بعد الحكم بإعدام 30 يمنيا.. هل تتعثر مفاوضات تبادل الأسرى؟

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

اعتاد الحوثيون، حسب مراقبين، بين الفينة والأخرى أن يلقوا بحجر عثرة أمام الجهود الأممية لحلحلة الموقف المتأزم في حرب اليمن وتداعياتها ويبدو أن الحجر الذي تعمد الحوثيون إلقاءه هذه المرة كان بهدف إطلاق رصاصة الرحمة على ملف الأسرى والمعتقلين.

فأحكام الإعدام الأخيرة، تصب في تعليق هذا الملف وصولا إلى القضاء عليه، رغم أن اتفاق السويد ينص على أن قضية الأسرى والمعتقلين إنسانية بحتة لا تخضع لأي حسابات سياسية أو عسكرية بشهادة وإشراف الأمم المتحدة.

ففي الوقت الذي يتم فيه الحديث مؤخرا عن مفاوضات تبادل أسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية، بموجب محادثات السويد الذي تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول 2018، صدرت أحكام صادمة بإعدام 30 معتقلا، ينتمي معظمهم لحزب الإصلاح، بتهمة التجسس لصالح دول التحالف.

وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، توصلت الحكومة اليمنية والحوثيون، إثر مشاورات بالعاصمة السويدية ستوكهولم، إلى اتفاق يتعلق بحل الوضع بمحافظة الحديدة الساحلية (غرب)، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين، الذين يزيد عددهم عن 15 ألفا.

ومع أن الأسرى لدى الحوثيين معظمهم من المدنيين، بينما الأسرى لدى الجيش اليمني من المسلحين الحوثيين الذين تم أسرهم في المعارك، إلا أن المفاوضات كانت جارية لتبادل جميع الأسرى، بمن فيهم هؤلاء المعتقلين الذين أصدرت جماعة الحوثي حكما عليهم بالإعدام في 9 يوليو/تموز 2019.

أحكام الإعدام

في 9 يوليو/تموز 2019 أصدرت محكمة يمنية في مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حكما بإعدام 30 معتقلا، ينتمي معظمهم لحزب الإصلاح، بتهمة التجسس لصالح دول التحالف.

وقال مصدر حقوقي لـ"الاستقلال": "المحكمة الجزائية في صنعاء برئاسة القاضي عبده راجح، أصدرت أحكام الإعدام بتهمة التخابر مع دول العدوان (التحالف)، مؤكدا أن المعتقلين هم أساتذة جامعات، أبرزهم أستاذ اللسانيات في جامعة صنعاء الدكتور يوسف البواب، بالإضافة إلى طلاب جامعيين وناشطين ونقابيين وخطباء مساجد، كانت الجماعة اختطفتهم وأخفتهم وتقوم بتعذيبهم في سجن الأمن السياسي منذ عام 2016".

في المحاكمة، أدين المعتقلون بتهمة التجسس والتخابر مع دول التحالف عبر تزويد غرفة عمليات التحالف بإحداثيات، لضرب أهداف مفترضة لطائرات التحالف، وهو الأمر الذي نفاه المعتقلون في جلسات المحاكمة.

المعتقلون قالوا إن الاعترافات التي تم انتزاعها منهم تمت تحت التعذيب، والإملاء بشكل حرفي عن المطلوب منهم قوله، وهو الأمر الذي اضطروا للخضوع له، وتم تجاهله من قبل القاضي قبل إصداره الحكم بالإعدام.

وبحسب المصدر الحقوقي الذي تحدث للاستقلال، "المعتقلون رددوا النشيد الوطني اليمني، أثناء تلاوة الحكم بالإعدام، وقال أحدهم مخاطبا القاضي: لماذا احتجزتنا كل هذه الفترة، وحكم الإعدام جاهز لديك منذ أول جلسة؟!".

تنفيذ الحكم

 قالت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية في بيان صحفي إن جماعة الحوثي "أعلنت أنها ستنفذ في حقهم الإعدام خلال 15 يوما من تاريخ النطق بالحكم، في جريمة يندى لها جبين البشرية، وتهم ما أنزل الله بها من سلطان على أناس مدنيين اختطفوا من بيوتهم وظلوا في حالة إخفاء قسري ليتم إظهارهم بعد ذلك في المعتقلات الوحشية للمليشيا"، بحسب البيان.

وأضافت الوزارة أن الأحكام "جاءت بعد أن مارست ضد المعتقلين أساليب تعذيب وحشية، نفسيا وجسديا، لتنهي بهذه المحاكمة الصورية الهزلية من قبل محكمة منعدمة الولاية، بحسب قرار مجلس القضاء الأعلى".

ولفت الناشط توفيق الحميدي، إلى أن "الحكم قابل للاستئناف، لكنه مؤشر خطير جدا على استخدام القضاء لأهداف سياسية من قبل الحوثيين".

انتزاع اعترافات

على إثر الحكم بالإعدام، أصدرت رابطة أمهات المختطفين بيانا لها قالت فيه: إن "المعتقلين تعرضوا خلال فترة احتجازهم وإخفائهم لأساليب وحشية من التعذيب النفسي والجسدي من ضمنها الصعق بالكهرباء والتعليق والضرب المبرح ونزع الأظافر وإدخال الإبر تحت الأظافر وربط الأعضاء التناسلية بالبوابات وإجبارهم على التعري الكامل وشرب مياه المجاري".

ورصدت منظمة "سام" للحقوق والحريات انتهاكات جسيمة أثناء فترة محاكمة المعتقلين. مشيرة إلى أن المحاكمة خلت من المبادئ العامة للمحاكمة العادلة، ومورس فيها الإرهاب من قبل القضاة ضد المتهمين أو محاميهم، حسب وكالة الأناضول.

وتابعت المنظمة في بيان: "أصدرنا بيانات سابقة حذّرنا فيها من أن جماعة الحوثي تستخدم القضاء لارتكاب مجازر قضائية لإرهاب الخصوم".

وأضافت المنظمة أن "تلك الأحكام منعدمة قانونيا، لأنها صدرت من محكمة ليس لها أي ولاية قانونية، حيث سبق أن صدر قرار ببطلان هذه المحكمة من قبل مجلس القضاء الأعلى في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا". 

دعوات دولية

أبدت منظمة العفو الدولية استنكارها إزاء إصدار أحكام بإعدام 30 شخصا، وقالت إن أحكام الإعدام التي صدرت عن المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للحوثيين في صنعاء، بحق 30 أكاديميا ومعارضاً سياسياً ما هي إلا استهزاء بالعدالة وتأكيد على تحول القضاء إلى أداة للقمع بدلاً من تطبيق للعدالة، ووصفت المنظمة الأحكام بالجائرة والقاسية، وأكدت أنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. 

وأضافت المنظمة في تغريدات لها على تويتر، "في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، قضت المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للحوثيين على 30 شخصية سياسية معارضة بالإعدام، بتهمة التجسس لصالح التحالف الذي تقوده السعودية وبرّأت 6 آخرين ".

وطالبت المنظمة سلطات التابعة للحوثيين بإلغاء تلك الأحكام وإطلاق سراحهم على الفور، وأوضحت أن أحكام الإعدام الصادرة عن ما سمته "سلطة الأمر الواقع" ضد الأكاديميين والمعارضين السياسيين "جزء من نمط ممنهج لتوظيف القضاء من أجل تسوية الحسابات السياسية".

من جانبها، عبّرت الأمم المتحدة عن رفضها لقرار المحكمة الجزائية التابعة لمليشيا الحوثي القاضية بإعدام 30 معتقلا في سجونها.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان رافينا شمدا ساني، إن معظم المحكومين بالإعدام من الأكاديميين والطلاب والسياسيين المنتسبين إلى حزب الإصلاح.

وعبّرت بريطانيا عن قلقها البالغ إزاء أحكام الإعدام الصادرة عن مليشيا الحوثي بحق 30 مختطفا في سجونها بصنعاء.

وقالت السفارة البريطانية لدى اليمن إن المملكة المتحدة تعارض عقوبة الإعدام في جميع الظروف وتدين مليشيا الحوثي، مشيرة إلى أن الحوثيين ليسوا حكومة شرعية لإصدار هذه الأحكام بحق سجناء سياسيين.

دعوات محلية 

إزاء تلك الأحكام، طالبت الحكومة الأمم المتحدة بالتدخل بكافة الوسائل من أجل منع مليشيا الحوثي من إعدام ثلاثين معتقلاً في سجونها بصنعاء، وشدد نائب وزير الخارجية محمد الحضرمي في رسالة بعثها للمبعوث الأممي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان على ضرورة التدخل بكافة الوسائل الممكنة، لوقف تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدرته مليشيا الحوثي ضد مجموعة من المدنيين الناشطين والصحفيين.

واعتبر الحضرمي أن الأحكام جاءت ضمن مسلسل المحاكمات الصورية التي تنتهك فيها المليشيا بشكل صارخ، حقوق الإنسان التي تكفلها كافة المواثيق والأعراف الدولية.

من جهته دعا سفير اليمن لدى واشنطن أحمد عوض بن مبارك أعضاء الكونغرس الأمريكي لاتخاذ موقف ضد الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الحوثي، وآخرها إصدارها أحكاما بإعدام 30 معتقلاً.

وشدد بن مبارك على ضرورة صدور القرارين اللذين قدمهما عضوا الكونجرس الأمريكي النائب ويل هيرد والسيناتور توم كوتون، وأدانا فيهما الحوثيين على انتهاكاتهم العديدة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب الدولية، وقالت السفارة إن الأحكام الحوثية بمثابة انتهاك جسيم لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

وكان تكتل التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية أصدر بيانا أكد فيه إن تلك الأحكام تعكس صورة واضحة لحالة حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا الانقلابية التي تديرها بالقمع والترهيب واختطاف الناشطين السياسيين والإعلاميين وعامة المواطنين من منازلهم ومقار أعمالهم وتعتدي عليهم على مدى سنوات وتمارس ضدهم وأسرهم جرائم متعددة ليس لشيء وإنما لرفضهم للانقلاب وانتمائهم لأحزاب سياسية وطنية.

لماذا الإصلاح؟

"ملاحقة أعضاء منتمين لحزب الإصلاح كان جزءا من العقاب الذي فرضه نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، عن طريق الحوثيين، الذي مكّنهم لينتقم من كل المكونات التي طالبت برحيله، وأبرزهم أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح"، هذا ما أكده الكاتب والصحفي محمد اللطيفي لـ"الاسقلال".

اللطيفي قال: "عملت جماعة الحوثيين على ملاحقة الصحفيين والناشطين وخاصة من العناصر التي تنتمي لحزب الإصلاح، أو من المحسوبين عليهم، كان حزب الإصلاح أهم مكون من مكونات ثورة الشباب الذين طالبوا برحيل نظام صالح".

مضيفا: "بالطبع سعى الحوثي للانتقام من كل مكونات الثورة، إلا أن الإصلاحيين يعدون العدو التقليدي لهم، لأنهم في حساباتهم رأس حربة المعسكر السني الذي يقف على الضد تماما من المعسكر الشيعي، ويسعى لتقويضه ويحد من انتشاره، لهذا فإن أي انتهاكات تطال أعضاء من حزب الإصلاح يمكن قراءتها في هذا السياق".

ودلل على قوله بأن "من ضمن ذلك اعتقال القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان الذي تم اختطافه وتغييبه حتى الآن، في الوقت الذي كان يجلس معهم على طاولة حوار واحدة مع بقية الأحزاب".

تبادل الأسرى

إثر صدور أحكام الإعدام، هددت الحكومة اليمنية بإيقاف المفاوضات مع مليشيا الحوثي في ملف الأسرى. وقال رئيس الملف في الحكومة هادي هيج في تغريدة على تويتر: "الأحكام القاضية بإعدام المختطفين، تصرف غير قانوني، ويصب في تعليق ملف الأسرى وصولا إلى إلغاء الاتفاق".

يقول الهيج: "الأغرب من ذلك، أنه عندما قدمنا أسماءهم (المحكوم عليهم بالإعدام) ضمن القوائم نفوا وجودهم لديهم وأفادوا أن لا معلومات عنهم مستخفين بما تم التوقيع عليه وبالأمم المتحدة وبكل الأعراف والقوانين المتعارف عليها في التفاوض، وخاصة فيما يخص المخطوفين وحقهم الذي تعترف به جميع الدساتير والقوانين لحقوق الإنسان". 

وهدد الهيج بتعليق ملف الأسرى، حيث قال: "إننا نقول بصوت عالٍ ولغة واضحة إنه إذا لم يكن للمبعوث الأممي ومكتبه موقف ضد هذه التصرفات فلا ينتظروا السير في هذا الملف". 

وطالب هيج المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث باتخاذ موقف حول تلك الأحكام، وإلا فإن الحكومة لن تمضي في المفاوضات حول ملف الأسرى"، خاصة وأن كل المؤشرات تؤكد أن ملف تبادل الأسرى الذي يقوده مكتب المبعوث الأممي مارتن جريفيثس، يتجه إلى فشل أكبر من أي ملف آخر حتى الآن.

وبحسب الصفقة التي يعدها مكتب المبعوث الأممي، فإن الحوثيين يطالبون بإطلاق (1400) معتقل حوثي، من بينهم 150 قيادياً، مقابل الإفراج عن 14 سعودياً، ونحو 700 معتقل تابعين للحكومة الشرعية، من بينهم 2 من المشمولين بقرار مجلس الأمن رقم (2216) هما: اللواء ناصر منصور هادي ووزير الدفاع الصبيحي، إضافة إلى فيصل رجب و محمد قحطان.