"يني شفق": الاقتصاد تحدي تركيا الأكبر بعد الانتخابات.. ما المطلوب؟
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا للكاتب شهب كاجي أوغلو، تناول فيه الانتخابات المحلية التي أجريت الأحد الماضي، مشيرا إلى أن "التحدي الأكبر الآن هو الاقتصاد، لاسيما أن البلاد لن تشهد أي انتخابات لفترة زمنية طويلة تمتد لأكثر من 4 سنوات".
وشدد الكاتب على "أهمية هذه الانتخابات ونتائجها، خصوصا وأنها الأولى كانتخابات محلية تأتي بعد تغيير النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي في الـ 16 من أبريل/نيسان 2017".
"تحالف الجمهور"
وأوضح كاجي أوغلو أن "تركيا وفي هذه الانتخابات شهدت زخما انتخابيا كبيرا؛ حيث صوّت 56 مليونا و911 ألفا و967 ناخبا لتحديد 30 مرشحا عن البلديات الكبرى في 81 مدينة و922 بلدية و8 آلاف 270 مرشحا في 386 بلدة".
ولفت إلى أن "هذه الانتخابات بنتائجها التي أعلنت بشكل أولي، حُدد فيها رؤساء البلديات لمدة خمس سنوات، ويبلغ عدد البلديات التي أجريت الانتخابات من أجلها 389 ألف بلدية".
وأكد الكاتب التركي، أن التطورات السياسية كانت لافتة بعد الانقلاب الفاشل في 2016، حيث دخل حزب "العدالة والتنمية" مع "الحركة القومية" في تحالف أُطلق عليه "تحالف الشعب أو الجمهور"، وكان هذا التحالف لأول مرة قد ظهر للنور في الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو/حزيران 2018، ودخل فيه الحزب الثاني داعما للأول، وفق تفاهمات معينة، الأمر الذي حقق فيه أردوغان الفوز في الانتخابات وتمكن بفضل هذا التحالف من تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي.
وشدد كاجي أوغلون على أن الحزبين بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان ودولت بهجلي قررا المضي في التحالف، بالانتخابات التي عقدت في 31 مارس/آذار الماضي من العام الجاري 2019. في كثير من المدن ومنها إسطنبول وأنقرة وإزمير.
وكما كان متوقعا، تمكن الحزبان من الفوز في الانتخابات الرئاسية فاز الحزبان في الانتخابات المحلية في نسختها الـ19 منذ تأسيس الجمهورية التركية.
يذكر أنه حتى وقت كتابة هذا المقال، فإن التحالف لم يحقق فوزا في تلك المدن الثلاثة، ولم يحقق فوزا يمكنه من الحصول على مقاعد البلديات الكبرى فيها، لكن النسبة العامة كانت لصالح التحالف.
ومضى الكاتب قائلا: تمكن "تحالف الجمهور" بقيادة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية من أجل دولتنا وأمتنا، وقيادة حزب الحركة القومية، من الظهور كأغلبية متفوقة من الانتخابات المحلية في 31 مارس/آذار الماضي، كما حدث في الانتخابات العامة التي أجريت في 24 يونيو/ حزيران 2018.
وكانت النتيجة بحسب الكاتب، هي فوز الأغلبية التي تدعم العدالة وتحالفه، وقرر الجمهور أن تستمر حكومة العدالة والتنمية التي تحكم البلاد منذ 16 عاما، ذلك الحزب المؤسس عام 1994.
"لا أزمة اقتصادية"
ورأى كاجي أوغلو، أن الوصول لهذه النتيجة، وإن لم تكن مرضية للكثيرين، لكنها جاءت بصعوبة بالغة، خاصة وأن الكثيرين من المواطنين الأتراك المقيمين خارج البلاد وحتى داخله عملوا على التسويق، أن هناك أزمة اقتصادية وسياسية تعيشها البلاد جراء سياسة حزب العدالة والتنمية مع الأزمات المختلفة وطريقة تعاطي الرئيس أردوغان، مع المعطيات المختلفة.
وتابع: "هؤلاء عملوا فقط من أجل أن يقللوا دعم الناس والمواطنين الأتراك لحزب العدالة والتنمية"، مشددا على أن "هؤلاء عملوا بكل ما أوتوا من قوة من أجل تحويل الناس عن حزب العدالة والتنمية".
وأعرب الكاتب عن اعتقاده، بقوله: إن "هؤلاء كانوا مخطئين، فلا أزمة اقتصادية ولا دبلوماسية في تركيا"، منوّها إلى أن "ديناميات الاقتصاد التركي قوية للغاية، والقيادة هناك كانت وما زالت قيادة مسؤولة".
وأشار في الوقت نفسه إلى أن قضية "البقاء" هي أن الانتخابات الأخيرة وكل انتخابات هي أزمة بقاء، وبعبارة أخرى "نكون أو لا نكون" جعلت من الأتراك يقفون خلف الانتخابات؛ ككل مرة بصلابة ويعطونها أولوية قبل كل شيء.
وإن كان هناك انزعاج، أو عدم تقبل من مرشح حزب العدالة والتنمية في منطقة ما، فإن تحالف الجمهور عمل على معالجة هذا الانزعاج ومعالجة هذا القصور في غير منطقة ومدينة في عموم تركيا.
"غولن والعمال"
في المقابل، أكد الكاتب أن "هناك موقف معاكس عمدت إليه المعارضة في تركيا بدعم وتوجيه من منظمة فتح الله غولن وببصمات من حزب العمال الكردستاني؛ حيث يريدون السيطرة على البلاد، وخاصة المفاتيح الاقتصادية منها لإحداث عملية تدهور في التوازن الاقتصادي".
يذكر أن تركيا وبشكل خاص مدينتي إسطنبول وأنقرة، شهدتا أزمة أسعار وصفها الرئيس أردوغان بأنها "فاحشة" عمل هو وحكومته على حلها جزئيا عبر نقاط بيع مدعومة من خلال البلديات، لكن هذه الحلول كانت مرحلية ولم تعالج الأزمة من جذورها؛ قبل أن يعلن أردوغان أنه سيعمل على حلها بشكل نهائي بعد الانتخابات.
وتابع الكاتب، أنه لحسن الحظ إن انتخابات الـ31 من مارس/آذار، حالت دون أن تحقق هذه الأطراف مرادها، وأن تحدث هزة عنيفة في الاقتصاد التركي، أو حتى في النظام السياسي الجديد وزعيمه.
وأكد كاجي أوغلو، أن تركيا على موعد مع استقرار انتخابي لمدة تزيد عن 4 سنوات ستمنح قيادات البلاد، الفرصة لتحقيق التحولات الهيكلية الأساسية التي يحتاجها الاقتصاد بسرعة.
وذكر الكاتب، أن وزير الخزانة والمالية براءت آل بيرق، أعلن إن وزارته رتبت حزم إصلاح شاملة، ستعمل عليها منذ فترة طويلة، في الأسبوع الأول الذي يلي الانتخابات وبيّن الوزير أن الحزمة تشمل تغييرات كبيرة في العديد من المجالات، من الضرائب إلى الهندسة المالية، ومن الزراعة إلى أسواق رأس المال.
ورأى، أن هذه الحزمة ستكون خارطة الطريق لاقتصاد أكثر قوة ونموا واستقرارا؛ بحيث يصل الاقتصاد التركي إلى نظام أكثر إنصافا ورسوخًا، كما سيتم تخفيض الضرائب غير المباشرة، وسيتم تسريع الانتقال إلى الاقتصاد النامي. وسيتم اتخاذ خطوات للحد من البطالة وتحسين توزيع الدخل، وأيضا سيتم إعادة هيكلة خطط الإنتاج في الزراعة وسيتم تقديم نظام الحوافز.
خطوات اقتصادية
وشدد الكاتب على أنه وفي السياق ذاته؛ ومن أجل زيادة نسبة المنتجات ذات التكنولوجيا العالية في الصادرات، ينبغي استثمار موارد التمويل في استثمارات طويلة الأجل؛ من أجل زيادة إنتاج المنتجات ذات القيمة المضافة ونقلها إلى الاستثمارات اللازمة لإنتاج المدخلات المستوردة التي يمكن إنتاجها في تركيا.
وشدد على أن إنتاج العناصر الأولوية في البلاد سيؤدي إلى تقليل الواردات وبالتالي التقليل في عجز الحساب الجاري. وتابع، يعد انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتدفقات رأس المال في الاقتصاد من مشاكل النمو، والدين الخارجي وعجز الحساب الجاري. ومن أجل زيادة جاذبية الاستثمار المباشر، ينبغي اتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لتحقيق الاستقرار.
ومضى الكاتب يؤكد، أنه في القطاع الزراعي، ينبغي زيادة الحوافز لزيادة الإنتاج المحلي بدلا من الواردات كما يجب زيادة الحوافز الحكومية؛ وعلى وجه الخصوص، يمكن زيادة العمالة والإنتاج عن طريق زيادة التنوع في استثمارات القطاع الخاص.
كما يجب بحسب الكاتب، أن تكون الدعامات اللاحقة موجهة نحو التصدير أكثر من الاستيراد، وينبغي تشجيع السياحة وتعزيز قطاعات مختلفة مهما بدت صغيرة مثل الجلود والآلات والحديد والصلب والسيارات، وكسب العملات الأجنبية وخلق فرص عمل في مجالات إستراتيجية.
وختم الكاتب مقاله بالقول إن "تركيا بعد هذه الانتخابات على موعد مع الإنتاج والعمل والنمو والتنمية، والإرادة الوطنية والاستقلال والمستقبل السياسي"، لافتا إلى أن "مراسم إجراء الانتخابات المحلية ككل الانتخابات السابقة، عززت من السمعة الديموقراطية الطيبة لتركيا، وهذا يعني بشكل أو بآخر تعزيز الاستقلال الاقتصادي وتشجيع بيئة سالمة وآمنة للاستثمار المحلي والخارجي".