تطور على حساب الإنسان.. معلومات صادمة عن "كوكب اليابان"

12

طباعة

مشاركة

أول مشهد يتبادر إلى الذهن فور سماع كلمة اليابان، هو خلية نحل تعمل ليل نهار داخل دولة صنفت الثانية في قائمة الأفضل لسنة 2019، من حيث الانفتاح الثقافي والتنوع، وبيئة العمال وجودة الحياة، بحسب موقع "يو اس نيوز اند وورد ريبورت".

وتفيد تقارير صحفية كثيرة: بأن الشعب الياباني أكثر الشعوب تحضرا في العالم، وأن ﻣﻌدﻝ ﺗﺄﺧر ﺍﻟﻘطﺎﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ هو 7 ﺛوﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ، وأن ﺍﺳﺘﺨدﺍﻡ ﺍﻟﺠوﺍﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻘطﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤطﺎﻋم ﻭﺍﻷﻣﺎﻛن ﺍﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ممنوع، كما تحدثت عن أن الياباني ﻻ ﻳﺄﺧذ أكثر من حاجته من الأكل حتى لا يرميه فيما بعد.

وكان الداعية السعودي أحمد الشقيري أكثر المسوقين لصورة مبالغ فيها عن اليابان للعرب، وذلك عبر برنامجه "خواطر 5"، الذي خصص حلقاته الثلاثين في رمضان 2009 عن ذلك البلد. وركز الشقيري عن الجوانب الإيجابية فيما تجاوز السلبيات.

ذهب البعض إلى حد القول: إن ﻋﺎﻣل ﺍﻟﻨظﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ، يلقب بـ"المهندس الصحي"، وأن رﺍﺗبه يتراوح بين 5 آلاف و8 آلاف ﺩﻭﻻﺭ ﺃﻣرﻳﻜﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬر.

هذه المعلومات جعلت لقب "كوكب اليابان" متداولا، في إشارة إلى أنه استثنائي وأن مواطنيه أشخاص لا يخطؤون، بل إنهم بالنسبة للبعض أقرب إلى الروبوت. 

لكن ما مدى صحة ما قيل وما كتب عن هذا "الكوكب"؟، هل هو حقا بلد مثالي لا يشبه باقي البلدان؟ أم أن البعد الجغرافي واللغة المختلفة وانغلاق مواطنيه فتح المجال أمام الأساطير والخرافات؟

نحو الانتحار

دكتور جراحة المخ والأعصاب، محمد عوض، يعيش في العاصمة طوكيو منذ سنتين، أكد في حديث لصحيفة "الاستقلال": أن السلبيات في اليابان أقل بكثير من الإيجابيات، غير أن المعلومات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تصف البلد بالمثالية خاطئة. 

على سبيل المثال، لم يتقاض 3 آلاف و400 موظف في شركة "سوبارو" اليابانية لصناعة السيارات، مستحقاتهم عن ساعات العمل الإضافية، وكُشف الأمر بعد انتحار أحد العاملين في الشركة في عام 2016 بعد أن قفز من أعلى مبنى الشركة.

وأوضحت صحيفة "يابان تايمز": أنه بالتزامن مع الوقت الذي لم يتلق فيه العمال مستحقاتهم، كانت "سوبارو" تحقق أرقام مبيعات ضخمة خصوصا في السوق الأمريكية، التي تعتبر سوقها الأول. 

الإقدام على الانتحار ليس النتيجة الوحيدة التي يؤدي إليها ضغط العمل في اليابان، بل إن الصحفية في هيئة الإذاعة اليابانية "ميوا صادو"، توفيت بسكتة قلبية بعد أن عملت 159 ساعة في أوقات العمل خلال شهر واحد.

وأثار الحادث لغطا واسعا من طرف مؤسسات عالمية، عن ثقافة العمل لدى اليابانيين، خصوصا أن الحوادث من هذا القبيل تعاقبت وتسمى "كاروشي" أي الموت بسبب الإفراط في العمل، بحسب صحيفة "الجارديان" الأمريكية.

شبكة "سي إن إن" الأمريكية كشفت: أن عدد الأطفال والمراهقين الذين انتحروا في عامي 2016 و2017 وصل إلى 250، وهو العدد الذي لم تعرفه اليابان منذ 1986، والسبب هو المشاكل العائلية والضغط النفسي وأيضا التنمر الذي يتعرض له الأطفال.

وعن ذلك قال عوض: إن القوانين الصارمة التي يتربى عليها الشعب الياباني تبدأ من المدرسة، إذ يتعلم الأطفال كتم المشاعر وعدم إظهار أي انفعالات إيجابية كانت أو سلبية، وبالتالي لا يمكنك أن تعلم ما الذي يشعر به الياباني مهما تعرض للاستفزاز فهو يحافظ على ملامح جامدة.

ونفى عوض: أن تكون الأخبار المتعلقة بعدد ساعات العمل عند اليابانيين مجرد أساطير، بل أكد: أن زملاءه في العمل يخرجون من منازلهم الساعة السادسة صباحا ويصلون إلى العمل على الثامنة ولا يغادرونه إلا على الساعة 11 أو منتصف الليل، دون أن يُطلب منهم ذلك بل إنه الطبيعي.

وبسبب ارتفاع حالات الانتحار التي وصلت في 2016 إلى 22 ألف شخص، نتيجة الضغط النفسي قال جراح المخ والأعصاب: إن هناك توصيات من الحكومة بخفض ساعات العمل وأن يحرص المدراء ورؤساء الأقسام على الخروج في الساعات المحددة حتى يتمكن الموظفون من فعل نفس الشيء، إلا أن هذه التوصيات لم تلق استجابة لأن الأمر تحول إلى أسلوب حياة لدى اليابانيين. 

خروج عن القانون

أفادت صحيفة "يابان تايمز": أن المراهقين والأطفال هم الأكثر إقبالا على المواقع الإباحية، وأن هذه المواقع في تزايد.

استنادا لإحصاءات أمنية، اعتقل في 2017 ألف و703 أشخاص بتهم متعلقة بالشذوذ الجنسي مورست على ألفين و413 حالة، أما في عام 2018 فقد سجلت الإحصاءات 316 حالة فوق العدد الذي سجلته في العام الذي سبقه.

ومن جهة أخرى وصف الدكتور محمد عوض: أن السبت والأحد هما اليومان الرسميان للخروج عن القانون في اليابان، إذ يتعمد خلالهما المواطنون خرق كل القوانين وذلك عبر شرب كميات كبيرة من الكحول والقيادة في الشوارع بسرعة مفرطة مع خرق كل إشارات المرور، ورمي الفوارغ من نوافذ السيارات مع تسجيل عدد كبير من حوادث السير وحالات العنف.

كل ذلك، يعقب المتحدث: من أجل تفريغ الضغط النفسي الذي يمر به الياباني طيلة أيام الأسبوع من ساعات طويلة للعمل والتزام تام بالقوانين.

أما فيما يخص الأمان قال مصدر "الاستقلال": إن اليابان بلد آمن في العموم لا تتعرض فيه السيدات لأي نوع من المضايقات حتى في ساعات متأخرة من الليل، أما إذا نسيت ممتلكاتك أو أوقعتها أرضا فيمكنك أن تجدها بعد ساعات في نفس مكانها، بحسب عوض.

وإذا كانت بعض حالات السرقة تسجل فإن اليابانيين يحملون المسؤولية فيها للصينيين والكوريين، فهم يعتبرون أنهم المسؤولون عن ذلك بشكل مقصود لتشويه سمعة اليابانيين، ويحكي المتحدث: أن هناك مثل متداول بين اليابانيين يقول: "أغراضك في أمان ما لم يجدها أجنبي".

وهو ما أكدته المنظمة العالمية للاقتصاد والتطوير، عندما صنفت اليابان في 2014 أكثر دولة آمنة في العالم. في حين أفادت وزارة العدل اليابانية: أن ثلث الأجانب في اليابان يتعرضون للتمييز.

وحسب تقرير للهيئة الوطنية للشرطة، بثته هيئة الإذاعة اليابانية: سُجلت 915 ألف جريمة جنائية في عام 2017، إذ تُرتكب جريمة قتل أو سرقة أو اختطاف كل خمس دقائق. 

ماذا يخفي اليابانيون؟

وصف محمد عوض اليابانيين بالانغلاق الذي يحتمه عليهم موقعهم الجغرافي، وقال: إنهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية حتى وإن كانوا يدرسونها منذ السنوات الأولى في المدارس، بالإضافة إلى أن هوسهم بالمثالية في كل شيء يجعلهم دائما مترددين للتحدث بلغة أجنبية خوفا من الخطأ.

لكن عدم إجادتهم للغة لا يمنعهم من أن يكونوا لبقين مع الأجانب سواء المقيمين في بلدهم أو الزائرين، بتوجيه من الحكومة التي توصي باستمرار التصرف بشكل لائق لإظهار الجانب المشرق من شخصية المواطن الياباني أو بمعنى أدق لتصحيح صورة ما ارتكبته الدولة من جرائم في الحروب على مر تاريخ الإمبراطورية اليابانية المليء بالمجازر والدماء.

في حين يتعامل اليابانيون فيما بينهم بصرامة شديدة جدا، ولا تعرف علاقاتهم أي نوع من الود، بحسب عوض المقيم في طوكيو.

الرأي نفسه صرحت به منة اللقاني: وهي طالبة مقيمة بمدينة كارويزاوا في مقاطعة ناغانو، فتعامل اليابانيين مع الأجانب "محترم جدا"، وأكدت منة: أنها لم تتعرض لأي نوع من العنصرية، خصوصا أن حجابها يظهر كونها أجنبية.

وأوضحت الطالبة المصرية لـ"الاستقلال": أن الشعب الياباني متحفظ بطبعه لكنه يتعامل مع الآخرين باحترام.

وداخل اليابان تنشط عصابات منظمة تسمى "الياكوزا" تتحكم في عالم الإجرام داخل البلد، وحتى المواطنون يتجنبون المناطق الخاضعة لسيطرة هذه العصابات، التي تتركز بشكل كبير في طوكيو بشوارع الملاهي الليلة ومحلات ذات أنشطة إباحية.

ورغم المجهودات التي تبذلها الشرطة لمحاربة هذه العصابات، لكنها تعتبر أنها "تواجه عدوا خفيا" بحسب تصريح صحفي لأحد المسؤولين في جهاز الشرطة بالعاصمة، الذي قال: إن العصابات في بعض نشاطاتها تتفوق على الشرطة.

قدر عدد المنتمين إلى هذه العصابات، في 2015 بـ80 ألف عضو ينشطون ضمن 22 تنظيما، تنشط هذه العصابات بالأساس في مجال البناء والإنشاءات، ولا يخاف بعض الرؤساء في هذه التنظيمات من التصريح بالانتماء لها، بل إن بعضهم يجري حوارات صحفية ما يجعل البعض يعتبرهم "أبطالا".

على حساب الإنسان

اصطدمت منة فور وصولها بأن "كوكب اليابان" مجرد خرافة، وأنه بلد عادي، وأكدت: أنها عانت خلال الشهر الجاري من انقطاع الكهرباء لمدة 5 أيام وانقطاع الماء بين حين وآخر، وذلك بسبب الإعصار الكبير الذي عرفته اليابان.

وجدت الطالبة صعوبة في التأقلم في البداية خصوصا أن العرب في محيطها أقلة، كما اشتكت من غلاء المعيشة. وتجد الطالبة المصرية، بحسب تصريحها، صعوبة كبيرة في العثور على "أكل حلال".

عرف عام 2017 أقل عدد مواليد في اليابان إذ تراجع عدد المواليد بـ400 ألف سنويا، وحسب التقديرات الرسمية فإن عدد سكان اليابان سيكون عام 2060 حوالي 85 مليون بعد أن وصل إلى 130 مليونا. والسبب بحسب مقال للمؤرخ موسى الصفدي، عزوفهم عن الزواج بسبب الإفراط في العمل.

وأفاد المؤرخ: أن اليابانيات مقبلات على الإجهاض بشكل كبير، بمعدل أزيد من 168 ألف جنين في 2013 مع ارتفاع سنوي، وذلك خوفا على الوظيفة. وأشار الصفدي إلى خلل كبير في التركيبة السكانية، متوقعا أن يصبح اليابانيون أقلية في بلادهم.

من جهة أخرى أفاد تقرير لموقع "بي بي سي": أن واحدا من كل خمسة متقاعدين يابانيين يفضلون ارتكاب جرائم ودخول السجن، بسبب غلاء المعيشة، فيما تدفعهم الوحدة إلى استئجار عائلات وأصدقاء مقابل خمسين دولارا للشخص الواحد، وهناك شركات تقدم هذه الخدمات الاجتماعية. 

وقال المؤرخ: إن التاريخ يثبت أن الياباني يمتاز بالعنف والغلظة إذ تسيطر عليه عقيدة مقاتل الساموراي، وقد دخلت اليابان عدة حروب مع جيرانها.

عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية اجتاحت جيوش اليابان جميع مناطق شرق وجنوب شرق آسيا، وقتلوا في الصين وحدها قرابة 25 مليون مدني صيني، في عمليات إبادة، و"كان الجندي الياباني يتلذذ بالإغتصاب وقتل النساء والرجال والأطفال، وتفنن في عمليات القتل، حتى أنه كان يجمع العشرات من المدنيين ويدفنهم أحياء".

وخلص الصفدي إلى: أن اليابان بنى تقدمه على حساب الإنسان، مشددا على: أن اليابان كباقي البلدان فيه المشرق والمظلم.