نظام "الولي الفقيه" يترنح.. لهذا ضاقت الشعوب من تدخلات طهران

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت المطالبات الشعبية بإنهاء نفوذ طهران وإيقاف مشروعها التوسعي في كل من العراق ولبنان، قلق المسؤولين الإيرانيين وولّدت لديهم مخاوف من أن تتمكن تلك الاحتجاجات من قلب الطاولة على وكلائهم في العراق ولبنان، وتتسبب في خسارة المكاسب التي أحرزوها خلال العقود الماضية.

كان المتظاهرون قد أطلقوا شعارات مناهضة للتدخل الإيراني، ومزقوا أعلام إيران وأحرقوا صور المسؤولين في طهران، كما أحرقوا قنصليتها بالنجف في كربلاء عاصمة التشيع، ما يشير إلى إدراك ووعي شعبي بدور إيران في تدهور الأوضاع الاقتصادية في بلدانهم، الأمر الذي تم اعتباره تطورا مهما ونوعيا تجاه المنظومة الإيرانية التي تتحكم عبر أذرعها بمصير تلك البلدان.

المرشد الأعلى علي خامنئي، وصف الاحتجاجات الشعبية المستمرة في العراق ولبنان بأنها "أعمال شغب تديرها أمريكا وإسرائيل وبعض دول المنطقة"، حسب تعبيره.

تدخل مباشر

حسب وكالة أسوشيتد برس، فإنه في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي في اليوم الثاني للاحتجاجات العراقية، بجولتها الثانية، أقلت مروحية قائد فيلق القدس قاسم سليمان، وهبطت في المنطقة الخضراء، وترأس سليماني بشكل مباشر اجتماعا قال فيه: "نحن في إيران نعرف كيف نتعامل مع المحتجين، فقد وقعت احتجاجات عندنا من قبل وسيطرنا عليها". 

وبالفعل، شكلت إيران خلية أزمة لقمع المتظاهرين هناك، وأطلقت الرصاص الحي، متسببة بمقتل نحو 300 مدني، وإصابة نحو 13 ألفا آخرين، بالإضافة إلى قيامها بقطع خدمة الإنترنت عن المدن التي تشهد حراكا ثوريا، وفض الاحتجاجات في عدد من المدن العراقية.

وحسب الكاتب جيمس دورسي، فإن صحيفة الغارديان البريطانية نقلت- عن ضابط مخابرات عراقي قوله-: إن "غرفة العمليات التي تنسق الردود الأمنية على المظاهرات كان يديرها قادة المليشيات الإيرانية والعراقية. أضحت هذه المليشيات أداة لقمع المظاهرات".

وشجعت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المتظاهرين في العراق على الاستمرار بمطالبهم باستقالة حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، الأمر الذي أدى إلى استقالته بالفعل، بعد أشهر من القمع، غير أن متابعين رجحوا أن تقوم إيران المتوغلة في الأجهزة الإدارية والأمنية في العراق بالتحايل على مطالب الثوار، والدفع بشخص آخر من الموالين لها، ليحل محل عبدالمهدي لاحقا.

أشرفت الأجهزة الأمنية الإيرانية  بشكل مباشر على قمع المتظاهرين في العراق

تصدير الأيديولوجيا

يقول الدكتور قيس النوري أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد والسفير السابق في الخارجية العراقية، لـ"الاستقلال": "انطلق النظام السياسي الإيراني منذ عام 1979 من مرتكز أساسي جوهره تصدير أيديولوجيا (دينية مذهبية) باتجاه شعوب ودول المنطقة".

مضيفا: "تحول هذا المرتكز إلى أحد الأهداف الأصيلة في السياسة الخارجية الإيرانية، ومن ثم استخدام وتوظيف العنصر المذهبي (الإثنى عشري) في استقطاب شرائح اجتماعية في مجتمعات الشرق الأوسط، العربية منها بشكل خاص، إلا أن هذا التوجه واجه رفضا شعبيا واسع النطاق عبرت عنه الاحتجاجات في العراق ولبنان".

وتابع الدكتور النوري: "كان أول رد فعل مناهض للسياسة الإيرانية، التوسعية في العراق، بخاصة في المدن الجنوبية، ووسط العراق، والذي تصاعد ليواجه بعنف السلطة المفرط باستخدام القوة، هذا الحراك الذي انتقل بإثارة إلى لبنان، البلد الثاني الذي يخضع هو الآخر لتوجه طائفي يدين بالولاء لإيران (حزب الله) ويرشح تكراره في بلدان أخرى، اليمن مثلا".

النوري قال: "السلطة الإيرانية لم تحتسب لأهم العناصر المكونة في بناء الرأي العام المتمثل برفض الهيمنة والوصاية الأجنبية، مما ولد إجماعا مجتمعيا متماسكا، وهو ما يفشل أساس المشروع الإيراني برمته، ومن ثم يقوض بدروه السياسة الداخلية للسلطة الإيرانية تجاه شعوبها، ولعل أبرز مخاوف السلطة الإيرانية تتأتى من مؤشر تخلي الشيعة عن مشاعر التضامن الديني المذهبي مع إيران والذي عبر عن نفسه بحرق القنصلية الإيرانية في مدينة النجف (عاصمة التشيع)".

نادى المتظاهرون في لبنان والعراق بإنهاء النفوذ الإيراني

"كلن يعني كلن" 

في لبنان خرج مئات الآلاف من المتظاهرين احتجاجا على زيادة الضرائب وتنديدا بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة، غير أن الاحتجاجات تطورت بعد حالة القمع التي نفذتها الأجهزة الأمنية، خصوصا الموالية لحزب الله، فطالب المتظاهرون باستقالة الحكومة بما فيها الأجهزة التي تهيمن عليها الفصائل الموالية لإيران، وإنهاء نظام المحاصصة الطائفي.

ورفع المتظاهرون شعار "كلن يعني كلن.. نصر الله واحد منن"، وهاجموا زعيم حركة أمل الشيعية، ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، كما هاجموا مكاتب تابعة له في عدة مناطق جنوبي لبنان تعتبر من أبرز معاقله.

وإزاء تلك المطالبات ظهر أمين عام حزب الله حسن نصرالله في كلمة متلفزة بثتها قناة المنار التابعة للحزب، رافضا الدعوات المطالبة باستقالة الحكومة، ومحذرا من وقوع البلاد في ما أسماه "الفوضى الأمنية والانهيار والحرب الأهلية".

وقال في خطاب اعتبره مراقبون تهديدا للمتظاهرين: "أقوى طرف في المعادلة الداخلية اللبنانية الآن هي المقاومة، ومستعدون لدفع ثمن حماية بلدنا وكرامتنا وشعبنا "، واتهم نصرالله شخصيات لم يسمها بارتباطها بسفارات وجهات أجنبية.

وبنفس القدر الذي شعر فيه قاسم سليمان بخطر تداعي شبكته في العراق، كان تداعي منظومته الطائفية في لبنان باعثا للقلق ومثيرا لمخاوف المسؤولين في إيران.

ففي 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هرع قاسم سليماني إلى بيروت، لإنقاذ حكومة لبنان، واتفق مع حسن نصر الله على إرسال قوات من "الحرس الثوري الإيراني" وعناصر من قوات العاصفة التي تم تشكيلها من ميلشيات شيعية عراقية، كما تم إرسال فرقة من عصائب الحق بقيادة قيس الخزعلي، عبر سوريا، وهم يرتدون زي "حزب الله" ويقومون في الوقت الحالي بالتحضيرات اللازمة لشن عملية واسعة تهدف إلى مؤازرة "حزب الله" في لبنان.

وإثر تزايد الاحتجاجات قدم رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته، غير أن الفصائل الشيعية اللبنانية التي تقف إيران خلفها، استمرت في موقفها الرافض مطالب المتظاهرين واستمرت في تهديد المتظاهرين.

مثلث الاحتجاجات

مثلت التظاهرات في إيران ضلعا ثالثا في مثلث الاحتجاجات الثورية على النظام الطائفي في كل من سوريا ولبنان وإيران، فقد تأزم موقف المسؤولين في إيران بعد اندلاع الاحتجاجات في العراق ولبنان، وتضاعفت مخاوفهم بعد اندلاع الاحتجاجات الإيرانية إثر قرار الحكومة بزيادة أسعار الوقود، وتطورت إلى مظاهرات ضد سياسة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، التي ركزت على الطابع الأيديولوجي للدولة أكثر من تركيزها على تحسين الاقتصاد والوضع المعيشي للمواطنين. 

وانبرى خامنئي مهددا ذلك الحراك، واتهمه بأنه حراك أمني وليس شعبي، مهمته زعزعة الأمن والاستقرار، وتوعد بهزيمة من يقف خلف ذلك الحراك، ومتهما المتظاهرين بالانجرار وراء من يسعى لزعزعة الاستقرار في إيران، وأبدى في ذات الوقت دعمه لقرار الحكومة برفع أسعار الوقود.

وبالفعل قادت الأجهزة الأمنية في إيران حملات قمع للمحتجين أسفرت عن مقتل نحو 200 متظاهر، واعتقال نحو 1000 آخرين، وقطعت الإنترنت على عدد من المدن الإيرانية، من بينها طهران، في تصرف يحاكي ما قامت به أجهزتها الأمنية في العراق من قطع لخدمة الإنترنت عن المدن.

المهمة الصعبة 

في حديث للاستقلال يقول الباحث عصام القيسي: "بالتأكيد شعر النظام الإيراني بالخطر أكثر من أي وقت مضى، بعد أن طفح الكيل لدى المواطنين العراقين واللبنانيين، بمن فيهم الشيعة أنفسهم في جنوب العراق وجنوب لبنان أيضا". 

مضيفا: "الناس ضاقوا ذرعا بعسكرة الأجهزة الموالية لإيران للحياة العامة، وخاصة في المناطق التي تشهد حضورا طاغيا للأجهزة الموالية لإيران، وأدركوا أن التدخل الإيراني عبر أجهزته البوليسية القمعية أفسد كل شيء بسيطرته على مفاصل الحياة العامة".

يضيف القيسي: "ليس من السهل أن تتخلى الأجهزة الإيرانية عن المكاسب التي أحرزتها خلال العقدين الماضيين على الأقل، خصوصا في حكومة وبرلمان العراق، بالإضافة إلى نظام المحاصصة الطائفي في لبنان، إلا أن الملاحظ أن المشتركات الثورية في كل من العراق ولبنان هي أن المظاهرات تجاوزت، لأول مرة، الخطوط الطائفية".

وتابع: "أدرك الثوار أن التدخل الإيراني تسبب بكل تلك المعاناة عبر وكلائه الذين دفع بهم ودعمهم لتبوؤ المناصب في تلك البلدان وأرسى نظاما سياسيا وزع المناصب وفقا لحجم الانتماء والولاء للمسؤولين في إيران، ذلك التطور وإن لم يتسبب بتهاوي المنظومة الطائفية إلا أنها ستحدث شرخا، ربما يشهد تداعيات في تطورات الحراكات الشعبية التي من المؤكد أنها ستشهد جولات متكررة".