بعد 17 عاما على إحيائها.. من ينفض الغبار عن مكتبة الإسكندرية؟
في مثل هذا اليوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2002، احتفل العالم بافتتاح مكتبة الإسكندرية التي أطلق اليونيسكو أواخر الثمانينات دعوة عالمية للمساهمة في إحيائها.
وانضمت المكتبة بعد افتتاحها إلى "اتحاد المكتبات العالمية" وهو الاتحاد الذي يضم أكبر 30 مكتبة في العالم، لتكون "نافذة للعالم على مصر، ومركزا للتعلم والتسامح ونشر قيم الحوار".
حفل افتتاح مكتبة الإسكندرية في حضور رؤساء العالم
بعد مرور 17 عاما على هذا الحدث التاريخي، حدث تراجع ملحوظ في الاهتمام الشعبي بالمكتبة وفعالياتها لاسيما في أوساط الشباب، إلى حد أن حساب المكتبة على تويتر لا يتابعه إلا المئات، في الوقت الذي يصل فيه عدد متابعي مكتبة الكونجرس على تويتر 1.2 مليون شخص.
مقطع فيديو بعنوان "فيلم قصير عن مكتبة الاسكندرية"، مدته 3 دقائق، نشرته المكتبة على يوتيوب، لم يحظ بأكثر من 581 مشاهدة على مدى 5 أيام، منها 29 إعجابا.
فإذا اعتبرنا أن مواقع التواصل الاجتماعي مرآة لاهتمامات الجماهير، حسب مقاييس العصر، فما هي أسباب تراجع الاهتمام بمعلم حضاري عالمي بحجم مكتبة الإسكندرية؟ ولماذا لم ينجح هذا الصرح فى العبور بالوطن والشباب إلى المستقبل المأمول؟
فيلم قصير عن مكتبة الإسكندرية
مشاكل تقنية
د. حسين حمودة، أستاذ الأدب بجامعة القاهرة، قال في تصريحات صحيفة: "مكتبة الإسكندرية، منذ إنشائها وحتى الآن قامت بدور ثقافي كبير ومهم، فجانب ما تقدمه للباحثين والدارسين والقراء من كتب ومخطوطات، فإنها أيضا نظمت عددا كبيرا من المؤتمرات والندوات، فتعاونت مع جهات ثقافية متعددة داخل مصر وخارجها".
مضيفا: "إلا أنه يجب على المكتبة أن تتوسع في أنشطتها وفيما تقدمه من خدمات ثقافية، مثل التخطيط لإنشاء مجموعة من الفروع الصغيرة لها في أماكن أخرى خارج الإسكندرية، كذلك يمكن إعادة تنظيم ما تتيحه من الكتب التي تحتويها على موقعها الإلكتروني".
حمودة أشار إلى بعض المشاكل التقنية بقوله: "هناك صعوبة واضحة في الحصول على هذه الكتب، بسبب بعض المشاكل التقنية في هذا الموقع، وهذا ما لاحظته في تعاملي معه، يمكن للمكتبة أن تفكر في تنظيم أنشطة ثقافية متنوعة تصل إلى أقاليم مصر كلها، ولا تنحصر في الإسكندرية أو القاهرة وحدهما".
رقابة أمنية
صحيفة إلكترونية نشرت تقريرا بعنوان "من المسؤول عن تحول مكتبة الإسكندرية إلى مخازن للكتب والخردة وليس مركز إشعاع حضاري وثقافي عالمي؟" قالت: "مثل كل الأشياء التى لا تظل على حالها، يبدو أن مكتبة الإسكندرية قد تحولت من مركز إشعاع حضاري وفكري إلى حال مشابه للمخازن ومسؤولي العهدة الذين لا يهمهم الاستفادة منها بقدر أن تكون العهدة في مكانها حتى لو تعرضت للتلف أو غمرها الغبار أو أكلتها الفئران".
التقرير ساق واقعة حدثت مع أحد الباحثين المصريين حين تقدم بمقترح لتقديم محاضرة في مكتبة الإسكندرية، وطلب الاطلاع على خريطة أعماق البحر أمام الإسكندرية، ولكن موظف الخرائط رفض إطلاعه عليها، ولم يستطع الباحث أن يرى الخرائط بعد أن اتضح أنها لم تصور بالاسكانر لتوضع على الكمبيوتر. الطريف أن المحاضرة قد رفضت هي الأخرى، لأنها تحتاج إلى خرائط أحدث ودراسة ميدانية مستحيلة الحدوث لأن نقطة البحث تجري في "منطقة عسكرية" غير مسموح للمدنيين بالوجود فيها، حسب التقرير.
التقرير أضاف: "يكفي المكتبة أن تقوم بعرض محاضرات الزمن الغابر وكل ما له علاقة بتاريخ الإسكندرية القديم، ولا مجال لرؤى المستقبل أو التخطيط الإستراتيجي أو غيرها من الأفكار والعلوم الحديثة، المجال يتسع فقط لموسم ثقافي أشبه بالأضحوكة، من عينة: "لقاء مفتوح مع وزير الثقافة" و"لقاء مع ممثل كوميدي عن دوره في المسرح"، لكن لا مجال لاستضافة باحثين حقيقيين".
وحسب التقرير: "فمكتبة الإسكندرية تسمح بعرض كل الكتب بما فيها الكتب التي تطعن في الذات الإلهية، لأن ذلك حرية إبداع، ولكنها لا تسمح بأي تجديد أو ابتكار أو تخطيط. فهي مثل أي جهة حكومية، ستجد الكثير من الغرف والأشخاص الذين ليس لهم عمل حقيقي في المكتبة فعليا، ستجد المئات من الجالسين الذين لا يقومون بشيء أكثر من السماح بدخول الزوار إلى المكتبة للاطلاع على الكتب العادية فقط، وليس صناعة المعرفة ونقلها للأجيال القادمة".
من ناحيته صرح د. مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، في مؤتمر صحفي عقد بمكتبه بعد شهر من تقلده منصبه: "إن مكتبة الإسكندرية تعاني أزمة حقيقية تتعلق بزيادة كبيرة في عدد العاملين بها مع وجود 2500 موظف، وهي ليست في حاجة إلا لـ 500 موظف فقط".
وأضاف: "المكتبة تقع تحت رقابة كافة الأجهزة الرقابية الأمنية. هناك مشكلة تخزين كبيرة في المكتبة، ولدينا 2 ونصف مليون كتاب ليس لهم مكان".
حجب المواقع
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وصفت الحظر الذي فرضته مكتبة الإسكندرية على دخول بعض مواقع المنظمات الحقوقية على شبكة الإنترنت بأنه: "قرار خاطئ ويتنافى مع الدور التنويري الذي يفترض بالمكتبة أن تقوم به".
وكان المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وأثناء إلقائه لمحاضرة ضمن الدورة التي نظمتها المؤسسة المصرية للتدريب وحقوق الإنسان في مكتبة الإسكندرية في تلك الفترة، حاول دخول موقع منظمة "هيومان رايتس ووتش" كمثال للمواقع الحقوقية المرجعية إلا أنه لم يستطع الدخول إليه.
بعض المتدربين المنتمين لعدد من مؤسسات المجتمع المدني بالإسكندرية، وبعضهم ينتمي لجمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية نفسها، أشاروا إلى أن المكتبة قد منعت الدخول لبعض المواقع الحقوقية مثل هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
وترى الشبكة العربية أن هذا القرار أيا كان مبرره يتناقض تماما مع دور مكتبة الإسكندرية، وأنه يعطي مؤشرا سلبيا على تراجع الحق في تداول المعلومات الذي حرم منه زوار المكتبة.
ماض وحاضر
أنشئت مكتبة الإسكندرية القديمة على يد خلفاء الإسكندر الأكبر منذ أكثر من 2000 عام، لتضم أكبر مجموعة من الكتب في ذلك الوقت (700 ألف مجلد) بما في ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو، كما درس بها كل من إقليدس وأرشميدس بالإضافة إلى إيراتوثيوس، أول من قام بحساب قطر الأرض. وذلك على يد بطليموس الثاني، صاحب الفضل في ازدهارها، والذي حكم مصر من 285 إلى 246 ق. م. ووضع نظام المكتبة وجلب لها العلماء ووفر لها الكتب من شتى المصادر حتى صارت نقطة الانطلاق نحو إتاحة العلم لعشاق المعرفة.
أقيمت مكتبة الإسكندرية الجديدة على مساحة 85 ألفا و405 أمتار مربعة في نفس الموقع الذي كانت تشغله المكتبة القديمة التي اندثرت عام 400 م، قبيل وصول الجيوش العربية الإسلامية بما يزيد عن قرنين من الزمان (في عام 641 م).
وبنيت المكتبة من 11 طابقا بارتفاع 22 مترا، منها 4 طوابق تحت الأرض ودور أرضي، و6 طوابق فوق الأرض، ويعد البناء إنجازا هندسيا غير مسبوق للمهندس النرويجي العالمي سوتيا، وبلغت التكلفة النهائية للمشروع حوالي 225 مليون دولار.
ويضم المبنى، المكتبة الرئيسية، مكتبة الشباب، مكتبة المكفوفين، القبة السماوية، متحف العلوم، متحف الخطوط، متحف المكتبة، المتحف الأثري، المعهد الدولي لدراسة المعلومات ISIS، مركز الإسكندرية الدولي للمؤتمرات والخدمات الملحقة به، بالإضافة إلى الفراغات متعددة الأغراض، والمعارض. وتستوعب المكتبة 8 ملايين مجلد، وتضم من الدوريات من 1500 إلى 4000 دورية.
إضافة إلى ما يتراوح بين 10 آلاف و50 ألف وسيلة بصرية وسمعية، وعدد من المخطوطات، ونحو 10 آلاف إلى 50 ألف كتاب من الكتب النادرة، وأكثر من 25 ألف مجلة إلكترونية، وحوالى 20 ألف كتاب إلكترونى و50 ألف خريطة كونية.
وتسعى مكتبة الإسكندرية الجديدة إلى استعادة روح المكتبة القديمة، فهي ليست مجرد مكتبة وإنما هي مجمع ثقافي ومركز للتميز في إنتاج ونشر المعرفة، وصرح للتفاعل بين الشعوب والحضارات.
التحرر من التبعية
حسب متابعين للشأن الثقافي في مصر والعالم العربي، فإن مكتبة الإسكندرية كمنارة للمعرفة: "يجب أن تتحرر من قيد التبعية للدولة وتنفض عن نفسها غبار البيروقراطية، وتستخدم لغة العصر من خلال مواقع التواصل فى مخاطبة الشباب، لتوفير بيئة ثقافية اجتماعية تسمح لهم بالمشاركة الإيجابية، بدلا من تنظيم مؤتمرات شبابية حكومية تلفزيونية لا ينتج عنها أية فرص حقيقية لهم".
ويطالب مراقبون بأن تحقق مكتبة الإسكندرية، حضورا قويا وفاعلا في الفضاء الإلكترونى وتوفر كافة الإمكانات التكنولوجية الحديثة التى تساعد على الانفتاح على العالم وإثراء ثقافة النقاش الحر والاهتمام بقضايا الشباب وتكريس المشاركة المجتمعية لجميع الفئات، فذلك هو السبيل الوحيد لإعادة الإحياء.