الأقرباء في الداخل.. رهائن السيسي للانتقام من معارضيه بالخارج

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إذا كنت مصريا معارضا تقيم في الخارج لا تظن أنك بعيد عن يد النظام المصري الباطشة، عائلتك وأقاربك وكل من له صلة بك تحت قبضة السلطة، ومعرض للترهيب والاعتقال والإخفاء القسري.

فعلى خلفية فيديوهات رجل الأعمال والفنان محمد علي، التي أحدثت ضجة في الشارع المصري مؤخرا، شنت الأجهزة الأمنية حملة شرسة وواسعة بحق أقارب نشطاء سياسيين وإعلاميين بارزين، وجهوا انتقادات حادة للسيسي وعائلته.

ومع محاولة السلطة احتواء أثر الغضب المكتوم والمظاهرات التي اندلعت في عدة محافظات مصرية، لجأت أجهزة السيسي الأمنية لتكميم أفواه الإعلام المعارض بالخارج من خلال الضغط على أقاربهم بالداخل فهل نجحت في ذلك؟

ابتزاز رخيص

الإعلامي المصري الساخر المعارض للنظام عبدالله الشريف قال في تغريدة على تويتر: "الآن في هذه اللحظة يتم تصوير والدي وغيره من أهل منطقتي وانتزاع التصريحات منهم تحت التهديد".

وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وجه الشريف اتهامات للسلطات الأمنية في مصر: "بممارسة الابتزاز والتهديد لعائلته، بهدف انتزاع تصريحات مؤيدة لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي". 

فريق عمل بصحيفة اليوم السابع المملوكة لأجهزة المخابرات والداعمة لنظام السيسي، توجه إلى محافظة الإسكندرية شمالي مصر حيث تقيم عائلة الشريف لإجراء مقابلات مع والده وأهالي المنطقة، كنوع من تشويه الصورة، والضغط عليه لوقف انتقاداته اللاذعة بحق النظام.

على قناته التي يتابعها ملايين على "يوتيوب" بدأ الشريف يبث مؤخرا، مشاهد مسربة من داخل مبنى المخابرات المصرية الجديد، والذي بني بجانب قصر السيسي في منطقة "المعمورة" بالإسكندرية، وأثار جدلا واسعا خلال الفترة السابقة بسبب كلفته ومساحته الشاسعة، ووقائع الفساد المتعلقة بزوجته وعائلته، في وقت تعاني فيه الدولة من أزمات اقتصادية وسياسية على جميع الأصعدة. 

كسر المحظورات

مهاجمة محمود السيسي (نجل الرئيس) الضابط في جهاز المخابرات العامة، من المحرمات في مصر، يمكن أن تكون الضريبة اعتقال أحد أقاربك مثلما حدث مع الناشط وائل غنيم، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأ غنيم في عمل بث حي على فيسبوك، انتقد خلاله محمود السيسي بشدة، والدور الذي يلعبه في إدارة الدولة، بعدها بساعات قليلة اعتقلت قوات الأمن شقيق وائل الأصغر طبيب الأسنان حازم غنيم.

وائل غنيم قال إن: "عناصر المخابرات لم يعتقلوا شقيقه فقط، إنما هددوا عائلته وحطموا محتويات غرفة والدته وسحبوا جوازات السفر منهم، وذلك قبل أن يوجه في تغريدة أخرى الحديث إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلا: "السيسي اختطف شقيقي بعد أن رفضت تهديدات السفارة الواقعة في جوار البيت الأبيض، أنا أعيش في كاليفورنيا، ابنتي عمرها 16 عاما، وهي تبكي لأن عمّها اختطف وأبعد عن جدتها".

غنيم سبق هجومه على محمود السيسي، قائلا: "أنا طلعت رقصت وغنيت في فيديوهات عشان أوصل رسالة إلى محمود السيسي بشكل عملي.. متبعتليش ضباطك، وأنت ابن الراجل الكبير، بحجة إني ماينفعش أكلمه.. أنا جاي أقولك إن الناس زعلانة، وإنك لازم تحترمني، عشان هقولك تعمل إيه".

وأضاف غنيم: "ضابط الاتصال في واشنطن شريف زهران، كلمني وشتمته، عشان بيقول إني بعمل فلوس من وراء الفيديوهات على (يوتيوب).. وعرض علي إني أقابل عباس بيه كامل (رئيس الاستخبارات العامة)، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة"، مستطردا: "أنا بعشق تراب مصر، وبشتمك عشان زعلان عليها، وقول لعباس بيه، وائل غنيم بيفكر يقابلك، ولو سحبت عرضك، أنت حر".

وأكد غنيم أن: "شقيقه حازم طبيب الأسنان، لا علاقة له على الإطلاق بالعمل السياسي". 

حازم شقيق الناشط المصري وائل غنيم

فقد عقله

في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بث الإعلامي هيثم أبو خليل في برنامجه" حقنا كلنا" المذاع على قناة الشرق، ما قال إنها: "أول صور صحيحة لمحمود السيسي وجميع أفراد عائلته"، داعيا الشعب إلى معرفة الوجوه التي تحكم مصر من وراء ستار.

بعدها بيومين تم اختطاف شقيقه الدكتور عمرو أبو خليل استشاري الطب النفسي، وقال هيثم أبو خليل لـ"الاستقلال": "اختطفوا شقيقي الدكتور عمرو أبو خليل، من داخل عيادته، أمام العاملين والمرضى بشكل مهين، بعدما اقتحموها عنوة، وعبثوا بمحتوياتها، وتمت مصادرة متعلقاته الشخصية". 

وأضاف أبو خليل: "شقيقي الدكتور عمرو هو رئيس قسم الطب النفسي بمستشفى المعمورة، ومدير مركز الدراسات النفسية والاجتماعية بالإسكندرية، فهو عالم متخصص في مجاله داخل مصر له الكثير من الإسهامات، ومثل مصر خارجيا ضمن فريق الدعم النفسي لضحايا النزاعات والحروب، في حرب لبنان 2006، وضحايا مخيم نهر البارد 2007، بالإضافة إلى برامجه الإرشادية في الفضائيات، وإصداراته الكتابية المتعددة، وكذلك حرصه على تقديم العلاج المجاني للمرضى الذين لا يستطيعون دفع التكاليف". 

وتابع خليل: "نحن أمام جنون حقيقي لنظام مجرم، فأخي (58 عاما) ليس له علاقة بالسياسة، واهتمامه منصب على إفادة المجتمع عبر تخصصه، ومع ذلك، تم اختطافه من قبل قوات الأمن، وإخفائه قسريا، قبل أن يظهر في سجن طره، بحالة سيئة ، ومدرج ضمن القضية رقم 1118، المتعلقة بمحاولة إعادة إحياء تنظيم الإخوان، رغم أنه لا ينتمي إلى التنظيم أبدا، وكل المقربين منه في محل العمل والسكن، وتلامذته يعلمون ذلك". 

خليل قال: "نظام السيسي المستبد، يضغط على معارضيه من خلال استهداف أقاربهم، وهذا لأننا نمارس حقنا كإعلاميين، في كشف الحقائق، ولا نملك إلا أصواتنا، وما تمليه علينا ضمائرنا، فأين ضمائرهم في معاقبة أبرياء لا ذنب لهم". 

مضيفا: "تم اقتحام منزل والدتي السيدة فادية زغلول (76 عاما)، وهي حفيدة الزعيم سعد زغلول قائد ثورة 1919، وتم كسر باب الشقة التي تسكن فيها، وسرقة جميع الأموال، والهواتف النقالة، وجوازات السفر، وبطاقات الرقم القومي، والأوراق الخاصة بها، وبشقيقي".

وأكمل: "أجهزة النظام الأمنية ذهبت أيضا إلى منزل شقيقتي الكبرى، الدكتورة ديانا أبو خليل، استشارية النساء والتوليد، وتم تفتيش منزلها، فضلا عن الذهاب إلى منزل عمرو بعد اختطافه، وسرقة بعض المتعلقات منها 2 جهاز لاب توب، وكأنهم أعلنوا الحرب على عائلتي بأكملها، فأين نحن؟ وفي أي دولة يحدث هذا الأمر!؟".

الدكتور عمرو أبو خليل، شقيق الإعلامي هيثم أبوخليل

نظام مذعور 

في مارس/ آذار الماضي، أطلق الإعلامي المصري معتز مطر، حملة "اطمن إنت مش لوحدك"، والتي استهدفت إحداث ضجيج في الشارع المصري تعبيرا عن رفض الأوضاع التي تعيشها البلاد تحت حكم السيسي. 

على إثرها داهمت قوات الأمن منزل والدته، وتم اعتقال 13 من أقاربه، وبسبب هذه الضغوط اضطر مطر لأن يطلب من عائلته التبرؤ منه في فيديوهات حقيقية. 

وأدانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، إقدام السلطات المصرية على اعتقال عائلة معتز مطر، وتعريض بعض أقاربه للاختفاء القسري. 

استهداف الأقارب والعائلات، أصبح نهجا متبعا ومستمرا من قبل أجهز الأمن المصرية

محمد ناصر، المذيع بقناة "مكملين"، قُبض على شقيقه محمد عبد العظيم، كما قُبض على "علا"، ابنة الدكتور يوسف القرضاوي، وزوجها حسام خلف، بتهمة وحيدة هي قرابتهم من الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين.

وكذلك قُبض على "إسلام" 17 عاما، شقيق الناشطة السياسية غادة نجيب، بعد إبلاغها وزوجها الفنان هشام عبد الله" رسالة مفادها أن يقلّلا نشاطهما ضد النظام المصري. 

وبينما كان المقاول محمد علي يبث مقاطعه المُقلقة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، كان والده يظهر في برنامج تلفزيوني يقدمه المذيع المقرب من السيسي والأجهزة الأمنية أحمد موسى، ليتهم ابنه بالشطط والادعاء بالباطل على قيادات وصفها بـ"الشريفة" في الدولة. 

في المقابل، كتب محمد علي منتقدا وساخرا من استضافة والده بهذه الطريقة، "حتى أبويا، الله يكون في عونك يابا، مش لاقي كلام أقوله غير يا رب يا أحمد يا موسى يكون الريس اتبسط، الحمد لله طلعت عاق الوالدين إيه تاني هيطلع عليا استر يا رب".

قطع الرقاب 

في 23 يوليو/ تموز الماضي، أثار فيديو متداول لوزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم، ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كانت تتحدث خلال لقاء مع أعضاء الجالية المصرية في كندا، حيث احتفلت برفع العلم المصري على برلمان أونتاريو بعد قرار تخصيص شهر يوليو/تموز للاحتفاء بالحضارة المصرية.

وظهرت الوزيرة في الفيديو وهي تقول: "أي أحد بالخارج يقول كلمة على بلدنا، ماذا يحدث له؟ يتقطع"، مع إشارة بقطع الرقبة.

ورغم أن الوزيرة أكدت أن كلامها "تم تحويره بشكل مغرض" متهمة "أعداء الوطن" بمحاولة تشويه صورة الدولة المصرية والتأثير سلبا على زيارتها لكندا، وقالت إن: "الدولة تتعرض لحرب شرسة من الأعداء الذين يحاولون النيل من مقدرات البلاد".

لكن كلماتها وتلميحاتها استدعت للذاكرة حادث اغتيال محمد بن سلمان ولي العهد السعودي للصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ما جعل الكثير من معارضي السيسي يخشون من تكرار الأمر معهم في الخارج.