ميلييت: هذا مستقبل "الناتو" في ظل تباين مواقف الدول الأعضاء
نشرت صحيفة "ميلييت" التركية، مقالا للكاتبة فيردا أوزير، تناولت فيه في مستقبل حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي تشكل بتوقيع معاهدة واشنطن عام 1949، وما إذا كان يمكن أن يستمر لسنين أخرى في ظل التصريحات المتباينة التي يطلقها رؤساء الدول الأعضاء.
وقالت الكاتبة: إن "بعض تلك التصريحات ترى أن الحلف بات بالفعل شيء من الماضي، لكن آخرين يرون أنه في حالة موت سريري، بينما يتوقع لآخر بقاء الحلف من الطراز القديم غير المفيد كثيرا حيث التغيرات المتلاحقة، وبالتالي وجب تغيير أسلوب العمل فيه من أجل الحفاظ على بقائه وحياته وديمومته".
"موت سريري"
تشكل حلف الناتو بتوقيع معاهدة واشنطن عام 1949، وضم عددا من دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية لتوفير الأمن الجماعي ضد الاتحاد السوفييتي. كان هدف حلف الناتو بشكل أساسي هو حماية حرية دول الحلف وأمنهم بالوسائل السياسية والعسكرية.
ويتكون الحلف من 28 بلدا: الولايات المتحدة، ألبانيا، بلجيكا، بلغاريا، كندا، كرواتيا، جمهورية التشيك، الدنمارك، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، هنغاريا، أيسلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورغ، هولندا، النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، تركيا، المملكة المتحدة.
وعلقت الكاتبة على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول تصدع حلف "الناتو" ودخوله في مرحلة وفاة دماغية أو موت سريري، بالقول: إن صح التعبير، حيث يرى ماكرون فعليا أن الحلف لم يعد له وجود منذ انتهاء دوره والوقوف في وجه الكتلة السوفيتية عام 1949، وعلى الرغم من أن الإعلان عن الوفاة في تلك الفترة كان مبكرا، لكنه كان يبدو خطوة لا مفر منها.
وأعلن ماكرون: أن حلف شمال الأطلسي في حالة "موت سريري"، في مقابلة نشرتها مجلة "ذي إيكونوميست" الخميس الماضي، وهو التصريح الذي أثار جملة من التعليقات داخل الحلف الأطلسي (الناتو) وخارجه. وانتقد ماكرون ضعف التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا، والسلوك الأحادي الذي اعتمدته تركيا، الحليفة الأطلسية، في سوريا.
وعلى الفور، انتقدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هذا الحكم "الراديكالي"، قائلة في مؤتمر صحفي مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ: "لا أعتقد أن هذا الحكم غير المناسب ضروري، حتى لو كانت لدينا مشاكل، حتى لو كان علينا أن نتعافى".
شروخ في الغرب
ترى الكاتبة التركية: أن تصريحات ماكرون هذه لم تدهش أحدا، وهو الذي اعتاد على إطلاق هذه التصريحات وشبيهاتها، لأهداف مختلفة ومنها التلاعب بأعصاب نظيره الأمريكي دونالد ترامب، حتى أنه استند في نظريته هذه إلى طريقة العمل بين أوروبا من جهة وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى.
وشددت الكاتب على هذه النقطة بالقول: "في الواقع ، استشهد ماكرون بأن ترامب هو المحرك الرئيسي لهذا النتيجة، حيث عدم وجود تنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا".
ويرى الرئيس الفرنسي: أن "من الجوهري، من جهة، قيام أوروبا الدفاعية، حيث تمنح نفسها استقلالية إستراتيجية وعلى صعيد القدرات في المجال العسكري، ومن جهة أخرى إعادة فتح حوار إستراتيجي مع روسيا، حوار خال من أي سذاجة وهو أمر سيستغرق وقتا".
وبحسب الكاتبة: فإن ماكرون اغتنم المقابلة للتحذير من ثلاثة مخاطر كبرى محدقة بأوروبا: أولها أنها "نسيت أنها مجموعة"، والثاني: "انفصال" السياسة الأمريكية عن المشروع الأوروبي، والثالث: صعود النفوذ الصيني الذي "يهمش أوروبا بشكل واضح".
وأشارت إلى: أنه سيكون لتصريحات ماكرون الشديدة النبرة التي تساءل فيها حول مصير الحلف نفسه، وقع كبير قبل شهر من قمة يعقدها الحلف في لندن مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل في لندن.
وبينت الكاتبة: إنه "في الواقع، لقد كان ترامب يقاتل مع فرنسا وألمانيا لفترة طويلة حتى أنه يشدد على العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تجسيدا لمفهوم العلاقة الإستراتيجية ومع ذلك اعتاد أن يقول: إنه سيخرج بلده من الناتو؛ و الخطوط الرئيسية التي اشتكى منها هي الاتفاقية النووية مع إيران والعلاقات مع روسيا والميزانية التي يكرسونها لحلف الناتو".
ومع ذلك، ترى الكاتبة: أن بعض الزعماء الأوروبيين، مثل ترامب والمستشارة الألمانية ميركل، يدلون أحيانا ببيانات تعطي التحالف قبلة الحياة، ومنها تصريحه الأخيرة في يونيو/حزيران الماضي، من أن هذا الحلف هو "أعظم تحالف في التاريخ ولا يمكن تدميره أبدا".
ولفتت إلى: أن السبب الرئيسي وراء عدم رغبتهم في حل الناتو؛ يبدو هو الخوف من فقدان القوة، فالعالم يمر بتغيير سريع؛ وتوازن القوى يتشكل من جديد ، ففي الوقت الذي تتشابك فيه الصين وروسيا ويتحول مركز القوة من الغرب إلى الشرق تنقسم أوروبا على نفسها؛ تنغلق الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها أكثر وأكثر، وتزداد الفجوة بين الطرفين الأوروبي والأمريكي، ولعل ذلك هي أهم الأسباب التي تزيد من فقدان القوة والسلطة التي يخشى الغرب ضياعها.
وتساءلت الكاتبة: لماذا تبدو النهاية حتمية، ولا مفر من الوصول إلى النتيجة التي حذر منها ماكرون خلال الأيام الماضية؟ مجيبة: يقول المؤرخ اليوناني القديم ثوسيديدس: "المخاوف المشتركة هي الأساس المتين الوحيد للتحالف"، و هذا هو بالضبط ما يختبره الناتو اليوم؛ لا يوجد في الحقيقة عدو مشترك لأعضاء الناتو كل لديه همومه الخاصة ومشاكله وأعداءه.
واستطردت قائلة: في فترت الحرب الباردة، أسس الناتو من أجل الوقوف في وجه القوة السوفيتية الروسية، لكن اليوم اختلفت الظروف، ومهام الناتو في الوقت الراهن ليس لها علاقة بما أسس عليه سيما وأنه مر تقريبا 30 عاما على انتهاء "الحرب الباردة".
وأردفت الكاتبة: اختلفت أيضا ظروف الحرب، فلم يعد التهديد لدولة واحدة أو لمنطقة جغرافية معينة؛ التهديدات اليوم عالمية، الإرهاب، مشكلة اللاجئين، الأمن الرقمي، سلاح الدمار الشامل، التغيرات الإقليمية والمناخية، بعضها يتعلق بعدة دول وبعضها يهم العالم بأسره. و تنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف على أن الهجوم على أي دولة عضو في الناتو يعتبر هجوما على جميع الدول الأعضاء.
وتابعت: بالتالي، إذا ما وصلنا لهذه النتيجة فإن حل ومعالجة هذه المشاكل لا تكون ولن تكون إلا بمشاركة معظم الأطراف الفاعلية عالميا حتى الدول غير الأعضاء في الناتو بما فيها روسيا، هؤلاء كلهم باتوا الآن عرضة لتهديدات تلك المشاكل والأزمات، وكل بات له تجمعاته لحل المشاكل الأكثر تهديدا له، وعلى سبيل المثال، في الوقت الذي تتجمع فيه دول أوروبا الشرقية حول تهديد روسيا، تركز بلدان الجنوب على أزمة اللاجئين.
"كلام من ذهب"
واستدركت الكاتبة: بالمناسبة من الدول الأولى التي سارعت بالتعليق على تصريحات "ماكرون" روسيا حيث أيدت ما قاله تماما، مرحبة بتصريحاته، واصفة إياها بأنها "صادقة"، ومعتبرة: أن ما قاله "كلام من ذهب". في وقت قال فيه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو: إن الحلف هو أحد أهم التحالفات على مر التاريخ، وأضاف: أنه لا يزال حاسما، و من جانبه، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: "لا أعتقد أن الحلف مات إكلينيكيا".
وتوصلت إلى: أن الناتو لا يعالج مشاكل اليوم، ولم يعد من الممكن له أن يتصرف بنهج أمني تقليدي منتهي الصلاحية؛ والأمر أيضا منسحب على الاتحاد الأوروبي، حيث يشهد الاتحاد اليوم تناقضا وانقساما مماثلا، والسبب ذاته أنه لا يستطيع التكيف مع الظروف الجديدة.
وزادت: لذلك، فإن هذه المؤسسات في عصر الحرب الباردة إما أن تغير الأسلوب القديم الذي بات مكانه الأرشيف، ولا تتبنى مثل هذه الرؤية في التعامل مع المتغيرات، أو أنها ستفشل في النهاية، لأنه الآن يبدو من المستحيل التجمع حول الخوف المشترك.
وخلصت الكاتبة في ختام مقالها: بأنه "يبدو أن الناتو كتحالف دفاعي أنشئ خصيصا لحماية أمن بلدانه، يقاتل باستماته لحماية بقائه هو ليس أكثر".