بين الأمازيغي والجزائري.. هل تضيع الثورة في متاهة صراع الهوية؟

12

طباعة

مشاركة

للمرة الـ19 على التوالي، تزدحم ساحات العاصمة الجزائرية، بعشرات الآلاف من المواطنين الذي لا يزالون يرفعون الشعارات نفسها الداعية إلى إرساء نظام ديمقراطي في الجزائر، والقطع نهائيا مع نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وإبعاد كل رموزه من السلطة قبل التوجه إلى أي استحقاق انتخابي.

هذه المطالب المشروعة تحظى بإجماع واسع من قبل الناشطين والأطراف السياسية المعارضة، إلا أنّه من حين لآخر تظهر بعض الاختلافات في إطار النقاش الافتراضي، وسرعان ما يتم تجاوزها.

لكن حديث الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الأخير عن الأعلام المرفوعة خلال التظاهرات أثار جدلا واسعا بين الجزائريين، كما أثار غضب العديد من الناشطين في الحراك، فيما وجه البعض اتهامات للنظام وقيادة المؤسسة العسكرية خاصّة بالتآمر على الحراك والسعي إلى إفشاله.

توحيد العلم

في كلمة خلال زيارته المنطقة العسكرية الثالثة جنوب غربي الجزائر يوم 12 يونيو/حزيران 2019 أعلن الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش، أن تعليمات صدرت بمنع رفع رايات غير العلم الوطني في المسيرات الشعبية.

وأضاف صالح، في كلمته: "من الأهمية لفت الانتباه إلى قضية حساسة تتمثل في محاولة اختراق المسيرات ورفع رايات أخرى غير الراية الوطنية من قبل أقلية قليلة جدا".

واعتبر قائد أركان الجيش أن "للجزائر علما واحدا استشهد من أجله الملايين، وراية واحدة هي الوحيدة التي تمثل رمز سيادة البلاد واستقلالها ووحدتها الترابية والشعبية فلا مجال للتلاعب بمشاعر الشعب".

وشدد: "أنه تم إصدار أوامر صارمة وتعليمات لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين السارية المفعول والتصدي لكل من يحاول مرة أخرى المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال".

ورغم أن رئيس الأركان لم يوضح عن أي راية يتحدث، إلا أنّه كان يشير إلى العلم الأمازيغي الذي يتكون من 3 خطوط أفقية بالألوان الأصفر والأخضر والأزرق وفي الوسط حرف "ياز" من أبجدية تيفيناغ (الأمازيغية)، حيث رفع هذا العلم في التظاهرات إلى جانب العلم الوطني منذ انطلاقة الحراك في 22 شباط/فبراير للمطالبة بتغيير النظام.

وتعتبر الهوية الأمازيغية موضوعا حساسا في الجزائر، ورغم أنّه لا توجد أرقام دقيقة حول نسبة الأمازيغ في البلاد، إلا أن أعدادهم حسب بعض الدراسات التي تقوم بها مراكز تهتم بمسألة الهوية الأمازيغية ما بين 6 إلى 8 ملايين أي ما يعادل 27% من تعداد الجزائريين، ويعيش أغلبهم بشكل رئيسي في منطقة القبائل بالشمال، وكذلك وسط وشرق وجنوبي البلاد.

خلال تظاهرات الجمعة تعرّض عدد من الشباب الحامل للرايات الأمازيغية للاعتقال على يد قوات الأمن، وحسب مراسلة فرانس برس، تم توقيف عدد من المحتجين الذين رفعوا رايات أمازيغية يوم 21 يونيو/حزيران 2019 وسط العاصمة الجزائر، وأدت هذه الاعتقالات إلى بعض الصدامات وإطلاق الغاز المسيل للدموع.

في الوقت نفسه كشفت وسائل إعلام محلية وجمعيات حقوقية عن توقيف 18 متظاهرا في الجزائر العاصمة خلال الجمعة 14 يونيو/حزيران 2019، وحسب شهود عيان جاء التوقيف بعد أن رفض المحتجون تسليم الراية الأمازيغية التي كانوا يرفعونها للشرطة، الأمر الذي أدى إلى نشوب مناوشات مع قوات الأمن واعتقالهم.

وأمر وكيل الجمهورية (النيابة) لدى محكمتي سيدي محمد وباب الوادي إيداع الموقوفين الـ18 الحبس المؤقت، بتهمة المساس بالوحدة الوطنية عن طريق رفع راية غير الراية الوطنية وإهانة هيئة نظامية أثناء عملها حسب ما بثه التلفزيون الرسمي.

تفجير الخلاف

يبدو أن الوصف الذي أطلقه قائد المؤسسة العسكرية على حاملي الرايات الأمازيغية أثار موجة من الغضب لدى الناشطين الجزائريين من ذوي الأصول الأمازيغية، وكذلك لدى رفاقهم من غير الأمازيغ، إلا أنّه فجّر جدلا وسط المتظاهرين الذي بدأ يدب الخلاف بينهم حول مسائل تتعلق بهوية البلاد وشكل النظام الذي يهدفون لإقامته.

ففي الوقت الذي عبّر فيه الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد المجيد مناصرة مساندته لموقف قيادة الجيش بخصوص قضية رفع الرايات الأمازيغية، قائلا في حديث لصحيفة "الحوار": "الحراك الشعبي يجب أن يبقى جامعا، ومن الضروري إسقاط كل المطالب الفئوية، سواء كانت سياسية أو أيديولوجية أو جهوية".

وأضاف: "الوقت غير مناسب لطرح القضايا الهامشية أو غير المستعجلة، لأن من شأن بعضها إثارة الخلاف والفرقة"، لكن مناصرة أبدى في المقابل تحفظه على طريقة التعاطي مع الموضوع، مع التأكيد على أن العلاج الأمني لقضية الأولويات هذه من شأنه تأزيم الوضع.

واعتبر الصحفي إيدير دحماني أنّ هناك "حساسية قديمة، تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، من الراية الأمازيغية، مصدر هذه الحساسية، وربما العقدة، تأتي مما يسمى بالنخبة التي هي غالباً تابعة للسلطة، وتعيد إنتاج خطابها، وتغالي فيه أحياناً".

ويضيف دحماني في حديث لموقع "حفريات": "هذه النخبة نفسها لها حساسية من اللغة الأمازيغية ودسترتها وكتابتها، وحساسية من كلّ عناصر الهوية الأمازيغية وعناصر ثقافتها".

وتساءل دحماني عن دوافع الإجراءات الجديدة التي تحظر الأعلام، مشيراً إلى أنّ "الحراك، ومنذ يومه الأول، في 22 شباط /فبراير، ظلّ يرفع علم الثقافة الأمازيغية إلى جانب العلم الوطني، دون أن يشكّل ذلك أيّة فتنة مفترضة".

وفي ظل هذا الخلاف نشرت النائبة المثيرة للجدل نعيمة صالحي مقطع فيديو تقول فيه إنه يجب مقاطعة الأمازيغ وعدم ممارسة التجارة معهم، ولا الزواج منهم، وهو ما أثار جدلا واسعا بين الجزائريين.

وقامت منظمة محاميي ناحية بجاية شرق العاصمة الجزائرية، بإيداع شكوى ضد النائبة البرلمانية المحسوبة على نظام بوتفليقة، بتهمة "نشر الكراهية والعنصرية"، متهمين إياها بارتكاب "جرائم التمييز العنصري والتحريض على الكراهية والمساس بالوحدة الوطنية".

ضد الحراك

قوبلت الاعتقالات التي جدت خلال الأسابيع الأخيرة بحق الشباب الرافع للرايات الأمازيغية بانتقادات واسعة واتهامات وجّهت للنظام وقيادة المؤسسة العسكرية خاصّة بعد تصريحات قايد صالح، كما دعا العديد من الناشطين إلى تفويت الفرصة على المتآمرين على الحراك والساعين لإفشاله.

اعتبر الأمين العام للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مؤمن خليل، "عدم وجود أي نص دستوري يعاقب رفع علم آخر عدا العلم الجزائري، ناهيك عن الراية الأمازيغية التي أصبحت جزءا من الهوية الوطنية".

وقال في تصريح لجريدة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية إنّ "حمل ورفع الراية الأمازيغية شيء موجود منذ القدم ومقبول من قبل الجميع، والمتابعة القضائية لهؤلاء الشبان بتهمة رفع رايات أمازيغية واتهامهم بالمساس بأمن الدولة، أمر غير معقول وغير منطقي".

وتساءل: "هل تشكل هذه الخطة مناورة من قبل النظام لكسر وحدة الحراك، أم هو قرار يشبه القرارات التعسفية التي عودنا النظام بأخذها في السابق؟".

وفي نفس السياق تساءلت أيضا المحامية فطة سادات والتي تعمل على تشكيل لجنة من المحامين عبر مختلف ولايات الجزائر، للدفاع عن الموقوفين: "كيف يمكن لرفع راية الأمازيغ، التي تعد من أقدم الرايات في شمال إفريقيا، أن يشكّل مساسا بأمن الدولة؟".

وأجابت في حوار تلفزي على قناة فرانس 24 أن "النظام الحالي يحاول بكل الأشكال أن يضع حدا للمظاهرات الشعبية التي بدأت في فبراير/شباط الماضي لكي يجدد نفسه ويمكث في الحكم".