في ظل "تكتيكات التهرب".. كيف تحاول واشنطن عرقلة صادرات النفط الإيراني؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل الولايات المتحدة تعقب الصادرات الإيرانية من النفط ومنع طهران من كسر العقوبات المفروضة عليها في هذا القطاع لتمويل اقتصادها.

إذ يؤكد الخبراء أن إيران تنجح إلى حد ما في تسويق وبيع نفطها سواء بطرق التفافية أو عبر دول صديقة لها.

وأمام ذلك، يبدو أن عين الرقيب الأميركي على إيران تبقى حاضرة وتسعى عبر مزيد من الإجراءات لتطويق تجارتها المربحة من النفط الذي تنتجه بغزارة.

مراقبة نفط إيران

وفي أحدث هذه الخطط، تقديم السيناتور الأميركي الجمهوري، ليندسي غراهام، في 24 يوليو/تموز 2024 خطة قانونية يتعين بموجبها على واشنطن فرض رسوم جمركية على الدول التي تشتري المنتجات النفطية من إيران.

وقدم السيناتور الجمهوري هذا المقترح بعد العديد من المناقشات والمشاورات مع المرشح الرئاسي، دونالد ترامب.

وكتب في حسابه على منصة "إكس": "منذ فترة طويلة، يجب على أولئك الذين يعززون هذا النظام الإرهابي أن يدفعوا ثمن عملهم، ولا توجد تكلفة أفضل من فرض رسوم جمركية على البضائع التي تدخل الولايات المتحدة".

وإذا ما جرى تنفيذ هذا الإجراء، فإن الرسوم الجمركية ستكون بمثابة عقبة أمام قدرة طهران على تصدير نفطها إلى الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة.

وفي تصريحات صحفية لموقع "جوش إنسايدر" الأميركي، في 24 يوليو 2024، أشار ليندسي غراهام، إلى أن "إيران تستخدم أرباحها النفطية لتمويل الإرهاب وبرنامجها النووي المتوسع".

ويرى غراهام أن إحدى أكثر الطرق فعالية لمكافحة إيران هي عزلها اقتصاديا.

ومازالت إيران تنتج نحو 3,2 ملايين برميل نفط يوميا، وفقا لوكالة الطاقة الدولية التي صنفتها في المرتبة التاسعة بين أكبر منتجي النفط الخام بالعالم.

في يونيو/حزيران 2024 قال غراهام إن إيران قد "أثرت بشكل كبير" من خلال مبيعات النفط في السنوات الأخيرة، وأن العقوبات "إما أن إيران تتجنبها أو لا تطبقها إدارة (جو) بايدن".

وتابع في ذلك الوقت: "تشتري الصين النفط بأقل من سعر السوق من إيران وكذلك تفعل دول أخرى، وتشتري الأسلحة وتثري هذه الدولة الإرهابية".

وراح يقول إن "العقوبات مهمة ولكن جرى التهرب منها كثيرا. لذلك نقترح فرض تعريفة جمركية على أي دولة تشتري النفط من إيران، لأنها تشتري النفط بأقل من سعر السوق مما يمنح اقتصادها ميزة على اقتصادنا".

ورأى غراهام: "أن إحدى الطرق للتعامل مع هذه المشكلة هي إخبار أي شخص وكل شخص أنه إذا اشتريت النفط من الإيرانيين، فسيتم فرض تعريفة جمركية على منتجاتك عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة. يتعين علينا ضرب إيران في جيبك".

لكن يبدو أن الصين منافسة الولايات المتحدة في كثير من القطاعات، لا تلقي بالا لتحذيرات واشنطن حول التعاملات النفطية مع إيران.

فقد قالت شركات تتبع ناقلات النفط ومصادر تجارية إن واردات الخام الإيراني تتدفق منذ أواخر 2023 إلى ميناء ومدينة داليان الصينية المشهورة بنشاط التكرير، مما يساعد في الحفاظ على مشتريات البلاد من النفط عند مستويات قياسية تقريبا.

وذكر متعاملون لوكالة رويترز البريطانية في 27 يوليو 2024 أن هذا التدفق حدث مع تراجع الطلب على الخام الإيراني من صغار المشترين في إقليم شاندونغ، وهو مركز تكرير مستقل، في مواجهة تدهور هوامش التكرير بسبب ارتفاع أسعار الخام، وكانوا قد أصبحوا أبرز مشترين للنفط الإيراني في الصين منذ عام 2019.

وأعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران في 2018 بعد انسحابها من الاتفاق النووي المبرم في 2015 والذي كان يسمح لطهران ببيع النفط مقابل وضع قيود على برنامجها النووي.

وانخفض بعد ذلك عدد قائمة مشتري النفط الخام الإيراني بشكل حاد ووجهت إيران معظم صادراتها إلى الصين وكميات أصغر منها إلى سوريا حليفتها في المنطقة.

سوق متاح

لكن الصين لم تتوقف عن شراء النفط الإيراني، إذ سدت المصانع المستقلة، التي تعمل على زيادة الهامش، الفراغ الذي خلفته الشركات الحكومية الحذرة من العقوبات، حسبما أفادت به رويترز.

وقالت شركة فورتيكسا الاستشارية التي تتعقب تحركات الناقلات إن 23 شحنة، أو ما مجموعه 45 مليون برميل، من النفط الإيراني جرى تفريغها في داليان بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويونيو 2024.

وأوضحت أن هذا يشمل 28 مليون برميل فرغت في جزيرة تشانغشينغ، على بعد حوالي 85 كيلومترا إلى الشمال الغربي من وسط داليان.

وقدرت شركة كبلر الاستشارية أن الصين جلبت 34 مليون برميل إلى داليان خلال نفس الفترة.

وتعادل الأرقام ما يتراوح بين 124 و164 ألف برميل يوميا، أي ما يقرب من 13 بالمئة من إجمالي واردات الصين من النفط الإيراني خلال النصف الأول من عام 2024.

وتقول الصين إنها تعارض العقوبات أحادية الجانب على إيران، ومع ذلك، يرى متتبعو ناقلات النفط وتجار أن المتعاملين يعيدون تصنيف النفط الإيراني المتجه إلى الصين على أنه من أماكن أخرى، مثل ماليزيا أو سلطنة عمان أو الإمارات.

اللافت أن واردات الخام الإيراني التي وجدت سوقا جديدة لها شمال شرق الصين، تزامن مع إظهار بيانات رسمية نشرت في 20 يوليو 2024 انخفاض واردات الصين من النفط الخام من السعودية، ثاني أكبر مورد لها بعد روسيا.

إذ أظهرت البيانات تراجع الشحنات التي تلقتها الصين من السعودية في يونيو 2024 على أساس سنوي 14 بالمئة إلى 6.82 ملايين طن. 

وانخفضت الشحنات من المملكة منذ بداية 2024، 13 بالمئة على أساس سنوي إلى 40.38 مليون طن، أو ما يعادل 1.62 مليون برميل يوميا.

وفي دليل على أن بعض الدول لا تحترم العقوبات الأميركية على إيران، أكد وزير النفط الإيراني جواد أوجي، مطلع يوليو 2024 أن طهران تبيع النفط الخام إلى 17 دولة، وفق ما نقلت وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء.

وقال في مقطع فيديو نشرته الوكالة ردا على سؤال عن تقارير أجنبية بشأن دول أوروبية تستورد النفط الخام الإيراني "نبيع نفطنا أينما نريد. وفي الواقع، نصدر إلى 17 دولة تشمل (دولا في) أوروبا".

وذكر أوجي أنه لا يستطيع الإدلاء بتفاصيل أخرى عن الكميات المباعة أو هوية المشترين بسبب حساسية الموضوع.

وفرضت الولايات المتحدة في 27 يونيو 2024 عقوبات جديدة تستهدف إيران ردا على "التصعيد النووي المستمر".

واستهدفت العقوبات الجديدة ثلاث شركات مقرها الإمارات اتهمتها الولايات المتحدة بالتورط في نقل النفط الإيراني أو منتجات بتروكيماوية، وذلك بالإضافة إلى 11 سفينة مرتبطة بها.

وسبق ذلك بيومين فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات اقتصادية على شبكة مصرفية موازية مرتبطة بالنظام الإيران للالتفاف على العقوبات وإتاحة الوصول إلى النظام المصرفي العالمي.

وشملت العقوبات وقتها "50 كيانا وفردا يشكلون فروعا لشبكة مصرفية موازية متشعبة".

وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو إن "الولايات المتحدة تتخذ إجراءات ضد نظام مصرفي مواز ضخم يستخدمه الجيش الإيراني لتبييض مليارات الدولارات من النفط والعائدات غير المشروعة الأخرى".

وذكرت واشنطن أن "مليارات الدولارات" مرت عبر هذه الشبكة منذ عام 2020، وتؤكد أن بيع المنتجات النفطية والبتروكيماوية يشكل مصادر دخل للنظام الإيراني.

وكثيرا ما أكد مسؤولون رفيعون في وزارة الخزانة الأميركية أن إيران تعتمد على مزوّدي خدمات ماليزيين للالتفاف على العقوبات وبيع نفطها في المنطقة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في الوزارة الأميركية لم تذكر اسمه في 7 مايو/أيار 2024 قوله إن شحنات النفط أُرسلت إلى مشترين في المنطقة عبر المياه قرب سنغافورة وماليزيا.

وأضاف المسؤول أن "قدرة إيران على نقل النفط اعتمدت على هذا النوع من مزودي الخدمات ومقرهم ماليزيا".

وتابع أن "إيقاف شحنات النفط هذه سيسدد ضربة حاسمة لقدرة إيران على تمويل هذه الهجمات حول العالم بما في ذلك هجمات الحوثيين الذين يهددون حاليا حركة الملاحة التجارية".

وضمن هذا السياق، يرى​​ المحلل في بنك "اس إي بي" السويدي "أولي هفالباي"، أن "تطبيق العقوبات على إيران خصوصا على صادرات النفط الإيرانية، يمكن أن يؤدي إلى خسارة ما بين 500 ألف إلى مليون برميل يوميا من إمدادات النفط".

وقال "هفالباي" لوكالة الصحافة الفرنسية في أبريل 2024 "مع ذلك، يفترض أن يبقى إنتاج إيران اليومي أعلى من نحو 1,9 مليون برميل من النفط وهو ما كانت تنتجه في منتصف عام 2020، بعد انسحاب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاق النووي".

"أسطول الظلام"

وقطعت العقوبات الأميركية الطريق أمام إيران عن معظم عملائها التقليديين، مما أجبر طهران على البحث عن مشترين جدد وبيع نفطها بأسعار مخفضة.

وعززت إيران مبيعاتها في السنوات الأخيرة من خلال التحايل على العقوبات، بما في ذلك استخدام "أسطولها المظلم" من الناقلات لنقل شحنات النفط بشكل غير قانوني إلى الصين.

وتتضمن هذه التكتيكات عمليات من سفينة إلى أخرى لتفريغ النفط، والوسطاء، وتحويلات الأموال الخفية، وإعادة تسمية النفط لإخفاء أصله الإيراني وجعله يبدو وكأنه قادم من دولة ثالثة.

ولهذا فإن ناقلات النفط الإيراني تلعب دورا كبيرا في الالتفاف على العقوبات عبر تزوير مواقعها أو التلاعب بإشارات نظام التعرف الآلي إلى تزوير المستندات.

ويرى الخبراء أنه حتى مع الخصومات الكبيرة، فإن بيع النفط الإيراني مربح للغاية ومستدام؛ وذلك لأن التكلفة الهامشية للإنتاج في إيران تبلغ حوالي 15 دولارا أو أقل للبرميل.

وقد تتبعت منصة "قائمة لويدز"، التي تغطي أخبار الشحن البحري وتحليلات السوق، 11 ناقلة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات بسبب صلاتها بإيران بين يناير ومارس 2024، ووجدت أن معظمها اختفى، وتلاعبت بمواقعها، ورفع بعضها أعلاما كاذبة لمواصلة التداول.

ونشر الموقع تقريرا له في 22 يوليو 2024 قال فيه إن  7 من ناقلات النفط الإيراني المتعقبة بثت بيانات موقع خاطئة عبر نظام التعرف الآلي، منذ تصنيفها.

وأشار نادر إيتيم، محرر الشرق الأوسط في شركة "أرجوس ميديا" (مقرها المملكة المتحدة) إلى أن "إيران تعمل باستمرار على تطوير وتوسيع ليس فقط شبكة الوسطاء وشركات التداول المشاركة في بيع نفطها، ولكن أيضا أسطولها الخاص من ناقلات النفط الخام"،  حسبما قال لإذاعة أوروبا الحرة في مطلع مايو 2024.

وأمام ذلك، فإن إيران باتت تصدر النفط أكثر من أي وقت مضى على مدى السنوات الست الفائتة مما منح اقتصادها 35 مليار دولار في الوقت الذي تبحث فيه دول غربية تشديد العقوبات عليها، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير لها في 18 إبريل 2024.

وقالت الصحيفة إن طهران باعت 1.56 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، كلها تقريبا إلى الصين وهو أعلى مستوى منذ الربع الثالث من 2018 وفقا لشركة فورتيكسا للبيانات.

وعلى الرغم من عمل إدارة البيت الأبيض الحالية على تقليص قدرة إيران على تصدير النفط، إلا أن محللين يرون أن التوقعات الاقتصادية لطهران تبدو أكثر غموضا من أي وقت مضى مع احتمال أن تؤدي عودة ترامب إلى السلطة إلى فرض عقوبات أشد على قطاع النفط الإيراني.