مجلة فرنسية: هذا مصير مبادرة الشباب المعتقلين في سجون مصر
سلّطت مجلة "لوبوان" الفرنسية الضوء على الدعوات المنتشرة، التي تتحدث عن مبادرات نُسبت إلى معتقلين سياسيين في مصر، للتفاوض مع نظام عبدالفتاح السيسي على إطلاق سراح السجناء، مشيرة إلى أنَّه رغم تضاعف هذه الدعوات خلال الفترة الأخيرة، فإنَّ قادة جماعة الإخوان المسلمين ليسوا مستعدين.
وقالت المجلة، في تقرير لها أعدَّه مراسلها بالقاهرة أريان لافريلوكس، إنَّه في منتصف شهر أغسطس/آب المنصرم وعلى الشبكات الاجتماعية، ظهرت إحدى الدعوات للمرة الأولى، وكانت تتضمن التماساً لـِ1350 معتقلا مصرياً شاباً، حُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 5 و15 عاماً، بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين (التي أصبحت محظورة بعد استيلاء الجيش على السلطة في يوليو/ تموز 2013)، يطلبون من قادة الجماعة فتح مفاوضات مع السلطات المصرية.
وأضاف التقرير: يقول هؤلاء الشباب، المعتقلون في ظروف احتجاز قاسية، إنهم فقدوا الأمل في أي تغيير سياسي واتهموا الزعماء في الخارج بـِ"فقدان الإحساس بالمنطق وانتظار ثورة المصريين"، وفي 19 أغسطس/آب المنصرم، حدَّدت عائلات المحكومين في نصٍّ جديد تمَّت مشاركته على موقع "فيسبوك"، بأنَّ أقاربهم ملتزمون بوقف كل المشاركات السياسية والنقابية بمجرد إطلاق سراحهم.
وأوضح: وفقاً لهذه "المبادرة المستقلة للإفراج عن المحتجزين" فإنَّ ما لا يقل عن ألف سجين على استعداد لدفع 5 آلاف دولار لمؤسسة تحيا مصر، التي أنشأها رئيس النظام عبدالفتاح السيسي. وفي مواجهة عدم وجود ردِّ فعل رسمي من جانب الحكومة، يتمُّ نشر رسالة جديدة في 3 سبتمبر/أيلول الجاري، تحث هذه المرة شيخ الأزهر على تشكيل لجنة وساطة بين الدولة والسجناء الشباب.
الرفض العنيف
وأكَّدت المجلة، أنَّه حتى الآن، ترفض الدولة المصرية وقادة الإخوان المسلمين المتناثرين بين السجون المصرية وتركيا والمملكة المتحدة مناقشة أي مصالحة. فمثل هذه المفاوضات ستشمل انعكاساً مفاجئاً للنظام الحالي، الذي وضع حملة القمع ضد الإخوان المسلمين في قلب أجندته لـِ"الحرب على الإرهاب" وخطابه الإعلامي، لكن ردود الفعل الأكثر عنفاً على دعوة الأسرى جاءت من قادة الإخوان أنفسهم.
وبيَّنت، أنَّه على قناة "الجزيرة"، اتهم نائب المرشد العام إبراهيم منير، الذي يتخذ من لندن مقراً له، أجهزة الأمن المصرية بأنها وراء هذه المبادرة التي تهدف إلى "تبييض صورة النظام".
وتابعت المجلة: "لكن عدم ثقة الزعيم الإسلامي ليست دون أساس". ويقول الباحث عبدالرحمن عياش: "على مدار السنوات الخمس الماضية، كان النظام يتواصل مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من خلال ضباط جهاز الأمن القومي للاعتراف بشرعية النظام الحالي والتخلي عن الجماعة".
وأشار إلى أنَّه في عام 2018، تمكَّن أحد ضباط جهاز الأمن الوطني في سجن طرة، من إقناع المعتقَلين بكتابة عريضة موجهة إلى السيسي لطلب العفو وترك جماعة الإخوان مقابل تحسين ظروف السجن، كما أنَّه في أبريل/نيسان الماضي، كان هناك رسالة موقعة من السجناء الصغار يعلنون فيها عن رغبتهم في "مراجعة فكرية وتصحيح مفاهيمهم الخاطئة" وتحمل علامة الأجهزة الأمنية للنظام.
ونقلت عن عبدالرحمن عياش، الذي تحدث مع العديد من الإخوان الذين شاركوا في إعداد الرسالة الأخيرة سراً "كل المبادرات السابقة جاءت بمساعدة من مسؤولي النظام. لكن ليس هو الحال في مقترح العفو الأخير الذي ظهر في أغسطس/ آب الماضي، إنَّه أكثر سياسية وليس له أي صلة بأجهزة الأمن المصرية".
وفاة 50 معتقلا
ورأت "لوبوان" أنَّه في ظل وجود أكثر من مؤامرة حاكها النظام العسكري ضد "الإخوان"، فإنَّ نداءات هؤلاء الشباب اليائسين توضح في الواقع الانقسامات العميقة داخل الجماعة المعتمة. فإذا كان القادة لا يزالون يرفض الإعلان عن مناقشاتهم الداخلية، فإنَّ قاعدته تدعو إلى المزيد من الحوار المفتوح وتغيير الإستراتيجية في مواجهة القمع الوحشي ضد المؤيدين.
ويقول للمجلة أحمد رضوان، اللاجئ في أوروبا ومنسق مبادرة الأسرى الأخيرة المنشورة على الشبكات الاجتماعية: قادة جماعة الإخوان المسلمين في المنفى يخدعون أنفسهم بأوهامهم وفشلهم البائس. ماذا يفعلون لأولئك الذين يعانون ويموتون في السجن من أجل لا شيء؟ ما هي خطتهم؟ ليس لدينا إجابة. إنهم ينتظرون حدوث معجزة لأنهم يعتقدون أنهم قديسون ويعتقدون أنَّ القدر سيتدخل وهم في ثباتهم".
وزادت: هذا الصحفي السابق في "شبكة أخبار يقين"، المحظورة من قبل السلطات بتهمة صلاتها بجماعة الإخوان المسلمين، يريد أن يعتقد أنَّ "النظام سيستجيب لهذا النداء الإنساني".
ونوهت المجلة إلى أنَّ الشاب يعمل هناك مُنذ عدة أسابيع ويدَّعي أنه تلقى "دعم أعضاء حزب الحرية والعدالة (الذي كان يتبع له الرئيس الراحل محمد مرسي)، مفضلاً اتفاقاً غير عادل بدلاً من انتصار دموي"، حيث في السجن، يستمر الوضع في التدهور، فخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019 ، مات 50 سجيناً على الأقل نتيجة للإهمال الطبي أو التعذيب أو الانتحار، وفقاً لـِ"لجنة العدل والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي".
واعترف يحيى حامد، وزير الاستثمار السابق في عهد محمد مرسي، للمجلة من إسطنبول بأنَّه: "لا يستطيع إلقاء اللوم على أي سجين يوقع على ما يريد للإفراج عنه، لكن تصرفه لن يعطي أي شرعية للنظام الذي يتم إعداد ربيع عربي جديد ضده".
ونقلت المجلة عن عمر سعيد، الصحفي المتخصص في الإسلام السياسي، تحذيره من أنَّه من دون دعم حقيقي وإعلان قادة رفيعي المستوى من جماعة الإخوان المسلمين فإنَّ مبادرة السجناء مهددة بالاختفاء: لم يتم استيفاء الشروط للسماح بمصالحة مماثلة لتلك التي تمت في التسعينيات بين نظام مبارك والجماعة الإسلامية. إذ منحت المحادثات، التي أشرف عليها أمن الدولة لمدة عامين، الضوء الأخضر من قادة الجماعة المسجونين آنذاك". وقد أدى نبذهم للعنف إلى إطلاق سراح معظم أعضائها.
اتحاد افتراضي مع اليسار
وبحسب المجلة، فبعد ثلاثين عاماً، لا يتمثل التحدي في إجبار جماعة الإخوان المسلمين على نبذ العنف، فإنَّ الجماعة التي خرجت من الساحة السياسية المصرية وتم القضاء عليها، ليس لديهم الوسائل ولا الطموح لتنفيذ الهجمات. ولكن في هذه الحالة، فإنَّ الجدال الحالي مع الدولة المصرية، في رأيها، هو إعلان شرعية النظام العسكري الحالي، وهو أمر لا يمكن تصوره بالنسبة للزعماء الحاليين، سواء كانوا لاجئين في لندن أو إسطنبول، وتحت ضغوط النقد والاتهام بالجمود، تحاول جماعة الإخوان مع ذلك إظهار علامات انفتاح.
وأشارت إلى أنَّه في 29 يونيو/حزيران، عشية الاحتجاجات الوحشية ضد رئاسة مرسي في عام 2013، أعلن الموقع الرسمي للمنظمة عن اعتماد إستراتيجية جديدة: الاتحاد مع حركات المعارضة العلمانية واليسارية.
وأكدت المجلة أنَّه مثل "حلفائها والمنافسين"، تدرك الجماعة أنها "ارتكبت أخطاء، أثناء الثورة وخلال وصولها للسلطة"، ويشير الوزير السابق يحيى حامد إلى "عدم الفصل بين السياسة والدين، والشراكة مع جماعات سيئة مثل حزب النور السلفي وفقدان روح الوحدة التي جمعت المصريون جميعاً في ميدان التحرير".
ولفتت إلى أنَّ هذه البداية المتأخرة للنقد الذاتي أثارت غضباً أكبر من متلقيها وقال خالد داود، المتحدث باسم الحزب اليساري "الدستور": على عكس الأحزاب العلمانية والمؤيدة للديمقراطية الأخرى، كان الإخوان المسلمين في السلطة. لقد أرادوا احتكارها لخدمة مصالح جماعتهم، بدلا من احترام المبادئ الديمقراطية".
وأضاف زعيم الحزب الذي أنشأه محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام، بعد ثورة 2011، قائلاً: "لسنا ساذجين بما فيه الكفاية لنسيان الماضي، أولوياتنا مختلفة وليس لدينا ما نبنيه معاً".
وخلصت المجلة الفرنسية إلى أنَّه في الوقت الذي يرغب فيه القادة الأمريكيون والأوروبيون في إدراج جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية، فإنَّ هذه المحاولة غير المحتملة للتقارب مع اليسار يمكن أن تخدم غرضاً أوسع، وذلك من خلال إعطاء تعهدات بسلوك ديمقراطي جيد للغرب، بدلاً من معارضة مصرية ضعيفة، وعدائية بشكل علني.