تحْكم السيسي.. كيف تتلاعب أبوظبي بملف المعتقلين في مصر؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

جدل مستمر داخل أروقة الحياة السياسية المصرية، حول المبادرة التي حملتها رسائل مجموعة من الشباب المعتقلين، تم تسريبها من داخل السجون وحملوها إلى قادة جماعة الإخوان المسلمين.

رسالة المعتقلين تزامنت مع حملة تبنتها وسائل إعلام ومواقع إلكترونية تابعة لدولة الإمارات، تتضمن هجوما حادا على جماعة الإخوان، والمعتقلين في مصر، ناعتة إياهم بـ"الإرهاب"، ومطالبة بعدم التجاوز عنهم تحت أي ظرف، كما أورد ذلك موقع "24" الإماراتي.

موقف أبوظبي من المعتقلين في مصر يأتي متسقا مع حرب إقليمية شرسة تخوضها الإمارات لوقف قطار ثورات الربيع العربي، وتقويض جماعة الإخوان المسلمين، والإمساك بزمام الحالة السياسية برمتها في الشرق الأوسط المضطرب.

رسالة جدلية

في 20 أغسطس/ آب 2019، تسربت لوسائل الإعلام رسالة من داخل سجن طرة (معتقل سياسي وسجن جنائي يقع جنوب القاهرة) موجهة إلى قيادات الجماعة، تكشف عن حجم المعاناة التي يعيشها المعتقلون داخل السجون.

الرسالة طالبت قادة الجماعة داخل وخارج السجون بأن يتحركوا بكل ما أوتوا من قوة لحل أزمتهم مع العسكر ونظام السيسي، وألا يترددوا في أخذ خطوة للوراء تحفظ لهم ما تبقى من بقايا جماعة، وتحفظ عليهم القليل مما تبقى من شبابهم.

ورد في الرسالة: "إننا نقر نحن الشباب بأن السجن أصبح أكبر مؤثر على أفكارنا وتوجهاتنا، وليست الشواهد عنكم ببعيد، فمن الشباب من دخل السجن دون أي فكر أو توجه وكوّن فكره وتوجهه داخل السجن، ومنهم من كان صاحب فكر وتوجه وأفقده السجن فكره ومنحه فكرا آخر، لكن أكثر تلك الأوجه انتشارا هم هؤلاء من دخلوا السجن يحملون فكر الإخوان وانتزعه منهم السجن انتزاعا، ومنحهم فكرا آخر أو تركه دون أي أفكار، فتصبح جماعة الإخوان أكثر المتضررين بطول الأزمة وطول أمدها".

ووجّه المعتقلون لقيادات الإخوان: "إننا نرفض كل ما يرفع إليكم من تصوير للأوضاع داخل السجون من ثبات وصمود وعلو همة عن طريق القيادات الصغيرة المنتشرة داخل السجون، والله لهي أبعد ما يكون عن الصورة الحقيقية، وهم يعلمون جيدا أن الوضع خلاف ما يقولون، بل إن الكثير من تلك القيادات تمسي تلعن السجن والقهر الذي صرنا فيه وتصبح تغرد بكلمات الثبات والصمود عكس ما تضمر بداخلها".

وذكرت الرسالة، أن "فرحة أسر وأهالي وجيران وأصدقاء المعتقلين -وهم كثر- بعودتهم وخروجهم ستنسي الجميع وتهدئ غضبهم، ولئن يذكر التاريخ أنكم أخذتم خطوة للوراء حفظتم بها أفرادكم وصفكم، خير من أن يذكركم التاريخ أنكم تماديتم في عناد ضد العسكر والنظام لا رؤية ولا خطة تدعمه وتوصله لبر يرسو عليه، فهلكتم وهلك من معكم".

أحد المعتقلين السابقين خرج منذ أيام قليلة بعد 3 سنوات من الحبس في قضية تظاهر، تواصل مع "الاستقلال" رافضا ذكر اسمه لظروف أمنية، أكد أن "الرسالة الأولى طرحت من سجن ملحق المزرعة، وهناك العديد من المعتقلين الذين يتبنون هذا الطرح وهذه المبادرة". 

وأردف: "إن الأمر بين يدي النظام، خاصة وأن شريحة المعتقلين لا تضم الإخوان فقط، بل تضم العديد من الاتجاهات الدينية والسياسية، فغير معتقلي التيار الإسلامي، هناك أيدولوجيات مختلفة رافضة للانقلاب، وهناك من كانوا معارضين للإخوان، وزج بهم في السجون على خلفيات أخرى، مثل أولئك الذين رفضوا اتفاقية تيران وصنافير، وشاركوا في مظاهرات جمعة الأرض، وتم اعتقالهم والحكم عليهم".

شرائح أوسع

رغم أن الرسالة المسربة، جعلت وسائل الإعلام تتنازع الحالة، وكأنه خلاف أحادي بين جماعة الإخوان، والنظام القائم بقيادة عبد الفتاح السيسي، لكن لا يمكن إغفال طيف واسع من المعارضين السياسيين القابعين خلف جدران السجون، ولا ينتمون إلى جماعة الإخوان، بل هم خارج تيارات الإسلام السياسي من الأساس.

ومع صعود عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في يونيو/ آيار 2014، وضع إستراتيجية محكمة لتجفيف منابع العمل السياسي، فالنظام الجديد يكره السياسة والتنظيم وحرية الرأي والتعبير ولا يؤمن إلا بوجود رأي واحد فقط، وهذا ما ظهر في الاستحقاقات المتعاقبة بدءا من انتخابات مجلس النواب والانتخابات الرئاسية الأولى والثانية.

وفي إطار التوجه الجديد، والحرب الضروس ضد جماعة الإخوان والتيار الإسلامي، وجّه السيسي ضربات أخرى للتيار المدني، وأقام له العديد من المحاكمات، والقضايا، كان آخرها القضية التي عرفت بـ "خطة الأمل"، التي شكك النظام في وجود علاقة بين النشطاء، وبين جماعة الإخوان.

وفي مايو/أيار 2018، حرّكت محكمة أمن الدولة العليا القضية 621 لسنة 2018، وعلى أثرها تم القبض على الناشط السياسي "شادي الغزالي حرب"، بالإضافة إلى اعتقال المدوّن والصحفي "محمد رضوان" صاحب مدونة "أكسجين" الشهيرة لدى قطاع من النشطاء والمدونين.

لم يقتصر الأمر على هؤلاء فانضم إليهم المتحدث الرسمي السابق باسم حركة شباب 6 أبريل "شريف الروبي"، بالإضافة إلى الناشطة السياسية أمل فتحي، والمعد الساخر لبرنامج (أبلة فاهيتا) شادي أبو زيد.

وكذلك الحقوقيين سيد البنا وأحمد أبو علم، وطبيب الأسنان وليد شوقي، وتم إخفاؤهم قسريا، حتى ظهروا في نيابة أمن الدولة بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة.

القضية 621 اعتبرها البعض محاكمة طائفة محددة من ثوار يناير من توجهات ليست إسلامية، ولكنها معارضة لنظام السيسي.

وفي مايو/أيار 2018، جاءت القضية رقم 441 حصر أمن دولة عليا، حيث وجد أكثر من 9 صحفيين وحقوقيين، أنفسهم مجتمعين في قضية واحدة بتهم تتباين بين (الانتماء إلى جماعة محظورة، وإشاعة أخبار كاذبة تستهدف تكدير السلم العام)، رغم أنهم ينتمون إلى توجهات فكرية وسياسية مختلفة.

تنفيس الغضب

قيادي بجماعة الإخوان فضل عدم ذكر اسمه قال لـ "الاستقلال": إن "النظام المصري يلعب على إستراتيجية صرف الغضب عن جرائمه وتنفيسه نحو الجماعة فيما بينها، لأن السيسي لو كان يريد التفاوض والمبادرة من البداية، لسعى إليها قبل إراقة هذا الكم من الدماء".

وأكد القيادي أن "النظام المصري اعتقل معظم الصفوف الأولى من الجماعة داخل السجن، بداية من رئيس الجمهورية محمد مرسي رحمه الله، ثم المرشد العام محمد بديع، ونائب المرشد خيرت الشاطر، ولم يسع إلى التفاوض معهم، أو إجراء بادرة مصالحة أو اتفاق للتفريج عن المعتقلين، ولم يطرح أي شاكلة لحلحة الأوضاع المأساوية لعشرات الآلاف من المواطنين داخل السجون".

وأردف: "شعارات الصمود والثبات، ليست حكرا على الإخوان، أو بديلا لمحاولتنا طرح حل للأزمة، ولكنها حالة وطنية طبيعية لأمة قررت الصمود ضد انقلاب عسكري غاشم، ورغم أن النظام نكل بجماعة الإخوان، لكن هناك أعدادا كبيرة من الجماعة في الخارج، ولازال لها حضورها الشعبي، وتمتلك قاعدة مؤيدين ليست بالقليلة".

واختتم حديثه: "هناك العديد من الأسباب التي لا تجعل النظام يريد المصالحة، ولعل قرار المصالحة أكبر من إرادة السيسي نفسه، فهناك قوى إقليمية، على رأسها الإمارات لا تريد للنظام إجراء مواءمات مع جماعة الإخوان، في إطار عزمها على ضرب مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، وهزيمة روافد ثورات الربيع العربي، فالسيسي هنا ليس سيد قراره في إنفاذ الأمر من عدمه".

دفع الدية

في 21 أغسطس/ آب 2019، نشر موقع "24" الإلكتروني المحسوب على دولة الإمارات العربية المتحدة، تقريرا، يتناول ما يعرف إعلاميا بمبادرة "الدية"، حيث روّج للتصالح مع النظام المصري، والحصول على العفو الرئاسي، والتغاضي عن الأحكام القضائية، مقابل دفع "الدية"، تحت مسمى "تبرع" أو "دعم"، لصندوق تحيا مصر.

الموقع الإماراتي زعم أن الجماعة "تمر بتفكك تنظيمي فعلي داخل السجون، وأن قيادات الإخوان، تأكدت أنه ليس لديها ثقل أوقدرة للتأثير على النظام المصري الحالي، أو الدخول معه في مفاوضات نهائيا".

مضيفا "قيادات الإخوان أدركت أن أي حل للأزمة الحالية سيكون فرديا وليس تنظيميا، وأن يكون بعيدا عن الهرم القيادي والتنظيمي، وهو ما أكدته بنود (مبادرة الدية)، التي شددت على أنه طرح فردي".

وواصل الموقع زعمه بالقول: "شباب الإخوان فقدوا الثقة في القيادات، في ظل انتشار تمرد تنظيمي كشفته الوثائق الأخيرة المتبادلة بين الشباب والقيادات، التي طالبتهم بالتراجع لإتاحة فرصة التفاوض مع النظام".

الموقع اعتبر المبادرات المطروحة وفي مقدمتها (مبادرة الدية) "نوع من الانتهازية والمقايضة السياسية،  للخروج من السجون، دون دفع ثمن الجرائم، والعنف الإخواني، ولم يطرحوا أو يقدموا أي مراجعات فكرية تنتقد فكرة وأدبيات الجماعة على مدار تاريخها، ما يعني أنها مجرد تقية سياسية".

وتستمر الإمارات في دعمها لنظام انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، بقيادة عبد الفتاح السيسي، لا سيما أنها دعمت المذبحة الدموية التي ارتكبت بحق المعتصمين السلميين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، يوم 14 أغسطس/ آب 2013.

وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا قالت فيه: إنها "تتفهم الإجراءات السيادية التي اتخذتها الحكومة المصرية. ما يدعو للأسف، أن جماعات التطرف السياسي أصرت على خطاب العنف والتحريض وعلى تعطيل المصالح العامة وتقويض الاقتصاد المصري مما أدى إلى الأحداث المؤسفة اليوم". 

وشهد يوم 25 يوليو/ تموز 2013، وصول الفريق الركن حمد محمد الرميثي، رئيس أركان القوات المسلحة بدولة الإمارات إلى القاهرة، في زيارة استغرقت عدة ساعات التقى خلالها عددا من المسؤولين، وقالت مصادر دبلوماسية بمطار القاهرة الدولي: "الفريق الرميثي رافقه وفد يضم عددا من المسؤولين الأمنيين بالإمارات".

وهو ما دعى بعض التقارير، والمصادر إلى الربط بين هذه الزيارة، وفض الاعتصام الذي باركته الإمارات. 

أدلة مسربة أكدت تورط "أبوظبي" في إنشاء حركة تمرد والإنفاق عليها، فبعد عامين من الانقلاب العسكري ظهر دور الإمارات في تمويل المخابرات الحربية التي كان يقودها عبد الفتاح السيسي.

برز أيضا دور رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من خلال الزيارات السرية، لعبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع آنذاك) ومحمود حجازي (مدير المخابرات الحربية) وصدقي صبحي (رئيس الأركان)".

وأظهرت تسريبات قناة مكملين في 1 مارس/ آذار 2015، حجم الدعم الذي قدمته الإمارات للسيسي ليُتم انقلابه، وقد تضمن التسريب مكالمة هاتفية بين مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل وسلطان الجابر وزير الدولة في الإمارات، يتحدث فيه عباس عن صعوبة التصرف في وديعة إماراتية للجيش المصري لأنها حوّلت كوديعة للبنك المركزي من بنك أبو ظبي، بينما هي تمويلات مقدمة لمشاريع الجيش، ويطالب عباس كامل المسؤول الإماراتي بالتصرف لتسهيل صرفها.

صمود رغم القمع

في 18 مارس/ آذار 2019، نشرت "باربرا زولنر" المحاضرة حول سياسات الشرق الأوسط في دائرة السياسات في كليّة "بيركبيك" بلندن، تقريرها في مركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، بعنوان "البقاء على رغم القمع: كيف استطاعت جماعة الإخوان المسلمين المصرية الصمود والاستمرار؟".

وقالت زولنر حول آليات بقاء الإخوان رغم الضربات الأمنية المشددة: "تكمن قدرة جماعة الإخوان على الحفاظ على البقاء طيلة آماد مديدة من القمع في طبيعة سمات وخصائص هيكليتها التنظيمية. كما أنها تنبع من توكيد رؤية اجتماعية وسياسية متّسقة. في أيام البلاء، تعزف هذه الرؤية على وتر الفكرة المتعلّقة بالنضال الديني المتواصل، والتي تشدّد على التحمّل الشخصي والجماعي للمؤمنين الخُلّص، في خضم صراعهم مع النظام. وهذا يعزّز عُروة الجماعة واستعداد أعضائها لمواصلة العمل".

وأردفت الباحثة الإنجليزية: "هكذا، تمكّنت الجماعة من تحمّل القمع على يد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر خلال حقبة الخمسينيات والستينيات التي تميّزت بالاعتقالات الجماعية وعمليات التعذيب التي تُشبه بشكل مدهش مايحدث الآن. كما أنها صبرت على 3 عقود من عداء نظامي أنور السادات وحسني مبارك لها".

خبرات ثمينة

مؤكدة: "طيلة كل هذه المراحل، راكمت الجماعة خبرات ثمينة استخدمتها في مواصلة معارضة رئاسة السيسي، من خلال الفضائيات، والمواقع الإلكترونية، ودعم السجناء وعائلاتهم. كانت مثل هذه النشاطات مُمكنة لأن خطوط الاتصالات والخطوط الإدارية داخل الإخوان بقيت سليمة، الأمر الذي سلّط الضوء على حقيقة أنه لا يمكن وقف هذا التنظيم عبر جدران السجون والمنافي". 

وأكدت باربرا زولنر، أنه "ربما كان أهم سبب لبقاء جماعة الإخوان طويلاً، هو الحقيقة بأن القياديين من ذوي الرتب العالية يمكنهم أن يعملوا بشكل مستقل لأنهم لُقّنوا إيديولوجيا التنظيم، وأهدافه، ودعوته، فضلاً عن البيعة، وهي إعلان الولاء والطاعة للمرشد العام بصفته رأس الجماعة.

مضيفة: "بيد أن تفاني الأعضاء كثيفي التدريب للمثل العليا التي وضعها مؤسس الجماعة حسن البنا، هو الذي يضمن على وجه الخصوص وجود قواعد تتميّز بالولاء والوفاء، ولاتعتمد في الوقت نفسه على التوجيه من فوق إلى تحت إبان الأزمات. وهنا، ساهم برنامج الدراسة والامتحان، الذي خدم لدراسة كفاءة الأعضاء في مفاصل الجهاز التنظيمي، في تشبيك أعضاء القاعدة مع بقية هيئات التنظيم".

ثم عقبت: "لاتُعتبر نشاطات الدعوة والدراسة أولوية لجماعة الإخوان اليوم، بسبب القيود والمخاطر التي تفرضها مضايقات النظام. بيد أن برنامج الدراسة والامتحان يواصل توفير الفوائد، لأنه ينتج أعضاء مخلصين وذوي كفاءة. وهكذا، يستطيع الجسم الأساسي في التنظيم أن يواصل العمل لفترة طويلة من دون تعليمات يومية وتوجيهات إدارية أو أوامر إستراتيجية. والضامن الرئيس لبقاء الجماعة المديد، هم الأعضاء المُلتزمون القادرون على مواصلة العمل في أحلك الظروف وأصعبها".

وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول، نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى دراسة تشير إلى أن 33 في المائة من المصريين المسلمين لا يزالون يعربون عن رأي "إيجابي نوعًا ما" حيال "الإخوان المسلمين" (بمن فيهم 6 في المائة لديهم "رأي إيجابي جدًّا" حيالها) وتبقى هذه هي الحال حتى رغم حظر الجماعة باعتبارها منظمة "إرهابية" وبعد أن خضعت للذم المستمرّ من وسائل الإعلام خلال السنوات الخمس الماضية. ولم تتغير النسبة تقريبًا منذ الاستطلاعين السابقين في 2015 و2017.