"ميديا بارت": فرنسا مورد رئيسي للأسلحة المستخدمة في قتل اليمنيين
"سيدتي الوزيرة، لدي سؤال يزعجك... هل يجب أن نتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية؟"، هكذا أحرج الإعلامي الفرنسي من أصول مغربية علي بادو وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي حين استقبلها على قناة "فرانس إنتر".
ومع إصرار بادو على السؤال "وضعت الوزيرة يديها على الطاولة وأنهت النقاش بجملة واحدة "ليس لدي علم أن الأسلحة الفرنسية تُستخدم مباشرة في هذا الصراع".
مرت أشهر منذ أن تم طرح السؤال على الهواء، بحسب صحيفة "ميديا بارت" الفرنسية، في حين أن عقود الأسلحة بين فرنسا والسعودية تثير نقاشاً أخلاقياً وسياسياً وقانونياً، فهل توفر باريس أسلحة لعميل استخدمها لقتل مدنيين في اليمن على مدار أربع سنوات؟
حجم الأسلحة
وكشفت وثائق دفاعية سرية مسربة عن حجم الأسلحة الفرنسية المستخدمة في الحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وذلك رغم نفي حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون ذلك وإصرارها على أن ما تصدره للرياض وأبو ظبي يستخدم حتى الآن في الدفاع عن أراضيهما وليس في الحرب.
وأوضحت الصحيفة أن موقع "ديسكولز" حصل على وثائق مسربة تحمل تصنيف "الدفاع السري"، وهي عبارة عن تقرير من 15 صفحة كتبه ضباط من مديرية الاستخبارات العسكرية (DRM) في 25 سبتمبر/ أيلول 2018، بعنوان "اليمن.. الوضع الأمني".
وأفادت الصحيفة الفرنسية أن هذه الوثائق السرية أرسلت إلى الرئيس إيمانويل ماكرون وفلورنس بارلي، وكذلك إلى مقر الحكومة ووزير الخارجية جان إيف لو دريان، خلال جلسة عن الحرب في اليمن عقدت في 3 أكتوبر/ كانون الأول 2018 بقصر الإليزيه.
وبينت أن هذه الوثائق تحتوي على جداول وخرائط تكشف لأول مرة عما تحاول الحكومة الفرنسية إخفاءه عن المواطنين، أي القائمة التفصيلية للأسلحة الفرنسية المستخدمة في حرب اليمن.
وتابعت "ميديا بارت" أنه وفقا للوثائق فإن الأسلحة المستخدمة هي دبابات لوكلير، وقذائف السهم، ومقاتلات ميراج 2000-9 ورادار كوبرا، وعربات مدرعة من طراز أرافيس، ومروحيات كوجار ودوفان ومدافع سيزار.
وذكرت الصحيفة أن معدي التقرير سجلوا بدقة كل نوع من هذه الأسلحة، المباعة للجيش السعودي أو إلى جاره الإماراتي، لكن المهم في ذلك هو الكشف عن أن العديد من الأسلحة المصنوعة في فرنسا تستخدم في اليمن بما في ذلك المناطق المدنية.
كم عددها؟
ولفت التقرير في هذا الشأن إلى مدافع سيزار، المصنوعة في مدينة روان الفرنسية من قبل شركة "نيكستر"، المملوكة بالكامل للدولة، إذ يتم تركيبها على هياكل للشاحنات المستخدمة على الطرق الوعرة، ويمكنه إطلاق ست قذائف في الدقيقة على هدف يقع على بعد 42 كم.
وقالت "ميديا بارت" منذ عام 2010، سلمت فرنسا إلى السعودية ما لا يقل عن 132 من هذه المدافع، بحسب "معهد سيبري" السويدي المتخصص في الأسلحة، ويتم التخطيط لتسليمها العديد منها في الأشهر المقبلة.
وشملت وثائق DRM خريطة بعنوان "السكان المعرضون لخطر القنابل" تحدد أماكن وجود 48 من مدافع سيزار السعودية الموجهة إلى ثلاث مناطق في اليمن تنتشر فيها القرى والمزارع والفلاحين، حيث يرسم DRM دوائر كبيرة، باللون الأحمر، تحدد نطاق قذائفها، تجاه المناطق المأهولة.
وتساءلت الصحيفة هل تقصف المدافع الفرنسية هذه المناطق بالفعل؟ مشيرة إلى أن الجواب نحصل عليه في الصفحة 4 من الوثائق المرسلة إلى رئيس الجمهورية "سيزار يدعم القوات الموالية والقوات المسلحة السعودية في تقدمها على الأراضي اليمنية"، وهي كلمات بسيطة، تكشف أنها تستخدم في قصف اليمن لتمهيد الأرض للدبابات والمدرعات التي تغزو البلاد.
وذكرت الصحيفة أنه بحسب مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة (Acled) عن الوفيات بين المدنيين بنيران المدفعية مع تحديد الموقع الجغرافي لها، في مناطق إطلاق نيران بنادق سيزار، يتضح أنه بين مارس/ آذار 2016 وديسمبر/ أيلول 2018، مات 35 مدنيا خلال 52 ضربة في منطقة عمل هذه الأسلحة.
ضحايا فرنسا
ولفتت إلى أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، تراقب مختلف المنظمات غير الحكومية الإنسانية عن كثب التقدم المحرز في الحرب، ولا سيما تأثيره على المدنيين، فعلى سبيل المثال، يقوم الباحثون في Acled، ومقرها الولايات المتحدة، بتدقيق ومراجعة المعلومات من الصحافة اليمنية والمواقع التي تبلغ عن التفجيرات.
في 14 يونيو/ حزيران 2018 ذكرت وكالة الأنباء اليمنية أن "نيران مدفعية سعودية" قتلت طفلين وجرحت عدة أشخاص بالغين في شمال البلاد، وبفحص المعلومات من قبل محللي Acled، تبين أن قرية بني فايد التي تعرضت للقصف تقع في منطقة إطلاق نيران مدافع سيزار الفرنسية.
وفي 25 أغسطس/ آب 2018، استهدفت "نيران مدفعية التحالف" بلدة حرض القريبة التي يبلغ عدد سكانها 22 ألف نسمة، حيث انهار منزل واستطاع السكان التقاط جثة شخص ميت وثلاثة جرحى، وهذا القصف يقع في منطقة مدافع سيزار على الجانب الآخر من الحدود.
كذلك جرح مدنيون، ودمرت المباني في 28 أبريل/ نيسان 2018 عندما قصفت المزرق وقرية العنت، بالقرب من الحدود السعودية، حيث في هذه المنطقة الواقعة شمال اليمن، تتواجد مدافع سيزار فقط، التي -وفقا لخرائط DRM- تضع السكان تحت تهديد إطلاق النار.
إنكار حكومي
وبالنسبة للأسلحة الفرنسية الأخرى كشفت "ميديا بارت" أنه في يوليو/ تموز الماضي، قالت وزيرة الجيوش فلورنس بارلي أمام نواب لجنة الدفاع بالمجلس الوطني: "على حد علمي، لا يتم استخدام الأسلحة المباعة إلى السعودية لأغراض هجومية، ولكن لأغراض دفاعية على الحدود مع المملكة"، وهو ما أكده مكتب رئيس الوزراء من جديد خلال اتصال مع "ديسكولز".
واستدركت الصحيفة، لكن الوثائق المسربة تؤكد أن الدبابات والمدافع الفرنسية مهمتها غير "دفاعية" فبحسب المخابرات العسكرية، يوجد نحو 70 دبابة لوكلير تشارك في الصراع، من بينهم أربعين تابعين للإمارات في المخا والخوخة، وهما قاعدتان عسكريتان على الساحل الغربي لليمن.
وشددت الصحيفة أنه وفقا للبحث الذي أجراه والمستند إلى صور تم التقاطها من الخطوط الأمامية، ومطابقتها مع صور الأقمار الصناعية، شاركت لوكلير في العديد من الهجمات الرئيسية للتحالف، ومن بينها الهجوم الذي وقع بين يونيو/ حزيران وديسمبر/ كانون الأول 2018 على الساحل الغربي، حيث غادرت دبابات لوكلير قواعدها وسارت في الطريق الشمالي متجهة إلى مدينة الخوخة ومدينة زبيد القديمة باتجاه الحديدة. وتعتبر هذه المدينة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2014، البوابة الرئيسية للمواد الغذائية الأساسية مثل القمح أو الأرز أو السكر وأحد الأهداف العسكرية ذات الأولوية للتحالف.
وأوضحت "ميديا بارت" في وثائقهم أشار محللو الاستخبارات الفرنسية إلى أنه "منذ مارس/ آذار 2015، قامت الرياض بحملة من الضربات الجوية الضخمة والمستمرة"، ووفقا لهم، نفذ التحالف 24 ألف ضربة منذ عام 2015، بما في ذلك 6 آلاف في عام 2018 فقط.
وأعلن جان إيف لو دريان في 13 فبراير/ شباط أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية أن "العمل الذي تقوم به السعودية يتم بشكل أساسي عن طريق الجو"، قبل تأكيده "نحن لا نقدم أي شيء للقوات الجوية السعودية"، وهذا كذب كما يتضح من وثائق DRM.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الوثائق تحدد أن الطائرات المقاتلة السعودية مجهزة بجوهرة تكنولوجية صممها ويعمل على صيانتها مهندسون فرنسيون وهي "داموكليس" إذ يتيح نظام الليزر هذا، المصنع من قِبل تاليس، للطيارين توجيه جميع أنواع الصواريخ، بما فيها رايثون الأمريكية، الذي قتل 12 طفلاً يمنيًا و3 بالغين في 20 سبتمبر/ أيلول 2016، في منطقة المتمة شمال اليمن وفقًا لمسح أجرته شبكة "سي إن إن".
وذكرت أن هذا النظام لا غنى عنه في الضربات المستهدفة، إذ أن "داموكليس" أيضا تجهز به الطائرات المقاتلة الإماراتية المصنوعة في فرنسا، كما هو الحال في ميراج 2000-9 التي تأكد بالفعل استخدامها في حرب اليمن.
أهم عملائها
ومن بين الأسلحة الأخرى التي تصدرها فرنسا وتشارك مباشرة في هذه الحرب، طائرة كوجر الهليكوبتر القتالية المسؤولة عن نقل القوات السعودية، أو طائرة A330 MRTT المخصصة للتزود بالوقود، إذ قدمت "إيرباص" ستة منها إلى السعودية وثلاثة إلى الإمارات، مؤكدة أن هذه الأسلحة التسعة التي تم تجميعها في مدينة تولوز تلعب دورا حاسما في اليمن.
كما بينت أنه منذ ربيع عام 2015، تقوم السفن الحربية التابعة للتحالف بفرض حظر على ميناء الحديدة من البحر، ورسميًا لتنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الحوثيين من خلال فحص الشحنات المشبوهة، لكن في الواقع، يحظرون أيضا الطعام والوقود والأدوية التي يجب أن توفر لأكثر من 20 مليون يمني.
ولفتت إلى أنه بحسب تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) نُشر في أغسطس/ آب 2018، هذا الحظر قائم على "أساس تعسفي بشكل واضح".
كما أعلنت أنه رغم تأكيد الدبلوماسية الفرنسية علنًا على أن رفع هذا الحصار "أولوية" لفرنسا، فإن الوزيرة فلورنس بارلي تغفل عنصراً رئيسياً، مشاركة سفينتين فرنسيتين "في الحصار البحري" الذي ينتج عنه تضور ملايين اليمنيين جوعا، ويشمل هذا الفرقاطة السعودية من فئة مكة ومجموعة من طراز صواريخ بينونة الإماراتية.
وفي ختام تقرير "ميديا بارت" اعتبرت الصحيفة أن المصالح التجارية لفرنسا تجعل باريس في موقف انفصام الشخصية، فالدولة الفرنسية هي ثالث أكبر بائع أسلحة في العالم، والإمارات والسعودية هما ثاني وسادس أكبر عملائها، وفقا لوزارة القوات المسلحة.
وفي الوقت نفسه، فرنسا من الدول الموقعة على معاهدة تجارة الأسلحة (ATT)، التي تلزم الحكومة الفرنسية "بعدم التصريح بأي تصدير للأسلحة"، يمكن استخدامه في ارتكاب "هجمات" ضد المدنيين أو الأحياء المدنية أو غيرها من جرائم الحرب. وفي هذه النقطة، تقول حكومة ماكرون إن المعاهدة "يتم تنفيذها" عندما تقرر التصريح بتصدير أسلحة حربية.