هل ينجح خلفاء "ماي" في تخطي أزمة بريكست مع الاتحاد الأوروبي؟

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

أسابيع قليلة تفصلنا عن حدث بارز في معضلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، حيث ينتخب المحافظون أواخر يوليو/تموز المقبل رئيسا جديدا للحزب يتولى رئاسة الحكومة خلفا لتيريزا ماي، التي فشلت في إقناع البرلمان بإقرار الاتفاق القاضي بتنظيم عملية الخروج.

ويبدو أن مولد هذا الحلم البريطاني الذي طال 3 سنوات لن يكون بالأمر اليسير، فبينما يرفض خلفاء ماي الأوفر حظا أهم بنود الاتفاق، يصر الاتحاد الأوروبي على عدم التفاوض بشأنه مجددا، بينما يحين موعد عرضه على البرلمان البريطاني أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وبين هذا وذاك تبقى أزمة البريكست عالقة حتى حين، ويظل السؤال: ما هي تداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق؟

قصة البريكست

قبل الخوض في تفاصيل الأزمة ومآلاتها، ربما وجب التعرف على بعض الأمور التي يجب توضيحها، بداية كلمة "بريكست" هي اختصار لعبارة "British exit" أو خروج بريطانيا وتعني مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة تسمح بحرية الحركة والحياة والعمل لمواطنيها داخل الاتحاد فضلا عن تجارة هذه الدول مع بعضها.

شهدت بريطانيا استفتاء عام 2016 صوتت فيه الغالبية (52%) لصالح الخروج من الاتحاد بعد أن ظلت عضوا لأكثر من 40 عاما، وبعد الاستفتاء بدأت مفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول اتفاق "الطلاق" الذي يوضح كيف سيتم الخروج بالضبط.

ونص الاتفاق على مرحلة انتقالية تنتهي في ديسمبر/كانون الأول 2020، سيكون على بريطانيا خلالها الاستمرار بدفع مساهمتها المالية في الاتحاد ودفع مستحقات تصل إلى 45 مليار يورو، إلى جانب الاتفاق بشأن الحدود بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا، وحرية التنقل لمواطني الاتحاد وبريطانيا خلال الفترة الانتقالية.

ويتألف اتفاق بريكست من وثيقتين: اتفاق الانسحاب الذي ينظم الانفصال ويقع في 585 صفحة، وإعلان سياسي من 26 صفحة يتناول العلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

ولا تريد بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي حدودا بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا ولكن في الاتفاق هناك اتفاقية بشأن حواجز "backstop" والتي تستهدف ضمان عدم وجود نقاط حراسة وتفتيش بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.

وذلك يعني أن أيرلندا الشمالية (وهي جزء من المملكة المتحدة) وليس باقي بريطانيا ستظل تتبع القوانين الأوروبية في أمور مثل منتجات الطعام ومعايير البضائع، وسيتم تطبيق الحواجز فقط إذا لم يتم التوصل لاتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا خلال الفترة الانتقالية.

فشل "ماي"

ومنذ أن تولت رئاسة الحكومة البريطانية في صيف 2016، كان هناك هدف رئيسي نصب عيني تيزيزا ماي، وهو اتفاق خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، لكن وبعد نحو 3 سنوات، غادرت رئيسة الوزراء منصبها، بسبب "الهدف ذاته"، دون أن تتمكن من تحقيقه.

وتعود بداية القصة إلى عام 2013، عندما تعهد رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، بإجراء استفتاء بشأن استمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، وفي صيف 2016 أجري الاستفتاء، لكن النتيجة جاءت مغايرة لتوقعات كاميرون المؤيد للبقاء في الاتحاد.

وأظهرت النتائج حينها أن 52 % من البريطانيين يؤيدون خروج بلادهم، لذلك تنحى كاميرون من زعامة حزب المحافظين، مما أفسح المجال أمام تيريزا ماي لرئاسة الحكومة والحزب، وكانت حينها تتولى حقيبة الداخلية.

وقالت حينها إنها ستسعى من أجل "بناء بريطانيا جديدة"، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك، إذ غادرت مكتبها رغم محاولاتها المتكررة لإنجاز اتفاق الخروج، ورغم أن ماي كانت من أبرز مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، فإنها قادت محاولة الخروج منه، دون أن تفلح في ذلك.

وتوصلت رئيسة الوزراء البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، على أن يبدأ موعد تنفيذ الخروج يوم 29 مارس/آذار 2020، الأمر الذي لم يتحقق بسبب عجزها عن إقناع نواب البرلمان البريطاني بالموافقة على تمرير الاتفاق.

وقبل هذا التاريخ منيت ماي بانتكاسة في طريق "البريكست"، إذ خسر حزب المحافظين الذي تتزعمه الأغلبية في البرلمان، وكادت أن تتعطل المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لولا تحالف المحافظين مع حزب صغير.

وبدا أن رئيسة الوزراء البريطانية تخوض حربا على جبهتين، إذ تقود مفاوضات شاقة مع الأوروبيين، الذين بدوا أكثر صلابة في المفاوضات، وعلى الجبهة الأخرى كان يجب عليها إقناع أعضاء البرلمان، بمن فيهم نواب من حزبها، على تفاصيل خطة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وفشلت ماي في الحصول على موافقة مجلس العموم البريطاني (البرلمان) 3 مرات، على اتفاق الخروج مما اضطرها إلى طلب إرجاء موعده من 29 مارس/آذار إلى 12 أبريل/نيسان، قبل أن يعاد تأجيله مجددا إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول، وفي حال لم يقر البرلمان الاتفاق، ستخرج بريطانيا من دون اتفاق، هو ما يحذر المراقبون من تداعياته الكبيرة.

وخلال هذه المحاولات، تعرضت ماي إلى كثير من المواقف الصعبة، لعل أكثرها صعوبة ما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما نجت من تصويت سحب الثقة عنها، وكان السبب في تصويت الاستفتاء، هو غضب أعضاء حزب ماي من طريقة إداراتها للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.

وتصاعدت حدة الخلافات داخل حزب المحافظين الحاكم لدرجة أن 21 وزيرا قدموا استقالتهم من حكومة ماي بسبب خطة البريكست.

وفي آخر فصول معركة "البريسكت"، أجرت ماي منذ أبريل/نيسان 2018 مفاوضات مع حزب العمال المعارض، بزعامة جيرمي كوربن، في محاولة لتفادي مشكلة المعارضين داخل حزب المحافظين، لكن هذه المفاوضات انتهت بالفشل أيضا، مما مهد الطريق أمام رحيلها عن رئاسة الحكومة، بعد فشلها في مهمة إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويرغب حزب العمال خصوصا بإبقاء المملكة المتحدة داخل اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي بعد الخروج، الأمر الذي ترفضه الحكومة، مع المشككين داخل حزب المحافظين بجدوى الاتحاد الأوروبي، معتبرين أنه سيمنع لندن من انتهاج سياسة تجارية مستقلة إزاء الدول الأخرى.

تعقد المشهد

المشهد المعقد الآن يزداد ارتباكا عند استطلاع أبرز المرشحين لخلافة ماي، حيث يأتي في مقدمتهم المرشح الأوفر حظا "بوريس جونسون"، حيث هدد بعدم دفع فاتورة البريكست -بين 40 و45 مليار يورو- إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على شروط أفضل للانسحاب.

في المقابل، أكد رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أنه "لا إعادة تفاوض" حول اتفاق بريكست أيا كان من سيخلف رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وقال في حديث بثه موقع "بوليتيكو.إي يو" إن البريكست "ليس اتفاقا بين تيريزا ماي وجان كلود يونكر بل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ويجب أن يحترمه رئيس الوزراء البريطاني المقبل أيا كان".

جونسون الذي شغل منصب رئيس بلدية لندن ووزير الخارجية سابقا (54 عاما)، أحد أهم مهندسي فوز تيار البريكست في الاستفتاء الذي أجري في يونيو/حزيران 2016، وهو يريد أن تخرج بريطانيا من الاتحاد يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، سواء أعيد التفاوض بشأن الاتفاق أم لا.

عينته ماي وزيرا للخارجية، لكنه لم يكف عن انتقاد إستراتيجيتها في المفاوضات مع المفوضية الأوروبية، قبل أن يغادر الحكومة للدفاع عن انفصال قطعي عن الاتحاد الأوروبي.

كما يبرز اسم "أندريا ليدسوم" التي تعتبر مدافعة شرسة عن البريكست، وشغلت منصب الوزيرة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان قبل أن تقدم استقالتها يوم 22 مايو/أيار الماضي، لتخسر ماي داعمة كبيرة لها.

كانت ليدسوم (56 عاما) من المرشحين الخاسرين لمنصب رئيس الحكومة عام 2016، وقد وصلت إلى نهاية السباق الانتخابي مع ماي، لكنها انسحبت، وتريد ليدسوم خروجا دون اتفاق وبدون إرجاء.

"إيستير ماكفي" مقدمة البرامج التلفزيونية السابقة (51 عاما) استقالت من منصبها كوزيرة للعمل والمعاشات التقاعدية العام الماضي بسبب خلافات حول مشروع البريكست، وكمحافظة تقليدية، هي تريد انفصالا واضحا بلا اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

ويأتي اسم "دومينيك راب" في القائمة، وهو الذي عُين وزيرا لملف البريكست في يوليو/تموز الماضي، ثم استقال بعد 4 أشهر بسبب خلافه مع ماي حول اتفاق الخروج، ويرى النائب الليبرالي أن بريطانيا يجب أن تكون مستعدة للخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، مع استمرار محاولاته للتفاوض من أجل اتفاق أفضل من الذي توصلت إليه ماي.

الأجواء في عاصمة الضباب ملبدة بالغيوم حتى بعد اختيار رئيس حكومة جديد، فلا ينتظر وفق مراقبين أن تتحلحل الأزمة الحالية، وسط مواقف متشددة يتخذها المرشحون الأوفر حظا ضد البريكست، أمام موقف أوروبي مُصر على بنود الاتفاق دون تفاوض جديد.

خيارات أخرى

هذه المعضلة لابد أن تقود إلى بدائل أو خيارات أخرى متاحة لتفادي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وهو ما حاولت ماي اللجوء إليه، لكنها منيت بفشل آخر عندما صوت النواب البريطانيون أواخر مارس الماضي ضد خيارات بديلة لـ "بريكست" طرحتها ماي لتخطي المأزق.

وتضمنت الخيارات التي تم التصويت عليها، التفاوض على علاقات اقتصادية أوثق مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، وإجراء تصويت شعبي على أي اتفاق يتم التوصل إليه، أو وقف عملية الخروج برمتها.

وبعيدا عن محاولة ماي فإن رحيلها يعمق الأزمة، ويقع على عاتق رئيس الوزراء الجديد التوصل إلى اتفاق أكثر حسما، الأمر الذي يبشر بسيناريوهات أخرى بديلة عن إقرار الاتفاق، لعل أسوأها زيادة احتمالات الصدام مع التكتل البرلماني، وربما إجراء انتخابات عامة مبكرة.

ومن بين الخيارات المتاحة أمام بريطانيا أيضا حيال مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، إجراء استفتاء جديد وإلغاء عملية بريكست برمتها، في حال تعرض خليفة ماي أيا كان لما تعرضت له، وحصدت عريضة إلكترونية تؤيد بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، أكثر من 5 ملايين توقيع.

أما الاحتمال الآخر الذي بدأ يفرض نفسه بقوة، هو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، الأمر الذي ينتظر أن يحمل تداعيات كبيرة ربما لا يرغب الطرفان في مواجهتها.

ويبدو أن بريطانيا تسابق الزمن في إطار الاستعداد لهذا السيناريو، حيث أبرمت قبل أيام اتفاقا تجاريا مع كوريا الجنوبية للمحافظة على العلاقات في مرحلة ما بعد بريكست، وهو الأول الذي تبرمه لندن مع دولة آسيوية، ويأتي في أعقاب اتفاقات مشابهة توصلت إليها مع دول بينها تشيلي وأيسلندا والنرويج وسويسرا.

الخروج "الفوضوي"

ربما يكون الشيء الوحيد الذي قد يجبر البريطانيين على تنظيم خروجهم من الاتحاد الأوروبي، هو الكلفة الباهظة التي يتعين عليهم دفعها في حال خروجهم دون اتفاق، وبحسب تقارير إعلامية، فإن كل من بنك إنجلترا والمؤسسات الاقتصادية الدولية المختلفة ووزارة الخزانة الأمريكية يجمعون على أن الناتج الإجمالي المحلي للبلاد سوف يتضرر جراء الانسحاب دون اتفاق.

سيكتنف الغموض تنقل الأفراد والبضائع وفرض رسوم جمركية على البضائع القادمة من بريطانيا وبالعكس، مع احتمالات أن تقرر بعض الشركات الدولية الخروج من المملكة المتحدة لتجنب هذه التعريفات.

إضافة لتلك الانعكاسات الاقتصادية تثار كذلك مخاوف سياسية أخرى، فالخروج دون اتفاق يعني أن أيرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة سيكون مطلوب منها إغلاق حدودها مع جمهورية أيرلندا المستقلة التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، ما ينسف اتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998 التي أنهت الحرب بين بريطانيا وأيرلندا.

الخروج دون اتفاق يعني مبدئيا إغلاق الباب فورا أمام السلع والبضائع البريطانية حتى تدفع رسوم دولة ثالثة، فعلى سبيل المثال فإن السيارة المصنوعة في بريطانيا سيضاف عليها رسوم 10% في فرنسا مثل السيارة اليابانية.

كما يعني أيضا الخروج دون اتفاق أنه يمكن عرقلة السلاسل الصناعية المشتركة، حيث سيحجم الشركاء الأوروبيون عن إدخال الشركات البريطانية في تصنيع الآلات والمعدات التي تحتاج عمليات تصنيع في أكثر من بلد.

وثالث الأضرار الاقتصادية، يبرز في سن الاتحاد قوانين ضريبية على تعاملات البنوك والدين العام مما يكبد القطاع المالي البريطاني خسائر كبيرة، حتى وإن كانت الضريبة 0.02% فقط حيث أن الصرف الأجنبي وإقراض البنوك لبعضها يقدر بنحو 5 تريليونات يورو يوميا.

وبالنسبة للدفع ببطاقات الائتمان، فلن يعود بإمكان الزبائن المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي الاستفادة من الخدمات المالية لمصارف الاستثمار، التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، وسيواجه المستهلكون زيادة محتملة أخرى في كلفة التسوق عبر الإنترنت، لأن الطرود التي تصل إلى بريطانيا لن تكون - بعد الآن - خاضعة لخفض ضريبة القيمة المضافة المعمول به حاليا.

كما حذرت الحكومة من أن رخصة القيادة البريطانية قد تصبح غير صالحة في الاتحاد الأوروبي، وقد يحتاج السياح إلى استصدار إجازة قيادة دولية، عند التوجه إلى هناك.

وقد يؤدي الخروج دون الاتفاق إلى فوضى حقيقية في المطارات، ليس فقط في المملكة المتحدة لكن خارجها أيضا، وقد تخسر شركات الطيران البريطانية والأوروبية حق تشغيل الرحلات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ما قد يؤدي إلى شل الحركة الجوية.

وإضافة للانعكاسات السياسية والاقتصادية سالفة الذكر، يخشى قانونيون من أن تكون هناك انعكاسات أخرى قانونية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتمثل في تحللها من سطوة المحكمة الأوروبية والقوانين الأوروبية المتعلقة بالهجرة واللجوء، وبالتالي سيكون بإمكان بريطانيا إغلاق الحدود بالكامل أمام اللاجئين، والتوقف عن استقبالهم ومنحهم الجنسية البريطانية.