مقترح حقيقي أم مناورة لكسب الوقت؟.. قراءات متباينة بشأن صفقة جديدة لغزة

شدوى الصلاح | منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

بينما يواصل الكيان الإسرائيلي تصعيد إبادته الجماعية في مدينة غزة، تواصل وسائل إعلام عبرية وأميركية الترويج لوجود “تقدم” بمباحثات جارية بشأن خطة للرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

إذ يواصل الاحتلال شن غاراته على غزة لنسف ما تبقى  من تجمعات للنازحين وبنايات سكنية، ويعمّق التوغل البري داخل أحياء المدينة التي تخضع لحصار مشدد، كما نفّذ أحزمة نارية ليلية، بهدف دفع السكان نحو الإخلاء والنزوح للجنوب.

في السياق، أعلنت كتائب القسام في 28 سبتمبر/أيلول 2025، انقطاع الاتصال مع الأسيرين الإسرائيليين في مدينة غزة (عمري ميران ومتان انغريست) نتيجة العمليات العسكرية الهمجية والاستهدافات الإسرائيلية العنيفة في حيي الصبرة وتل الهوا خلال الساعات الـ48 الأخيرة".

 وتابعت: "حياة الأسيرين في خطرٍ حقيقي، وعلى قوات الاحتلال التراجع فورا إلى جنوب شارع 8، وإيقاف الطلعات الجوية لمدة 24 ساعة ابتداءً من الساعة 18:00 من مساء اليوم حتى يتم محاولة إخراج الأسيرين.. وقد أعذر من أنذر".

وعلى الصعيد السياسي، ادعى الرئيس الأميركي أن المباحثات الجارية بشأن خطته لوقف الحرب في قطاع غزة "تتقدم بشكل جيد جدًا"، وذلك عشية لقائه المرتقب مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.

وكان ترامب قد طرح خلال لقاء مع قادة دول عربية وإسلامية باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 23 سبتمبر خطة من 21 بندا لإنهاء الحرب على غزة.

وحسب صحيفة "واشنطن بوست"، تتضمن الخطة وقفا فوريا للعمليات العسكرية، وتجميد "خطوط القتال"، وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين خلال 48 ساعة، كما تنص على تشكيل هيئتين، دولية وفلسطينية، لتولي إدارة القطاع تدريجيا، دون إشراك حماس في أي دور سياسي أو أمني.

فيما تقول حركة حماس: إنها "لم تتلق أي مقترح جديد"، وتؤكد أن المفاوضات "لم تُستأنف منذ جولة الدوحة الأخيرة".

ورغم ذلك، كشفت مصادر مقربة من نتنياهو عن وجود "فجوات كبيرة" في المفاوضات الجارية مع الإدارة الأميركية بشأن "خطة الـ21 نقطة"، الهادفة إلى وقف الحرب، وذلك قبل اجتماعه المرتقب (اليوم) مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض.

واستنكر ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي شن الاحتلال أحزمة نارية على القطاع، ومواصلة هجومه العنيف على مدينة غزة المستمرة منذ 11 أغسطس/آب 2025، ضمن عملية "عربات جدعون"، واستهداف المنازل وخيام النازحين والمشافي ومنهم مستشفى الحلو ومجمع الشفاء الطبي.

وتداولوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #خطة_ترامب، #كتائب_القسام، #غزة_تباد، #غزة_تقاوم_وستنتصر، وغيرها، مشاهد من العملية النوعية الناجحة التي نفّذتها القسام في خان يونس، مشيدين بكل تفاصيلها من تخطيط ورصد وحتى الانسحاب.

 الدبابات في شارع النصر

وتفاعلا مع التطورات، أشار محمد هنية إلى وصول الدبابات شارع النصر، القلب النابض لغزة، لافتا إلى أن الشارع الذي لا ينام، شارع المخبز والباعة والضوء البسيط في عيون الناس صار اليوم تحت جنازير الموت.

وقال: "هنا ليس مجرد إسفلت.. هنا خطواتنا، رائحة خبزنا، أصواتنا، ضحكاتنا، هنا كل ما يجعل غزة "غزتنا"، مضيفا أن شارع النصر لم يعد كما كان.. والذاكرة تئن، والروح تختنق، والدمعة تحترق في العين، لا تنزل.. تبقى ساكنة، كما نحن الآن.

وحذر محمد شعبان من خروج مجمع الشفاء الطبي عن الخدمة خلال وقت قصير إن لم يتم كبح جماح الوحشية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن هذا المكان، قبلة المصابين الأخيرة في غرب غزة، تتلقى الرصاص من جميع الاتجاهات وكأنه ثكنة عسكرية.

وقال: "نحن نواجه وحوشا من خيال أفلام الرعب، لا يمتّون للبشرية أو الإنسانية بأي صلة.. يا وحدَنا".

كما حذر الصحفي مصعب الشريف من أن الوضع خطير جدا غرب مدينة غزة، لافتا إلى وجود تقدم ملحوظ للآليات وإطلاق نار من طائرة الكواد كابتر مع حركة نزوح للأهالي من غرب مدينة غزة.

عملية أسطورية

من جانبه، رأى محمد الأخرس أن عملية خان يونس التي بثت المقاومة مشاهدها، من أهم العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في هذه الحرب؛ لعدة أمور.

وذكر من هذه الأمور الفجوة الزمنية الضيقة بين انتهاء عملية "عربات جدعون" في مدينة خانيونس في بداية اغسطس، وقدرة المقاومة على تنفيذ عميلة كبيرة بهذا الحجم، في نفس الشهر، وقدرة المقاومة على تحريك عدد كبير من المقاتلين على صعيد واحد في مهام عملياتية مختلفة.

وأرجع الأخرس أهمية العملية إلى فشل التعويل الإسرائيلي على مخرجات عربات جدعون كبير، بصفتها تسمح ببناء واقع سياسي جديد في المناطق التي جرى "تطهيرها".

وأكد أن المقاومة وجهت عمليا رسالة بالصوت والصورة لصناع القرار في العواصم الغربية وبعض العواصم العربية التي تحاول صياغة مستقبل القطاع والقضية بمعزل عن الفلسطينيين وتضحياتهم.

وعرض رضوان الأخرس مقطع الفيديو الذي بثته القسام لعملياتها، مؤكدا أن كلمات المجاهدين أثناء قتالهم الصهاينة مختارةٌ بعناية، وفيها رسائل للأمة وأبنائها، وتوجيهٌ وتذكيرٌ لهم بآياتِ الله وتعاليم الدين، وبالواجبِ على المسلمين.

وأشار إلى أن في المشهد الذي نشره اقتبس أحدُ المجاهدين عبارةً بليغةَ المعاني للحسنِ البصري، جاء فيها: "إنَّ لكلِّ طريقٍ مختصرًا، ومختصرُ طريقِ الجنة الجهاد".

ووصف تركي الشلهوب عملية القسام بأنها “شيء لا يصدق، عملية أسطورية!” مشيرا إلى أن فصيلا كاملا من الرجال خرجوا من نفقٍ (مدمر)، واقتحموا موقعا عسكريا إسرائيليا مستحدثا في خان يونس، واشتبكوا مع قوات الاحتلال من مسافة صفر بشجاعةٍ لا مثيل لها، ثم ختم المواجهة أحد الرجال بتفجير نفسه بفرقة الإنقاذ.

قراءات متباينة

فيما قال علي أبو رزق: إن المنطق يقول: إن غزة وصلت إلى درجة من الإنهاك تجعلها توافق على أي خطة تتضمن وقفا كاملا للحرب، مهما اشتملت على تنازلات قد تبدو مؤلمة.

وأوضح أن هذه خطة كتبها الوزير الإسرائيلي رون ديرمر بنفسه، والتعديلات التي دخلت عليها جاءت بعد اجتماع ترامب مع عدد من القادة العرب والمسلمين، مؤكدا أنها ليست تعديلات جوهرية.

وأضاف أبو رزق، أن قيمة هذه التعديلات ليست في انتشارها والزخم الذي أحدثته في الآونة الأخيرة، موضحا أن قيمتها الحقيقية في قدرة القادة العرب والمسلمين على ممارسة ضغط سياسي حقيقي على الجانب الأميركي ومن ثم على إسرائيل للالتزام بها.

وقال: إن حظنا العاثر، والعاثر جدا، أننا أمام رئيس أميركي لا يمارس المزاجية السياسية فحسب، بل يفتقد إلى أدنى درجات المبادئ الحاكمة للعلاقات الدولية والنظريات الأساسية المقررة لقوى الهيمنة والقطب الواحد، وتراه يقرر الأمر وعكسه في اليوم الواحد وليس الأسبوع الواحد فقط.

وأشار أبو رزق إلى أن هناك تأثيرا كبيرا من نتنياهو على ترامب أكثر من تأثير العكس، وحدث هذا في أكثر من مناسبة، والحقيقة أن هناك كثيرا من أوراق الابتزاز التي استخدمها وما زال يستخدمها نتنياهو، ومهما قال ترامب: إن الأمور على وشك النهاية، قد تنقلب بعد لقاء نتنياهو غدا. 

وأكد أن ما أحدثه ويحدثه أسطول الصمود من زخم إعلامي مهم جدا جدا، ولكن، بمنتهى الحسرة، ما زال الضغط على إسرائيل في شِقّه الإعلامي والأخلاقي فقط، ولم يتحول إلى ضغط سياسي حقيقي عبر الجهات التي يمكنها فعل ذلك، خصوصا الشق الاقتصادي والدبلوماسي.

وطرح خالد صافي تساؤلات عدة حول مقترح ترامب، منها: “هل يشمل الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية في القطاع وقف إطلاق النار من قوات الاحتلال؟ وهل يعني تجميد خطوط القتال في أماكنها انسحاب جنود الاحتلال أم تمركزهم في الأماكن التي احتلوها؟”

وعن بند الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء، وتسليم جثامين القتلى في غضون 48 ساعة، تساءل: “هل يمكن استخراج كل الجثث بدون معدات وفي وجود قوات الاحتلال في يومين فقط؟ وفي حال لم تتمكن المقاومة من استخراج الجثث في المدة القصيرة المقررة هل سيعد ذلك إخلالا بالاتفاق وانهياره؟”

كما تساءل صافي عمن سيدمر جميع أسلحة حركة حماس الهجومية، وهل سيصدقون حماس لو قالت لهم إنها دمرت أسلحتها الهجومية؟ وما هو المعيار الذي يحدد إذا ما كان السلاح هجوميا أم دفاعيًا؟"

وسخر صافي من بند العفو عن المسلحين الذين يلتزمون بالتعايش السلمي، قائلا: “ما هو مفهوم التعايش السلمي في وجهة نظر حضرتك؟ المحتل يجول ويصول في غزة والضفة ويقتل كما يشاء وتسميه تعايش سلمي؟”

وتساءل: “هل لاحظت أنه لا يوجد أي بند يتعلق بإعادة الإعمار ولا فتح المعابر والسفر ولا كمية المساعدات ولا الاحتياجات الأساسية لمليوني محاصَر؟! هل رأيت كم هي بنودهم فضفاضة وتتسق تماما مع رؤية الاحتلال؟”

ولفت تامر قديح إلى أن الأيام الأخيرة شهدت محادثات بين ويتكوف (ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط) ونتنياهو بشأن مقترح ترامب لوقف الحرب، حيث جرى العمل على صياغة البنود الـ21 الخاصة بالاتفاق. 

وقال: إن بمجرد أن تعتمد إسرائيل الصيغة التي تتماشى مع مطالبها، سيُعرض المقترح رسميا على حركة حماس. موضحا أن الإعلام العبري أشار إلى تقليص الفجوات وحدوث تقدم ملموس قبيل الاجتماع المرتقب بين ترامب ونتنياهو.

وأكد قديح، أن ما يجرى عملياً ليس اتفاقا أميركيا بقدر ما هو اتفاق إسرائيلي جديد تمت صياغته وفقاً لاحتياجات وأهداف تل أبيب، من دون أن تمارس واشنطن أي ضغط عليها، بل على العكس جرى تلبية معظم مطالبها ذات الطابع الاحتلالي والمتطرف .

وأشار إلى أن تسريبات جديدة أشارت إلى أن المقترح لا يتضمن انسحابا من قطاع غزة، بل تجميدا للقتال عند الوضع القائم لحظة الموافقة عليه، على أن تبدأ مفاوضات الانسحاب فقط بعد إتمام عملية إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين.

فيما رأى مأمون فندي، أن “مسرحية نتنياهو - ترامب اليوم لا تستحق المتابعة”.

واستهزأ ياسين عزالدين بتصريح ترامب بأن هنالك حدثا استثنائيا بخصوص التوصل لاتفاق بخصوص غزة، قائلا: إنه "أسلوبه المعتاد وفقاعات التصريحات الفارغة مثل رأسه البرتقالي".

وأضاف: "مثل عادته دومًا ينفخ التوقعات ويطرح بعدها مبادرة لصالح إسرائيل بشكل مفضوح ثم يتهم الـ(م) أنها ضيعت الفرصة".

وأكد فايد أبو شمالة، أن الواقع يكشف أكاذيب ترامب، مشيرا إلى أنه بينما يطلق الأكاذيب ويخدع كل العالم مرة بعد مرة بوجود حل سياسي وخطة من 21 بندا، بدأ الاحتلال مرحلة إحكام الحصار على مدينة غزة من الجهات الأربع.

ولفت إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتقدم لإغلاق محور نتساريم - دبابات تتقدم باتجاه منطقة جسر الوادي في منطقة المغراقة، بحسب صفحة أور فيالكوف العبرية.

ورصد سعيد زياد، ملاحظات أولية حول خطة ترامب لليوم التالي لغزة، ومنها أن هدف الخطة إعادة صياغة المشهد الفلسطيني برمّته، وتجريفه بشكل كامل، ونزع أي صفة سياسية عنه.

وأوضح أنَّ ذلك يعني أن المقصود ليس إنهاء الحرب وحل مشكلة غزة فحسب، بل عملية فك وتركيب للمشهد الفلسطيني في إطار ما يجرى من عمليات تغيير جوهري للمنطقة.

وأكد زياد أن الخطة تخلق أرضية راسخة تعزز من مسار التهجير، فهي معنونة بشعار (لا للتهجير القسري)، وفي طيّاتها تحمل كل مقومات إفراغ الأرض من سكانها.

وأضاف أنّ أساس رفض نتنياهو وقبوله لأي خطة يتمثل بالحرية العملياتية داخل القطاع، وهذا يشكل معضلة كبيرة، بصفته شيئا يتناقض مع مفهوم تمكين أي سلطة؛ إذ كيف سيتم تمكين السلطة الجديدة وفي ذات الوقت سيتم تمكين الإسرائيلي من شن الهجمات الجوية والبرية واستباحة القطاع متى يشاء؟

وأشارت منى العمري إلى أن الأنظار تتجه للقاء المرتقب في البيت الأبيض بين نتنياهو وترامب، الذي سبقته تصريحات متفائلة بدون رصيد حقيقي سوى محاولات تنبؤ وتحليل لمشهد مكرر مرات عدة منذ بداية الحرب.

ورأت أن هذه المرة لا مسار إسرائيليا سياسيا واضح لإيقاف الحرب، ولا أفق لاستمرارها في ظل المساعي الدبلوماسية عربيا أوروبيا ترامبيا، خاصة أن حركة حماس تؤكد حتى اللحظة أنها لم تتسلم مقترحا بشكل رسمي.  

ولفتت العمري إلى أن بالإضافة إلى كل أسباب الرفض لدى نتنياهو لمقترح ترامب، لا ينسى الرجل أنه على بُعد عام فقط من انتخابات برلمانية إن لم تسبق موعدها، وهذا يشكل ضغطا إضافيا على إخراج المشهد والخطاب الذي من المفترض أن يسوقه غدا لجمهوره. 

وأكدت أن هنالك تقصّدا في التركيز على فكرة أن نتنياهو سيتعرض إلى كمين من قبل إدارة ترامب، وأنه يواجه صعوبات ويغير جدول أعماله للتحضير لاجتماع الغد، ليس فقط بهدف حشد رأي عام مؤيد له في وجه الرفض للخطة، هذا ممكن أيضا أن يكون جزءا من تحضير الرأي العام للاحتمالات كافة، حتى الموافقة مع التحفظ.. 

ولفت لقاء مكي إلى أنه بانتظار موقف نتنياهو من الخطة الأميركية الجديدة حول غزة، ومتوقعا أن يجرى تسويق الخطة النهائية بعدما تلقى ترامب مواقف قادة عرب ومسلمين منها، كمنتج أميركي متفق عليه عربيا وإسلاميا وإسرائيليا.

وأضاف أن ما سيبحث لاحقا هو آليات تنفيذها وفرضها، وسيكون المظهر الأبرز هنا تجاوز الموقف الفلسطيني، سواء من حماس أو من السلطة.