خلافا لباباجان.. أسباب تمنع داود أوغلو من ترك "العدالة والتنمية"
يختلف المشهد كثيرا حين أسس الرئيس رجب طيب أردوغان حزبه "العدالة والتنمية" في أغسطس/ آب عام 2001، وبين المشهد اليوم، والحديث الذي لا يتوقف عن وجود حزب سياسي قادم وبقوة إلى الساحة في تركيا، حسبما جاء في مقال للكاتب التركي إيرم شانتورك.
ورأى الكاتب شانتورك في مقاله الذي نشرته صحيفة "ديرليش بوستاسي"، أن الحديث عن تأسيس حزب جديد في تركيا، لا قيمة له، مبينا أن الكثير من الأسباب التي تفند بالفعل أن ما يتم إنشاؤه لا يمكن أن يكون حزبا جديدا، لا من ناحية الأشخاص والأسماء المتداولة ولا من ناحية الفكرة.
تجربة أردوغان
وأشار إلى أن انشقاق أردوغان وتأسيسه لحزب "العدالة والتنمية" لا يشبه بأي حال من الأحوال استقالة علي باباجان القيادي السابق من "العدالة والتنمية" ونيته مع آخرين تأسيس حزب جديد، لافتا إلى أن البعض وصف أردوغان حين انشق عن حزب "السعادة" بأنه خائن.
ونوّه إلى أن هذه التحليلات باتت لا قيمة لها وذلك لثلاثة أسباب: الأول، عندما كان الرئيس أردوغان يؤسس حزب "العدالة والتنمية"، لم ينشق عن حزب "الرفاه" بل كان ذلك عن حزب "الفضيلة".
أما السبب الثاني بحسب الكاتب، فإنه عندما انشق عن حزب "الفضيلة" كان ذلك اضطراريا إذ كان من المستحيل على الحزب أن يمارس السياسة، لأنه كان سيتم إغلاقه وفي الواقع، لقد تم إغلاقه.
و"الفضيلة" حزب سياسي تأسس في "ديسمبر/ كانون الثاني" 1998 وتم حظره في 2001 بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا في أنقرة حكما يوم 22 يونيو/حزيران 2001 يقضي بإغلاق الحزب وحظر نشاطه بعد اتهامه بانتهاك الدستور ليصبح رابع حزب له توجه إسلامي يحظر نشاطه خلال الثلاثين عاما الماضية بعد حظر أحزاب "النظام الوطني" و "الرفاه" التي كان يتزعمها جميعا نجم الدين أربكان.
وثالثا، يضيف الكاتب: لقد أسس أردوغان طريقة جديدة للسير إلى السلطة، ولم يسع أو يركض يمينا ويسارا لإخراج أربكان من السلطة؛ كما هو الحال مع آخرين، في إشارة إلى علي باباجان.
ماذا عن باباجان؟
وبخصوص من يقول إن داود أوغلو وعلي باباجان يسعيان لتأسيس حزب جديد، فبحسب الكاتب فإنه كلام أيضا لا قيمة له، وذلك للأسباب التالية: الأول، أن الأسماء التي تتردد في الأوساط ونيتهم في تشكيل حزب جديد، ليست متآلفة مع بعضها البعض، ولا يمكن لداود أوغلو أن يتعاون معها، ولا يمكن لهم أيضا أن يعملوا مع داود أوغلو.
وذكر الكاتب من هذه الأسماء كلا من "نيهات إيرجون، بشير اتالاي، عبد الله غل، وعلي باباجان". فلداود أوغلو بحسب الكاتب هدف بعيد تماما عن أهداف الأسماء المذكورة وهو بصريح العبارة "إزاحة أردوغان من حزب العدالة والتنمية وترأس الحزب عوضا عنه".
وكانت وسائل إعلام تركية، ذكرت أن هناك توقعات باستقالات جديدة في الفترة المقبلة داخل حزب "العدالة والتنمية" بعد استقالة أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية والوزير السابق علي باباجان.
وبحسب الكاتب، فإن من بين الأسماء المتوقعة، وزير العدل الأسبق سعد الله إرجين، نائب رئيس الوزراء بشير أتلاي، وزير المالية السابق محمد شيمشك، والمسؤول السابق بالشؤون الدينية، محمد أيدين، ووزير الصناعة والتكنولوجيا الأسبق، نيهات إيرجون.
أما السبب الثاني، وفقا لما يراه الكاتب، فإنه لا يمكن لكل من داود أوغلو مع علي باباجان أن يؤسسا حزبا معا، مضيفا، إنه ووفقا للخطة التي أعدت عام 2015، كان أردوغان سيتولى منصب الرئيس الفخري؛ وسيكون داود أوغلو رئيسا للوزراء وسيكون هاكان فيدان وزيرا للخارجية؛ وكان يمكن أن يشكل هذا الفريق طريقا لخلاص تركيا، غير أن هذه الخطة لم يكن لعبد الله غل مكان فيها؛ ومع أن الخطة لم تعد صالحة، لاسيما وأن الظروف تغيرت، ظل موقف داود أوغلو ثابتا كما تقدم وهو، زعامة العدالة والتنمية والإطاحة بأردوغان.
والسبب الثالث الذي يسوقه الكاتب، هو أن داود أوغلو لا يمكن له أن يترك "العدالة والتنمية"، فجماعة داود أوغلو مختلفة عن جماعة غل وباباجان، فجماعة الأول يرون في أردوغان منافسا لهم، ولصاحبهم، عكس أنصار غل وباباجان، فهم لا يرون أردوغان كذلك، بل ينظرون له بروح تكرهه.
السياسية كمرض السكري
وعلى صعيد الحديث عن أن باباجان وعبدالله غل سينشآن حزبا معا، فهو بحسب الكاتب، أيضا تحليل لا قيمة له، وذلك لسببين رئيسين، الأول، أن من سينشئ الحزب هو علي باباجان، وعبدالله غل سوف يقف بعيدا قدر الإمكان؛ كما أن غل بات رجلا كبيرا في السن، كما أن بعض المشاكل الصحية الملازمة له، قد تعيقه من أن يكون نشطا سياسيا؛ وبالكاد يمكن أن يكون لغل منصب الرئيس الفخري أو المستشار ولا شيء أكثر من ذلك.
ولفت الكاتب إلى أن السبب الثاني، هو أن عبدالله غل، حاول بكل الوسائل أن يترشح لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي انعقدت عام 2018 بعد الاستفتاء الذي حول نظام تركيا إلى رئاسي بعد أن كان برلماني. يومها ذكر غل، أنه كان يمكن أن يكون مرشح القمة لو اتفقت كل الأحزاب المعارضة عليه، وهذا لم يحصل؛ فلا يمكن لأي حزب أن يطلب من أي شخص التصويت لصالح حزب آخر؛ ولذلك يعود الكاتب مرة أخرى ويؤكد، يجب أن يبقى غل في المنصب "الرمزي" الذي ظهر به حتى الآن.
وطرح الكاتب تساؤلا في مقاله: هل يمكن أن تكسب الأحزاب أصواتا من عداوتهم لوزير الخزانة براءت ألبيرق؟
وأجاب قائلا: لا تجلب عداوة ألبيرق للأحزاب الأخرى أي أصوات، لكنها في ذات الوقت، تسرّع من عملية تشكيل وإنشاء أحزاب جديدة، فكما هو معروف ممارسة "العدالة والتنمية" للسياسة والحكم لسنوات طويلة، جعلت الآلاف من السياسيين بانتظار فرصة جديدة للانخراط بالعمل بعيدا عن الحزب؛ فالسياسية كمرض السكري لا يمكن الشفاء منه، لكن يمكنك التعايش معه؛ وبالتالي، هناك الكثير من مرضى السكري في البلاد، يتسولون السياسة كالذي يبحث عن الإنسولين.
وشدد الكاتب في ختام مقاله على أن "الجميع تقريبا، لديهم كراهية براءت ألبيرق فاذا حوّل التشكيل أو الحزب السياسي الجديد هذا العداء إلى حافز، فسيتم إنشاؤه بسرعة؛ ولعل ذلك يدفع بنا لخوض نقاش آخر عنوانه النهاية المأساوية للكثير من الخبراء في دهاليز أحزاب جديدة".