أحد أبرز شيوخ القبائل في أرض البنط بالصومال.. من يقف وراء اغتيال عمر إبراهيم؟

ناشطون وجهوا أصابع الاتهام إلى الإمارات كون الشيخ عمر رافض لنفوذهم
جدل واسع أثارته حادثة اغتيال الزعيم القبلي الصومالي، عمر عبد الله عبدي إبراهيم، في بلدة "سيلبوه" الواقعة في ولاية بونتلاند (أرض البنط) شمال شرق الصومال، وذلك عبر غارة جوية بطائرة مسيّرة استهدفت سيارته.
أصابع الاتهام وجهت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بتنفيذ العملية في 13 سبتمبر/أيلول 2025، في أرض البنط التي أعلنت عام 1998 الحكم الذاتي، وذلك في ظل قرب رئيس هذه الولاية سعيد عبد الله ديني من أبوظبي.
وعلى عكس ما حصل مع جمهورية صوماليلاند (أرض الصومال)، لم تطالب أرض البنط بالاستقلال الكامل عن البلاد، لكنها فضّلت البقاء ضمن مناطق البلاد بحكم ذاتي، برئاسة ديني.

"ناشط سلام"
وكشفت الصحافة الصومالية، أن الغارة الجوية استهدفت مركبة تابعة إلى عمر عبدي إبراهيم، وهو شيخ مرموق من عشيرة وارسنغالي، عرف بمعارضته للنفوذ الأجنبي في محافظة سَنَاج التي تتبع إداريا لأرض الصومال، وتصارعها عليها بونتلاند.
وذكرت صحيفة "قاران 24" الصومالية في 14 سبتمبر، أن "أفراد المجتمع المحلي يصرون على أن هذا الشخص (عمر عبدي إبراهيم) لم تكن له أي صلة بتنظيم الدولة أو حركة الشباب، ويبدو أن الضربة الصاروخية في سيلبوه تُمثل فشلا استخباراتيا".
وأفادت بأن "عملية الاغتيال جرت باستخدام صاروخ دقيق التوجيه تُقدر حمولته بـ 250 كيلوغراما، عادةً ما يُستخدم ضد أهداف مسلحة عالية القيمة، وليس ضد شيوخ المجتمع المحلي المعروفين بمكانتهم الاجتماعية".
وأشارت إلى أن هذه الضربة من شأنها أن تُزعزع استقرار منطقة هشة أصلًا، وأن مثل هذه الأخطاء لا تُثير غضب المجتمعات المحلية فحسب، بل تُتيح أيضًا للجماعات المتطرفة أداة دعائية جديدة.
وطالبت الصحيفة بتحقيق فوري ومستقل ومحاسبة المسؤولين، مبينة أنه بدون ذلك، يتزايد القلق من تكرار هذه الحوادث، مما يُلحق المزيد من الضرر بجهود تحقيق الاستقرار في الصومال.
ووصف موقع "بي بي سي" البريطاني بالنسخة الصومالية، خلال تقرير نشره في 14 سبتمبر، الزعيم القبلي عمر عبد الله عبدي بأنه "ناشط سلام بارز".
ونقلت عن قائد شرطة منطقة سناج في بونتلاند، غاشانلي ساري علي، الذي تحدث لوسائل الإعلام في بلدة بادهان أن القتيل كان يقود سيارته بمفرده عند وقوع الهجوم، و"عثرنا على المركبة وبداخلها جثة القتيل، وقد لحقت بهما أضرار بالغة وتفحما".
ولم تصدر حكومة بونتلاند حتى 15 سبتمبر، أي تعليق على حادثة الاغتيال، فيما شهدت منطقتا "بدن" و"عيل-بوه" في إقليم سناج احتجاجات من السكان الذين طالبوا السلطات بالكشف عن ملابسات مقتل الشيخ عمر عبد الله عبدي في غارة جوية.
وندّد المتظاهرون بصمت "بونتلاند" إزاء مقتله بطائرة مجهولة الهوية استهدفت سيارته بثلاثة صواريخ دمرتها بالكامل وأدّت إلى مصرعه.
فقد اكتفت الولاية بتصريح صادر من الأجهزة الأمنية ذكرت فيه أنها ستجرى تحقيقات بالحادث، وفقًا لما نشرته صحيفة "الصومال الجديد" في 15 سبتمبر.
ولم يعرف بعد السبب الرسمي وراء استهداف شيخ العشيرة البارز، إلا أنّ مقتله تزامن مع صراع بين ولاية بونتلاند وولاية شمال الشرق المشكلة حديثا في إقليم سناج، طبقا للصحيفة المحلية.
وتعليقا على ذلك، قال محمد صالح مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي): إن "المنطقة التي قُتِل فيها الشيخ عبدي حساسة جدا وفيها مواجهات بين تنظيم الدولة والحكومة الصومالية وسلطات إقليم بونتلاند وشركاء الصومال الدوليين الذين يقاتلون الحركات المتطرفة في البلاد".
وأضاف صالح لـ"الاستقلال" أن “المعلومات التي وردت إلينا، تفيد بأن الشيخ عبدي، من كبار رجالات العشائر، ورجل أعمال في الوقت نفسه، وتتقاطع ربما مصالحه مع عدد من الجهات”.
وبين أنّه "كان على خلاف في مراحل ما مع حكومة إقليم بونتلاند، حول عمليات التعدين في منطقة يرأس عشيرتها (سناج)".
وتعد منطقة سناج غنية بالمعادن ومن ضمنها مادة الباريت "Baryte" الذي يستخدم في صناعة الإلكترونيات والصناعات المتقدمة.
وبفضل خصائصه الكهربائية والمغناطيسية، يدخل بتصنيع الإلكترونيات، مثل الخلايا الشمسية أو المكثفات، كما يُسهم في إنتاج مواد مقاومة للحرارة أو الموصلات.
وأيضا يُسهم في صناعة الفحم والوقود الأحفوري من خلال عملية "البيريتة" التي تحول المواد العضوية إلى صخور غنية بالطاقة مثل الصخر الزيتي الأسود أو طبقات الفحم.

الإمارات متهمة
ومع عدم تصريح السلطات في ولاية بونتلاند عن الجهة التي اغتالت الشيخ عبدي، فقد وجه كثيرون أصابع الاتهام إلى دولة الإمارات.
وقال صالح: إنه “بما أن هذا الشيخ رجل أعمال وثمة شركات إماراتية تنفذ عمليات تعدين هناك- كان يرفضها هو- فإن الاحتمال الأكبر حصول تعارض في المصالح”.
لكن جرى في الوقت نفسه اتهامه بإيواء عناصر متطرفة تقاتلها الحكومة، بالتالي تمت تصفيته تحت هذه المزاعم. وفق قوله.
وأكد صالح أن "الشيخ عبدي شخصية مهمة وكان طرفا في العديد من القضايا، بالتالي كانت هناك مصلحة للمناوئين له في تصفيته.
وذكر أن الإمارات لا تستطيع تصفيته وحدها إذا لم يكن هناك ضوء أخضر من حكومة الإقليم، و"هذا الموضوع معقد ولم تظهر خيوطه كاملة حتى الآن".
وختم صالح حديثه بالقول: إن “الوضع في الصومال معقد على مستوى البلاد بشكل عام والأقاليم خصوصا. مشيرا إلى أن سناج منطقة نزاع ما بين بونتلاند وصوماليلاند، و"ما تزال تتفاعل هذه المشكلات هناك”.
كما أكّد ناشطون صوماليون أن طائرة مسيرة إماراتية هي من استهدفته، وأن السلطات المحلية متورطة في ذلك.
وقالت ناشطة تحمل اسم "عبلة" عبر حسابها على “إكس”: إن "الإمارات نفذت عملية الاغتيال عبر غارة جوية بطائرة مسيّرة".
وبحسب قولها، فإن "الشيخ كان من أبرز الرافضين لمحاولات الإمارات استغلال ثروات الإقليم؛ إذ يُعرف عن مناطق سول وسَناج والعَين أنها من أغنى أقاليم شمال الصومال بما تحتويه من نفط وغاز وذهب، وهو ما يجعلها مسرحا دائما للصراعات ومحاولات تهجير السكان".
ونقلت عن مصادر محلية (لم تسمها) بأن "تصفية الشيخ جاءت في إطار اتفاق سري بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والإمارات؛ حيث يتمتع الأول بمصالح اقتصادية مشتركة مع الجانب الإماراتي".
أخطر ما يكشفه هذا الاتفاق (لم يكشف تاريخ مكان توقيعه) الموقع بين الإمارات والصومال هو المادتان الثالثة الرابعة منه، اللتان تمنحان أبوظبي "الحق في القضاء على أي تهديد لأنشطتها داخل الأراضي الصومالية". وفقا لما ذكرته الناشطة.
وذكرت "عبلة" أنه "بموجب هذا البند، عُدّ اعتراض الشيخ عمر عبدي إبراهيم على عمليات التعدين الإماراتية في سَنَاج تهديدا مباشرا، فتم اغتياله قانونيا وفق الصياغة التي اعتمدتها الاتفاقية".
وخلصت الناشطة إلى أن "ما جرى ليس سوى تنفيذ لقانون الشركات المدعوم بالقوة العسكرية. فالإمارات منحت نفسها ترخيصا مفتوحا لتصفية أي شخص يعارض استخراج مواردها عبر إفريقيا، سواء كان زعيما قبليا، أو ناشطا، أو صحفيا أو قائدا شبابيا".
وعلق الناشط الصومالي "إيغال إياي"، قائلا: “حذرنا باستمرار من أن الإماراتيين يقودون الصومال نحو نفس الفوضى التي دبّروها باليمن وليبيا والسودان”.
وأردف خلال تدوينة على "إكس" في 14 سبتمبر: "اليوم، نشهد صعود حكم الدمية، سعيد عبد الله ديني كنسخة صومالية من محمد حميدتي (زعيم مليشيا الدعم السريع في السودان)".
وأضاف الناشط أنه "خلال اجتماعٍ للوفد عُقد أخيرا في مدينة بوصاصو (لم يذكر تاريخه)، أعرب الشيخ عبدي عن معارضته الشديدة لخطة ديني لنشر مرتزقة أجانب لحماية عمليات التعدين الإماراتية في منطقة سناج".
ردًا على ذلك، يضيف الناشط: "رغم تصويرها على أنها عملية لمكافحة الإرهاب، إلا أن الغارة استهدفت في الواقع شيخا مرموقا بناءً على معلومات استخباراتية قدمها ديني نفسه".
ولفت إلى أن “ديني وجه رسالةً إلى كل من يجرؤ على معارضة أجندته المدعومة من الخارج”.
وواصل القول: يُشكّل هذا الفعل سابقةً خطيرةً؛ إذ يقضي على المعارضة لتمهيد الطريق أمام استغلال الموارد الطبيعية للصومال، خاصةً في منطقة سناج، من قِبل رعاة ديني الإماراتيين".

تجذب إسرائيل
حادثة اغتيال الشيخ عمر عبدي الذي عرف بمناهضته النفوذ الأجنبي بشكل عام في الصومال، ربما كانت لإسكات صوته قبل وصول زعيم ولاية "بونتلاند" سعيد ديني إلى رئاسة البلاد، وفتح جميع الأراضي الصومالية أمام الاحتلال الإسرائيلي وليس فقط ولايته. وفق مراقبين.
وبعد اغتيال الشيخ عبدي، أعلن رئيس إقليم بونتلاند، سعيد ديني المقرب من دولة الإمارات، أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية الصومالية المقررة في مايو/ أيار 2026.
ووصف وزير الإعلام بحكومة بونتلاند، محمود عيد درير، في 15 سبتمبر، ديني بأنه “قائد كفؤ وموثوق يتمتع بسجل حافل من الحكم الرشيد”.
كما أكد أن الصومال يعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي العميق، ويحتاج إلى قيادة قوية قادرة على استعادة الوحدة والنظام.
وأضاف: "الرئيس ديني ليس مجرد مرشح، بل هو قادر على قيادة البلاد في هذه الفترة المضطربة"، متهما الحكومة الفيدرالية في الصومال، بتجاوز سلطاتها في ملفات مثل الهجرة، وأن سيطرتها لا تتجاوز العاصمة مقديشو.
يأتي ذلك، في وقت كشفت منصة "أور فيالكوف" العبرية في 6 سبتمبر، عن تعاون عسكري سرّي بين الإمارات وإسرائيل، تمثل في نشر رادار إسرائيلي الصنع في منطقة بونتلاند بالصومال، قبالة السواحل اليمنية.
وبحسب معلومات المنصة العبرية، يهدف هذا الرادار إلى رصد وتتبع الإطلاقات الصاروخية والمسيرة القادمة من اليمن، في خطوة تكشف عن إستراتيجية جديدة لمواجهة التهديد اليمني المتصاعد ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار التقرير العبري إلى أن الرادار المنشور من طراز (ELM-2084)، وهو نظام متطور متعدد المهام، طورته شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، ويُعرف بقدرته الفائقة على اكتشاف وتتبع الأهداف الجوية المختلفة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
ونشر هذا الرادار في الصومال، والذي يبدو أنه جرى بموافقة السلطات المحلية في بونتلاند، يعد مؤشرا خطيرا على مستوى التعاون العسكري بين الإمارات وإسرائيل.
ويأتي هذا الدعم الإماراتي في ظل العجز الذي أظهرته الولايات المتحدة وبريطانيا في ردع الهجمات الصاروخية المتصاعدة من اليمن ضد الأراضي المحتلة، والتي جاءت مساندة لقطاع غزة.
وفي مطلع فبراير/شباط 2025، قالت القناة "12" الإسرائيلية: إن صوماليلاند (أرض الصومال) وبونتلاند (أرض البنط)، ومعهما المغرب، هي الأماكن المرشحة لاستقبال الفلسطينيين الذين ترغب الإدارة الأميركية في تهجيرهم.
وتبلغ مساحة بونتلاند نحو 212 ألف كيلومتر مربع، وهي تشكل بذلك نحو ثلث مساحة الصومال الكلية، فيما يبلغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، ويتحدثون الصومالية والعربية والإنجليزية.
وتدرس إسرائيل خططاً لتهجير سكان غزة نحو بونتلاند، بعد تعهُّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة توطينهم في مجتمعات "أكثر أمانا وجمالا"، وفقا لصحيفة "تلغراف" في 6 فبراير 2025.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد أمر الجيش في 6 فبراير بالتحضير للهجرة "الطوعية" للفلسطينيين من قطاع غزة، بما في ذلك "ترتيبات خاصة" للمغادرة عن طريق البحر والجو.
من جهته، صرح في حينها يعقوب محمد عبد الله، نائب وزير الإعلام في بونتلاند، لصحيفة "تلغراف" بأن الولاية ستكون سعيدة باستضافة اللاجئين من غزة، ما داموا قد جاءوا طواعية.
المصادر
- Maxaa ilaa hadda laga ogyahay duqaynta diyaaradeed ee lagu dilay nabad-doon caan ka ahaa gobolka Sanaag?
- The missile strike in Ceel Buh seems to be another intelligence failure.
- احتجاجات في منطقتين من إقليم سناغ تطالب سلطات بونتلاند بالكشف عن ملابسات مقتل شيخ عشيرة في غارة جوية
- إسرائيل تدرس إرسال سكان غزة إلى بونتلاند... ما موقف الولاية الصومالية؟
- رئيس بونتلاند ينضم للسباق على رئاسة الصومال بـ2026
- رادار إسرائيلي في الصومال برعاية إماراتية! لمواجهة اليمن أم مصر؟