البوسنة والهرسك.. مخاوف المسلمين تنكأ جراح "سربرينيتشا"

مهدي محمد | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

"البوسنة والهرسك" اسم دولة يكفي ذكرها لإثارة شجون المسلمين حول العالم، وتذكيرهم بأبشع مجازر الإبادة التي تعرضت لها الأمة في تاريخها الحديث، فلا ينسى كثيرون مشاهد الدماء والجثث المقطعة والمقابر الجماعية في تسعينيات القرن الماضي.

اليوم بات جزء من مسلمي البوسنة يعيشون تحت وطأة تهديد جديد، أعاد لأذهانهم ما تعرضوا له قبل عقود، في ظل بلد ممزق ونظام حكم معقد وتركيبة إثنية وعرقية قل مثيلها في العالم.

تهديد جديد

في خطوة اعتبرها مسلمو البوسنة الذين يعيشون في جمهورية صرب البوسنة المتمتعة بالحكم الذاتي في البوسنة والهرسك تهديدا لهم- صوّت نواب صرب البوسنة، لصالح تشكيل قوات احتياط شرطية.

وزير داخلية صرب البوسنة دراجان لوكاتش، قال إن هناك حاجة لقوات احتياط شرطية إضافية لمعالجة التهديدات الأمنية التي يمثلها وصول مهاجرين أو سوء الأحوال الجوية.

البوسنيون الذين يعيشون كأقلية في جمهورية الصرب، قالوا إن الاقتراح أعاد للأذهان ذكريات قوات الاحتياط الشرطية الصربية التي شنت هجمات على مدنيين في أوائل الحرب التي استمرت من عام 1992 إلى 1995.

قُتل في تلك الحرب أكثر من 100 ألف شخص، وأدين زعماء صرب البوسنة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ومنذ الحرب العرقية في تسعينيات القرن الماضي والبوسنة مقسمة إلى منطقتين متمتعتين بالحكم الذاتي هما جمهورية صرب البوسنة والاتحاد الكرواتي البوسني، لكل من الكيانين الشرطة الخاصة لكنهما يشتركان في جيش واحد.

جمهورية صرب البوسنة تأسست بين 1992 و1995 أثناء حرب البوسنة والهرسك وكانت تحت سيطرة جيش جمهورية صرب البوسنة، وبعد 1995، أصبحت أحد الكيانات المكونة للبوسنة والهرسك.

وكانت محكمة الجنايات الدولية الخاصة في لاهاي، قد أصدرت في 20 مارس/آذار الماضي، حكما نهائيا بحق سفاح البوسنة "رادوفان كاراديتش" بالسجن المؤبد 40 عاما، مسدلة الستار على واحدة من أكبر المعارك القانونية التي نتجت عن حروب البلقان في فترة التسعينيات التي شهدت انهيار يوغوسلافيا السابقة.

زعيم الصرب، أُدين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في مذبحة سربرينيتشا، التي وقعت في يوليو/تموز 1995، وراح ضحيتها أكثر من 8 آلاف رجل وصبي مسلم على أيدي القوات الصربية البوسنية، وأُدين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لكونه العقل المدبر السياسي وراء حملة التطهير العرقي، التي شهدت طرد الكروات والمسلمين من مناطق الصرب في البوسنة.

أعقد نظام حكم

تقع البوسنة والهرسك وعاصمتها سراييفو في جنوب أوروبا، وتحدها من الشمال كرواتيا، ومن الشرق صربيا، ومن الجنوب الجبل الأسود، ومن الغرب كرواتيا والبحر الأدرياتيكي، يبلغ تعداد سكانها الإجمالي نحو 4 ملايين نسمة وفق تقديرات عام 2014.

التوزيع العرقي في البوسنة على النحو التالي: 48 بالمئة بوسنيون، 37.1 بالمئة صرب، 14.3 بالمئة كروات، 0.6 بالمئة آخرون، أما ديانات السكان فهي: 40 بالمئة مسلمون، 31 بالمئة مسيحيون أرثوذكس، 15بالمئة مسيحيون كاثوليك، 14بالمئة آخرون.

في مارس/آذار 1992، أعلنت البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغوسلافيا، وخاض العرق الصربي -الذي كان معارضا لتفكك يوغوسلافيا- حربا شرسة لمحاولة الانفصال، أسفرت عن مقتل حوالي 100 ألف شخص، وتلقى دعما عسكريا من صربيا، وتمكنوا من خلاله من إخضاع المدنيين بالقتل والاعتقال، وبعدها بعامين تأسس اتحاد كرواتي بوسني استمر في قتال الصرب.  

انتهى الصراع المسلح بعد توقيع معاهدة دايتون للسلام في عام 1995، ويعتبر الملحق 4 في الاتفاقية هو دستور البلاد، الذي يحدد هيكل تنظيمها السياسي الهجين، الذي خلط ما بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني، حيث قُسمت البوسنة والهرسك إلى اتحاد البوسنة الكرواتية الفيدرالي، وجمهورية صرب البوسنة، وبقيت سراييفو عاصمة موحدة، وإضافة إلى الكيانين هناك مقاطعة برتشكو ذاتية الحكم، التي تخضع رسميا للسيطرة الإدارية المشتركة من كلا الكيانين.

يستند شكل الحكومة في البوسنة والهرسك إلى تقاسم السلطة بشكل توافقي، ويتمحور تقاسم السلطة حول ثلاثة شعوب تأسيسية تم تحديدها في الدستور: البوشناق والكروات والصرب، ويضمن لكل مجموعة عرقية حصة متساوية من السلطة في صنع القرار.

الرئاسة في البوسنة والهرسك ثلاثية منتخبة بشكل مباشر، وتتكون من ثلاثة أعضاء؛ بوسني وكرواتي وصربي، أي أن للدولة مجلس رئاسي يضم ثلاثة رؤساء مسؤولين عن شؤون الدولة الخارجية، وشؤونها العسكرية، وميزانيات مؤسساتها، يتم اختيار الرؤساء الثلاثة من المجموعات العرقية الثلاث من خلال انتخابات شعبية، لمدة 4 سنوات، ويكون رئيس الرؤساء هو من حصل على أكثر الأصوات، ويتناوب الرؤساء على رئاسة المجلس الرئاسي كل ثمانية أشهر.

البرلمان في البوسنة والهرسك عبارة عن مجلس النواب ومجلس الشعب، أعضاء مجلس النواب يبلغ عددهم 42 عضوا، ويتم انتخابهم عن طريق التمثيل النسبي بحيث يكون 28 عضوا من اتحاد البوسنة الكرواتية الفيدرالي، و14 عضوا من جمهورية صرب البوسنة.

يبلغ عدد أعضاء مجلس الشعب 15 عضوا، ويتم انتخابهم من الكيانات البرلمانية، بحيث يكون الثلثان للاتحاد الفيدرالي، وينقسمون إلى 5 من البوشناق و5 من الكروات، والثلث الأخير يتكون من 5 أعضاء من جمهورية صرب البوسنة.

يخدم الرؤساء والبرلمانيون لمدة أقصاها ولايتان، مدة كل منهما أربع سنوات، ويرشح المجلس الرئاسي رئيسا لمجلس الوزراء، ويوافق عليه مجلس النواب، بعد ذلك يرشح رئيس الوزراء وزراءه لينشئ مجلسا مسؤولا عن الدفاع والأمن، إضافة للهجرة، والسياسات المالية، والتنسيق والتنظيم بين الكيانات.

على مستوى الكيانات، يتمتع الاتحاد البوسني الكرواتي الفيدرالي وجمهورية صرب البوسنة باستقلال ذاتي، فاتحاد البوسنة الكرواتي الفيدرالي يتمتع بنظام حكم برلماني، وينقسم إلى 10 كانتونات، لكل منها حكومتها الإدارية الخاصة بها، واستقلالها النسبي في القضايا المحلية مثل التعليم والرعاية الصحية، كذلك تضم جمهورية صرب البوسنة مجلس نواب وطنيا مؤلفا من 83 عضوا، وتتمتع بنظام رئاسي مركزي.

مجزرة سربرينيتشا

تعد مجزرة سربرينيتشا أكبر مجزرة في تاريخ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ارتكبها جيش صرب البوسنة بزعامة رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش بحق سكان بلدة سربرينيتشا المسلمين بالبوسنة والهرسك في يوليو/تموز 1995، وقتل فيها أكثر من 8 آلاف شخص بين رجال وأطفال.

رفضت صربيا استقلال البوسنة والهرسك بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي، وفي أبريل/نيسان 1992 شنت المليشيات الصربية حملة عسكرية واسعة للسيطرة على البوسنة والهرسك، وركزت هجماتها على المناطق المتاخمة للحدود، وكان لمدينة سربرينيتشا نصيب وافر منها نظرا لموقعها الإستراتيجي، فهي تشكل جيبا داخل أراضي صربيا، وبالتالي تمكّن السيطرة عليها عزل كل المناطق الواقعة منها إلى الشرق والشمال الشرقي عن باقي أراضي البوسنة.

نصبت القوات الصربية مدفعيتها على الجبال المحيطة بالمدينة وشرعت في دكها بوحشية دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، وسحبت عددا من وحداتها المقاتلة من كرواتيا المجاورة ودفعت بها إلى الجبهة البوسنية.

وفي محاولة لصد العدوان عنهم؛ نظم مسلمو البوسنة مجاميع مسلحة تتألف في أغلبها من القرويين المسلحين تسليحا بسيطا عماده بنادق الصيد، وما انقضت الأيام العشرة الأولى من أبريل/نيسان 1992 حتى دخلت القوات الصربية بلدة زفورنيك الإستراتيجية، عازلة بذلك سربرينيتشا عن توزلا وهي الحاضرة الثانية الأهم في الجيب المسلم.

وعندما بدا سقوط سربرينيتشا وشيكا، بادر خمسة من وجهاء المسلمين في المدينة إلى فتح قنوات اتصال بقيادة صرب البوسنة لإخلاء المدينة مقابل حماية المدنيين، والتقى الوفد قيادة الصرب في معقلها ببراتوناك، واتفق الطرفان على تسليم المسلمين أسلحتهم وإخلاء المدينة من المقاتلين في 24 ساعة.

وبالتزامن مع ذلك، التحق كثير من المدنيين الصرب بالمليشيات وشاركوا في عمليات نهب وسلب واسعة لمساكن وأملاك المسلمين في المدينة والبلدات المحيطة بها، ودمروا نحو 300 قرية للمسلمين في نواحي سربرينيتشا، وقتلوا أكثر من ثلاثة آلاف شخص تمت تصفية مئات منهم تنفيذا لسياسة التطهير العرقي.

مع مطلع 1995 أحكم الصرب حصار سربرينيتشا وقضوا على كل جيوب المقاومة حولها، وفي 7 يوليو/تموز من العام نفسه شنوا هجوما واسعا للسيطرة على المدينة بقيادة الجنرال رادكو ملاديتش، وشرعوا في تصفية كل من صادفوه في طريقهم، ويُقدَّر أن ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص (أغلبهم أطفال ونساء وعجزة) قضوا بنيرانها في أسبوع واحد.

انسحبت المقاومة البوسنية في طوابير تفاديا لحقول الألغام الكثيرة، ولكن سرعان ما حاصرها الصرب وكان أغلب المنسحبين بلا أسلحة، ورغم ذلك دارت معارك عنيفة بين الجانبين استمرت يومي 11 و12 يوليو/تموز، لكن رجحت الكفة للصرب وتمكنوا من أسر أعداد كبيرة من البوسنيين بينهم عجزة ونساء وأطفال، ونقلوهم إلى راتوناك حيث زارهم ملاديتش شخصيا وطمأنهم بأنهم سيحررون في عملية تبادل للأسرى.

وفي 14 يوليو/تموز نقل هؤلاء المعتقلين إلى جهات مختلفة حيث أعدم ما بين 4 و5 آلاف شخص في عمليات تصفية ممنهجة ومنظمة، وفق تقديرات المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا، في حين قتل 4 آلاف آخرين خلال اقتحام القوات الصربية للمدينة.

اعتبرت المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا مجزرة سربرينيتشا "إبادة عرقية"، لكنها رفضت عام  2006 تحميل المسؤولية للدولة الصربية مكتفية باتهامها بالتراخي في منع الإبادة، وفي المقابل، أدانت المحكمة زعيميْ صرب البوسنة رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.

اتفاق دايتون

ألقت الحرب الأهلية والمجازر التي شهدتها -خاصة في حق المسلمين- بعبء أخلاقي كبير على المجموعة الدولية، فسعت إلى تلمس حل سياسي يصون ماء الوجه، ونجحت المساعي الأمريكية والأوروبية والروسية في دفع أطراف النزاع -خاصة الصرب- إلى الذهاب إلى مفاوضات سياسية انعقدت في دايتون بالولايات المتحدة بين الأول والخامس والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1995، وقادها الدبلوماسيان الأمريكيان المعروفان ريشتارد هولبروك وكريستوفر هيل.

حضر المفاوضات الرئيس اليوغسلافي الصربي سلوبودان ميلوزيفيتش والكرواتي فرانكو توجمان والزعيم البوسني المسلم الراحل علي عزت بيجوفيتش (رئيس جمهورية البوسنة والهرسك آنذاك).

وفي نهاية الأسبوع الثالث تم التوصل إلى اتفاق متناقض، إذ نص في أوله على صون وحدة جمهورية البوسنة والهرسك وفي نفس الوقت قسمها إلى كيانين سياسيين هما فيدرالية البوسنة والهرسك وجمهورية صرب البوسنة، ولاحقا قضت محكمة التحكيم الدولية باعتبار منطقة "بركو" الواقعة على الحدود المشتركة بين البوسنة وكرواتيا وصربيا، ملكا مشتركا يتمتع بحكم ذاتي.

منحت اتفاقية دايتون الصرب جمهورية مستقلة تمتد على 49 بالمئة من المساحة الإجمالية للبوسنة والهرسك، في حين جمعت المسلمين والكروات في فيدرالية على 51 بالمئة، وجعلت رئاسة فيدرالية البوسنة والهرسك جماعية تتألف من مجلس ثلاثي يمثل المكونات الثلاثة (الصرب والكروات والمسلمين).

وطبقا للاتفاقية، فإن المؤسسات المركزية لديها صلاحيات محدودة تتعلق بالسياسة الخارجية، والتجارة الدولية، والاتصالات والجمارك، والخدمات العمومية، وفي المقابل تضطلع سلطات كل كيان بأهم الصلاحيات السيادية فيه.

واعتبرت اتفاقية دايتون اللغات الثلاث (الصربية الكرواتية والبوسنية) لغات وطنية، ووضعت البوسنة والهرسك تحت الوصاية الدولية، ومنحت سلطات عليا وغير محدودة لممثل سام للمجموعة الدولية يقيم في سراييفو، وله الحق في اتخاذ أي إجراء لضمان الاستقرار والتمثيل المتوازن للعرقيات المشكلة للاتحاد، كما له الحق في عزل كبار المسؤولين وسن وفرض القوانين، وتعمل تحت إمرة هذا المسؤول الدولي قوة أوروبية من 6 آلاف فرد.

تناولت "دايتون" الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فأوكلتها إلى المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا والتي نجحت في توقيف ومحاكمة بعض رموز صرب البوسنة وكذلك رئيس صربيا السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، لكن كثيرا من مجرمي الحرب ظلوا طلقاء.

وتم التوقيع رسميا على الاتفاقية يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1995 في العاصمة الفرنسية باريس، وكخطوة تطبيقية أولى تم نشر 60 ألف عسكري من قوات حلف شمال الأطلسي في البوسنة لضمان الاستقرار وتوفير مناخ ملائم لتنفيذ الاتفاق.

"أيقونة النضال"

وكما كان لمجرمي الحرب رموزهم، فقد كان للمناضلين أيقوناتهم، وفي مأساة البوسنة والهرسك لم يبرز اسم مثل "علي عزت بيجوفيتش" المفكر والفيلسوف الإسلامي والزعيم السياسي البوسني، الذي اختير رئيسا لجمهورية البوسنة والهرسك بعد استقلالها عام 1992، وكان أول رئيس للمجلس الرئاسي في البلاد عام 1995 بعد انتهاء حقبة حرب الاستقلال.

ولد في 8 أغسطس/آب عام 1925 في شاباتس بالبوسنة، لأسرة عريقة في الإسلام يمتد وجودها في البوسنة إلى أيام حكم الدولة العثمانية لمنطقة البلقان، تلقى تعليمه في مدارس العاصمة سراييفو، بعدها التحق بجامعة سراييفو حيث نال شهادة البكالوريوس في الحقوق 1950، ثم الدكتوراه 1962، وحصل على شهادة في المحاماة عام 1962، وشهادة عليا في الاقتصاد 1964.

أتقن لغات أجنبية عدة، بينها الألمانية والفرنسية والإنجليزية والعربية، ويعتبر العربية وسيلته للاتصال بالقرآن الكريم والاطلاع على التيارات الإسلامية وتجاربها الفكرية.

عمل بيجوفيتش مستشارا قانونيا لمدة 25 سنة، ثم تفرغ للبحث والكتابة والعمل السياسي، وشغل منصب رئيس "جمهورية البوسنة والهرسك الاشتراكية" في الفترة من ديسمبر/كانون الأول 1990 إلى 3 مارس/آذار 1992. ومنصب رئيس "جمهورية البوسنة والهرسك" من 3 مارس/آذار 1992 إلى 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1996. وترأس المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك مرتين بعد نهاية الحرب.

اصطدم بيجوفيتش -وهو الفيلسوف المتسامح والمناضل القوي- بالسلطة في وقت مبكر بسبب اهتماماته الفكرية الإسلامية المغايرة للمواقف الشيوعية الحاكمة في يوغسلافيا التي كانت البوسنة جزءا منها آنذاك، حيث انضم في شبابه إلى منظمة الشبان المسلمين التي تأسست في سراييفو على غرار جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وحكم عليه عام 1946 بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

اشتهر في يوغسلافيا عندما ألف كتاب "البيان الإسلامي" الذي قـُدم بسببه للمحاكمة في سراييفو عام 1983 مع 12 مثقفا بتهمة "الأصولية"، وحكم عليه بالسجن مرة أخرى لمدة 14 سنة، ثم أطلق سراحه أخيرا في نهاية 1988.

ساهم بيجوفيتش في مطلع عام 1990 في تأسيس حزب العمل القومي الذي أصبح من أكبر الأحزاب في البوسنة، وأصبح رئيسا للحزب في مايو/أيار 1990. وفي فبراير/شباط 1991 دعا إلى استفتاء وطني بشأن استقلال البوسنة عن يوغسلافيا، وقد أيد 99.4 بالمئة من المصوتين الاستقلال وبلغت نسبة المشاركة 67 بالمئة، وأعلن استقلال البلاد في مارس/آذار 1992، واعترف العالم بالبوسنة في 22 مايو/أيار 1992 ونالت عضوية الأمم المتحدة.

لكن العالم الذي اعترف بالبوسنة لم يحم استقلالها خلافا لما توقعه بيجوفيتش، فقد اندلعت حرب تطهير عرقي على الفور في جميع أنحاء البلاد. وارتكبت القوات الصربية المدعومة من يوغسلافيا فظائع بحق السكان الأصليين من غير الصرب وخصوصا من المسلمين، حيث قتلت منهم مئات الآلاف وأقامت مقابر جماعية سرية واغتصبت آلاف البوسنيات المسلمات.

على الصعيد الفكري؛ يذهب بيجوفيتش إلى أن تركيبية الإنسان مرتبطة تمام الارتباط بثنائية الإنسان والطبيعة، أي باختلاف الواحد عن الآخر رغم تفاعلهما. وهذه الثنائية هي نقطة انطلاقه والركيزة الأساسية لنظامه الفلسفي ومن خلالها يقدم الإسلام إلى الغرب.

وانطلاقا من ذلك يؤكد أنه لا يمكن إغفال المكوّن السياسي للإسلام وقصره على النزعة التصوفية الدينية، لأن في هذا "تكريسا صامتا للتبعية والعبودية". ولا يمكن كذلك إغفال المكون الديني (الروحي) في الإسلام لأن في هذا كذلك رفضا صامتا للقيام بالأعباء الأخلاقية.

ألف بيجوفيتش العديد من الكتب ذات الطابع الفكري والسياسي منطلقا من رؤيته وفهمه لعالمية رسالة الإسلام وتعاليمه، ودعا في أطروحاته ونظرياته إلى التسامح والتعايش بين مختلف الأديان والأعراق، ومن أبرز مصنفاته: "البيان الإسلامي"، و"عوائق النهضة الإسلامية"، و"الإسلام بين الشرق والغرب". وتوج عمله في التأليف نهاية 1999 بنشر مذكراته "هروبي إلى الحرية" التي سجل فيها ملاحظاته داخل السجن خلال 1983-1988.

في عام 1994، منحت السعودية بيجوفيتش جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، كما حصل على جائزة مولانا جلال الدين الرومي الدولية لخدمة الإسلام في تركيا، وجائزة الدفاع عن الديمقراطية الدولية من المركز الأمريكي للدفاع عن الديمقراطيات والحريات.

واختير في 2001 "الشخصية الإسلامية" لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم باعتباره من المفكرين الذين أسهموا في دعم الفكر الإسلامي، كما منحته دولة قطر قلادة الاستقلال، وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2007 افتتحت حكومة إقليم سراييفو متحفا يحمل اسم بيجوفيتش، وذلك في الذكرى الرابعة لوفاته.