سياسات الاتحاد الأوروبي العسكرية.. كيف تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة؟

“لا يوجد في القرار الأوروبي أي إشارة إلى المفاوضات أو الجهود الدبلوماسية الأخرى”
انتقادات متصاعدة موجهة للسياسات الحالية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب في أوكرانيا، وسط تحذيرات من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى انقسامات داخلية خطيرة داخل الاتحاد.
وانتقد موقع "تيليبوليس" الألماني تركيز الاتحاد الأوروبي على الحلول العسكرية في التعامل مع الصراع في أوكرانيا.
ورأى أن الاتحاد يعتمد بشكل مفرط على تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا ضد روسيا، دون النظر إلى الخيارات الدبلوماسية.
ودعا الموقع إلى إعادة التفكير في إستراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا، والتركيز على الحلول الدبلوماسية لتجنب الانقسامات الداخلية والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة.

حرب ثالثة
وبدأ الموقع الألماني تقريره بإحيائه، في الأول من سبتمبر/ أيلول 2024، ذكرى الحرب العالمية الثانية قبل 85 عاما، والتي كانت قد بدأت بهجوم ألمانيا النازية على بولندا.
وذكر أن هذه الحرب “تطورت لتصبح الأكثر وحشية ودموية في التاريخ الحديث، حيث أودت بحياة حوالي 75 مليون شخص، وارتبط ذكراها بمعاناة لا تُحصى ودمار لا يمكن تصوره”.
وكما بدأت الحرب العالمية الأولى من الأراضي الأوروبية، أوضح الموقع أن "هذه الحرب اندلعت أيضا من أوروبا وامتدت تدريجيا لتشمل العالم بأسره".
وفي هذا الصدد، قال تيليبوليس: "ينبغي أن نتبنى نحن الأوروبيين، خاصة الألمان، سياسة سلام صارمة تنبع من المسؤولية التي نشأت عن هذه الأحداث، وذلك وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي نشأ بعد الحربين العالميتين".
واستدرك: “لكن للأسف، لم يحدث ذلك”.
ففي أوكرانيا، تدور مرة أخرى حرب على الأراضي الأوروبية، إذ إنها الحرب الأكبر والأخطر منذ الحربين العالميتين، وهي تحمل أيضا خطر التوسع لتصبح حربا عالمية، وهذه المرة قد تكون حربا نووية.
ووفق ما أكده تيليبوليس، “قد تكون العواقب على البشرية أكثر تدميرا من الحربين العالميتين”.
وفي غضون ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي -كما يقول الموقع- الاعتماد بشكل حصري على "حل" عسكري للحرب في أوكرانيا، متجاهلا كل المخاطر الناشئة عن ذلك على الأوروبيين وعلى البشرية جمعاء، مما يؤدي إلى تزايد الرفض الدولي لهذه السياسة.
عضوية قادمة
وفي إطار ما تحدث عنه "تيليبوليس" سابقا، أشار إلى القرار الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في يوليو/ تموز 2024، بأغلبية كبيرة في البرلمان "لدعم أوكرانيا"، حيث يتوجه الاتحاد صوب مواصلة الحرب دون أي تنازلات.
ومن وجهة نظر الموقع، يبدو هذا القرار وكأنه دعوة إلى “حرب شاملة”، وفي ضوء تدهور الوضع العسكري، يجب تعبئة جميع الموارد مرة أخرى لتمكين أوكرانيا من تحقيق نصر عسكري على روسيا.
وينص القرار، على مطالبة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم "ثابت" لأوكرانيا حتى تحقيق النصر على روسيا.
وبناء على ذلك، تُحث جميع دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على تخصيص 0.25 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي لأوكرانيا لأغراض عسكرية.
ووفقا لحسابات كتلة حزب الشعب الأوروبي المحافظة (EPP)، سيصل هذا المبلغ سنويا إلى 127 مليار يورو، وهو ما يزيد عن ضعف ميزانية الدفاع الألمانية لعام 2024.
من زاوية أخرى، لفت الموقع إلى أن هذا القرار “يضمن تأييد استخدام الأسلحة الغربية المقدمة ضد الأهداف العسكرية في الأراضي الروسية بشكل صريح”.
كما ذُكر فيه أن عضوية أوكرانيا القادمة في حلف الناتو بأنها "لا رجعة فيها".
وعلاوة على ذلك، يطالب القرار بإنشاء محكمة دولية خاصة لجرائم الحرب الروسية ومصادرة جميع أصولها المجمدة لصالح أوكرانيا.
ولفت الموقع إلى أنه "في الوقت نفسه لا يوجد في القرار، الذي يتألف من ثلاث صفحات ونصف الصفحة، أي إشارة إلى المفاوضات أو الجهود الدبلوماسية الأخرى".
وأكد أنه "وفقا للقرار، لا يمكن إجراء محادثات إلا بعد استسلام روسيا وانسحابها من جميع المناطق المحتلة".
وفي هذا السياق، أشار الموقع إلى توجيه انتقادات شديدة إلى جهود رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، لإطلاق محادثات بين أوكرانيا وروسيا في نص القرار.
وفي يونيو/ حزيران 2024، رشح المجلس الأوروبي رئيسة الوزراء الإستونية السابقة، كايا كالاس، لمنصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.
وبحسب ما يعتقده "تيليبوليس"، فإن الاتحاد الأوروبي تعهد هذا المنصب المهم لأحد أكثر السياسيين مناهضة لروسيا.
وصرحت كالاس أخيرا أن "تقسيم روسيا إلى عدة دول صغيرة لن يكون أمرا سيئا"، داعية إلى "عدم السماح للأسلحة النووية الروسية بتخويف الغرب من دعم أوكرانيا".
لكن، هل يستطيع الاتحاد الأوروبي “تحمل مثل هذه السياسة؟ أم أنه يبالغ في تقدير قدراته بشكل خطير؟” هذا ما يتساءل عنه الموقع الألماني.
فقدان الصلة
في إطار ما ذُكر سابقا، يرى الموقع أن "المشكلة في قرار الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا هي أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه القدرة أو النفوذ لتنفيذ أي من الأهداف الواردة فيه".
ويعتقد أن هذه الدعوة لمواصلة الحرب وتصعيدها دون تنازلات حتى تحقيق نصر عسكري على روسيا تأتي في وقت لم تعد فيه أوكرانيا قادرة على الفوز بهذه الحرب.
وفي هذه النقطة، نقل الموقع تحذير المحللين السياسيين في الولايات المتحدة منذ فترة بأن "أوكرانيا قد تنهار عسكريا وسياسيا إذا استمرت الحرب"، وبالتالي، فإن هذا القرار يعاني من عدم واقعيته"، على حد وصف الموقع.
وخلص "تيليبوليس" إلى أن "السياسة لا تزال فن الممكن، وهو ما يجب أن ينطبق أيضا على الاتحاد الأوروبي".
ولتحقيق تحول في هذا الوضع، سيحتاج الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى التدخل عسكريا بشكل كبير في الحرب في أوكرانيا، لكنهم لا يملكون الموارد العسكرية اللازمة ولا الإرادة السياسية الموحدة لتحقيق ذلك.
وفي حال وجود احتمالية لذلك، يعتقد الموقع الألماني أنه "قد يتحقق ذلك فقط من خلال تعاون عسكري وثيق بين فرنسا وألمانيا".
ولكن بالنظر إلى الواقع، لفت الموقع النظر إلى "وجود خلافات فعلية سياسية كبيرة بين البلدين".
"ومثل هذا المشروع العسكري الخطير بينهما في مواجهة مباشرة مع قوة نووية مثل روسيا يبدو -لحسن الحظ- أمرا مستبعدا تماما"، كما يقول الموقع.

رد نووي
في المقابل، نوه الموقع إلى أن "كلا البلدين قادر على تصعيد الحرب في أوكرانيا بشكل كبير من خلال تزويدها بصواريخ توروس أو إرسال الفيلق الأجنبي".
واستدرك: “لكنهم بهذه الطريقة لن يساعدوا أوكرانيا على تحقيق النصر، بل سيخاطرون فقط بتدمير كل أوروبا في رد فعل نووي”.
ولذلك، شدد “تيليبوليس” على أنه "لا توجد خيارات عسكرية قابلة للتنفيذ بالنسبة للأوروبيين".
وعلى جانب آخر، قال الموقع إن "الجمهور الأوروبي لن يدعم مثل هذا التحرك العسكري".
وبينما يتبنى البرلمان الأوروبي سياسة مؤيدة للحرب، يتغير الرأي العام في جميع الدول الأوروبية ضد المزيد من شحنات الأسلحة ويدعم حلول المفاوضات.
وذهب الموقع إلى أنه "لا يمكن الفوز بحرب على هذا النحو، حتى مع المساعدات العسكرية السنوية المطلوبة التي تبلغ 127 مليار يورو".
ونقل دلائل من سياسيين أوكرانيين، وحتى من الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بأن "هذه الحرب لا يمكن الاستمرار فيها طويلا ويجب التوصل إلى حل تفاوضي".
وختم الموقع تقريره بالتساؤل: “ما الذي يأمل الاتحاد الأوروبي في تحقيقه من خلال قرار الحرب هذا؟”