مليون إصابة بالكوليرا.. لماذا يُهمل تفشي الأوبئة في اليمن؟

آدم يحيى | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

شهدت الأوضاع الصحية في اليمن تدهورا منذ انقلاب الحوثيين على الدولة، وضاعفت العملية العسكرية التي شنها تحالف الرياض أبو ظبي من انهيار البنى الصحية للدولة، وأدى ذلك لانتشار الأوبئة والأمراض في مناطق سيطرة الحوثيين، إضافة إلى المحافظات الجنوبية الخاضعة لسيطرة تشكيلات مسلحة تابعة للإمارات.

وصلت حالات الوفاة والإصابة بالأوبئة لمستويات قياسية، حيث كشف تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، أن حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن بلغت منذ بداية العام 2019 وحتى 17 مارس/آذار الجاري، نحو 109 آلاف إصابة، فيما بلغت حالات الوفاة بسبب المرض 190 حالة منذ يناير/كانون الثاني الماضي،  ثلثهم من الأطفال دون سن الخامسة.

1.5 مليون مصاب 

وأضافت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف، أن اليمن شهد أوسع حالة لتفشي الكوليرا، حيث تم الإبلاغ عن إصابة أكثر من مليون حالة بداء الكوليرا منذ اندلاع الحرب حتى نهاية 2017.

و بحسب تقرير أحدث  للأمم المتحدة أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فقد تسببت الكوليرا بوفاة نحو 2700 يمني، ثلثهم أطفال، فيما أصيب حوالي مليون و400 ألف شخص، بينهم 657 ألف طفل.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد قالت في وقت سابق، إن العديد من المرضى اليمنيين يفقدون حياتهم لعجزهم عن تحمل تكاليف العلاج، وأن عددا منهم يموتون بأمراض يمكن الوقاية منها.

أسرع انتشار بالتاريخ

وكانت منظمة" أوكسفام" الدولية، قالت إن "أزمة وباء الكوليرا سجلت أسرع انتشار لها في التاريخ"، نتيجة تدهور نظام العناية الصحية، وانخفاض مخزون البلاد من الإمدادات الطبية إلى مستوى خطير بحسب بيانات الأمم المتحدة، و انهيار الاقتصاد اليمني وتوسع نطاق الحرب.

وعلى الصعيد ذاته، كشفت المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن موت طفل دون سن الخامسة كل 10 دقائق، لأسباب يمكن الوقاية منها، فيما يعمل العديد من الأطباء والممرضين من دون مقابل أو لا يحصلون على حد الكفاف من الأجور. 

وفي اليومين الماضيين، أعلن مكتب الصحة بتعز، تسجيل 20 حالة وفاة بالكوليرا، ونحو 2120 حالة إصابة في مديريات المحافظة منذ بداية العام الجاري، وقال المكتب في بيان له، إن "عدد الحالات المشتبهِ إصابتُها بالوباء بلغت نحو 5125 حالة".

وقالت مصادر طبية، لقناة "بلقيس" اليمنية، إن "أكثر من ثلاثين شخصا توفوا في محافظة ريمة جراء إصابتهم بوباء الكوليرا، وأن الوضع الصحي في المحافظة يتفاقم بسبب انتشار الوباء في عدد من مناطق المحافظة".

أوبئة تعود من جديد

عادت أمراض وأوبئة كانت اليمن قد أعلنت التخلص منها في وقت سابق، وترافقت مع المعارك الضارية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، فإلى جانب الكوليرا، عادت الدفتيريا، والحصبة، والجدري، وحمى الضنك، وانفلونزا الخنازير، وغيرها من الأوبئة التي راح ضحيتها الآلاف منذ اندلاع الحرب، وبحسب مصادر طبية لـ"الأناضول"، يعود تمدد الوباء في الآونة الأخيرة إلى ضعف كبير في التجهيزات الطبية وشح شديد في اللقاحات. 

من جهته، قال الكاتب والصحفي اليمني صقر الصنيدي، في حديث لـ"الاستقلال"، إنه "حتى مرض العمى النهري أو داء السوداء، والذي كانت اليمن أعلن التخلص في عام 2000، بعد أن تمت محاربته منذ  1989، عاد من جديد إلى وادي سردد بمحافظة الحديدة، ليصيب بالعمى ضحايا نجوا منه في وقت سابق".

وكانت منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، قد أشارتا إلى تفاقم الأحوال بسبب الأوضاع السيئة لأنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي، واستخدام المياه الملوثة للزراعة، وعدم ضمان توفر الكهرباء لتخزين الطعام، ونزوح العائلات التي تفرّ من وجه العنف المتصاعد، خاصة في الحديدة وتعز.

التحالف والوباء

تسبب العملية العسكرية التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية، بانهيار أساسات الدولة وبناها الصحية والاقتصادية، وأدى ذلك إلى انتشار الأوبئة والمجاعات، وأسهمت الأوضاع الاقتصادية المتردية وانقطاع المرتبات بتفاقم الوضع الصحي في عموم البلاد.

وقال الكاتب والباحث يحيى الجراش لـ"الاستقلال": "طول أمد الحرب واتساع نطاقها تسبب بكل تلك الكارثة الصحية، في الوقت الذي يقول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عدد من لقاءاته: لا مشكلة لدينا في عدم حسم الحرب، نحن نفسُنا طويل، والوقت من صالحنا".

وفي السياق ذاته، قالت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل، توكل كرمان في تصريح لها، إن التدخل التحالف العربي في اليمن تسبب بأسوأ كارثة إنسانية من صنع الإنسان في التاريخ الحديث، وبسقوط آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، لا سيما النساء والأطفال، وبانتشار الأوبئة وتدمير البنية التحتية.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قد نشرات تقريرا يوضح أن "أزمة المجاعة في اليمن تعود للسياسات المتعمدة التي يمارسها التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على البلاد، ويتضمن التقرير صورا وتقارير فيديو صادمة، يعود معظمها للضحايا من الأطفال".

أساس الوباء

مثلَّ الانقلاب الذي قاده الحوثيون بداية الأزمة، وقال الكاتب و الراصد الحقوقي، محمد الأحمدي، لـ"الاستقلال"، إن "الحوثيين عملوا على تدمير قطاع الصحة بشكل ممنهج من خلال قطع مرتبات الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وإيقاف الدعم عن المشافي والمراكز الصحية، وتحويل الاعتماد الشهري الخاص بالقطاع الصحي لصالحهم".

لم يقتصر عمل الحوثيين على ذلك فحسب، بل نهبوا المساعدات الطبية الدولية والمتاجرة بها في السوق المحلية، فيما تمنع الفرق الطبية التابعة للمنظمات الصحية من تنفيذ حملات تطعيم ضد الأوبئة في مناطق سيطرتها.

وكان برنامج الغذاء العالمي لجماعة الحوثي التي تقوم بالاستحواذ على المساعدات والمعونات المقدمة من المنظمات والمجتمع الدولي وبيعها في السوق السوداء لصالح أشخاص وصلوا إلى الثراء الفاحش على حساب ما يتم تقديمه للمجتمع من معونات طارئة مختلفة.

ونقل "الموقع بوست" عن عضو نقابة الأطباء الدكتور نبيل الأسدي قوله إنه "منذ أربعة أعوام والحوثيون يحاصرون مدينة تعز ويمنعون دخول لقاحات الأطفال، في ظل انتشار أمراض الشلل والحصبة، إضافة لمرض السل، ما زاد من وطأة نقص الأدوية والمستلزمات واللقاحات، خروج المئات من  الأطباء من تعز".

وكان الحوثيون قد باعوا لأحد التجار، كمية كبيرة من مادة الكلور التي قدمتها منظمة "اليونيسيف" ضمن برنامج مساعدات الدعم الخاصة بمكافحة الكوليرا وتنقية مياه الشرب.

الأوبئة في عدن

تخضع مدينة عدن لسيطرة التشكيلات المسلحة التابعة للإمارات، ويشهد الوضع الصحي ترديا، تسبب بانتشار موجة من وباء الكوليرا في المدينة، فبالرغم من نفي وزير الصحة العامة والسكان ناصر باعوم،  وجود انتشار لوباء الكوليرا في عدن، إلا أن تقارير صحفية استقصائية سابقة، قد تحدثت عن انتشار لوباء الكوليرا، تسببت بوفاة سبع حالات وإصابة العشرات.

وقد تحدثت مصادر صحفية عن عودة انتشار وباء الكوليرا مجددا في أحياء عدن، بشكل متسارع، الأمر الذي أثار مخاوف لدى الأهالي في المحافظة الخاضعة لسيطرة الإمارات منذ أربع سنوات، وبحسب مصادر صحية في المدينة فإنه تم تسجيل أكثر من 12 حالة مصابة بوباء الكوليرا، في مديرية المنصورة.

وقال الناشط والراصد الحقوقي، موسى النمراني، إنه "رغم من انتشار الكوليرا في كل مناطق اليمن، بما في ذلك عدن، إلا أن السلطات الخاضعة لسيطرة الإماراتيين في عدن لا تفصح عن الأمر، استجابة لرغبة الإمارات، التي لا تريد أن تظهر بأنها لم تواجه الوباء، رغم قدرتها على مواجهته، ولهذا التكتم بالطبع أثره السلبي في مواجهة هذه الكارثة بشكل فاعل".