اتفاقات عسكرية وشراكات اقتصادية.. هكذا تتقدم روسيا لتوسيع نفوذها بالعراق
"روسيا اقترحت على العراق إنشاء نوع من الاتحاد الاقتصادي بالإضافة إلى مصر والأردن"
على قدم وساق، تواصل روسيا توسيع نفوذها في العراق، وذلك من خلال تصاعد وتيرة الاتفاقات والتفاهمات بين موسكو وبغداد في مختلف المجالات، إضافة إلى جوانب أخرى لا تكتسب صفة الرسمية، وتحديدا ما يتعلق بزج موسكو لعراقيين في حربها مع أوكرانيا.
وفي ظل مساعي القوى الشيعية الموالية لإيران، لإخراج قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، فإن روسيا ترمي بثقلها الاستثماري في بلاد الرافدين، خاصة في قطاعي الطاقة والتعاون العسكري والأمني، الذي زادت وتيرة الاهتمام الروسي بهما.
وتطالب المليشيات والقوى الشيعية المرتبطة بإيران في العراق، بإخراج القوات الأميركية من البلاد والتي يقدر تعدادها بـ2500 جندي في إطار التحالف الدولي الذي أنشأه الأميركيون عام 2014 لمكافحة "تنظيم الدولة"، وذلك بطلب من حكومة بغداد في حينها برئاسة نوري المالكي.
صراع جيوسياسي
وبخصوص كيفية توغل روسيا في العراق، كشفت صحيفة "العالم الجديد" العراقية، في 13 مايو/ أيار 2024، أن "الكرملين (مقر الرئاسة) يعمل بهدوء على زيادة نفوذه في القطاعات الرئيسة في العراق، ودعم القوى المناهضة للولايات المتحدة في البلاد".
ولفتت إلى أن "موسكو أدركت أهمية الصراع الجيوسياسي بشأن العراق، لكنها لا تظهر أي علامات على الانفصال عن إيران، رغم الاختلافات التكتيكية، بل تواصل أيضا التقرب من الصين، وهي جهة فاعلة أخرى تغزو العراق اقتصاديا".
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية عراقية (لم تكشف هويتها) أن "روسيا اقترحت على العراق بعد زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى موسكو في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إنشاء نوع من الاتحاد الاقتصادي بين العراق وروسيا ومصر والأردن".
وكذلك، اقترحت موسكو "زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين وإرجاعه إلى ما قبل عام 1990، كون العراق حليفا إستراتيجيا لروسيا، إضافة إلى طرح قيام الشركات الروسية بإنشاء محطات طاقة كهربائية فاعلة يمكنها إنهاء أزمة الطاقة في العراق، تمهيدا لتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وأشارت إلى أن بغداد وموسكو تربطهما علاقات إستراتيجية وتاريخية، إذ تعمل حاليا قرابة 50 شركة روسية في العراق، ومنها (لوك أويل) و(غازبروم نفط)، الذراع النفطي لشركة (غازبروم) الروسية. ويتجاوز إجمالي استثمارات هذه الشركات الـ13 مليار دولار".
وخلال أعمال اللجنة العراقية الروسية، المنعقدة في بغداد يومي 24 و25 أبريل/ نيسان 2019، وقع البلدان 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات الاتصالات والتجارة والطاقة والكهرباء والصناعة وتكنولوجيا المعلومات والنقل والخدمات المصرفية.
وفي عام 2021، بلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 283 مليون دولار، فيما بلغ حجم الصادرات الروسية 282.8 مليون دولار، وفي مقدمتها السلع الغذائية والمواد الخام الزراعية، والآلات والمعدات والمركبات، حتى وصل حجم التبادل التجاري في 2022 إلى 313 مليون دولار.
وفي السياق ذاته، يشير تقرير روسي نشره موقع "روسيا بريفينغ" في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إلى أن التجارة بين الجانبين ازدادت بنسبة 43 بالمئة عام 2022.
وبحسب الموقع، فإن العلاقات العراقية الروسية تواجهها العقوبات الأميركية على موسكو والاضطرابات الداخلية بالعراق، لكنه يحدد إمكانات تطورها في المجال الاقتصادي تحديدا خصوصا في السنوات المقبلة، سواء مع بغداد أو أربيل، متوقعا أن تصل في مجال الطاقة وحدها إلى نحو 45 مليار دولار بحلول عام 2035.
نفوذ عسكري
على صعيد آخر، فإن العراق وروسيا تربطهما عقود تسليح وتعاون عسكري وأمني، وبلغت ذروتها عام 2012، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إلى موسكو، وتوقيعه على اتفاقية شاملة للتعاون العسكري الفني، والتي دخلت حيز التنفيذ في مايو/ أيار 2013.
ومن أبرز النقاط التي نص عليها الاتفاق بين بغداد وموسكو عام 2012، هو تصدير روسيا للعراق أنظمة صواريخ مضادة للطائرات وطائرات هليكوبتر من طراز "إم آي" (MI)، وأسلحة أخرى.
وفي عام 2014، جرى توفير طائرات هجومية من طراز "إس يو 25" ( Su-25) من القوات المسلحة للاتحاد الروسي، لتجهيز القوات الجوية العراقية، وحينها خضع الطيارون العراقيون للتدريب في روسيا.
وعلى ضوء ذلك، شكلت روسيا مع العراق وإيران والنظام السوري، تحالفا عام 2015، أطلق عليه "التحالف الرباعي" لمكافحة الإرهاب، في خطوة بدت وكأنها موازية للتحالف الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم الدولة عام 2014.
وانبثق عن هذا "التحالف الرباعي" مركز للتعاون الأمني في بغداد للتنسيق بين أطراف التحالف الأربعة، واختير معسكر مطار المثنى وسط بغداد مقرّا له، قبل أن يُنقل إلى مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع العراقية.
ومن خلال هذا التحالف، دخل المستشارون الروس إلى العراق بصفة رسمية وعنوان مستشار عسكري، واستخدم هذا الأمر أيضا لتوفير غطاء لاستعمال الأجواء العراقية كجسر دعم جوي عسكري إلى النظام السوري بين عامي 2015 و2017 تحديدا.
بالإضافة إلى ذلك، ينسق العراق على إدخال شركات التصنيع الحربي الروسي إلى البلاد، وفتح خطوط صيانة لها كمرحلة أولى، وصولا إلى فتح خطوط إنتاج مشترك في المستقبل القريب.
وفي مجال التعاون النووي، أوضح تقرير موقع "روسيا بريفينغ"، أن العراق أعرب عن هدفه لبناء 8 مفاعلات نووية لتوفير 25 بالمئة من احتياجاته من الكهرباء بحلول العام 2030، وذلك بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على بناء مفاعل خال من الإشعاع على الأراضي العراقية.
وخلال مقابلة تلفزيونية له في 26 أبريل 2024، قال سفير موسكو لدى بغداد ألبروس كوتراشيف، إن "العراق مازال يعتمد بشكل كبير على السلاح الروسي ويفضله على غيره، ورغم محاولة الأميركيين إعادة تسليح البلد بعد عام 2003".
وأضاف كوتراشيف أن "هناك أكثر من دولة في العالم وليس العراق فقط غير مسموح لهم بشراء سلاح إستراتيجي روسي مثل منظومة الدفاع إس 400، لكن المهم لدينا أن العسكري العراقي والقيادة العراقية لديهم الثقة بالسلاح الذي نصنعه".
ولفت إلى أن "موضوع السلاح ليس تجاريا ولا حتى عسكريا، بل هو سياسي، لأن أي عقود عسكرية ذات نطاق واسع من شأنها تحديد إستراتيجية الدولة على مدى عقود طويلة، وأن أميركا وحلفاءها يمنعون روسيا والعراق من حصول الأخير على السلاح الروسي".
ونوه السفير إلى أن "الغرب، وتحديدا أميركا وبريطانيا، يضعون العراقيل أمام بيع السلاح الروسي للعراق، وذلك عبر فرض العقوبات على روسيا، وأن صفقات السلاح أمر حساس، خصوصا أن الولايات المتحدة تحاول احتكار التعاون التسليحي مع العراق".
رعاية المليشيات
وفي وجه آخر من أوجه توسيع النفوذ الروسي في العراق، هو العلاقات التي تبنيها موسكو مع قادة المليشيات العراقية الموالية لإيران، واستقطاب عناصرها وزجهم إلى الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، التي اندلعت في 24 فبراير/ شباط 2022.
وفي هذه النقطة، تفيد صحفية "العالم الجديد" العراقية، بأن "الجولات المتكررة والدورية التي يجريها السفير الروسي ببغداد، على قادة المليشيات، هدفها تنسيق النفوذ العسكري مقابل تسهيلات تُقدم لهذه للأخيرة في عقود التسليح واستيراد العتاد والصواريخ من روسيا بطرق غير رسمية".
ولفتت الصحيفة إلى أن "الأمر تطور بين روسيا والمليشيات العراقية إلى إدخال معامل روسية لإنتاج صواريخ في بعض المناطق المحررة (من تنظيم الدولة) التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة الكبيرة".
وفي 21 سبتمبر 2023، أجرى السفير الروسي ببغداد إيلبروس كوتراشيف، زيارة إلى زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، و"ناقشا طبيعة العقبات التي تواجه جهود صيانة المعدّات الحربية روسية الصنع وسبل معالجتها".
وبحسب بيان صدر عن "العصائب" عقب اللقاء، فإن "الخزعلي أكد للسفير الروسي أهمية التعاون بين البلدين في مسائل المنطقة؛ لتحقيق الاستقرار وإفشال المشاريع الغربية التي تدعم الإرهاب".
في خطوة غير مسبوقة، أجرى أكرم الكعبي زعيم مليشيا "النجباء" المدعومة من إيران زيارة إلى روسيا في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، التقى خلالها بنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمستشار الخاص للرئيس الروسي، فيتالي نؤومكين.
وخلال الزيارة واللقاءات التي أجراها الكعبي مع المسؤولين الروس، شن هجوما على الولايات المتحدة ووصفها بـ"المحتلة للأراضي العراقية"، وتطرق خلال محادثاته إلى ضرورة إنهاء احتلال واشنطن للعراق بقوة السلاح، وكذلك إنهاء الهيمنة الأميركية على العالم.
وخلال مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" في 28 نوفمبر 2022، قال الكعبي إن "الخيار العسكري السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال الأميركي في العراق، لأن الخيار السياسي لا ينفع، والمقاومة تعمل على الأرض ضد الاحتلال حتى يخرجوا من العراق".
وعن سبب زيارته إلى موسكو، قال الكعبي: "تربطنا مع روسيا علاقة قوية وجئنا إلى روسيا للقاء القيادات الدينية والسياسية"، مضيفا أن "عالم أحادي القطب قد انتهى ونشهد حاليا عالما متعدد الأقطاب".
وفي 11 مارس 2022، قالت إذاعة "مونت كارلو الدولية" الفرنسية، إن تقارير أمنية تفيد بتجهيز نحو 600 متطوع عراقي يوجدون في سوريا للتوجه إلى القتال في أوكرانيا مع القوات الروسية.
وأشارت إلى أن "المتطوعين هم مقاتلون في فصائل عراقية تابعة للحشد الشعبي وأن المقاتلين العراقيين سينضمون لقوات جمهوريتي دونتسيك ولوغانسك الانفصاليتين".
ولفتت الإذاعة إلى أن "توجه متطوعين عراقيين إلى أوكرانيا يظهر مساعي بعض القوى العراقية الرئيسة للانضمام إلى المحور الروسي في المنطقة، مما يشكل مشكلة سياسية كبيرة لحكومة بغداد التي تحاول أن تعيد بناء علاقات متينة مع المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة".