التحوّل إلى النظام الرئاسي.. هل ينهي الاحتجاجات بالعراق؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خضم المظاهرات والاحتجاجات المتصاعدة التي يشهدها العراق، طرحت قوى سياسية حلا للخروج من الأزمة الراهنة وإنهاء غضب المحتجين، وذلك بإجراء تعديلات على الدستور تقضي بتحويل نظام الحكم في البلد من برلماني إلى رئاسي وإلغاء مجالس المحافظات.

تلك الدعوات لم تصدر عن جميع القوى السياسية في العراق المعروف بتنوعه العرقي والطائفي، وإنما جاءت من جهات شيعية موالية لإيران، في وقت رفضها الأكراد والسُنة على اعتبار أنها تكرّس حكم الطائفة الواحدة وتهمّش الآخرين، فضلا عن العودة إلى حقبة طوى العراقيون صفحتها من 16 عاما.

"حل إيراني"

على رأس المطالبين بالتحول إلى النظام الرئاسي، كان زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي قال في تصريحات تلفزيونية: إن "النظام الرئاسي هو الأصلح في العراق وبداية تصحيح العملية السياسية تبدأ من الدستور، وأن النظام البرلماني يحتاج لحكومة قوية تحمي الانتخابات والموظفين والعملية السياسية".

تتناغم مطالبة المالكي مع دعوات كتلة "صادقون" في البرلمان التابعة لمليشيات "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، التي ترى هي الأخرى في النظام الرئاسي حلا للمشكلات الحالية، ومن ثم تأتي جميع الإصلاحات تباعا.

وقال المتحدث باسم "العصائب"، النائب عن "صادقون"، نعيم العبودي: إن النظام الرئاسي الذي ندعو له يُنتخب من الشعب مع وجود برلمان فاعل. وأضاف: أنه "عندما نقول إن النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي هو الحل لأنه يتناسب مع بيئتنا، فالبعض يقول هذا رجوع للدكتاتورية! وهو يتصور باللاوعي نظام البعث الانقلابي".

وأردف عبر تغريدة على حسابه في "تويتر": "نقول لا يمكن التشبيه بين النظامين كون الرئاسي الذي ندعو له ينتخب من قبل الشعب مع وجود برلمان فاعل، وتحدد ولاية الرئيس في الدستور".

 

وقبل ذلك، رأى العبودي في تغريدة سابقة: أن "الإصلاح الحقيقي يبدأ بتعديل الدستور، وأن فقرتين هما تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي مع برلمان فاعل، والأخرى إلغاء مجالس المحافظات وانتخاب المحافظ مباشرة من قبل سكان المحافظة"، لافتا إلى: أن "كل الإصلاحات الأخرى تأتي عند تحقيق هذين المطلبين".

وللخوض في الأسباب الرئيسية التي تدفع المقربين من إيران للمطالبة بالتحول إلى النظام الرئاسي، تشير تقارير إلى: أن "خيار المالكي، قد يكون مثاليا لإيران في الوقت الراهن، لاسيما عبر بوابة النظام الرئاسي، الذي يتيح للرئيس التفرد بكل شيء، بعكس النظام البرلماني الذي يفرض على رأس السلطة، وهو رئيس الحكومة، بعض القيود".

تلك التقارير نوهت إلى مخاوف إيرانية واسعة، من أن تقود الاحتجاجات العراقية إلى إسقاط النظام السياسي فعلا، ما يعرض مصالح طهران لمخاطر كبيرة، مع النقمة المتزايدة عليها في أوساط المحتجين، الذين يحملونها مسؤولية صعود أحزاب فاسدة إلى السلطة، تحت ستار الدين.

وبحسب مراقبين: فإن النظام الرئاسي قد يكون حلا إيرانيا لحالة العراق، يمكن طهران من خلالها الالتفاف على مطالب المحتجين، وكذلك سيريح النخبة الشيعية من القلق الذي يسببه السنة والأكراد.

"عودة للديكتاتورية"

للسُنة والأكراد رأي مغاير، فإنهم يرفضون بشدة تحويل النظام في العراق إلى من برلماني رئاسي، الذي وصفوه بأنه "عودة إلى الديكتاتورية" التي حكمت البلد لأكثر من نصف قرن، فمن "المستحيل" الرجوع إليه مجددا.

وقال النائب طلال الزوبعي عن تحالف "القرار" الذي يتزعمه القيادي السني أسامة النجيفي: إن "الدعوات التي أطلقتها بعض الأطراف السياسية لتحويل النظام السياسي في العراق من برلماني إلى رئاسي لا يصب في مصلحة العراقيين".

وأكد النائب في تغريدة له على "تويتر": أن "النظام البرلماني هو الأسلم للعراقيين والعراق، مشكلتنا ليست في النظام، مشكلتنا في الفساد المالي و الإداري".

أما الأكراد، فقد تحدث منهم النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بيار طه، بالقول: إن النظام الرئاسي سيسبب الضرر لكافة الشعب لعراقي وليس لإقليم كردستان فحسب، لأنه سيساهم في إضفاء المزيد من المركزية "وهو أمر مرفوض خصوصا من جانب تقديم الخدمات وعودة الاستقرار وبالتالي لن يساهم في حل المشاكل في العراق".

وأضاف في تصريحات صحفية: "النظام البرلماني هو الأمثل للعراق، لأن الرئاسي قد يساهم في عودة الدكتاتورية، وأن الفئة السياسية العراقية وطبيعة مكونات المجتمع العراقي يتطلب نظاما برلمانيا قوي بحيث يستطيع الشعب مراقبة أداء السلطة التنفيذية".

وأشار طه إلى: أن "فشل الأحزاب في تطبيق نظام برلماني، هو الذي أدى بالمتظاهرين وبعض القوى السياسية للمطالبة بالنظام الرئاسي".

ومع هذا الطرح، تتفق النائبة يسرى رجب عن كتلة "الجيل الجديد" الكردية، التي قالت: إن "كتلتها مع بقاء النظام البرلماني وليس الرئاسي، وأن الوصول إلى هذه المرحلة جاء بعد معاناة كثيرة"، مشيرة إلى: أن "تجربة العراق مع النظام الرئاسي كانت سيئة".

واتهمت النائبة في تصريحات لها جهات خارجية (لم تسمها) بالتدخل لتغيير شكل النظام الحالي، بالقول: إن "المطالبات بالنظام الرئاسي فيه نوع من التدخلات الخارجية، فهناك جهات سياسية دولية وإقليمية تدفع بهذا الاتجاه".

ولم تستبعد: أن "من يدفع باتجاه التحول إلى النظام الرئاسي، هي ذات الجهات التي كانت وراء تشويه صورة البرلمان في العراق، وأوصلتنا إلى هذه المرحلة".

ووصفت النائبة النظام الرئاسي: بأنه "شبه دكتاتوري" وتجربتنا السابقة كانت سيئة، إضافة إلى أن مرحلة ما بعد 2003 تكرست فيها فكرة الطائفية، فمن الصعوبة اليوم يأتي نظام طائفي يحكمنا ويكون عادلا، لأنه هذا شبه مستحيل".

هروب للأمام

ويرى سياسيون وخبراء قانونيون، أن تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي يحتاج إلى تعديل الدستور وهي مسألة معقدة جدا، لأن الدستور جامد وهناك صعوبة في تعديله بموجب المادة 142 من الدستور.

وطبقا للدستور العراقي، فإن تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي يحتاج موافقة اللجنة البرلمانية والبرلمان والشعب وعدم النقض من 3 محافظات، فيما يشير محللون إلى أن إقليم كردستان لن يوافق على النظام الرئاسي لذلك من الصعوبة إجراء هذا التغيير.

ويتفق سياسيون على أن النظام الرئاسي في العراق هو بمثابة نوع آخر من العودة الى أساليب الاستبداد والديكتاتورية، وهو حالة هروب إلى الأمام، بسبب ما آلت إليه العملية السياسية في العراق من فشل ذريع وإخفاقات مريرة، لطالما صب عليها العراقيون جام غضبهم.

وفي هذا الصدد، يحذر السياسي العراقي حسن العلوي من أن النظام الرئاسي لإنه: "يورّث الاستبداد"، وهو أسهل الطرق إلى الديكتاتورية، مشيرا إلى: أن النظام البرلماني الذي يدعو له البعض من السياسيين يبقى هو الأفضل، كونه يوفر فرصا للمكونات العراقية أن يبقى لها وجود مؤثر داخل العراق.

أما النظام الرئاسي، فيرى العلوي: أن العراقيين تجرعوا منذ الخمسينات مرارة النظام الرئاسي، وعانوا ما عانوا في كل العهود من عدم وجود قادة حقيقيين يعبرون عن طموحاتهم في أن يتوفر لهم الأمن والسلام والعيش الكريم.

الفرق بين النظامين

تنقسم أغلب الدول إلى نظامين في إدارة الحكم، فإما يكون برلمانيا أو رئاسيا، أما الأول فهو نوع من أنواع الحكومات النيابية ويقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه.

ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان، أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسؤولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية، ومسؤولية الوزراء إما أن تكون مسؤولية فردية أو جماعية بالنسبة لأعمالهم.​

يؤخذ بهذا النظام في الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه.​

وفي الحالة الثانية، أي في النظام الرئاسي، فإنه يعني حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات، فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية، وتحدد ولايته والتجديد له في الدستور، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني أو في النظام نصف الرئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير إرادته.

إلا أنه وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند إليها مشروعية اختيار رئيس الدولة، لكن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة، بل وقدرته على كسب المؤيدين في البرلمان فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره حزبيا في البرلمان والسعي إلى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.​