هكذا خسرت الحكومة والأحزاب في المغرب ثقة الشعب.. ما البديل؟

12

طباعة

مشاركة

أظهرت نتائج استطلاع رأي حديث في المغرب أن 68.7 % من المستجوبين لا يثقون في حكومتهم، ما فتح بابا من الجدل والنقاش حول أسباب انحدار العلاقة بين المواطنين والسلطة الحاكمة.

وكشف التقرير السنوي لمعهد تحليل السياسات المستقل حول "مؤشر الثقة وجودة المؤسسات"، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن نسبة الذين عبروا عن ثقتهم في الحكومة لم تتعد 23.4 في المائة، في حين تتمتع الشرطة والجيش بأعلى معدلات الثقة في أعين المغاربة.

ويبلغ مستوى الثقة بالشرطة 78 %، في حين أن 83.3 % من المغاربة يثقون بالقوات المسلحة، فيما تنخفض مستويات الثقة نسبيا بالنسبة للقضاء، حيث تصل إلى حوالي 41 بالمائة.

كما عبر حوالي 68.8 % أنهم فاقدون للثقة في جميع الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها، و25 بالمائة فقط يثقون بالنقابات العمالية، في حين بلغت نسبة الذين لا يثقون في مؤسسة البرلمان 57.5 %.

دراسة مؤشر الثقة أظهرت أن 32.7% فقط من المستطلعين يثقون في البرلمان، بينما لا يثق باقي المغاربة في هذه المؤسسة. وكانت الفاجعة أن أكثر من نصف المغاربة لا يعرفون دور البرلمان، وحتى عندما يعلمون، فهم ليسوا متأكدين على وجه الدقة من جميع صلاحياته وأدواره.

الخوف منعهم

مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات (مؤسسة مستقلة)، محمد مصباح، أرجع سبب هذا التباين في النتائج بين المؤسسات التي تحظى بثقة شبه مطلقة من طرف المغاربة، إلى أن الجيش والشرطة في مخيلة المواطن المغربي "الضامن الوحيد والحامي لمصدر عيشه، والضامن للاستقرار السياسي والأمني للبلد ككل".

وعزا النتائج السلبية إلى غياب التواصل والمعرفة الضرورية للمواطنين بمؤسساتهم المنتخبة، وبالتالي جزء مهم منهم لا يعرفون كيف تشتغل هذه المؤسسات المحاطة بأسوار، التي تأبى بدورها التواصل وإيصال المعلومة.

ورأى مصباح أن النتائج تظهر الحاجة للاحتكام إلى التربية على المواطنة، التي تعد معطى أساسيا ومهما مرتبطا بهذه المؤسسات التي يعتبر المواطن أنها تستنزف المال العام، دون أن تكون قادرة على تحقيق شيء لصالحه.

لكن الناشط الحقوقي والخبير الاقتصادي، فؤاد عبدالمومني، أرجع المشكلة إلى كيفية إجراء استطلاع الرأي، الذي قال إنه اعتمد غياب الاتصال المباشر، ما فسره المتحدث بغياب علاقة الثقة مع المستجوَب، ما يجعله يكيف أجوبته عندما يكون متخوفا.

وزاد عبدالمومني قائلا في حديثه لصحيفة "الاستقلال": أعتقد أن حاجز الخوف تقلص نسبيا في المغرب، لكنه لم يصل إلى درجة أن يصرح المواطن المغربي بما يفكر فيه عندما يكون في موقف فردي أمام أجهزة متغولة عكس وجوده في حركة جماعية.

وتابع: "حسب تقديري يجب أخذ الخلاصات التي وصلت إليها هذه الدراسة بكثير من الاحتياط بخصوص هذه الأوجه المرتبطة بالمعاقل المقدسة للسلطة الفالتة من العقاب".

علاقة الأحزاب بالسلطة

يستحضر المغاربة مسألة الكفاءة، بحسب مدير المعهد، والتي تعد واحدة من العوامل التي ساهمت في انخفاض منسوب الثقة بين المغاربة ومؤسساتهم المنتخبة، إذ أنهم يعتبرون المنتخبين والبرلمانيين أميين.

هذا الاعتبار عززته المعطيات التي أماط اللثام عنها رئيس مجلس النواب قبل أشهر، عندما أفاد بأن 5 نواب من أصل 395 لم يدخلوا المؤسسة التعليمية، وأن 1.27 نائبا يمثل الأمة بدون مستوى دراسي، وأن ربع البرلمانيين غير حاصلين على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة).

الحقوقي المغربي الذي تحدث "الاستقلال" إليه كانت له وجهة نظر مختلفة، ولتوضيحها عاد إلى عهد الملك السابق الحسن الثاني، مشيرا إلى أن علاقة السلطة بالأحزاب السياسية انبنت على ثنائية القمع والإدماج التابع.

وتابع: "اتضح ذلك بشكل خاص بعد بداية السبعينيات، عندما أقبر الحسن الثاني كل وجود سياسي ما بين 1972 و1974 بشكل خاص، ثم سمح للأحزاب التي قبلت قدسيته وإطلاقية سلطته على أن تكون تابعة وموظفة لديه".

واستحضر فؤاد عبدالمومني ما حصل فجر يوم 28 أغسطس/آب 1974، عندما استقل زعماء الأحزاب -التي كانت في وضع شبه الحظر- (الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتحرر والاشتراكية) الطائرات للدفاع عن موقف المغرب من الصحراء في مختلف جهات العالم.

وهي اللحظة نفسها التي تم فيها إطلاق سراح 7 من قادة الاتحاد الاشتراكي الذين كانوا معتقلين بسبب معارضتهم للنظام، وجرى خلالها إعدام 7 معتقلين آخرين.

وهنا كانت رسالة واضحة من النظام: "إما أن تقبل أن تكون تابعا بشكل مطلق ولا إرادة لك ولا فاعلية، وبذلك تسمح لك الدولة بامتلاك وسائل إعلام وأنشطة ومقرات وتساهم في انتخابات رغم أنها لا تؤدي إلى ممارسة السلطة، أو أن تقول بأن السياسة هي تنافس الفاعلين"، بحسب المتحدث.

واستفاض الحقوقي: "وما دام الملك فاعلا سياسيا، فهو أيضا داخل المنافسة - فإما أن يخرج منها أو أن يترك لنا الحق في الاختلاف معه في مسائل جوهرية - "هؤلاء تم إقصاؤهم من الساحة السياسية وتعرضوا لقمع شرس".

ويقول عبدالمومني: "وبالتالي فإن الساحة السياسية المؤسسية (البرلمان - الحكومة) هي حيوانات سياسية لا طعم لها ودورها يبدأ عندما يريد الملك أن يلصق مسؤولية إخفاقات السياسات التي سطرها هو بفاعل آخر غيره"، وفق تعبيره.

وتابع المتحدث: "يخرج الملك بعد ذلك في خطابات على الإعلام التابع، ويبدأ المحيطون به الترويج لرواية أن الملك جيد والأحزاب هي السيئة".

واعتبر الحقوقي البارز أن مرور التجارب، وبشكل خاص تجربة قيادة "الاتحاد الاشتراكي" للحكومة في 1998 و"العدالة والتنمية" في 2011، جعل الشعب يفقد الثقة بل والاحترام أيضا للهيئات الحزبية الموجودة في المؤسسات وأصبح يعتبرهم ذوو مصالح -فقط- ولعل التجارب الأخيرة وبالأخص تقاعد البرلمانيين والوزراء والتقاعد الاستثنائي والدائم لرئيس الحكومة السابق عبدالإله بن كيران، أدت إلى نكسة كبيرة جدا في صورتهم.

على الهامش

عبّر المستجوبون عن عدم رضاهم عن الاتجاه العام للبلاد، وأعرب 69 بالمائة من المبحوثين عن قلقهم من المستقبل.

وقد أعربت نصف العينة عن احتجاجها على الوضع الاقتصادي للبلد، وهو ما ظهر بحسب المعهد عندما شارك نصف المغاربة في حملة المقاطعة لبعض المنتجات الغذائية احتجاجا على غلائها، أي أكثر من عدد المغاربة الذين شاركوا في الانتخابات التشريعية عام 2016.

وشددت إدارة المعهد بنشرها للنتائج إلى أنها تسعى إلى تقديم توصيات ومقترحات لصناع القرار لتغيير القواعد المؤسساتية وإصلاحها في سبيل تعزيز الثقة وتمتين المؤسسات، خاصة وأن المغرب مقبل على انتخابات تشريعية جديدة خلال سنة 2021.

وحمّل الحقوقي فؤاد عبدالمومني المسؤولية للسلطة في المغرب، قائلا: إنها خلقت هذا الفراغ في الساحة السياسية والفجوة بين الشعب والأحزاب.

وبين أن "البدائل الممكنة. إما مؤسسات وتيارات ما زالت ترفض الدخول إلى اللعبة الانتخابية على اعتبار أن المؤسسات ليست لها سلطة ولا مصداقية، أو قوى تشارك في الانتخابات لكن بسقف مطلبي عال، وتحديدا ملكية برلمانية، أي تحييد السلطة الملكية من المجالين السياسي والاقتصادي، وهو ما لا ترضى عنه هذه الأخيرة وبالتالي لن تتيح أن يكون لهذه الأحزاب أكثر من موقع رمزي وهامشي.

كل هذه المؤشرات دفعت عبدالمومني للقول لـ"الاستقلال": إن "المغرب يتجه إلى انتخابات ستكون نسبة المشاركة الحقيقية فيها عبارة عن مهزلة".

وبالرجوع إلى الفراغ الذي تشهده الساحة السياسية، فقد أصبح واضحا عبر عدة محطات أهمها حراك الريف وجرادة وزاكورة وصفرو وسيدي إفني (مدن مغربية شهدت حراكات شعبية في الفترة الأخيرة)، عندما بدأ المواطنون بتحميل المسؤولية بشكل مباشر للملك الذين يقولون إنه يجب أن يحل الأزمات ويحاسب المقصرين.

وفي ذات السياق، أظهر الاستطلاع أن حوالي 74 % من المغاربة يرون أن جهود الحكومة في محاربة الفساد ليست فعالة، في الوقت الذي تعتبر منظمات المجتمع المدني أكثر المؤسسات الموثوق بها في المغرب.

كما أن 40 بالمائة من المغاربة فقط ينوون التصويت في الانتخابات المقبلة، فيما 37 بالمائة يرفضون التصويت بشكل مطلق، و22 % لم يحددوا موقفهم بعد.

وجاء التعليم الجيد في مقدمة ما يطمح المغاربة تحقيقه من قبل الحكومة بنسبة قدرت بـ33 بالمائة، ثم الصحة وتوفير فرص الشغل على التوالي باعتبارها أهم الأولويات، وهو ما ينعكس على مؤشر الثقة في مؤسسات الخدمات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص.

فراغ سياسي

تسجل نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية تراجعا مستمرا، إذ كانت هذه النسبة في حدود 51 % عام 2002 لتنخفض إلى 37 في المائة في 2007، ثم ارتفعت إلى 45 % في 2011، ثم عادت لتنخفض إلى 43 في المائة عام 2016.

وبينما كان عدد الأحزاب في المغرب لا يتجاوز العشرين، وصل الآن إلى 34 حزبا. لكن المحلل السياسي والأكاديمي مصطفى السحيمي، اعتبر في أحد حواراته أن هناك هوة كبيرة بين العرض الذي تقدمه الأحزاب الثلاثون وبين الطلب الذي يعبر عنه المواطنون، مشيرا بدوره إلى اعتقاد البعض داخل دوائر القرار أن تقوية الملكية يمر عبر إضعاف وتفكيك الأحزاب.

فيما رأى عبدالمومني أن الفرق بين الأحزاب والجيش والشرطة، هو أن الأولى متاحة للهجوم والسب، وبالتالي فإن المواطن عندما يقول إنه لا يقدر أو يحترم ولا يثق في الأحزاب فهذا هو الهدف الذي تسعى إليه السلطة الحقيقية في القصر، حتى يظهر في نهاية المطاف أن الانتخابات والمؤسسات ما هي إلا لعبة والواقع أن السلطة الحقيقية كلها في يد الملك، فهو من يفوضهم خارج أي لعبة ديمقراطية.

وقال الحقوقي: إن المواطنين أصبحوا في حالة إدراك بل تجاوزوها إلى الاستنكار، وهو ما ظهر بشكل واضح عبر أغنية "عاش الشعب"، التي شاهدها 17 مليون مغربي وتوبع على إثرها (قضائيا وأدين بسنة سجن) المغنون بسبب انتقادها للملك، وأيضا الأغاني والشعارات التي ترفع في الملاعب، وما يروج على مواقع التواصل الاجتماعي.

كل هذا يبين، بحسب المتحدث، أن "السلطة الآن أصبحة عارية أمام فقدان الثقة وأمام درجة عالية جدا من الانتظارات والمطالب، إذ أصبح الشعب يرى بوضوح أن الملك يستحوذ على الفضاء كاملا ويحتكر السلطة كاملة، مقابل أن يعد ولا يفي".