كان جامعا للجزائريين وسيخفف من حدة التوتر"، ودعت الحركة إلى "ضرورة  إطلاق خطوات عملية على رأسها ضمان حرية الرأي والتعبير وتحرير وسائل الإعلام، بالإضافة إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي".

فيما اعتبر حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة، أنه لا بد من توفير 5 شروط للذهاب إلى الحوار، هي "إشاعة جو من التهدئة موات للتشاور والحوار، لا سيما إطلاق سراح معتقلي وسجناء الرأي واحترام حريات التعبير والتظاهر والاجتماع".

"كذلك التبني المشترك لجدول الأعمال، واختيار المشاركين، والاحتفاظ بالطبيعة السيادية والشفافة للحوار، واعتماد برنامج مُجمع عليه للخروج من الأزمة، والتزام كل الأطراف بتنفيذه في المواعيد المحددة"، حسب الجبهة.

الأمر الواقع

هذه الإجراءات والدعوات للحوار من قبل الرئيس الجديد استقبلت بمسيرات جديدة في الجمعة 44 في الجزائر، مشككة في نواياها كما التشكيك في شرعية مطلقها.

المحلل السياسي الجزائري علي الخضاري قال: "ما يحدث الآن في الجزائر بعد أسبوع من انتخابات يعلم الجميع أنها كانت مرفوضة من قطاعات واسعة من الجزائريين، ودعوات للحوار لا يمكن فصلها عن اعتبار أن الرئيس يحظى بمشروعية دستورية فقط، لكن المشروعية الشعبية مطعون فيها، ومن الواضح أن الشعب الجزائري لم ينتخب ولم يكن راضيا عن الانتخابات".

وفاز تبون بالمنصب بعد حصوله على 58.15 % من أصوات الناخبين، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 39.83%، أي ما يقارب 10 ملايين ناخب من أصل أكثر من 24 مليونا مسجلين في القوائم الانتخابية، وهي أدنى نسبة مشاركة في كل الانتخابات الرئاسية في تاريخ الجزائر. وهي أقل بعشر نقاط من تلك التي سجلت في الاقتراع السابق وشهدت فوز بوتفليقة بولاية رابعة في 2014.

وأضاف الخضاري في حديث لـ"الاستقلال": "الرئيس الجديد رمى الكرة في مرمى الحراك من أجل تسجيل نقاط على حسابه، وفق خطة ما يسمى في أدبيات النظام الجزائري بالتسيير بالأزمات".

واعتبر المحلل السياسي أن "أزمة المشروعية التي يعاني منها الرئيس الجديد يحاول استعادتها من خلال الدعوة إلى هذا الحوار، حيث قال أنه يدعو إلى الجلوس إلى طاولة الحوار بدون شروط، لكن في تفاصيل كلامه يوجد شروط، حيث اشترط الجلوس على الطاولة مع ممثلي الحراك، وهو يعلم أن من المسائل الخلافية داخل الحراك هي مسألة تمثيل الحراك، فحقيقة هذه الدعوة تهدف إلى تفتيت الحراك وخلق أزمات داخله وانقسامات على أسس إيديولوجية".

وتابع: "كان الأولى بتبون أن يوقف ملاحقة الحراك، ويطلق سراح المعتلقين، وكان آخرهم اعتقال الطالبة التي اتهمت بإحباط معنويات الجيش، فإذا تحدثنا عن حسن النية فليس هكذا تبنى حسن النية، في الوقت الذي تخفف العقوبات على رموز الفساد".

يذكر أن قاضي التحقيق لدى محكمة تلمسان، غرب البلاد، أمر بوضع الناشطة والطالبة الجامعية، نور الهدى عقادي، الحبس المؤقت، التي وجهت لها عدة تهم منها المساس بالوحدة الوطنية وإلحاق الضرر بمعنويات قوات الجيش، بسبب منشوراتها على فيسبوك.

واعتبر الخضاري أنه "وإن كان من المبكر الحكم على دعوات تبون للحوار، إلا أنه هو رئيس الأمر الواقع، وليس الرئيس مكتمل الشرعية، ويريد أن يظهر بمظهر المحاور، إلا أنه معلوم أنه جاء بإرادة السلطة الحقيقية في البلاد والتي رفضت التحاور مع الحراك منذ 9 أشهر أو تحقيق مطالبه".

وأكد أن الشارع لن يقبل بكل هذه الوعود، وهو يعيش الآن حالة وعي كبيرة، والأحزاب السياسية لن تؤثر على توجهات الحراك الشعبي المتواصل من أجل تحقيق مطالبه كاملة.