الرابح من صفقة تبادل السجناء بين روسيا والغرب.. بوتين أم بايدن؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

كشفت صفقة تبادل السجناء التي شملت 24 رجلا وقاصرين اثنين، بين روسيا والغرب، حجم الخرق الكبير للقانون الدولي، وتغليب مبدأ المصالح السياسية على قيم العدالة والحقوق.

وروجت الولايات المتحدة وروسيا لصفقة تبادل السجناء بصفتها "انتصارا" كونها هي الأكبر من نوعها بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة في برلين (1947-1991).

تبادل تاريخي

وعملية التبادل ظلت طي الكتمان حتى إتمامها مطلع أغسطس/ آب 2024 في مطار أنقرة، حيث جرى تبادل السجناء بين 7 دول، بعد نجاح الاستخبارات التركية بفتح قنوات للحوار والوساطة.

وفي المجموع أطلق سراح 10 روس بينهم قاصران، مقابل 16 غربيا وروسيا كانوا معتقلين في روسيا، وفق بيان للرئاسة التركية.

ونقل السجناء جوا إلى أنقرة من روسيا والولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنروج وبيلاروسيا، بموجب الصفقة المعقدة، وفق ما أعلنت الرئاسة التركية.

وبحسب مجلة دير شبيغل الألمانية فإن عملية تبادل الأسرى هذه كانت نتيجة "عدة أشهر" من المفاوضات بين أجهزة الاستخبارات الألمانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) والحكومة الأميركية والكرملين.

وتقول المجلة إن التفاوض كان في البداية يتمحور حول تبادل سجناء يشمل المعارض الروسي أليكسي نافالني خصم بوتين الأول في البلاد. 

لكن نافالني توفي في فبراير 2024 داخل سجن الدائرة القطبية الشمالية بروسيا، حيث كان يقضي عقوبة مدتها 19 عاما، وقد رأى أنصاره أنه جرى تصفيته من قبل الكرملين.

واستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن رفقة نائبته كامالا هاريس، في قاعدة أندروز المشتركة قرب واشنطن الأميركيين المفرج عنهم.

وهم مراسل "وول ستريت جورنال" إيفان غيرشكوفيتش المعتقل في روسيا منذ عام 2023، وعنصر المارينز السابق بول ويلان والصحفية ألسو كورماشيفا.

وكذلك أُفرج عن فلاديمير كارا-مورزا، الروسي المعارض للكرملين الذي لديه إقامة في الولايات المتحدة، لكنه سيعود بشكل منفصل إلى الولايات المتحدة.

ولعل السجين الأبرز هو غيرشكوفيتش (32 عاما) الذي اعتقل في روسيا في مارس 2023 بينما كان في رحلة مرتبطة بعمله الصحفي وحكم عليه في يوليو 2024 بالسجن 16 عاما بتهم تجسس رفضتها الولايات المتحدة.

أما بول ويلان (54 عاما) الجندي السابق في البحرية، فقد كان مسؤولا تنفيذيا في مجال الأمن في إحدى الشركات من ميشيغان، عندما اعتُقل في موسكو عام 2018، حيث كان يحضر حفل زفاف أحد أصدقائه. 

واتهم حينها بالتجسس، وأدين في عام 2020 وحُكم عليه بالسجن لمدة 16 عاما، ورفض ويلان التهم ووصفها بأنها ملفقة.

بدوره، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضا سجناء بلاده المفرج عنهم استقبال الأبطال.

وكان بينهم فاديم كراسيكوف، ضابط الاستخبارات الروسية الذي سُجن في ألمانيا وأدين في 23 أغسطس 2019 بتهمة قتل سليم خان "تورنيكي" خانجوشفيلي، وهو مواطن جورجي يبلغ من العمر 40 عاما قاتل القوات الروسية في الشيشان وطلب لاحقا اللجوء في ألمانيا.

وفي حكمه بالسجن مدى الحياة في عام 2021، قال القضاة الألمان إن كراسيكوف تصرف بناء على أوامر السلطات الروسية، التي زودته بالموارد اللازمة لتنفيذ عملية القتل.

واعترف المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف مطلع أغسطس 2024 أن كراسيكوف عضو في جهاز الأمن الفدرالي.

وأضاف أنه "خدم في وحدة النخبة في جهاز الأمن الفدرالي "ألفا"، وأنه خدم كذلك مع العديد من الموظفين الحاليين في جهاز أمن الرئيس فلاديمير بوتين.

وعملية التبادل هذه تضاف إلى أكبر عملية تبادل جرت عام 2010 عندما تمت مبادلة 14 جاسوسا مفترضا بين روسيا والغرب.

وآنذاك كان بين هؤلاء العميل المزدوج سيرغي سكريبال الذي أرسلته موسكو إلى بريطانيا والعميلة الروسية السرية آنا تشابمان التي أرسلتها واشنطن إلى روسيا.

وقبل ذلك، لم تجر عمليات تبادل كبيرة تشمل أكثر من عشرة أشخاص سوى خلال فترة الحرب الباردة عندما تبادل الاتحاد السوفياتي والقوى الغربية سجناء في عامي 1985 و1986.

"بيادق سياسية"

أمام ذلك، أخذت تتعالى أصوات المنظمات الحقوقية الرافضة لشمول مدانين بجرائم في هذه الصفقة الجديدة لتمرير مصالح سياسية.

إذ أظهر تبادل الأسرى بين روسيا والغرب كيف أن الدبلوماسية، وليس القانون، هي التي تحكم عمليات التبادل.

فقد أصرت روسيا على إدراج كراسيكوف في الصفقة، مما دلل على مدى أهمية تأمين موسكو لعودة الجواسيس الروس المسجونين بالنسبة لها رغم ارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون الدولي.

ولهذا أطلق بعض الخبراء على هذا النوع من الاتفاقات اسم "دبلوماسية الرهائن"، وهو ما يعكس اتجاها متزايدا من جانب البلدان التي تسجن الأجانب على أسس مشكوك فيها وتستخدم إطلاق سراحهم المحتمل كأوراق مساومة سياسية لتحقيق أهداف أخرى.

وضمن هذا الإطار، نددت منظمة العفو الدولية بصفقة تبادل السجناء "المريرة" بين روسيا ودول غربية عدة، محذرة من أن هذا النهج يشجع على إفلات المجرمين المدانين من العقاب.

 وحذر نائب الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا كريستيان ميهر، في بيان نشره عقب إعلان عملية التبادل من أن بوتين "يستغل القانون بوضوح من أجل استخدام السجناء السياسيين كبيادق".

وأضاف أن "صفقة التبادل تترك طعما مريرا"، مشيرا إلى أن أحد جانبي الصفقة يضم "قاتلا ومجرمين آخرين جرت إدانتهم في محاكمات عادلة"، والجانب الآخر يضم "أشخاصا مارسوا حقهم في حرية التعبير".

ورأى ميهر أن هذا التبادل "يشكل بالتالي خطوة نحو توسيع نطاق الإفلات من العقاب"، محذرا من أن "الحكومة الروسية قد تتجرأ على تنفيذ مزيد من الاعتقالات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان بدون خوف من العواقب".

بالنسبة للكرملين، ربما كان فاديم كراسيكوف، القاتل المأجور المسجون في ألمانيا لقتله أحد الشيشانيين، العنصر الأكثر أهمية في عملية التبادل.

وضمن هذه الجزئية، قالت تاتيانا ستانوفايا، زميلة بارزة في مركز كارنيغي روسيا - أوراسيا: "إن بوتين يرسل إشارة مفادها أن أولئك الذين يعملون في الخارج سوف يتمتعون بأقصى قدر من الحماية، وإذا تم القبض عليهم فإن الدولة سوف تقاتل من أجل عودتهم وتبسط لهم السجادة الحمراء".

وقالت ستانوفايا لوكالة أسوشيتد برس في 3 أغسطس: "في الغرب، يُنظر إلى هذه القضية من منظور إنساني وسياسي، وتتابعها وسائل الإعلام عن كثب، وهي قضية مهمة للمجتمع. أما في روسيا، فهي ليست قضية تخص المجتمع، بل هي قضية تخص الدولة".

لكن مع ذلك فقد أقلقت صفقة التبادل هذه الحقوقيين في أوروبا، كما واجهت على سبيل المثال الحكومة الألمانية انتقادات بعد موافقتها على إطلاق سراح كراسيكوف، بهدف مساعدة الولايات المتحدة على إتمام عملية تبادل سجناء واسعة مع موسكو.

وكانت قد حكمت ألمانيا على كراسيكوف بالسجن مدى الحياة. ودافع المستشار أولاف شولتس عن موقفه أمام الصحافة بالقول إن هذا "القرار الصعب لم يتخذ باستخفاف" ولكنه "عادل".

وأضاف: "لا بد من القول إن كثيرين كانوا يخشون على صحتهم وحياتهم أيضا"، وذلك بعدما استقبل خلف أبواب مغلقة مجموعة من السجناء المفرج عنهم، ولا سيما الألمان الخمسة الذين شملتهم عملية التبادل، عقب وصولهم إلى مطار كولونيا قادمين من أنقرة.

تزامنا، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن "امتنانه الكبير" لشولتس على "التنازلات المهمة" التي قُدمت في إطار التسوية الدبلوماسية.

 "اتفاق مع الشيطان"

ومن أوجه انتقاد برلين لاتخاذها قرار الموافقة على إطلاق سراح كراسيكوف، هو أن عمليات التجسس الروسية تتكرر في ألمانيا وخصوصا منذ بداية غزو موسكو لأوكرانيا في فبراير 2022، وقد تعطي صفقات تبادل كهذه “حافزا لضمان خروج الجواسيس بصفقات مماثلة”

كما أثير جدل داخل الحكومة الألمانية بين المستشارية ووزارة العدل التي تعين عليها أن تأمر مكتب المدعي العام بتنفيذ هذا الإجراء، حسبما ذكرت قناة "إن تي في" التلفزيونية الألمانية.

لكن في نهاية المطاف، قدر وزير العدل ماركو بوشمان أن استمرار احتجازه كان من شأنه أن "يولد خطر إلحاق ضرر جسيم" بألمانيا "ومصالحها في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن".

كما أشار بوشمان إلى أسباب "إنسانية" بسبب المخاطر التي تهدد صحة وحياة المحتجزين في روسيا وبيلاروسيا المشمولين بالصفقة وهم ريكو كريغر المحكوم عليه بالإعدام في بيلاروسيا بتهمتي "الإرهاب" و"الارتزاق".

وكذلك الروسي الألماني كيفن ليك البالغ 19 عاما والمدان بتهمة "الخيانة العظمى"، وباتريك شوبيل وهو سائح اتهم بتهريب مخدرات، والقانوني الروسي الألماني غيرمان مويزس، والسياسي الروسي الألماني ديتر فورونين.

وتحدثت عائلة المقاتل الشيشاني السابق الذي قُتل في برلين عام 2019 عن القرار "المخيّب" الذي اتخذته الحكومة الألمانية. وقالت "نشعر بخيبة أمل كبيرة عندما نرى أنه لا يبدو أن هناك أي قانون في العالم".

بدورها لفتت صحيفة "بيلد" اليومية الأكثر قراءة في ألمانيا إلى "عودة الحرب الباردة" وتحدثت عن "رسالة مغلوطة" أرسلت إلى الشعب الروسي مفادها أن "بوتين هو بطل" عملية تبادل الأسرى هذه وأنه "ينقذ قتلة".

ولكن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الألماني مايكل روث، وهو عضو في حزب أولاف شولتس رأى أنه "في بعض الأحيان يتعين إبرام اتفاق مع الشيطان".