بريطانيا باتت على حدود روسيا.. تفاصيل شراكة 100 عام بين كييف ولندن

"الفجوة بين التصريحات والقدرة على التنفيذ لا تزال كبيرة"
في خضم التحولات الجيوسياسية الكبرى التي يشهدها العالم، تبرز الأزمة الأوكرانية كواحدة من أكثر الملفات تعقيدا وتأثيرا على الاستقرار الدولي.
وفي هذا السياق، تسعى المملكة المتحدة لتأكيد دورها القيادي في دعم كييف من خلال مبادرات تشمل تعزيز الشراكة الدفاعية والاقتصادية، وحتى احتمال نشر قوات عسكرية على الأراضي الأوكرانية.
هذا التوجه يعكس رغبة لندن في الحفاظ على مكانتها كقوة مؤثرة داخل أوروبا وفي إطار حلف "الناتو"، لكن في الوقت ذاته يثير تساؤلات حول واقعية هذه الطموحات في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها.
حفظ السلام
وحسب تقرير نشرته صحيفة "روسيا اليوم"، تأتي التحركات البريطانية مدفوعة بعدة اعتبارات، أبرزها التأثيرات المباشرة للأزمة الأوكرانية على الأمن القومي البريطاني، بالإضافة إلى الرغبة في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد.
ومع ذلك، تواجه هذه الجهود -وفق التقرير- انتقادات من داخل بريطانيا وخارجها، حيث تعاني القوات المسلحة من مشكلات هيكلية تتمثل في نقص الأفراد والمعدات، فضلا عن التحديات الاقتصادية التي تضغط على الحكومة في تلبية احتياجات مواطنيها.
فيما قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر: إن بلاده “مستعدة للقيام بدورها في أي مبادرات سلام متعلقة بأوكرانيا، بما في ذلك نشر قوات على أراضيها في إطار (مهمة حفظ سلام)”.
وأكد أن الصراع الأوكراني “يؤثر على المملكة المتحدة وأمنها”.
ووقعت كييف ولندن في 16 يناير/ كانون الثاني 2025 اتفاقية شراكة ثنائية “مدتها 100 عام” تلتزم فيها بريطانيا بالنظر في إمكانية إنشاء قواعد عسكرية وبنية تحتية دفاعية في أوكرانيا.
وحسب التقرير الذي نشرته "روسيا اليوم"، يعتقد الخبراء أن "بريطانيا تسعى لتولي دور قيادي في الصراع الأوكراني لتثبت نفسها كلاعب مهم في أوروبا وفي إطار الناتو".
بالإضافة إلى ذلك، ترى التحليلات -وفق زعم الصحيفة الروسية- أن "السلطات البريطانية تحاول رفع شعبيتها محليا، متجاهلة القضايا الملحة للمواطنين وحالة جيشها".
ففي مقابلة إعلامية، أكد رئيس الوزراء البريطاني أن لندن ستلعب دورها في أي مبادرات سلام متعلقة بأوكرانيا.
وأشار إلى أن "الأمر لا يتعلق فقط بسيادة أوكرانيا، بل بتأثيرات ذلك على بريطانيا وقيمها وحريتها وديمقراطيتها".
وأضاف: "إذا نجحت روسيا في هذا الصراع، فإن ذلك سيؤثر علينا جميعا لفترة طويلة جدا".
شراكة مئوية
كما أشار ستارمر إلى تفهمه لـ"مخاوف البريطانيين من التورط في صراع مع روسيا أو إرسال القوات إلى أوكرانيا".
لكنه أوضح أن نشر القوات البريطانية "في بعض النقاط الحدودية" يعزز أمن البلاد.
ورأى أن "الأمن والسلامة يعتمدان بشكل مباشر على ما يحدث على الجبهة الأوكرانية".
وأردف: "فالصراع في أوكرانيا أثر سلبا على المملكة المتحدة من حيث الأسعار وأزمة تكلفة المعيشة.. إنه ليس أمرا بعيدا عنا، بل يؤثر على حياتنا اليومية".
وبالعودة إلى اتفاقية 16 يناير، حيث زار ستارمر كييف ووقّع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتفاقية "شراكة مئوية" تهدف إلى تعزيز الروابط الدفاعية والاقتصادية بين البلدين.
وتتضمن الاتفاقية العمل المشترك لتحديد الاحتياجات العسكرية المشتركة وتوسيع التعاون في إنتاج الحلول التكنولوجية في مجال الدفاع.
بالإضافة إلى ذلك، يخطط الطرفان للتعاون في بناء القدرات لتوسيع الإمكانات والتقنيات المشتركة.
وتشمل الاتفاقية أيضا دراسة خيارات نشر وصيانة البنية التحتية الدفاعية في أوكرانيا، بما في ذلك القواعد العسكرية ومستودعات الإمداد ومخازن المعدات العسكرية الاحتياطية، وفق التقرير.
كما تهدف هذه المنشآت إلى تعزيز القدرات الدفاعية في حال حدوث تهديد عسكري كبير.
وتنوي الدولتان أيضا تطوير آليات مرنة للاستجابة السريعة للتهديدات المحتملة.
شكوك داخلية
في الوقت نفسه، عبرت وسائل الإعلام البريطانية عن شكوكها حول جدوى إرسال قوات "لحفظ السلام" إلى أوكرانيا.
وأشارت وسائل الإعلام إلى أن "وعود رئيس الوزراء ستارمر لكييف تبدو غير مقنعة بسبب مشكلات كبيرة في الدفاع البريطاني".
بدورها، أوضحت الصحفية ديبورا هاينز أن "القوات المسلحة البريطانية تعاني من نقص في الأفراد والمعدات، وتحتاج إلى استثمارات إضافية".
أما صحيفة "ذي بيبر"، فقد قيمت خطط بريطانيا بشأن المشاركة في مبادرات حفظ السلام في أوكرانيا "ببرود"، مشيرة إلى أن الجيش البريطاني “صغير للغاية لتأدية هذا الدور”.
وبحسب رئيس الأركان البريطاني السابق، تحتاج بلاده إلى نشر ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جندي على الحدود الأوكرانية الروسية لتحقيق هذه المهام، الأمر الذي يتطلب زيادة كبيرة في الموارد وعدد الأفراد.
وأشار التقرير الروسي إلى أن "القوات المسلحة البريطانية تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص التمويل والمعدات، بالإضافة إلى تراجع الروح المعنوية، ووجود أزمة في استقطاب المجندين الجدد".
من جهته، أكد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، في يوليو/ تموز 2024، أن القوات "تواجه مشكلات جدية في جميع فروعها".
ويرى الخبراء أن بريطانيا تسعى للحصول على اعتراف كشريك رئيس داخل الناتو وفي أوروبا من خلال هذه الخطط.
ومع ذلك، يشير المحللون إلى أن "الفجوة بين التصريحات والقدرة على التنفيذ لا تزال كبيرة".