تزايد هجمات "حراس البقر" في الهند ضد المسلمين.. ماذا عن دلالة التوقيت؟
“عصابات حراس الأبقار قتلت ما لا يقل عن 44 شخصا بينهم 36 مسلما”
تزايدت بشكل لافت الهجمات التي ينفذها ما يطلق عليهم "حراس البقر" في الهند ضد أشخاص يشتبه باستهلاكهم للحوم هذه الماشية بتواطؤ من حكومة ناريندرا مودي الهندوسية.
والمهاجمون من مليشيا هندوسية تسمى حركة "جاو راكشا دال"، وهي حركة تدعي حماية الأبقار التي تعد مقدسة في الهندوسية.
دولة هندوسية
وأكدت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية ارتفاع عدد الهجمات وعمليات القتل التي ترتكبها هذه الجماعات الهندوسية منذ عام 2014، أي منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا للسلطة.
وأشارت إلى نية الحزب تحويل البلاد إلى "دولة هندوسية تحظى فيها الأقلية المسلمة، التي تشكل 14 بالمئة من السكان، بحقوق قليلة وتتعرض فيها للتمييز".
وأحصت منظمات حقوق الإنسان الهندية والدولية، مثل منظمة هيومن رايتس ووتش، قتل عصابات حراس الأبقار ما لا يقل عن 44 شخصا بين عامي 2015 و2018، من بينهم 36 مسلما.
وبحسب وكالة "رويترز"، وقع 63 هجوما بين عام 2010 ومنتصف عام 2017، معظمها بعد تقلد مودي منصب رئيس الوزراء وقتل فيها 28 هنديا أغلبهم من المسلمين (24)، فيما أصيب 124 شخصا.
ووفقا لتحقيق آخر أجرته منظمة "موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث"، وهي منظمة أميركية متخصصة في جمع البيانات وتحليلها ورسم خرائط لها، هذه المليشيات مسؤولة عن أكثر من اعتداء من كل خمس نفذها هندوس ضد المسلمين بين يونيو/ حزيران 2019 ومارس/ آذار 2024.
وتملك حركة "جاو راكشا دال" فروعا في نصف ولايات الهند تقريبا، ومعظمها في الشمال ويصور شعارها رأس بقرة محاطا ببندقيتين أو زوج خناجر.
ويتسلح كل من يَنضم طوعا، بالبنادق والعصي ويشارك في القيام بدوريات في الشوارع يتم تنظيمها على تطبيق "واتساب" بحثا عن شاحنات أو أشخاص ينقلون الأبقار.
وهاجمت هذه المليشيات عاملين في المسالخ أو في محلات تجارية يديرها المسلمون، وغالبا ما تتبادل هذه المجموعات المعلومات مع الشرطة حول المخالفات المزعومة المتعلقة بذبح الأبقار، وتشارك كذلك في عمليات الاعتقال.
وكتب العالم السياسي كريستوف جافريلوت أن مليشيات حراس الأبقار مرتبطة بمنظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ ".
و"راشتريا سوايامسيفاك سانغ "، منظمة شبه عسكرية هندوسية قومية يمينية متطرفة تأسست عام 1925 تعرف بمعاداتها للمسلمين وترتبط ارتباطا وثيقا بحزب بهاراتيا جاناتا، ومنها انطلقت الحياة السياسية لمودي.
واعد البقرة حيوانا مقدسا في الهند، لكن ليس الجميع في البلاد نباتيا؛ على غرار المسلمين أو السيخ أو المسيحيين أو الداليت (المنبوذون الهندوس)، الذين يعدون اللحوم أو بعضها مصدرا للبروتين منخفض التكلفة.
وحتى جميع الهندوس، الذين يشكلون 80 بالمئة من السكان ليسوا نباتيين وفي جميع أنحاء البلاد يأكل 70 بالمئة من السكان اللحوم و30 بالمئة فقط يتبعون نظاما غذائيا نباتيا، ثمانية بالمئة منهم من المسلمين.
واستغل حزب بهاراتيا جاناتا ومودي النظام النباتي لتنفيذ مشروعهما المتمثل في تعزيز القومية وتحويل الهند من دولة علمانية إلى دولة هندوسية، تنتهك فيها حقوق الأقليات وبشكل خاص المسلمين.
تعزيز القاعدة
ووفقا لمديرة جنوب آسيا في هيومن رايتس ووتش، ميناكشي جانجولي، العديد من القياديين في الحكومة يشجعون أو يدعمون اعتداءات حراس البقر ونادرا ما أدانوا الهجمات التي ينفذونها.
وعلى سبيل المثال، توعد رئيس المجلس التشريعي لولاية تشهاتيسجاره، رامان سينغ، بـ"شنق من يقتل الأبقار".
وفي يونيو 2024، أجبرت الشرطة في مظفرناجار، وهي مدينة تقع في ولاية أوتار براديش الشمالية التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، المطاعم على كتابة اسم المالك والعاملين على الباب لتبين إن كانوا من المسلمين أو الهندوس، وفق صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وفي 22 يوليو/ تموز، قضت المحكمة العليا في البلاد بأنه لا يجوز إجبار المطاعم على عرض أسماء أصحابها والعاملين فيها، وبأن تلتزم فقط بعرض نوع الطعام المقدم.
إلا أن الشرطة والحكومة المحلية تجاهلت قرار المحكمة وواصلت الضغط على أصحاب المطاعم في البلدة، إلى أن قرر بعضهم في النهاية بيع محلاتهم.
وفي الأشهر التالية، أصدرت ولايات أو مدن أخرى، جميعها يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، أوامر مماثلة لتلك التي صدرت في مظفرناجار رغم قرار المحكمة العليا.
وعلى مدى العقد الماضي، سعى العديد من الولايات التي يقودها الحزب الهندوسي الحاكم إلى اعتماد تدابير للحد من استهلاك اللحوم ومعاقبة من "لا يحترم الأبقار".
مثل إغلاق محلات الجزارة في أيام معينة من الأسبوع، وزيادة أحكام السجن على ذبح الماشية، وحظر بيع الأطعمة غير النباتية على بعد 100 متر من المدارس والمعابد الهندوسية.
وألغت المحاكم معظم هذه التدابير، لكن لا يزال بعضها ساريا على المستوى المحلي، على غرار المصادقة في غوجارات، الولاية التي ينحدر منها مودي، على تعديل يعاقب على "جريمة ذبح ونقل الأبقار" بالسجن مدى الحياة.
وأدى هذا القانون إلى وجود ما يقرب من 5 ملايين رأس من الماشية الضالة والتي تخلى عنها المزارعون وتتسبب في إتلاف المحاصيل وإغلاق الطرق ووقوع الحوادث.
وفي 24 أغسطس/آب 2024، اعترضت مجموعة من المسلحين أريان ميشرا (19 عاما)، بينما كان يقود سيارته لزيارة صديق على بعد حوالي 50 كيلومترا عن نيودلهي وأطلقت النار عليه لترديه قتيلا، فيما قال المهاجمون إنهم ظنوا خطأ أنه “تاجر لحوم أبقار مسلم”
بعد ثلاثة أيام فقط من مقتل ميشرا، تعرض العامل المسلم صابر مالك، البالغ من العمر 26 عاما، للضرب حتى الموت على يد مجموعة من الأشخاص في شارخي دادري بولاية هاريانا (شمالا)، بسبب الاشتباه في استهلاكه لحوم البقر.
ووفقا للعديد من المحللين، يسعى حزب بهاراتيا جاناتا، من خلال هذه المواقف، بعد أن تراجع في عدد مقاعده بالبرلمان في انتخابات يونيو، وفي ضوء الانتخابات المقبلة في بعض الولايات الرئيسة بما في ذلك تلك التي وقعت فيها الهجمات الأخيرة، إلى تعزيز قاعدته الانتخابية.
وبالتالي، ترى الصحيفة الإيطالية أن تصرفات "حراس البقر" ذات غرض مزدوج، فهي تسمح للحكومة بالتقليل من أهمية هذه التجاوزات خصوصا أنها غير متورطة بشكل مباشر، وفي الوقت نفسه، تغذي الخطاب المعادي للمسلمين بهدف تحفيز ناخبيها.