ربحوا ملايين الدولارات.. تعرف على أبرز المستفيدين من أزمة الخليج
في التاسع من يونيو/حزيران 2017، ضحى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعلاقته مع قطر، وقدمها للعالم على أنها "ممولة للإرهاب"، مقابل ملايين الدولارات، دفعتها السعودية والإمارات لشيطنة الدوحة.
وقال ترامب آنذاك: إنه "حان الوقت لدعوة قطر من أجل وقف وإنهاء دعم الإرهاب". وجاء هذا الموقف ليتوج ويبارك قطيعة بدأتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر على الدوحة قبل إعلان ترامب بـ4 أيام.
دعم ترامب موقف دول الحصار ضد قطر، إلا أن وزيري الدفاع آنذاك جيمس ماتيس والخارجية في حينه ريكس تيلرسون حاولا التوسط، حيث كانا يعيان مخاطر الأمر على العلاقات والجنود الأمريكيين في الدوحة فتدخل تيلرسون لمنع هجوم عسكري سعودي- إماراتي على قطر، واكتشف أن السعوديين والإماراتيين استخدموا علاقتهم مع جاريد كوشنر صهر ترامب للتأثير على موقف الرئيس في الأزمة.
مر أكثر من عامين، دون أن تمتثل قطر لبيت الطاعة الخليجي، رغم استمرار الحصار المفروض عليها، في حين تراجعت واشنطن بعد أيام قليلة من إعلان ترامب وخففت من لهجتها، ليصدر فرمان الصفح الأمريكي ويضع المنطقة في حيرة كبيرة.
ماذا حدث؟
لم يستجب ترامب للإيماءة الخليجية التي دفعته لاتهام الدوحة، عبثا، حين غرد على حسابه بتويتر في يونيو/حزيران 2017 قائلا: "خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، كنت أتحدث أنه لا يمكن أن يكون هناك أي تمويل للأيديولوجية الراديكالية (الإرهاب)، فأشار جميع القادة الحضور إلى قطر".
During my recent trip to the Middle East I stated that there can no longer be funding of Radical Ideology. Leaders pointed to Qatar - look!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 6, 2017
منح جورج نادر مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، 2.5 مليون دولار، لرجل الأعمال إليون برويدي المقرب من ترامب، لإقناع الولايات المتحدة باتخاذ موقف ضد قطر. وقالت صحيفة واشنطن بوست في مارس/أذار 2018: إنه "بعد شهر من تلقي برويدي الأموال، ساهم في تنظيم مؤتمر بواشنطن ضد الدوحة".
ورصدت صحيفة الاستقلال أبرز الأموال التي تلقتها إدارة ترامب وأعضاء في الكونغرس ومراكز الأبحاث الأمريكية، عقب أزمة الخليج، لتعمل عمل ما يُعرف باللوبيات وجماعات الضغط.
وتعتمد السعودية والإمارات على مراكز الأبحاث والتفكير لترسيخ وشرعنة رؤيتهما في عدد من المجالات المتباينة ابتداء بعلاقة حركات الإسلام السياسي بالإرهاب، مرورا بالرؤى الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والتحالفات فيها، وانتهاء بالتصورات الدينية والسياسية والاجتماعية المثلى من وجهة نظر الدولتين.
كما يأخذ الاستثمار السعودي-الإماراتي في البحث العلمي أشكالا عدة، أبرزها إنشاء مراكز أبحاث ومراكز تفكير وطنية، وتمويل مراكز إقليمية وغربية، وإقامة شراكات مع مؤسسات دينية ومجتمعية بهدف التغلغل فيها، وكذلك إقامة شراكات مع منظمات دولية. ويستعرض تقرير نشرته صحيفة الاستقلال سابقا أبرز هذه المراكز ونطاق فعالياتها.
والمبالغ التالية التي تلقتها جماعات الضغط واللوبيات في الغرب، جميعها دفعتها السعودية والإمارات بعد الأزمة الخليجية، باستثناء مبلغ 6 ملايين دولار أنفقتها الرياض منذ وصول دونالد ترامب للحكم، حيث لم تذكر المصادر رقما محددا جرى دفعه بالخصوص بعد الأزمة.
وفي محاولة لدفع الروايات المؤيدة لدول الحصار، كان مجلس الشيوخ أكثر المؤسسات التي اتصلت بها السعودية، تليها وسائل الإعلام والسلطة التنفيذية وجماعات الضغط والشركات.
وتواصلت الرياض بما مجموعه 1409 مرات، أي ما يقرب من ثلاث مرات مع عضو في الكونغرس، بحسب موقع "voanews" الأمريكي.
كما اتصل وكلاء للإمارات بانتظام بمكاتب ولجان الكونغرس، وفي بعض الحالات التقوا بأعضاء الكونغرس من أجل حثهم على شيطنة قطر واتهامها بتمويل الإرهاب.
ومؤخرا، أعلن عضو الكونغرس الجمهوري إد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أنه كان يطبق تشريعا من شأنه أن يصنف قطر على أنها "دولة إرهابية" مقابل رشى على شكل تبرعات دعائية بقيمة 5400 دولار.
وهذا المبلغ هو جزء من 600 ألف دولار قدمها برودي لأعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري واللجان السياسية للجمهوريين مقابل التشريع ضد قطر، وفق ما أفادت "أسوشييتد برس".
وكان الوكلاء يرسلون رسائل بريد إلكتروني جماعية إلى المشرعين الأمريكيين تحتوي على مقالات وافتتاحيات صحف تطلعهم على القضايا التي تهتم بها الإمارات، وقد كانوا مؤيدين لأبوظبي بدون تردد.
بالإضافة إلى الكونغرس والمنظمات غير الربحية، أولى وكلاء الإمارات اهتماما كبيرا بتشكيل السرديات الإعلامية المتعلقة بأبوظبي، حيث تواصل الوكلاء مع الصحفيين في المنافذ الإعلامية الكبرى وممثلي المتاحف والمؤسسات الثقافية، فضلا عن أعضاء مراكز الفكر "البارزة والمؤثرة".
واستهدفت عملية التأثير الإماراتي المؤسسات غير الربحية ومن بينها الإعلامية ومراكز الفكر كجزء من جهد لتحسين صورة دول الحصار واستهداف قطر. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" أكثر وسائل الإعلام التي اتصل بها العملاء الأجانب الذين يمثلون أبوظبي.
وعلى سبيل المثال، تلقت شركةPIC MEDIA مبلغ 225 ألف دولار من الإمارات، لإنشاء سلسلة من الأفلام الوثائقية التي تهاجم قطر والعلاقة الأمريكية القطرية، تحت عنوان "تحالف خطير".
في ديسمبر/كانون الثاني 2018، قالت الباحثة البارزة بمعهد كاتو إيما أشفورد: "هناك أشكال واضحة لشراء التأثير وبطريقة سرية، من بينها الشبكة الموثقة من الأموال التي تربط السعوديين والإماراتيين مع الإدارة وداعميها المقربين وعائلة ترامب نفسها".
إضافة إلى ذلك، نقلت مجلة فورين بوليسي في فبراير/شباط 2018، عن أحد المحللين من الشرق الأوسط -مقيم في واشنطن- أن "أحد الأمور التي رأيناها تنتشر بكثافة في 2017، مراكز الفكر والأبحاث التي تمولها الحكومات وتدفع باتجاه خط وسياسة معينة.
ومنها "Arabia Foundation" وهي مؤسسة للأبحاث قريبة من الحكومة السعودية أنشأت في 2017، إضافة إلى معهد دول الخليج العربي القريب من الإمارات، والذي أطلق في واشنطن عام 2015.
كيف ردت قطر؟
لم تكتف قطر بالدفاع عن نفسها، حين ردت بأن تهمة "تمويل الإرهاب"، محاولة من دول الحصار لفرض السيطرة على قرارها الوطني والسيادي، حيث دفعت الملايين أيضا لنافذين بالسياسة الأمريكية ومراكز الأبحاث ولوبيات الضغط.
لكن الدوحة تبنت إستراتجية الدفاع لا الهجوم، حيث كان الهدف من دفع تلك الأموال، هو تقديم المشورة وإجراء أبحاث، والتدقيق في سجلات قطر، ودحض تهمة تمويل الإرهاب عنها، دون أن تعمد لشيطنة دول الحصار أو كيل الاتهامات لها.
وكانت الدوحة تواجه معارضة جادة، حيث ضخت السعودية موارد كبيرة في حملات التأثير بواشنطن. وتقول فورين بوليسي: إنه بين عامي 2015 و2017، زادت المملكة عدد العملاء الأجانب الذين استعانت بهم من 25 إلى 145.
وحسب المجلة، أنفقت الرياض أكثر من 18 مليون دولار على حملات الضغط، ومولت عددا من المؤسسات الدينية الأمريكية وأقسام دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية، بينما وصلت قطر لاحقا إلى اللعبة.
وقال جوي ألهام، المستشار السابق لدولة قطر الذي دُفع له 1.45 مليون دولار، بما في ذلك تكاليف عمله في الترويج: "عندما وقع الحصار، لم يكن لدى الدوحة أي وجود في الكابيتول هيل (الكونغرس)".
وأنفقت الدوحة الغنية باحتياطيات الغاز الطبيعي الكبيرة، ما لا يقل عن 24 مليون دولار من أجل كسب التأييد في واشنطن منذ بداية عام 2017، فيما أنفقت 8.5 مليون دولار فقط عامي 2015 و2016 من أجل نفس المهمة، حسبما تُظهر ملفات وزارة العدل الأمريكية.
ويُقدر أن الدول الأجنبية تنفق أكثر من 150 مليون دولار سنويا على العلاقات العامة الأمريكية، بحسب دراسة معمقة نشرت في 2008 وركزت على السعودية والإمارات اللتين استثمرتا الملايين من أجل تلك الأهداف.
فقد بدأت السعودية التوجه للوبيات منذ عام 1970، لكن اهتمامها بالأمر تعمق بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في أمريكا وتعرضها لانتقادات من قبل الكونغرس لاستضافتها ودعم المنظمات الإرهابية.
أما الإمارات فتوجهت لجماعات الضغط بعد فضيحة بنك الاعتماد والتجارة الدولي في 1991، والتي كانت مساهما رئيسيا فيه، حيث اكتشفت جهات الرقابة في أمريكا أن البنك متورط في عمليات غسيل أموال، رشاوى، دعم الإرهاب، تجارة السلاح، بيع تكنولوجيا نووية، التهرب الضريبي، التهريب، الهجرة غير الشرعية، والشراء بطرق غير شرعية للبنوك والعقارات، بالإضافة إلى اختفاء مبلغ 13 مليار دولار .
وتقول الدراسة التي أعدها مختصان في جامعة الكويت: "عندما تكون هناك أزمات سياسية بين الحكومة الأمريكية ودول الخليج العربي، يرتفع الإنفاق على العلاقات العامة نيابة عن هذه الدول".
لكن، رغم إدراك قطر المتأخر لتأثير مراكز الفكر ووسائل الإعلام وأعضاء الكونغرس في أمريكا، تقول وكالة رويترز: إن حملتها في واشنطن منذ عام 2017، ساعدت في تغيير الأفكار حول الخلاف مع السعودية والإمارات، وفق ما يظهر هذا الرسم البياني.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في تحقيق مطول نشرته على موقعها الإلكتروني في 29 أغسطس/آب 2018، أن قطر وضعت قائمة بأسماء 250 شخصا من أصحاب النفوذ لدى ترامب كهدف لها في "حملة ضغط غير تقليدية" من أجل التأثير على سياسة الرئيس الأمريكي، الذي ظهر منحازا إلى جيرانها.
وكتبت الصحيفة في التحقيق: "كانت عملية الضغط التي نفذتها قطر عبارة عن خطة نفوذ غير تقليدية لاستهداف رئيس غير تقليدي، وتبين مدى تغيير السيد ترامب لقواعد اللعبة في صناعة النفوذ".
ويدل تغيير ترامب لسياسته تجاه قطر وتراجعه عن اتهامها بتمويل الإرهاب، أن "الاعتقاد من قبل الدول الخليجية بإمكانية اختراق الولايات المتحدة من خلال المال السياسي بهدف تحقيق أهداف هجومية تتصدى لدول عربية أخرى فيه قصور إستراتيجي".
والحديث الأخير مقتبس من مقال نشره بعد أزمة الخليج، شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الذي يتابع: أن "هذه السياسة قد تنجح مؤقتا في بناء حالة، لكنها تفشل في المدى المتوسط وتؤدي لخلق تناقضات متشعبة".
وهذه السياسة قد تتغير لاحقا من وجهة نظر ناظم الغبرا لأن "الولايات المتحدة ليست مكونة (فقط) من البيت الأبيض، الذي سيخرج ضعيفا متضعضعا من الفضائح والفوضى الراهنة، بل مكونة أساسا من الرأي العام الأمريكي صاحب القوة الأهم، ومن وسائل الإعلام والكونغرس ومراكز الدراسات والقوى الحقوقية والجامعات وغيرها".
ماذا استفاد الخليج؟
لكن يطرح باحثون أسئلة مهمة في هذا السياق، أهمها: ماذا استفادت دول الخليج من هذه اللوبيات، وماذا كانت وجهة نظر أمريكا تجاهها قبل تقلد دونالد ترامب الرئاسة؟.
يرد المحاضر والكاتب في مجالات التخطيط الإستراتيجي عوض الدرمكي بالقول: "البيت الأبيض ينظر للعرب بطريقة مختلفة مشوبة بالشك، ففي لقاء الصحفي جيفري غولدبيرغ مع باراك أوباما في مارس/أذار 2016، أكد الرئيس الأمريكي آنذاك تضرر بلاده من دور لوبيات مراكز تفكير السياسة الخارجية".
وأشار أوباما لمجلة The Atlantic وقتها إلى وجود شعور قوي داخل البيت الأبيض، بأن مراكز التفكير الأمريكية تعمل لمصلحة "المُمَوِّلين العرب" والمناصرين لإسرائيل، مؤكدا ما كان يردده مسؤولو الإدارة الأمريكية السابقين، بأن شارع ماساتشوستس بواشنطن، حيث العديد من مراكز الدراسات، يقع "تحت الاحتلال العربي".
ودعا الدرمكي في مقال سابق، إلى وجود لوبي خليجي موحد الرؤية والإستراتيجية والمقاربات، بدون دخول السباق والجري عكس المسار، مؤكدا أن دول الخليج تفتقد لخطة إستراتيجية بعيدة المدى، للضغط من أجل تمرير صفقة، أو تبني موقف معين.
ويقول: إنه "لا يمكن إقناع صُنّاع القرار هناك، بقضايا متناثرة، لا يجمع بينها تصور كامل، أو تمثل جزءا من قصة أو فكرة كبيرة مقنعة بما فيه الكفاية، من أجل منفعة متبادلة.
وهو نفس المبدأ الذي تؤكد عليه الباحثة دانية الخطيب، بالقول: إن اللوبي الخليجي "يمارس ضغوطا حقيقية في بعض الأحيان، إلا أنه يفتقر إلى وجود إستراتيجية ثابتة موحدة، وقد تُمارس الضغوط بشكل موحد، إلا أن كل دولة تسعى إلى التفاوض منفردة، مما يؤدي إلى خسارتهم نقطة قوة موجودة لدى أي لوبي، وهي جماعية التفاوض، وعلاوة على ذلك فإن الضغط يكون تكتيكيا في قضايا ضيقة".
ولا تنكر الخطيب وهي مؤلفة كتاب "اللوبي الخليجي - العربي في أمريكا بين الطموح والواقع"، أن أكثر ما يهم صانع القرار هو المال والإعلام والأصوات، مبينة أن النظام الأمريكي الذي يعتمد مبدأ الفصل بين السلطات يشجع اللوبيات.
وعابت دانية الخطيب في مقال سابق لها على الدول التي تحاول تقديم نفسها بوصفها الأجدر بعلاقة متميزة مع أمريكا، فهي تلعب على هذه النقطة التي أضعفت العرب، مشيرة إلى أن "علينا أن نتأكد أن أمريكا يمكن أن تتخلى عن أي صديق".
المصادر
- How the UAE Wins in Washington
- US lobbyists continue working with Saudi Arabia after Khashoggi killing
- Report Says Saudi-hired Lobbyists Give Millions to Influence US Congress
- Saudis have a $6 million lobbying payroll despite departures
- Saudi Arabia ramped up multi-million foreign influence operation after Khashoggi’s death
- How 2 Gulf Monarchies Sought to Influence the White House
- Qatar hires lobby firm with Trump ties amid Gulf crisis
- الإمارات دفعت 2.5 مليون دولار لشيطنة قطر في أمريكا
- ترامب يدعو قطر للتوقف "فورا" عن تمويل الإرهاب
- Ex-Congressman’s Early Qatar Lobbying Activity Draws Heat
- Qatar hires firm founded by Corey Lewandowski
- Qatar Inks $1.2M Pact With Giuliani-Tied Firm
- Why Should We Care About Qatar’s Influence?
- Qatar’s $24 million lobbying push
- Inside Qatar's charm offensive to win over Washington
- Trump Takes Credit for Saudi Move Against Qatar, a U.S. Military Partner
- المال السياسي الخليجي في واشنطن.. «قصور استراتيجي»!
- وول ستريت جورنال: قطر تسعى للتغلغل في دائرة "المؤثرين" على ترامب
- Qatar’s Ramped-Up Lobbying Efforts Find Success in Washington
- Foreign Countries and U.S. Public Relations Firms: The Case of Three Persian Gulf States
- دانية الخطيب: تفاعل العرب الأميركيين أساس نجاح اللوبي العربي
- متى ينجح اللوبي الخليجي في الولايات المتحدة